وثيقة ضحيتها عشرات الالآف من الابرياء
ووسط ثورة الناس السلمية ومطالبتهم بالحصول على شهادة الجنسية عن طريق هذه الدائرة الحكومية تمكنت من الجلوس مع عدد قليل منهم ممن أتاحت لي الظروف الإلتقاء بهم داخل أروقة
دائرة الجنسية لأسألهم عن سبب عدم منحهم شهادة الجنسية، فكان السيد حسن علي فاضل الفيلي أول من بدأت معه عملية طرح الأسئلة وما يدور في دائرة الجنسية فأجاب: أنا أراجع منذ
سنة وبضعة أشهر لدائرة الجنسية هنا لأحصل على شهادة الجنسية لكني ولغاية هذه الساعة التي أكلمك فيها لم أحصل عليها أبداً.. وعند سؤالي له عن أوراقه الثبوتية وعن ولادته وولادة
آبائه أظهر لي أوراقه الثبوتية كاملة من (جنسية، بطاقة تموينية، دفتر خدمة عسكرية) وهو من مواليد 1956 محافظة بغداد، وكان السيد حسن حاملاً معه نفوس (1934-1957) وقال: هذا
نفوسي في بغداد فـأنا أحمل نفوس سنة (1934-1957) وهذا دليل على أني عراقي فضلاً عن خدمتي في الجيش وكذلك والدي ادى الخدمة العسكرية من سنة (1975-1979) وعند
سؤالنا له عن كيفية تدبير أمور حياته وعائلته وسط هذه الظروف الصعبة قال: أنا موظف في وزارة الصناعة الآن وبراتب مقداره (97) ألف دينار وهو قليل جداً وأجلس في بيت (عديلي)
وهو مشكور تكفل بإعالتنا في هذا الأمر...
خصوصاً أن راتبي لا يساعدني أن أستقل ببيت للإيجار بسبب إرتفاع أسعار البيوت حالياً... وعوداً على بدء لموضوع شهادة الجنسية قال حسن علي الفيلي لا أعلم لماذا لا نمنح شهادة
الجنسية العراقية مع العلم إننا نمتلك جميع ما يثبت عراقيتنا وكذلك لا يستطيع أحد أن يزايد على ولائنا وحبنا لوطننا، فأخي ذهب شهيداً في المقابر الجماعية وكذلك زوج أختي ذهب شهيد
المقابر الجماعية وهذا دليل على عراقيتنا الحقة فلماذا تمانع وزارة الداخلية من ان تمنحنا حقنا في أن نكون عراقيين حالنا حال أبناء هذا الوطن ولماذا عمليات التمييز هذه وتقسيم الناس الى
فئات ومنعهم من أن يكونوا متساوين في الحقوق والواجبات. صبيحة جاسم وهي إحدى النساء اللائي كن يتجولن في أروقة الجنسية للبحث عن شيء يثبت عراقيتها ألا وهو (شهادة
الجنسية) والسيدة صبيحة من مواليد (1964) عراقية الأب والجد وقدُسفرت في زمن الطاغية المقبور وهي أم لولدين اثنين أعمارهم (20 سنة) والآخر (17 سنة) وقد تساءلت أيضاً عن
عدم منحها شهادة الجنسية العراقية على الرغم من كونها تحمل كافة الأوراق الثبوتية الخاصة التي تثبت عراقيتها وإنها لم تأت من كوكب آخر. ومع توجه الدول في أغلب دول العالم إلى
إختزال الأوراق الرسمية وحصرها في ورقة واحدة أو ربماورقتين لمجرد تعريف العالم بشخصية هذا الإنسان نجد أن الإنسان العراقي يجب عليه أن يحتفظ أويستحصل الكثير من الأوراق
الرسمية كي يثبت أنه عراقي في بلده لا خارجه... هذا كله وما زالت ظروف تعطيل المواطنين وإعاقتهم من قبل دوائر الدولة تمثل حجر عثرة، فضلاً عن التناقض الذي تتبعه مؤسسات
الدولة في تعاملها مع مواطنيها وهذا التناقض يتكلم عنه الحاج إبراهيم مرتضى يوسف الذي أظهر وثائق تؤكد عراقيته الكاملة من خلال أوراقه الثبوتية وولادته التي كانت في منطقة
الكاظمية وكذلك النفوس لسنة (1934) ويقول الحاج إبراهيم: أنا عندما أمتلك جنسية وبطاقة تموينية فهذا يعني إني عراقي فلماذا عندما يصل الأمر لإستحصال شهادة الجنسية أتهم بأني
لست عراقياً؟ فمن خلال كلامي هذا أود أن أشير إلى حجم التناقض الذي تتبعه مؤسساتنا الحكومية وقصدها من وراء ذلك هو التأخير فقط، فأنا أراجع منذ ما يقارب السنة تقريباً ولا جديد..
وهذا بالتأكيدسيؤثر على عملي فأنا أعمل كاسب ونتيجة لإنشغالي بأمر شهادة الجنسية توقف عملي بنسبة كبيرة ولدي عائلة تحتاج مني أن أعيلها.. فهذه الإجراءات التعسفية إلى متى
ستستمر بحق أبناء الوطن؟ فقد كنا نأمل بعد سقوط الطاغية أن تتغير الأمور وتتجه نحو الأفضل، لكن ما نراه إنه لم يتغير شيء فنفس الإجراءات مستمرة والظلم هو الظلم ولكن مع
إختلاف الطرق. سيدة أخرى كان لها من العذاب نصيب كبير واسمها نعيمة أحمدعزم، فهذه السيدة أم لولدواحد وخمس بنات وبسبب عدم منحها شهادة الجنسية فقد إضطرت |إبنتها خريجة
كلية الآداب إلى ترك البحث عن التعيين بسبب رفض الدوائر الرسمية تعيينها بحجة عدم إمتلاكها شهادة الجنسية ونفس الحال مع إبنها خريج كلية اللغات الذي إتجه للعمل في شركة أهلية
وترك شهادة تخرجه في البيت بسبب عدم إقتران شهادة الجنسية بها حتى يتمكن من التعيين في أحددوائر الدولة.وتضيف السيدة نعيمة إنها قدزوجت بعض بناتها (زواج سيد) فقط بسبب عدم
إمتلاكهم لشهادة الجنسية مع العلم إنها تمتلك نفوس سنة (1934-1957). وعن حالتها المعيشية تذكر السيدة نعيمة إنها الآن تجلس في شقة صغيرة بإيجار قدره (35 ألف دينار شهرياً) مع
إبنها المعيل لها وبناتها، ونتيجة للتعطيلات والتأجيلات فقد تركت العمل براتب التقاعد بعد أن راجعت وملت المراجعة،وفي نهاية الحديث أخبرتنا عن حالة غريبة حدثت لها في دائرة
الجنسية وتتلخص هذه الحالة بأنها دخلت قبل شهر تقريباً لتستحصل شهادة الجنسية لأولادها بناءً على شهادة الجنسية التابعة لها لكنها فوجئت منذ بداية دخولها للدائرة باحدى الموظفات وهي
تقول لها ان (هذا القرار ألغي) وعندما سألتها السيدة نعيمة عن سبب إلغاء هذا القرار أجابت الموظفة: (منعرف أنلغة وخلص) . فأثار هذا الكلام إستغرابنا وسألنا عن صحة هذا الكلام فتبين
إن القرار ساري المفعول وإن كلام هذه الموظفة عار عن الصحة.ونحن بدورنا نتساءل من تكون هذه الموظفة التي تلغي القرارات من جراء نفسها دون مراجعة مدرائها؟ لكن ربما الحر
وظروفه دفع بهذه الموظفة إلى هذا القول. بعد أن جمعنا هذه التساؤلات والمعاناة من المواطنين توجهنا بها إلى أحد المسؤولين في دائرة الجنسية والذي رفض الكشف عن إسمه وقد سألناه
عما يدور من أحداث وماهودور دائرة الجنسية فيما يجري في ألاروقة ولماذا يتأخر الناس في الحصول على شهادة الجنسية أو لايحصلون عليها أبداً؟ فأجابنا مشكوراً: إن دائرة الجنسية ليس
لها علاقة بما يجري فحالات تعطيل منح شهادات الجنسية مصدرها وزارة الداخلية وبالتحديد (دائرة الشؤون القانونية) فنحن نرسل الطلبات إلى قسمين وهما المستشفى والقسم الجنائي
ويصلنا الجواب منهما في غضون إسبوع أي إن طلبات منح شهادة الجنسية تكتمل لدينا في غضون إسبوع وبالكثير تمتد لعشرة أيام ومن ثم نقوم بإرسال معاملات منح شهادة الجنسية إلى
وزارة الداخلية التي بدورها تمنح الموافقة أوعدم الموافقة في إستحصال هذه الشهادة، فوزارة الداخلية هي سبب تأخير المواطنين في عدم حصولهم على شهادات الجنسية، ودائرة الجنسية لا
ذنب لها أبداً في ذلك. كما وعزا هذا المصدر المسؤول أساليب تأخير الوزارة وعرقلتها لمعاملات المواطنين بكثرة التغييرات والتبديلات الوزارية التي شهدها العراق والتي أثرت على حجم
عمل الوزارة، لكن هذا لايمنعها من التقصير على حسب كلام السيد المسؤول. (من حق أي شخص التمتع بجنسيته ولا يحرم أوتسحب منه بإجراءات تعسفية) “الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان” هذا الحق الذي ضمنته قرارات المجتمع الدولي لكل شخص يثير التساؤل والتحير! هل إن الشخص العراقي مشمول بهذا الحق أم أن وزارة الداخلية لها رأي آخر، أو لها تقسيمات
للناس وفق ما ينسجم مع هواها؟ وفي نهاية المطاف واثناء توجهنا للخروج من دائرة الجنسية صادفتنا السيدة (أزهار محمود رشيد) وهي أمرأة عراقية من مواليد عام 1964 ووالدها السيد
محمود رشيد تولد بغداد عام 1915 بالأضافة الى ان جدها رشيد ناصر علي تولد 1894 بغداد حسب دفتر النفوس المرقم 198980 تسجيل عام 1957 بغدادوقد تعرضت هذه السيدة الى
عمليات التسفير والتهجير خارج العراق وبعد العودة للبلد دخلت الى دوامة المراجعات في دوائر الجنسية والسفر حول طلبها للحصول على شهادة الجنسية العراقية وتضيف السيدة ازهار لقد
سئمت من المراجعات خصوصاً أننا نعيش فترات صعبة من الناحية المالية بالأضافة الى الوضع الأمني وان كل زيارة تكلفها مبالغ طائلة نتيجة ارتفاع اجر ة النقل.
أحمد فاضل
المصدر: جريدة افاق الكورد، العدد -52 -8/ 8/ 2006