صدام في حضرة القاضي الهمام

د . مؤيد عبد الستار
صوت العراق،
25/7/2005

اثارت اللقطات القليلة التي ظهر فيها المجرم صدام في المحكمة امام قاضي التحقيق تداعيات شتى بين ابناء شعبنا العراقي وخاصة ضحايا نظامه الاستبدادي العشائري الهمجي.
وكان من ابرز ما لاحظناه ، عدم الدقة في توجيه التهمة اليه ، فان الجريمة التي اقترفها نظامه وباشرافه شخصيا بحق الكرد الفيليين ، لاتختزل بالتهجير فقط ، وانما هي جريمة فريدة من نوعها وذات ابعاد مختلفة ، فهي اولا جريمة بحق الانسانية ، لايقوم بها الا مجرم لايحترم الانسان ، ومستعد لسحق البشر دون رحمة ، لذلك يجب ان تكون التهمة الموجهة اليه هي ابادة قوم من البشر ، والتي تدخل تحت لوائح الابادة ( الجينوسايد ) مثل تلك التي مارستها النازية في المانيا.
قام النظام الصدامي بانتزاع الاف الاسر العراقية من الكرد الفيليين من بيوتهم، ورمى بهم على الحدود العراقية الايرانية بحجة واهية ، وهي اصولهم الايرانية ، واذا كانت مثل هذه الحجة جائزة في العراق ، فكم من البشر سيلقون حتفهم حين يرمون على حدود السعودية او الاردن او تركيا او سوريا بحجة اصولهم السعودية او السورية او التركية ...الخ ؟
لم يكتف النظام بما قام به ، وانما سلب ونهب وسرق اموال واملاك وعقارات ومحلات وبساتين واراضي الكرد الفيليين واستولى على كافة المستندات والوثائق التي لديهم كي لايترك لهم دليلا فيطالبون بحقهم امام الهيئات الدولية والقانونية .
والانكى من ذلك ما قام به من احتجاز آلاف الشباب من ابنائهم ، ومن ثم قتلهم والقضاء عليهم باساليب دنيئة ، كان من بينها اجراء التجارب البيولوجية والكيمياوية عليهم ، فضاعت اثارهم ، بين المقابر الجماعية المكتشفة و المجهولة.
ان توجيه الاتهام لصدام في محكمة عراقية تعيد الحق الى نصابه امر يثلج صدور الضحايا ، الا ان الملاحظ ان الاتهام لم يكن مصاغا بقوة الجريمة ، وان المحقق ترك للمجرم صدام المجال في التجاوز على الحكومة العراقية والاستهزاء به كقاض للتحقيق ، حين لكزه بضحكته الصفراء بقوله ما معناه : انت قانوني وتعرف ان هذه الحكومة ليست مثلما تقول منتخبة.
ففي هذه الجملة الخبيثة جمع المجرم صدام اطراف حقده ليصفع به القاضي والحكومة ، فمن ناحية عرض بالقاضي، واتهمه بانه يتجاهل كون الحكومة صنيعة امريكية ، ومن ناحية ثانية شطب على كل الاصوات التي انتخبت الحكومة في انتخابات مشهودة ، وكان الاولى بالقاضي ان يذكره بالسيارة العسكرية ( الزيل ) التي جاء بها مع طه ياسين رمضان الى القصر الجمهوري ليحتلوه وينصبوا حكومة من البلطجية عام
1968 .
ان ماساة الكرد الفيلية تفرض وجود طرف كردي في حيثيات محاكمة صدام ، كي تكون المحكمة جادة في اجراءاتها، وعلى بينة من الجريمة التي تحقق معه فيها ، لا ان تكون هذه الماساة فرصة لصدام لينفس فيها عن احقاده الدفينة ، ويعرب عن نزعاته المريضة ، ليحاكم القاضي والحكومة بدلا من ان تحاكمه .