الكرد الفيلية: حتى متى نسمع أقوالا ولا نرى افعالا؟

يصرح بين الآونة والاخرى بعض السياسيين من القوى السياسية العراقية والكردستانية التي تمسك ألآن بزمام الامور في العراق بانهم وقواهم السياسية قد ساعدوا الكرد الفيلية لاستعادة حقوقهم وضمان مصالحهم. أجرت بعض المواقع الالكترونية مقابلات عديدة مع عدد من الشخصيات السياسية الكردية الفيلية والكردستانية البارزة وأحيانا العراقية أيضا، قبل الانتخابات النيابية الاخيرة وبعدها، حول حقوق ومصالح الكرد الفيلية ومدى جدية القوى السياسية الكردستانية والعراقية في الدفاع عن هذه الحقوق والمصالح.

يلاحظ في هذه التصريحات رأيين. الاول يقول أن هناك تقصيرا وعدم جدية لدى القوى الكردستانية والعراقية في دفاعها عن حقوق ومصالح الكرد الفيلية واهمال لقضاياهم. والثاني يقول ان هذه القوى قامت بالمطلوب ودافعت عنهم واهتمت بقضاياهم وحققت لهم المكاسب.

فأي من الرأيين تؤكده الممارسات والوقائع منذ 2003 سنة؟ هناك الكثير من الوقائع التي تبين ان التصريحات الايجابية الكثيرة للقوى السياسية الكردستانية والعراقية المتنفذة في اربيل وبغداد لم تجد، مع الاسف، طريقها الى الواقع العملي ولم تترجم الى الممارسة العملية. بما أن الكرد الفيلية عانوا الكثير لكونهم كرد، كما أكدت وتؤكد القيادات الكردستانية مرارا، نشير هنا الى بعض الوقائع بقدر تعلق الامر بالقوى السياسية الكردستانية:

- خلو ورقة مطالب ائتلاف الكتل الكردستانية من اية اشارة لحقوق الكرد الفيلية (راجع مثلا ثلاث بيانات اصدرها اتحادنا منشورة في موقعه حول الموضوع، وكذلك مقالة البروفيسور الدكتور كاظم حبيب (1))،

- عدم دعوة الكرد الفيلية الى المؤتمرات التي تعقد في اربيل والتي يتعلق قسم منها بقضايا تشمل مآسيهم ومعاناتهم (راجع مثلا مقالة الاستاذ عبد الامير ملكي (2))، وضعف أو عدم اهتمام وزارة شؤون الشهداء والمؤنفلين بشؤون شهداء الكرد الفيلية وذويهم على عكس عدد من الاجراءات التي اتخذتها الوزيرة السابقة الاخت جنار ماموستا سعد،

- عدم تضمين برنامج حكومة اقليم كردستان اجراءات للمساعدة على حل قضايا ومشاكل الكرد الفيلية، وخلو البرنامج الانتخابي لقائمة التحالف الكردستاني من مطالب من حكومة بغداد لحل هذه القضايا والمشاكل، بسبب عدم وجود رؤيا واضحة وبرنامج سياسي وخطة عمل لدى سلطات الاقليم والاحزاب الكردستانية للتعامل مع قضايا الكرد الفيلية (راجع تصريح النائب الكردستاني آزاد رفيق (4))،

- عدم وجود أي وزير كردي فيلي في حكومة اقليم كردستان الحالية خلاف ما كان يجري سابقا،

- حرمان الكرد الفيلية، بذريعة "شق الصف الكردي"، من حقهم في ان يكون لهم تمثيل في مجلس النواب ومجالس المحافظات حسب نظام (الكوتا) اسوة ومساواة بإخوتهم الايزيديين والشبك (وهم أيضا، كما تؤكد القيادات الكردستانية، جزء من الشعب الكردي في العراق كالكرد الفيلية) وبإخوتهم المسيحيين والمندائيين،

- عدم طرح أي مشروع قانون على مجلس النواب في بغداد لصالح استعادة الكرد الفيلة لحقوقهم،

- عدم ترشيح أي كردي فيلي لمنصب سفير او وزير أو لأي موقع مسؤولية مهم آخر في بغداد،

- عدم اعطاء المقعد التعويضي لكردي فيلي إذ لا يوجد تمثيل للكرد الفيلية في مجلس النواب العراقي الحالي،

- إبعاد القياديين من الكرد الفيلية من خارج الاقليم وخارج مناطق المادة 140 عن الهيئات القيادية للحزبين الكردستانيين الكبيرين،

- عدم تقديم التسهيلات لقبول الطلبة من الكرد الفيلية في جامعات اقليم كردستان على غرار التسهيلات التي تقدم للكرد من أجزاء كردستان الاخرى،

- عدم شمول الطلبة الكرد الفيلية بالزمالات الدراسية خارج العراق ضمن وجبات الطلبة الكرد،

- التزام الصمت التام حول المناسبات المهمة للكرد الفيلية، وأهمها الذكرى الثلاثون لعمليات التهجير القسري والابادة الجماعية التي بدأت في 4/4/1980 (التي صرح قادة كردستانيون كبار بانها "كانت بداية عمليات الانفال")،

- عدم بذل أية محاولة في مجلس النواب السابق لاستصدار قرار برد الاعتبار لضحايا الكرد الفيلية إسوة بقراري رد الاعتبار لضحايا اقليم كردستان وضحايا حزب الدعوة الاسلامية،

- القاء المسؤولية على الاخرين بذريعة أن حل قضايا الكرد الفيلية هي بيد بغداد، وكأن الجانب الكردي ليس طرفا مهما وفاعلا في حكومة بغداد،

- عدم طرح قضايا الكرد الفيلية وجرائم التطهير العرقي والابادة الجماعية التي ارتكبها النظام السابق بحقهم في المحافل الدولية عند طرح القضايا الاخرى المشابهة المتعلقة بسكان اقليم كردستان،

- عدم بذل جهود جدية من أجل رفع العراقيل التي وضعتها السلطات ذات العلاقة امام مشاركة الكرد الفيلية في الانتخابات النيابية، خاصة ما يتعلق منها بالأوراق الثبوتية. ويخشى الكرد الفيلية أن يواجهوا عراقيل مشابهة في التعداد السكاني المرتقب،

- اهمال اللغة والثقافة الكردية (اللهجة الفيلية) في الدراسة وفي وسائل الاعلام المرئية (التلفزيون) مع علم هذه القوى بان اللغة الكردية (اللهجة الفيلية) مهددة لان غالبية الكرد الفيلية يقطنون خارج الاقليم ودراستهم ليست باللغة الكردية (راجع المقابلة مع الاستاذ حسين الجاف (3))،

- عدم رد أي مسؤول رسمي أو حزبي في أربيل أو بغداد على تصريحات بعض مسؤولي الدولة وقسم من السياسيين العراقيين في بغداد حين يطلقون على الكرد الفيلية (أحيانا بحضور قادة كردستانيين بارزين) نفس الصفات الباطلة غير الدستورية وغير القانونية الموروثة من النظام الدكتاتوري القديم والتي تكرس القرار رقم 666 لسنة 1980، مثل "تبعية" أو "من اصول فارسية" أو "عجم" أو "ايرانيين" أو "مهجرين ايرانيين"، صفات أشد زورا وبهتانا من الصفة التي أطلقها النظام السابق عليهم "من اصل اجنبي"، صفات مخالفة للدستور ومناقضة لقوانين العراق الجديد ومعادية للكرد، إذ أنها أولا إنكار لهويتهم القومية (لأننا كرد واسم شريحتنا هو "كرد فيلية" أو "أكراد فيلية" واسم بعض المناطق التي نسكنها هي في بغداد مثلا "عگد الاكراد" (حي الاكراد) وبأسماء مشابهة في المدن الاخرى) وثانيا اصرار على نفي كونهم عراقيون من حملة الجنسية العراقية، الامر الذي لم ينكره حتى النظام السابق بل أعترف بانهم عراقيون من حملة الجنسية العراقية ولكنه أسقطها عنهم بموجب الفقرة 1 من قراره رقم 666 المؤرخ 7/5/1980 وابعدهم قسرا عن وطنهم العراق بموجب الفقرة ب منه ("تسقط الجنسية العراقية عن كل عراقي..." (نص القرار 10)). (راجع مقابلات الاستاذ كفاح هادي مع عدد من السياسيين العراقيين حول الموضوع (5))،

- الموقف السلبي تجاه منظمات المجتمع المدني الكردية الفيلية اذا لم تكن منطوية تحت اجنحة القوى السياسية، وفرض "الخطوط الحمراء" ومحاربة ألمنظمات الكردية الفيلية إن كانت سياسية، كل ذلك في زمن الديمقراطية والتعددية وحرية التنظيم وحرية التفكير والرأي والتعبير،

- الطلب من الكرد الفيلية توحيد صفوفهم والتخلص من التشتت في حين أن هذه القوى لا تبذل جهودا جدية لتشجيع ومساعدة الكرد الفيلية على رص صفوفهم، وفي حين يقوم بعضها بتشجيع الانشقاقات بتغذيتها ماليا وبطرق اخرى،

- استخدام تعدد وكثرة التنظيمات الكردية الفيلية ذريعة لعدم القيام باي عمل جدي لصالح الكرد الفيلية كشريحة كردية. ويتساءل كثيرون ما علاقة تعدد التنظيمات برد الاعتبار لضحايا النظام السابق من الكرد الفيلية واسترجاع حقوقهم ووضع حد للتمييز والاضطهاد ضدهم؟

- عدم بذل جهود ملموسة للتخفيف من معاناة العائدين من المبعدين بموجب القرار رقم 666 لسنة 1980، الى بغداد وغيرها من مدن الوسط والجنوب، مثل تقديم عون مالي أو اقامة مستوصف او انشاء مدرسة أو تقديم أية خدمات اجتماعية أخرى (كما تفعل في اماكن أخرى تقع خارج اقليم كردستان حاليا) رغم الامكانيات المالية الكبيرة. اضافة الى عدم مناشدة حكومة بغداد للقيام بمثل هذه الاجراءات. (راجع المقابلات والتحقيقات الصحفية شبه اليومية المنشورة في موقع شفق حول هذه المعاناة (6 و7 و8 و9)).

نعم اتخذت سلطات الاقليم والحزبين الكردستانيين الكبيرين بعض الخطوات الثانوية التي لا ترقي لمستوى القضية الرئيسية ولا تمس المشكلة الاساسية. كما اتخذت السلطات العراقية بعض الاجراءات الادارية الجزئية "الترقيعية" لحل بعض الجوانب الفرعية المتشعبة عن القضية الرئيسية التي هي قضية سياسية لم يتم التعامل معها لحد الآن وهي القرار رقم 666 الصادر بتاريخ 7/5/1980عن مجلس قيادة الثورة المنحل (أعلى سلطة سياسية في النظام القديم) والغائه والغاء كل تبعاته من قرارات وقوانين صدرت على اساسه وذلك بقرار يصدره مجلس النواب (أعلى سلطة سياسية في النظام الجديد).

نود ان نذكر هنا قولا موضوعيا، صريحا ومنصفا، وتشخيص صادق للواقع الملموس، للنائب آزاد رفيق في حديث لشفق: (برغم دعوتي للأخوة من الكورد الفيليين ليجمعوا شملهم ويوحدوا مواقفهم لا أستطيع ان اخفي حقيقة ان الاحزاب الكوردية لم تمتلك رؤيا ستراتيجية واضحة تجاه هذه الشريحة التي ما زالت تعاني من الظلم والتهميش ، فلا تكفي التصريحات من هذا الطرف او ذاك بل يتوجب على الجانب الكوردي العمل على مساعدة الفيليين في نيل حقوقهم التي لم ولن تكون منة من احد ، ويجب علينا ان نكون بعيدين عن المصالح الحزبية الضيقة خصوصاً في قضية هامة كقضية الكورد الفيليين). (موقع شفق في 12/10/2010 (4)).

لقد كان باستطاعة القوى الكردستانية أن تنفذ الخطوات الواردة اعلاه أو قسما منها ولكنها لم تقم بذلك ولا ترى غالبية الكرد الفيلية تفسيرا أو مبررا لذلك. هذا الواقع هو عكس كل توقعات الكرد الفيلية وأدى الى خيبة امل كبيرة بينهم ويعتبرون هذا الواقع عدم وفاء لشهدائهم ولتضحياتهم الجسام ولمعاناهم الكبيرة، مما أسفر عن خلق فجوة استغلها ويستفاد منها الاخرون. كما أن مثل هذه المواقف تعطي الكرد الفيلية الانطباع بان القوى الكردستانية قد أهملتهم وتخلت عنهم عمليا (راجع مقالات ومقابلات الاستاذ رياض جاسم محمد فيلي (11))، وهذا الانطباع هو الذي سيؤدي بدوره عمليا الى شق الصف الكردي.

يستطيع التحالف الكردستاني وائتلاف الكتل الكردستانية ان يغير الواقع باتخاذ اجراءات حول النقاط الواردة اعلاه وغيرها التي تتعلق مباشرة بالإقليم وأن تتخذ خطوات جدية في بغداد حول النقاط الاخرى خاصة ونحن على أبواب تشكيل حكومة الشراكة الوطنية التي سيكون الجانب الكردي طرفا مهما فيها. يتطلب هذا بطبيعة الحال، توفر الارادة السياسية واتخاذ القرار السياسي من قبلها. كما يستطيع الاخوة القياديين من هذه الاحزاب والكتل الذين يقرون بوجود تقصير لدى الاحزاب الكردستانية ان يبادروا الى طرح آرائهم وقناعاتهم هذه ضمن أحزابهم وكتلهم فلربما تؤدي الى اصلاح هذا التقصير والانتقال من التصريحات الى العمل الجدي اذ أن الكرد الفيلية هم جزء من القومية الكردية وضحوا وعانوا الكثير من اجلها.

ونضيف ان من السهو استخدام مفاهيم وافكار وتعابير وأوصاف وعاطفية حقبة الكفاح المسلح والصراع مع النظام الشمولي في زمن السلم والديمقراطية والتعددية وحرية الفكر والرأي والتنظيم والحقوق والمصالح. ففي تلك الحقبة كان هناك بشكل عام ارتباطا مباشرا بين الولاء للقومية والوطن والولاء لحزب معين أو لأحزاب معينة. أما في هذا الزمن فلا نرى ارتباطا مباشرا بين الولاء للقومية والوطن من جهة والولاء لحزب معين أو احزاب معينة من جهة أخرى، فالأول لا يعني الان بالضرورة الثاني في زمن الديمقراطية والتعددية الحزبية والفكرية والتنظيمية، زمن الحقوق والمصالح، كما ذكرنا آنفا. وهذا ما نشاهده حاليا في اقليم كردستان والعراق.

ننتقد لأننا اخوة وقفنا دائما مع إبناء شعبنا في أصعب الاوقات ولم نهملهم أو نتخلى عنهم بأية ذريعة كانت في أشد ايام النضال والعسر والنكسات. ونضيف أن اتحادنا يتوخى الموضوعية وهدفه النقد البناء والهادف وليس التشكي أو العتاب أو تخطئة الاخرين. واذا انتقدنا قدمنا بدائلا وعرضنا حلولا، فلم نسمع سوى أصوات دون أن نرى حراكا أو أفعالا.

سنكون ممتنين للأخوة الذين لهم رأي آخر يقول خلاف ما جاء أعلاه أن يذكروا علنا وبشكل موضوعي، بعيدا عن توجيه الاتهامات الكلاسيكية المملة، ويقدموا أدلة على ما قدمته القوى السياسية الحاكمة، من كردستانية وعراقية، لمساعدة الكرد الفيلية لحل قضاياهم المصيرية العالقة وتخفيف معاناتهم المستمرة ووضع حد للتمييز والاضطهاد ضدهم وضمان مشاركتهم الفعلية المباشرة في العملية السياسية.

الاتحاد الديمقراطي الكوردي الفيلي
16/10/2010

للاتصال بالاتحاد: info@faylee.org

موقع الاتحاد: www.faylee.org

(1) مقالة البروفيسور الدكتور كاظم حبيب: www.faylee.org/2010/1009120.htm

(2) مقالة الاستاذ عبد الامير ملكي: www.shafaaq.com/sh2/articles/faily-issue/24390-2010-10-04-10-37-55.html

(3) مقابلة مع الاستاذ حسين الجاف: www.shafaaq.com/sh2/2009-08-10-08-13-57/24134-2010-09-28-08-11-07.html

(4) مقابلة مع النائب الاستاذ آزاد رفيق: www.shafaaq.com/sh2/2009-06-08-08-42-30/2009-06-08-08-44-33/24708-2010-10-12-07-49-28.html

(5) مقابلات اجراها الاستاذ كفاح هادي: www.shafaaq.com/sh2/2009-06-08-08-42-30/2009-06-08-08-44-33/24839-2010-10-14-11-53-30.html

(6) في بغداد: www.shafaaq.com/sh2/2009-06-08-08-42-30/2009-06-08-08-44-33/24708-2010-10-12-07-49-28.html

(7) في الناصرية: www.shafaaq.com/sh2/2009-06-08-08-42-30/2009-06-08-08-44-33/24391-2010-10-04-10-54-16.html

(8) في علي الغربي: www.shafaaq.com/sh2/2009-06-08-08-42-30/2009-06-08-08-44-33/24651-2010-10-10-11-38-59.html

(9) في البصرة: www.shafaaq.com/sh2/2009-06-08-08-42-30/2009-06-08-08-44-33/24772-2010-10-13-11-54-20.html

(10) نص القرار رقم 666: www.faylee.org/docs/res_666.htm

(11) من بين مقالات الاستاذ رياض جاسم محمد فيلي: www.faylee.org/2010/1010007.htm