الأكراد الفيلية.. كان الدكتاتور يكرههم مرتين
مفيد الصافي
صوت العراق، 23/7/2005
قال صاحب المقهى المتواضع وهو يشير اليه، "هذا هو الرجل الذي تقصده قد جاء" وأخيرا قد وصل، رجل في التاسعة والخمسين من العمر، قدم نفسه بخجل، خليل إبراهيم عباس الفيلي، ملامحه عراقية
أصيلة، حركاته الهادئة تعكس استقرارا في داخله، عيناه تخفيان حزنا عميقا، ولهجته البغدادية لم تتأثر برغم نفيه الى خارج العراق اربعة وعشرين عاما !، قضاها في إيران.
الأكراد الفيلية
بدأ خليل إبراهيم الحديث قائلا، ان الأكراد الفيلية هم جزء من أطياف الشعب العراقي، سكنوا فيه منذ ايام السومريين، وتركز وجودهم في العصر الحديث في مناطق مثل، بدرة وخانقين، ومندلي،
وزرباطية، في الاراضي الواقعة بين إيران والعراق، وبسبب ظروف المعيشة القاسية رحل قسم كبير منهم الى بغداد. وامتهنوا عدة حرف، وتميزوا بالتجارة. عاشوا مع الطوائف الأخرى بمحبة ووئام .
وفي بغداد عاشوا في مناطق مثل الشورجة والعطيفية والكاظمية والجادرية وباب الشيخ، وابو سيفين ومناطق أخرى. الكثير منهم يتحدثون بلهجة بغدادية أصيلة، لا تفرقهم عن العرب. تختلف لغتهم
الكردية في مناطقهم الأصلية عن لغة أكراد الشمال، فمثلا يقولون (سيا) اي اسود اما أكراد الشمال فيقولون (راش). ويقولون (جرمك )أي ابيض بينما يقول اكراد الشمال(سبية). يرتدون في بغداد ملابس
عادية، فليس لديهم زي كردي خاص بهم" .
القوميون والأكراد الفيلية
"ابي كان يعمل في الندافة في باب الشيخ ومن قبله جدي، ونحن الشيخلية الاصليين. انا من عائلة بسيطة،، اربعة اخوة، وخمس اخوات عشنا في بغداد، وفي هذه المحلة منذ زمن بعيد، حتى قبل ان يولد
صدام، او ان يفكر احد بالقومية. سجنت عام 1963 عدة اشهر، لان منطقتنا قد قاومت الانقلاب ضد عبد الكريم قاسم، وكانت ضد القوميين. بعدها بدأت موجة الاعتقالات والاعدام تطول كثيرا من
الشباب في محلة باب الشيخ، لان اكثرهم كانوا ينتمون الى الحزب الشيوعي. كانت منطقة شارع الكفاح تسمى انذاك بموسكو الخامسة، حدثت فيها معارك كبيرة لمدة خمسة ايام، قام بعض الشبان هنا
بالصعود الى أسطح المنازل، ورمي احدى الدبابات بقنينة مليئة بالنفط فأشتعلت النيران فيها. يومها تعرض محل جواد الشكرجي الى طلقة دبابة .
المنفيون
كان السيد خليل يوجه نظره احيانا الى شارع الكفاح أحياناً ثم يواصل كلامه: "ربما يجهل الكثير ان نفي وتهجير الاكراد الفيلية بدأ منذ السبعينيات، في زمن احمد حسن البكر، وكان النفي عشوائيا، من
يجدونه كثير النشاط في منطقته، ولايعجب المسؤول الحزبي ينفونه وقد كان، وكما يعرف الجميع، في كل محلة هنالك مسؤول بعثي يحتفظ بسجل فيه اسماء وعناوين جميع افراد العوائل الساكنة في
منطقته. في تلك السنوات بدأ النفي الجماعي الاول ، وفيها كانوا يتركون لك فترة عشرة ايام او عشرين يوما، تجمع فيها اثاث منزلك وتصفي املاكك.وقد يرد اسمك في قائمة المنفيين لمجرد ان ابنك قد
ضرب ابن المسؤول، فيسجلك في قائمة المرحلين، وابواب الظلم كثيرة.
و اضافة الى العنصرية والطائفية ضدنا، كان هناك اغراء بالسيطرة على املاكنا وخاصة في مناطق بغداد، مثل جميلة او الجادرية التي كان يسكنها كثير من تجار الاكراد الفيلية.
الحيلة الكبرى
استمر خليل الفيلي يتحدث عن نفسه :
"في زمن احمد حسن البكر، كانوا اقل همجية وعدوانية، فقد كانوا ينذرون العوائل التي لايحالفها الحظ، وتنزل اسماؤها ضمن قوائم النفي خارج العراق بتهمة التبعية الايرانية، لان اغلبنا لم يحصل على
شهادات الجنسية العراقية مع العلم اننا نمتلك الجنسية العراقية، بل ان قسما منا كان يمتلك الجنسية العثمانية التي تثبت عراقيته، ولكنهم مع ذلك نفوا الى ايران .
في تلك السنوات كان من ينفى من الاكراد الفيلية يمهلونه بعض الايام، يمكنه فيها ان يبيع ماخف حمله وغلا ثمنه، والناس لاتستطيع ان ترفض، او تقاوم، فالحكومة اشد افتراسا من النمرة الجائعة.
اما عملية النفي الجماعي في الثمانينات.فكانت تختلف اختلافا كبيرا، لان بصمات صدام كانت عليها. كان صدام يكرهنا مرتين، لاننا اكراد، ولاننا شيعة، كراهية عنصرية وطائفية معا.
قبل الحرب العراقية الايرانية بعدة اشهر، صدرت أوامر حكومية، قيل فيها انه يمكن لأي كردي فيلي ان يقدم معاملة الى الجهات المختصة لغرض الحصول على شهادة الجنسية العراقية، فاندفع الجميع
الى هذا الامر، لانك من دون شهادة جنسية لاتستطيع ان تعمل في الدوائر الحكومية،ولم نكن نعرف هدف الحيلة الخبيثة !وطبعا، بعد هذه العمل تمكنت الحكومة من معرفة اغلب اسماء وعنوانين العوائل
الكردية الفيلية.
نفي التجار
واصل خليل الفيلي متحدثا عن بداية عمليات النفي الجماعي فقال:
"ثم حدث امر غريب، إذ استدعي التجار الى اجتماع في غرفة التجارة في بغداد، وكان اغلب التجار هم من الاكراد الفيلية، وبعد الاجتماع تم تطويق الموقع، ووصلت سيارات حكومية مظللة اخذتهم الى
اماكن اخرى، ولم يعرفوا شيئا، الا وهم مرميون على الحدود وقد تركوا كل شيء خلفهم، ومن دون ان يعرف احد عنهم شيئا!، كانت خطوة سريعة، تخلص فيها صدام من (اعدائه)، الذين لم يفعلوا له
شيئا، الا لمجرد انهم اكراد فيلية.
ثم صادر النظام اموال التجار الاكراد الفيلية واملاكهم. بعد ان اخذ طابع عمليات نفيهم شكلا علنيا . من مناطق مثل جميلة، والحرية، وعكد الكراد، ومن شارع الكفاح، والعطيفية، والجادرية ومن مناطق
اخرى.
اخذ خير الله طلفاح الكثير من املاك الاكراد الفيلية في منطقة جميلة. الذين تعرضوا الى النفي من مناطقهم حتى اولئك الذين يملكون جنسيات عراقية صادرة ايام العثمانيين.بل لقد شاهدت بعيني على
الحدود بعض العوائل العربية، من محافظة البصرة، قد نفوا معنا ورموا على الحدود العراقية الإيرانية.كانت تلك أياما سودا، تعرضنا فيها الى اعتى عملية تصفية عرقية وطائفية .لا اعتقد ان أحدا في
العراق، تعرض كما تعرضنا اليه من ظلم وسجون واعدامات، ان عملية نزع الهوية لا يعرف آلامها الا من ذاق مرارتها.من الذين تم الاستيلاء على املاكهم، التاجر (براخاوس)الذي اصبح منزله مكتبا
للمخابرات العراقية يحمل اسم (مكتب شؤون العرب) كذلك صودرت أملاك الحجي موسى الفيلي، من سكنة العطيفية".
مأساة شهيد
وعن قصص مآسي الاكراد الفيلية قال :
"ان الجميع هنا يعرف قصة الشهيد (اديب)، الذي جيء بجثمانه الى محلتنا، في بداية ايام الحرب العراقية الايرانية، وقد نفي والداه وخاله قبل استشهاده بعدة ايام، وعندما وصل المأمور المسؤول عن
ايصال جثمان الشهيد، لم يعرف ان جميع افراد عائلته قد تم نفيهم الى ايران، فكان منظرا اليما لاهل المحلة ظلوا يتذكرونه طويلا، وقد قاموا بمراسيم دفنه وتأبينه.وبكى الرجال والنساء عليه كثيرا.
او قصة الرجل الفيلي الذي كان يقول، لجيرانه الذين يبكون على فراقه "لاتبكوا علي بل ابكوا على انفسكم فانتم مع صدام اقرب منا الى الشر"، ثم وقعت حادثة اعدام
150 من الاكراد الفيلية في معسكر
الغزلاني، لانهم اضربوا عن الطعام بعد ان طالبوا الحكومة العراقية بأ احد أمرين، اما ان تطلق سراحهم ليقاتلوا في الجبهة، او تنفيهم الى ايران مع عوائلهم".
النفي الى خارج العراق
تحدث خليل الفيلي عن رحلة النفي:
" في يوم 7 نيسان عام 1980 المشؤوم، كنت جالسا في احد المقاهي فجاءني شخص وقال لي: ان رجال الامن اخذوا امك وابيك، فاسرعت، لاتأكد من الخبر، وفعلا، وجدت سيارة امن عند الباب، وقد
وضعوا فيها امي وابي، وعندما عرفت نفسي الى رجال الامن، اخذوني معهما .
في موقع التسفيرات رقم واحد التابع لوزارة الداخلية، حاولت ان اشرح لاحد الضباط بأني احمل دفتر الخدمة العسكرية وانني احمل جنسية عراقية فشتمني .
فقلت له"خلفة الله عليك.وكأنني استفززته بهذه الكلمة فركلني بقدمه وسقطت على الارض، فقال "خلي خميني ينفعك!"، وكانت هذه اول مرة اسمع هذا الاسم .اخذت امي تبكي، وحاول ابي ان يقاوم،
وضعونا ثلاثتنا ومعنا آخرون في نفس السيارة (الايفا )، التي اتجهت بنا الى الحدود العراقية الايرانية، لم نكن نتحدث في الطريق، فقد كانوا يمنعون ذلك.
لاتستطيع ان تتصور معاناتي بعد ان وضعوني، ومعي والداي، كنت اخاف عليهما كثيرا، كانت صحة ابي متدهورة، واستمرت الرحلة الى الحدود، ثماني ساعات من دون طعام او شراب، كان رجال
الامن احيانا يشتمون الاطفال والنساء، الجميع يبكي لمغادرة العراق وترك الاهل. ثم رمونا على حدود خانقين عند معبر المنذرية.
ذكريات على الطريق
كان خليل الفيلي يكمل حديثه عن رحلة النفي :
" في كل (ايفا ) كان هنالك نحو ثلاثين شخصا، اغلبهم من الاطفال والنساء، لم ينفوا الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين الثامنة عشرة الى الخامسة والعشرين، بل وضعوا في السجون، اما انا، فربما شفع
لي عمري، اذ كنت في التاسعة والعشرين من العمر.
كانت السيارة تتحرك بنا، بينما كان شريط الذاكرة يعود بي الى طفولتي، والشوارع وباب الشيخ ثم صورة عبد الكريم قاسم والتظاهرات ضد القوميين ثم قطع تفكيري، نظرة مني الى امي وابي، وكانت
الدموع تنزل من عيونهما بصمت ! .
المخيمات
طغى الحزن على وجهه وهو يتذكر لحظات ذلك الوقت:
"بعد ان رمتنا الحكومة العراقية هناك، استقبلنا الايرانيون ووضعونا في مخيمات يبدو انها جهزت لنا من قبل! .، وصلنا الى قصر شيرين(سربيل زهاب) في مخيم (اوردكه)، قاموا بتقديم الطعام لنا،
وبعد ايام وصل رئيس الجمهورية الايراني انذاك بني صدر، الذي قال لنا "لاتحزنوا سترجعون الى بلادكم بعد شهر او شهرين، اعتبروها سفرة سياحية"!
وبعد مرور شهر نقلنا الى مخيم (ازنة)، في منطقة شديدة البرودة، فلم نطق العيش فيها، خيرونا بين ان نذهب الى مخيم أصفهان او نبقى هناك، ففضلنا الذهاب الى مخيم أصفهان، ووجدته أفضل لصحة
والدي.وفعلا، كان مخيم أصفهان منطقة جميلة، فيها الكثير من الحمامات والمغاسل. ثم شيئا فشيئا بدا الحزن على مصيري يخف قليلا، كان كل ما يثير قلقي حالة أمي وأبي اللذين كانا يفكران دائما
بأخوي غازي واكرم، بعد ان تركناهما وقد التحقا الى وحدتيهما في الجيش العراقي، كنا نتوقع ان يسفرا أيضا، فكنا ننتظر وصولهما.
بقينا هنالك وقتا من الزمن، بعدها جاء اقارب لنا، كانوا قد سفروا في السبعينيات. أرادوا ان يكفلونا حتى نخرج ولكنني فضلت ان أبقى لعل أخويّ يعودان، قلت لهم خذوا أبي وأمي فقط، وهذا ما حدث.
انتظرت ثلاثة اشهر هناك. كنت أحياناً استيقظ في الليل فأجد نفسي وحيدا وسط المخيمات فانظر الى جهة العراق وابكي على حالي. وبعد تلك الفترة جاء أقاربي وذهبت معهم هذه المرة. كانت اغلب
العوائل في المخيم تركت أربابها في العراق.
كانت الأوضاع على الحدود، محزنة ومؤلمة، أطفال من دون آباء، عجائز تركن أولادهن خلفهن، من دون مال او طعام او هوية.ولا احد منا يعرف مصير بقية أهله او أقاربه.
التبعية العراقية
قطع السيد خليل حديثه قليلا ثم اكمل :
"ثم بدأت الحرب العراقية الإيرانية في 4-9-1980، وتزوجت بعدها بثلاث سنين، من احدى قريباتي، ولكن الله لم يرزقني طفلا، الحمد لله على كل حال.
كان تعامل الإيرانيين معنا في زمن خميني لابأس به، ولكن بعد وفاته تغير كل شيء، فلم يعودوا يقبلون ان يشغلوا (التبعية العراقية )في المعامل، كما ان تسجيل الاطفال في المدارس لم يكن سهلا. مع
انهم لم يكونوا يدفعون شيئا من جيوبهم انما تكفلت الامم المتحدة بشؤوننا. . في طهران عملت في مهن عديدة مرة لحاما ومرة صاحب مطعم صغير ابيع فيه الكباب. ظل الايرانيون يضعون الحواجز
بيننا، اتعلم انهم كانوا يسموننا (كوجي عربيا) وهم يطلقونه على كل عراقي. فانا احمل هوية كتب عليها(تبعية عراقية).
إعدام الأخوين
واصل خليل الفيلي قصته :
"انتظرنا سنين طوالاً ونحن نترصد أخبار غازي واكرم، ثم عرفنا انهما قد سجنا، ثم نقلا الى سجن (نقرة سلمان)، بعد ان وصلنا مرة خبر عنهما عن طريق اختي في بغداد .ثم انقطعت الاخبار عنهما .
في احد الايام طلب منا احد أعضاء المجلس الأعلى للثورة الاسلامية ان نذهب اليهم، لأنهم يريدون اسماء العوائل التي لها سجناء في بغداد، من اجل تخصيص راتب تقاعدي لعوائلهم، ولكنني
رفضت، فما الذي ساستفيده من الراتب!
ثم وصلت الاخبار من احد المواطنين الهاربين من العراق بأن غازي واكرم قد اعدما في عامي
1985-1986، وكانت صدمة كبيرة لي، لم استطع تجاوزها الا بعد اشهر.
حينما دخلت الى شمال العراق بعد احداث التسعينيات، املا في ان ارجع الى العراق، صادف ان التقيت رجلاً، عندما شاهدني، قال لي، هل انت قريب لغازي، اذ كنا متشابهين، قلت له انه اخي، فلاحظت
تغيرا على وجهه، فقلت له بربك، حدثني ولا تخفي عني شيئا،، فذكر لي انه كان مسجونا مع اخوي، وبعد ان صدرت الاوامر باعدام غازي، لم يكن اكرم يعلم ان أخاه قد اعدم، فقد كانا في مكانين
مختلفين، وكلما جاء ضابط يفتش السجن، يسال اكرم عن اخيه غازي، وفي احدى المرات الح اكرم بالسؤال عن اخيه، فقال له الضابط، لقد اتعبتنا ياهذا، هل تريد ان اذهب بك الى اخيك، عندها اقتيد
اكرم، ولم نره بعد ذلك!".
أكمل خليل الفيلي قصته بعد ان غرق برهة في صمت مطبق" لم اخبر والدي بما حدث، وتوفيا وهما لايعلمان ان ولديهما قد اعدمهما صدام وجلاوزته".
العودة الى العراق
"وهكذا استمرت الحياة معي بين مد وجزر.حتى عام 2003، لم اصدق عيني وانا ارى صنم الطاغية يسقط، كانت لحظات سقوطه معناها، عودة الامل لي في العودة الى بلدي العراق، أخذت دموعي
تسيل من دون ان اشعر، من كان يتصور ان هذا سيحدث؟ان سقوط صدام يفرح به كل إنسان لديه ذرة إنسانية في قلبه.أتعلم إنني عندما سمعت بمحاولة اغتياله في منطقة (الدجيل) في الثمانينيات وزعت
طعاما بين الفقراء، كنت اظنه قد مات حينها، ولكن ذلك لم يحدث .وبرغم مرور اربعة وعشرين سنة علي في ايران، لم افقد الامل في العودة.
كنت أخاف احيانا، بعد ان توفي والداي هناك، ان اموت ولا أرى العراق، كنت أتمنى ان يموت صدام في كل لحظة لعلي أعود. صدقني، إنني الى الان لا اصدق إنني قد عدت الى العراق، وإنني بين
أهلي ثانيا .فمع اول لحظة سقوط التمثال، صممت على العودة، فعبرت الحدود الإيرانية مشيا على الإقدام .
سألت السيد خليل "ماذا رأيت بعد ان وصلت الى محلتك التي تركتها اربعة وعشرين عاماً ؟"
قال: "لم يتغير شيء في محلتي سوى ان المحلات أصبحت اصغر وتحولت المقاهي الى دكاكين. والصغار الذين تركتهم أصبحوا كبارا". ثم ظهرت ابتسامة ساخرة على وجه وهو يقول "صادف مرة ان
قابلني مراسل قناة بريطانية، وبعد ان علم بأنني قد خدمت في الجيش العراقي في السبعينيات، وانني مازلت احتفظ بدفتر الخدمة العسكرية التي كرمت فيها، قال متعجبا(وات) لم يصدق اني قد نفيت أربعة
وعشرين عاما، مع أني قد أكملت خدمتي العسكرية في العراق !
شهادة الجنسية العتيدة
استمر السيد خليل الفيلي يتحدث بهدوء "
"المصيبة إنني عندما راجعت دائرة الجنسية والاحوال المدنية، لاستعيد جنسيتي العراقية، طالبني الموظف
بـ300 دولار حتى يخرج لي شهادة الجنسية اخيرا، وقال لي انكم قادمون من الخارج وتملكون
الكثير من الدولارات، ولما اجبته بأنني لم اكن في اوربا، انما كنت مرحلا الى ايران، قال اذا سأطبق القوانين بحقك، وليس لدينا شهادة جنسية لك!. وبعد فترة اصدروا لنا بطاقة خاصة بالعائدين.انا
اعيش الان على معونات يرسلها لي ابن أختي وأولاد عمتي من الخارج.
امر جيد ان ترفع القرارات الظالمة التي أزهقت الاف الأرواح، ومنها قرار الغاء شهادات الجنسية المجمدة منذ عقود، وهو قانون يزيل كل الظلم الذي عانيناه طوال هذه السنين، ولكن يجب ان يطبق
بسرعة، ونحن نريد من الدستور الجديد ان يضمن ويعيد حقوقنا الينا.
وبعد ... ؟
بعد ان تعبنا من الحديث، التفتنا، وقد تجمع حولنا العديد من اصدقاء ومعارف السيد خليل ابراهيم عباس الفيلي، كان يتحدث مع هذا ويبتسم الى ذاك، وكنت انظر اليه، وأتعجب كيف استطاع هذا الإنسان
ان يجتاز كل هذه المحن والصعوبات، ويبقى صامدا، نقي السريرة، ويحمل روحا تحب الحياة.
اما آن للحكومة ان تنصف الاكراد الفيلية، من جميع صنوف الظلم الذي حاق بهم، وان تعيد اليهم حقوقهم واعتباراتهم ؟
المدى