تبعية إيرانية في الجامعة التكنولوجية

قصة قصيرة / علي الكلاواي
15/10/2003

كنت أنتظره يتكلم ولكنه لم يفعل .. كان يفتعل مطالعة أوراق ما أمامه وهو أسلوب مخابراتي لتحطيم مقاومة من يقومون بالتحقيق معه بجعله ينتظر .. في داخلي كنت أعرف تهمتي فأنا كردي فيلي شيعي من التبعية الإيرانية .. وتلك كانت تهمة تستحق أن ينكر ويشطب الإنسان من المجتمع حسب تعريف المواطنة لحزب البعث .. تلك التهمة التي كنت أداريها بالابتعاد عن الناس بالتكلم عن همومي وأحلامي لدفاتري وأسمع منهم عن طريق الكتب فهي على الأقل لن تعّيرني بأني أيراني، عجمي لا أستحق العيش على أرض العراق بلدي الذي أعشقه عشق الحياة الحرة الكريمة، عشق الشهادة من أجله وليس من أجل غيره من حاكم أو حزب شوفيني كحزب البعث .. نظر الى الرفيق الدكتور وقال لماذا لا ترغب بالعمل في التصنيع العسكري ؟!!
فقلت : السؤال الموجود في الاستمارة التي وزعت علينا في المحاضرة هل ترغب وأنا لا أرغب
فقال : هل لديك مؤشر أمني يمنعك من العمل في التصنيع العسكري ؟!!
فقلت : نعم .. أنا أعلم بأنه يعرف بأني تبعية إيرانية وقد أمتلئ داخلي غضبا من ذلك الدكتور الذي ترك مهنة التعليم ليتحول الى محقق أمني وهو مستعد ليصبح الجلاد أيضا ارضاءا لذوي النفوذ الذي سّهلوا له بعثته الى بريطانيا ليعود دكتور .. أنا أعلم مذ جاءت الآنسة هيفاء لتبلغني في المحاضرة بأن علي الذهاب الى الفرقة الحزبية يوم الراحة وكان الخميس أن الأمر يتعلق بتلك الصفة التي لصقت بنا وحوربنا بسببها وانزوينا معتزلين كل شيء راجين رحمة الله .. أبي ترك تجارة وعمل ناجح وتعطل عن العمل خوفا من أن المنافسة قد تدفع ببعض ضعاف النفوس الى محاربته والتجني عليه ليّسفر الى إيران كأخيه الذي سبقه، أخوتي انخرطوا في الحياة ليصطدموا بأن الحياة على أرض العراق ليست لهم وفق المنظور البعثي التكريتي العنصري ليعودوا الى الواقع مهيضي الجناح .. حبنا للعراق الذي لا يشوبه شائب جعلنا نبقى فيه لا بل نؤدي كالعبيد ما علينا من واجبات بدون حقوق تذكر ولا نفكر في الخروج منه .. أنا أعلم ماذا يريد أن يقول الدكتور المحقق فعلي الان التنازل عن حقوقي كالعادة كلما آن أوان استحقاقها لنا نحن التبعية الإيرانية ..
فقال : لماذا لم تذكر ذلك في استمارات التقديم قبل أربع سنوات أعتقد بأني دفعت ثمن ذلك من خلال مشاركتي في أول عطلة الصيفية لي في الجامعة ضمن قاطع الجيش الشعبي في منطقة (( قادر كرم ))
ـ مع ذلك كان عليك التبليغ بأنك تبعية إيرانية
ـ لم أشك لحظة في جهلكم للأمر وأن كان الأمر خطير كان عليكم التنبيه عند دخولي للجامعة وليس الان وأن على وشك التخرج ..!!
وعادت ذكريات ماضية تتفاعل معي وتعيش .. ففي الوقت الذي دخلت الى البيت فرحا بحصولي على 86.6 في البكلوريا ووسط فرحة المعدل والتكهنات بالجامعة أو الكلية التي أستطيع الانتساب إليها بهذا المعدل .. طرق الباب اثنان من مبلغي الحزب ليبلغوا ضرورة حضوري الى المنظمة .. ذهبت وأنا أحاول التكهن في ما يريدوه مني .. عجزت وأنا أفكر طوال الطريق بالامر .. ففاجئني المسئول الحزبي بالقول ((أنت الإيراني ؟!)) فقلت ((أنت من بعثت في طلبي وأنت أدرى)) فقال بعجرفة ظاهرة ((عليك أن تتهياء للمشاركة في قاطع الجيش الشعبي)) فقلت لهم ((ولكنني طالب وقد قبلت توا في الجامعة والطلبة معفيين من المشاركة في قواطع الجيش الشعبي إلا في العطلة الصيفية )) فقال المسئول الحزبي ((الواجب الوطني لا يعرف طالب عن غيره أن اسمك أدرج ضمن القاطع وعليك أن تثبت إخلاصك للعراق وانتهى الأمر)) .. لم يترك مجال للنقاش لأنني عبد عند أزلام البعث أو هكذا هم يتصورون علي من الواجبات ما علي وليس لي أي حقوق .. لم ألتفت الى الأمر وواصلت تهيئة أوراقي للدخول الى الجامعة وكذبت في استمارات القبول وقدمت عنوانا غير عنواني وعشت لاجئا في بيت أقربائي الى أن يهدأ الأمر أو أن يفرج الله أمرا، وبيت أهلي على مرمى حجر مني لجئت لأقربائي لأتمكن من الهرب أن جاء ازلام البعث بحثا عني ليسرقوا حلمي، مستقبلي .. سنة دراسية كاملة في الجامعة وأنا أعاني اللجوء في بلدي الذي أحتله البعث بأفكاره الشوفينية العنصرية .. وهاأنذا أعيش التجربة من جديد .. هل سيدعّون علي ليحرموني من التخرج بأي حجة .. من أنا ليحاربوني هكذا ؟! سؤال جال في خاطري وأنا أنتظر أن يفرغ الدكتور المحقق من تدوين بعض الكلمات .. أن ازلام النظام الذين اعتادوا الرقي على رقاب الاخرين مستعدين لتضخيم صغائر الامور وليبدو أنهم يعملون لمصلحة النظام ويناضلوا من أجل مبادئه ولينالوا المكافاءة .. وجدوا فّي وفي أمثالي اللقمة السائغة ليبدو أنهم يعملون ، يناضلون
ـ هذا كل شئ
قال تلك الكلمات وابتسامة عريضة تغطي وجهه ابتسامة لا تحمل أي معنى ..
خرجت وأنا أقول لنفسي (( كأن الألم والحزن سمة حياتنا .. كأن الفرح كثير علينا .. سرقوا فرحة نجاحي من السادس الإعدادي .. وهاهم يسرقوا الفرحة من جديد وأنا على وشك التخرج .. لماذا ؟! أهو السبب في أننا تبعية إيرانية ؟!! متى يتم أنصافنا مما جرى لنا متى ؟!)).