أول كوكبة من شهداء الكورد الفيليين
عدنان رضا الفيلي
صوت العراق، 24/7/2005
تأتي كتابة هذه المذكرات بناء على رغبة العديد من الأصدقاء وعوائل الشهداء من الكورد الفيليين في الكشف عن المعلومات المهمة لما حدث داخل سجون النظام الفاشي أثناء فترة الأعتقال لخيرة شباب
الكورد الفيليين ومناضليهم بعد ان تم تسفير عوائلهم الى ايران وارسالهم عبر حقول من الألغام والتي ادت الى تفجير اجساد العديد من بناتنا وتناثر اجسادهن الطاهرة الى اشلاء وترك اجسادهن الطاهرة
ومواصلة المسيرة القاسية بقلوب مفعمة بالحزن والألم وخيبة الأمل من سكوت الجميع وعدم فضح الممارسات القهرية والأجرامية لما حدث من مصائب تدمي القلوب
لقد تم ترحيل أول كوكبة من الشهداء في يوم 31/12/1985 من معسكر أمن طوارئ الأمن العامة في الحبانية الى معسكر التجارب الكيمياوية على الأرجح وكان الشهداء الأبطال المدرجة أسماءهم هم
أول كوكبة متميزة من الكورد الفيليين ثم أعقبتها الوجبات المتتالية لكي تعبد درب الحرية والنضال بدماء الشهداء الطاهرة
ـ الشهيد محمد رضا الله كرم (باوه جابري) ، وهو أخي الأصغر
ـ الشهيد فائز جبار كه سه ، وهو زميل أخي في الدراسة الأعدادية
ـ الشهيد سمير يوسف ، وهو ابن اخت المرحوم محمد أسد ، عبد الصمد أسد ، محمود أسد ، حسن أسد
ـ الشهيد نزار يوسف ، وكان من الشباب الفيلي الرياضيين وكان يدرب الشباب الفيلي على الجودو والكاراتيه داخل معتقل الفضيلية
ـ الشهيد منير يوسف ، وكان اثناء فترة اعتقاله صبي صغير يافع في عمر الزهور
ـ الشهيد الملاكم احمد الفيلي
ـ الشهيد أكرم أبراهيم ، وهو شقيق غازي ابراهيم
ـ الشهيد حسن أسد الله
ـ الشهيد حسين أسد الله
ـ جلال الفيلي ، وهو شقيق جمال الفيلي المدعو أبو أمجد ويسكن حاليا في حي المستنصرية في محلة العقاري
لقد كان الأخ جمال ابو أمجد معي في الحجز وقد قضى فترة حجز دامت أكثر من ثماني سنوات وقد خرجنا معا بتاريخ
22/2/1989 والسبب في خروجنا هو صدور قرار ينص بان كل من يثبت ان
له زوجة أو أم أو والد على قيد الحياة وموجود في العراق فانه يتم اطلاق سراحه وعلى هذا الأساس فقد تم اطلاق سراحنا لوجود زوجاتنا في بغداد ، خرجنا من الحجز بعد فترة دامت اكثر من سبع
سنوات في السجن ولكن تم اعدام اشقاءنا الشهيد محمد رضا والشهيد جلال الفيلي
سوف أقوم بسرد ما أعرفه وما بقي في ذاكرتي من معلومات ستكون وثيقة دامغة للممارسات
الشنيعة التي ارتكبها النظام العفلقي الهمجي بحق الكورد الفيليين وشبابهم وكيفية
اعدامهم والتخلص منهم على شكل وجبات وجعلهم مادة لأجراء التجارب الكيمياوية عليهم
وسابدأ من اول معتقل وهو سجن الفضيلية السئ الصيت وهي الفترة الأولى من فترة
الأعتقال والتي دامت اكثر من سبع سنوات بكل ما فيها من قسوة ومرارة بالنسبة لي
ولرفاقي من الكورد الفيليين وغير الفيليين الذين كانوا معنا في تلك الزنزانات ، ان
الفترة الأولى من الحجز والتي ساتكلم عنها في هذه الوثيقة من المعلومات المهمة حيث
استمرت فترة حجزنا من 19 تموز / رمضان عام 1982 ولغاية 14
كانون الثاني 1984
تم حجزنا بحجة التبعية الأيرانية أو بدعوى عدم امتلاكنا لوثيقة الشهادة الجنسية العراقية أو لأننا لم نكن مواطنين من التبعية العثمانية ! وكأن من ينتمي الى طائفة التبعية التركية هو فقط العراقي القح
وما عداه فهو ليس بعراقي بهذا المنطق السخيف وبهذه العقلية العنصرية المتخلفة وغير الحضارية تم اعتقالنا بشكل مهين وبصورة لا تدل على أية اخلاقية أو إنصاف أو عداله أو إحترام لأبسط مقومات
حقوق الأنسان ولم يتم اعتقالنا لوحدنا بل تم اعتقال أبناءنا واخواننا وتم تسفير وإبعاد وتهجير عوائلنا ومصادرة ممتلكاتنا المنقولة منها وغير المنقولة ومصادرة كل أموالنا ووثائقنا الثبوتية مهما كانت
المعلومات التي تحتويها وبعدها تم وضعنا في زنزانة حقيرة وهي الغرفة رقم 8 في معتقل الفضيلية والذي كان بمثابة إسطبل لخيول العائلة المالكة قبل سنة
1985 وقد كان في هذه الزنزانة تسعة
اشخاص هم كل من
ـ ستار مراد بك
ـ جلال باشا الفيلي
ـ صلاح جراغ علي الفيلي
ـ لؤي خليل الفيلي
ـ عباس علي اكبر الفيلي
ـ سعدي خدا داد
ـ جبار كه سه الفيلي
ـ محمد رضا الله كرم الفيلي
ـ عدنان رضا الله كرم الفيلي
لقد كان من نعم هذه الزنزانة علينا كثرة القراءة فيها حتى انها كانت تسمى بغرفة المكتبة ونظرا لضيق الغرفة فقد كان ينام قسم منا في ساحة المعتقل علما ان هذه الزنزانة هي الوحيدة التي كان كل
النزلاء فيها من الكورد الفيليين الكوردستانيين
ان اكثر ما كان يميز هذه الزنزانة هو وجود المناضل جلال باشا الفيلي وكان مثقفا ومتعلما وكثير القراءة بشكل نهم وكنت اقرأ بعده كل ما كان يقرأه او يقع بايدينا من الكتب من الذين يراجعون أهاليهم
في باقي الزنزانات وكان من الأشخاص المميزين بالقراءة ايضا جبار كه سه الفيلي ومن الأمور التي لا تغيب عن بالي انني قمت باستنساخ كتاب الأمير في دفتر يتكون من ستين ورقة كي نتمكن من
ارجاع الكتاب الى صاحبة الشهيد محمد عبدو غلوم وهو من اهالي العمارة
كان المناضل جلال باشا الفيلي ناقدا ساخرا جدا وكان انسانا لطيفا ومرحا ويحاول ان يهدئ من روعنا ويلطف أجواء الزنزانة البغيضة بتعليقاته الساخرة وكان دائما يرسم البسمة والضحكة على
وجوهنا ويخفف علينا مأساتنا والحيرة والأنفراد والعزلة التي كنا فيها
كانت علاقتي بالشهيد جلال باشا الفيلي علاقة حميمة وكانت النقاشات والحوارات فيما بيننا مستمرة وكان دائما يلاطف الجميع بتعليقاته المضحكة والساخرة كي يبعد عن الجميع الكآبة والرعب الذي كنا
نعاني منه في السجن وكنت اشاركه في ذلك كثيرا وقد نجحنا في هذه السياسة من تقوية معنويات جميع من كان معنا في السجن
من الأمور المهمة التي يجب التركيز عليها أن دوائر الأمن إستولت على بيوت الكورد الفيليين وجعلت منها معتقلات تضع بها الكورد الفيليين وهذه قمة السفالة والخسة التي مارستها السلطات الفاشية في
عهد حكم القرقوش البعثي العفلقي الصدامي
لقد جعلوا من مبنى سمير غلام مديرية أمن صدام لقد تم حجزنا هناك في 31/1/1982
وقد أجلسونا على رحلات مدرسية لطلاب الأبتدائية حيث تم شد عيوننا وكبلوا ايدينا الى خلف ظهورنا وكل من
يحاول ان يرفع رأسه او يحاول ان يشاهد ماذا كان يدور حوله يتم ضربه بسلك كهربائي متين ( كيبل ) ومما أذكره من المواقف المؤلمة عندما ضربوا أخي الشهيد محمد بالسلك على راسه عندما حاول
ان يرى إخوتي عباس وعصام ووالدي وبقية اخوتي واقربائي الذين تم تسفيرهم الى شعبة التسفيرات ، كانت ايادينا مكبلة ولم نستطع ان ندافع عن انفسنا او عن اخوتنا لقد اخذونا وساقونا الى المعتقلات
بوحشية قاسية ومن دون سابق انذار أو تهمة أو معرفة الأسباب
ورغم صعوبة هذا الموقف فان معنويات جلال باشا كانت دائما عالية وكان دائما يشجعنا على الصمود وبين فترة واخرى كان يخفف علينا هذا المصاب باطلاقه بعض الطرف والنكات المضحكة مما
كان يسهل ويهون علينا امر الأعتقال
كان معنا في هذه الدائرة الحقيرة من دوائر الأمن المناضل الشهيد المحامي حاكم هادي على الفيلي وهو من المناضلين في صفوف الحركة الكردية المسلحة ومن البشمرمكة القدامى وقد عمل حاكما في
محكمة خانقين في محمود قجر في سنة 1974 وكذلك كان معنا في الحجز أخوه الشهيد منير على وكان شخصية مرحه وباسم الوجه وهو شاب مثقف وخريج كلية الأدارة والأقتصاد من احدى
الجامعات العراقية وايضا كان من البشمركة الأبطال القدامى في الحركة الكوردية المسلحة وايضا كان معنا من نفس العائلة اخوتهم نزار علي وماجد علي وهذا يدل على قسوة النظام العفلقي عندما يعتقل
أربعة أشقاء في نفس الوقت وفي نفس المكان من دون أي ذنب أو تهمة معينة أو من دون قرار من قاضي تحقيق أو محكمة أصولية مستندة على تهمة جنائية أو غير جنائية
في هذا المعتقل تم تسريب اجهزة الراديو الينا بشكل سري وكنا نستمع الى نشرات الأخبار وما يجري في العراق وهنا أود ان اشير الى نقطة مهمة وهي انني كنت ابحث في صفوف المسجونين عن
صديقنا المناضل قيس على أكبر الذي تم اعتقاله في صيف عام 1980 من قبل جلاوزة البعث وحاولت كثيرا السؤال عنه ومعرفة أخباره من السجناء الذين كنا نلتقي بهم فلم أحصل على أي أخبار عنه
وهذا ما آلمني كثيرا رغم المآسي التي كانت تواجهنا
كان المناضل قيس علي أكبر يعمل معنا في تنظيمات لجنة ثانويات بغداد في الكوملة (الصقر الاحمر) منذ النصف الثاني من الستينات في القرن الماضي ، وفي بداية سنة 1977 عمل قيس علي أكبر مع
المناضل رعد بشير ليكونا من أبرز العناصر الجسورة التي واجهت الأجهزة الأمنية وارهابها خارج السجون وداخلها
لم يتمكن المناضل قيس على اكبر من مغادرة العراق في صيف سنة 1980 حيث تم اعتقاله واختفت اخباره منذ ذلك الوقت وبهذا فان النظام العفلقي مسؤول مسؤولية كاملة عن جريمة اعتقاله واختفاءه
وتغييبه مع الآف كثيرة من الشباب الفيلي المغيب
لقد كان المناضل قيس على أكبر ينوي السفر الى الدنمارك مع زميله صلاح دارا وقد تجمع العديد من المناضلين الكورد الفيليين الذين كانوا يعملون في تنظيمات البارتي في ذلك الوقت وهم كل من
الشهيد المرحوم أحمد علي اكبر ورعد بشير وكمال قاسم وزيدان بهلوان وضياءعبد الستار السورملي والشهيد منير على وخليل المعلم وكنا مجتمعين في شارع الكفاح امام محل جواد الشكرجي لكي
نودعهم قبل ان يسافروا الى الدنمارك عن طريق مطار بغداد الدولي ولكن اجهزة الأمن ألقت القبض عليه ولم نعرف اخباره منذ لحظة اعتقاله ولحد الآن
لقد كان المناضل قيس على اكبر من عتاة المناضلين الجسورين والذين نذروا أنفسهم في سبيل الكورد وكوردستان وكان الشخص المثالي الذي رفع راية الفيليين عالية في سبيل الدفاع عن الكورد مع
اخوته من السورانيين والبهدينانيين والهوراميين كان قيس علي أكبر يناضل من أجل قوميته الكوردية ومن أجل كوردستان الحرة الوطنية والديمقراطية
في المذكرات القادمة ساسرد بشئ من التفصيل ما جرى لنا في بقية المعتقلات التي مررت بها بكل دقة وأمانة وساشرح كيف كانت معاملة الجلاوزة البعثيين لنا داخل السجون والمعتقلات ومن كان معنا
واعتذر لعوائل الشهداء ان كان يذكرهم بفلذات اكبادهم ويعيد الذكريات الأليمة اليهم ولكن من ناحية اخرى يجب ان نوثق هذه المعلومات التي تاتي من شاهد عيان حي فقد العديد من عائلته واصدقاءه
واقرباءه ممن كانت تربطه بهم صلات حميمة
المجد والخلود لشهداءنا الأبرار
عدنان رضا الفيلي – كوتنبرغ / السويد