العراق الجريح بين فيلق بدر وفيلق عمر
ضياء السورملي ـ لندن
Kadhem@hotmail.com
www.kadhem.net
9/7/2005
بدأت الجروح تزداد في جسم العراق الواهن والمريض وتكثر يوما بعد يوم آلامه بسبب حماقة أطراف متعددة وعدم حكمتها في إدارة دفة حكم العراق مما أدى الى تمزيق الجسد العراقي الى
أشلاء ومص دماءه من قبل الطفيليين القدامى والجدد الذين قدموا من كل مكان متكالبين لنهش هذا الجسد والنسيج الذي كان بحاجة الى كل أنواع المساعدة والعناية
منذ اعلان تشكيل دولة العراق في مطلع العشرينات من القرن العشرين ولحد الآن لم ينل شعب العراق قسطه من الراحة ولذلك أسباب عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر الخلل في
تشكيلته الأولى عندما تم تقسيم الدولة العثمانية وتوزيع ولاياتها بين الحلفاء حيث تم إقتطاع أجزاء وأوصال من كوردستان وضمها الى أوصال من المناطق الأخرى وتشكيل دولة أسمها
العراق في الوقت الذي كانت العراق تمثل ولايات البصرة والكوفة وبغداد وضواحيها في تلك الفترة وكذلك الخلاف حول مدينة الموصل وعائديتها الى تركيا أو الى العراق وكذلك نقض
العهود والمواثيق التي وُعد بها الشعب الكوردي من أجل إستقلاله ومن ثم ضربه وقصفه بالطائرات من قبل الأنكليز وزبانيتهم
لم يشهد الحكم الملكي في العراق استقرارا واضحا ومستمرا لا من الناحية السياسية ولا من الناحية العسكرية لكثرة الحركات والأنتفاضات المتعاقبة التي حدثت في تلك الحقبة حيث كانت
السيطرة الفعلية والقيادة الحقيقية بيد الأستعمار الأنكليزي ومن خلاله تم تكريس الحكم الطائفي السني في العراق وتم نهب ثروات البلد وآثاره ولم يُعمل أي شئ في سبيل تطويره أو زرع
بذور التسامح فيه بل بالعكس من ذلك تم غرس مفاهيم العشيرة والأغوات والبيكات ونفوذ رجال النفاق السياسي من المتملقين للأجنبي وحيازتهم على الثروة والأموال الطائلة وخلق طبقة
فقيرة واسعة من عامة الشعب وتنامي فئة متطفلة ثرية صغيرة على حساب ودماء الشعب واصبحت تمتلك الأراضي الواسعة والأملاك الكثيرة والثروة الطائلة
ان انبثاق ثورة تموز بقيادة الزعيم المرحوم عبد الكريم قاسم واعلان إستقلال العراق خلق حالة جديدة من التفاؤل لدى الشعب العراقي لأن الزعيم عبد الكريم قاسم كان يعمل من مبدأ التسامح
والعفو عند المقدرة وبذلك خلق حالة من التآلف بين كل مقومات الشعب وأزدهر الأقتصاد ولم تشعر الأقليات والأثنيات العرقية والدينية بالغبن في بداية عهده الى ان تم طي صفحة هذا
المناضل من أجل شعبه وحريته والقضاء على حكمه من قبل فئة سقيمة تنادي بالقومية العربية وكانت الحركة الناصرية بقيادة جمال عبد الناصر وراء إنهاء حكم عبد الكريم قاسم وبذلك
انتهت حقبة من الحكم وأعقبتها فترة من الحكومات التي زرعت الطائفية وسيطرت على مقاليد الحكم تحت شتى الذرائع حتى وصلت الى ما وصلت اليه من صراع مقيت بين الشيعة من
جهة وبين السنه من جهة اخرى وبين العراقيين الكورد من جهة وبين العراقيين العرب من جهة أخرى
ان أخطر ما وصل اليه الوضع في العراق هو سيطرة الشيعة على مقاليد الحكم في العراق بشكل رسمي ومعلن وواضح وفوز إئتلافهم في غالبية الأصوات أثناء الأنتخابات التي جرت في
عام 2005 كل هذا كان نتيجة مثمرة لأتفاقهم التاريخي وقبولهم التعاون مع الأميركان والبريطانيين وذهاب مندوبين من الشيعة الى أميركا ومقابلة وزيرة الخارجية الأميركية مادلين
اولبرايت ومن ثم كولن باول وتسلمهم المساعدات الهائلة في سبيل تقوية صفوفهم والعمل مع الحكومة الأميركية برئاسة جورج بوش الأبن والحكومة الأنكليزية في عهد توني بلير ومن ثم
اشتراكهم في مؤتمر لندن مع القوى والأحزاب المعارضة لحكم البعث الطائفي السني الفاشي مما أدى الى تغيير جذري في أسلوب تعامل رجالات الفكر الشيعي وقياداتهم من أجل الوصول
الى السلطة السياسية والحكم في العراق
إن تسلم مقاليد السلطة من قبل الشيعة في العراق رسميا والدعم غير المحدود الذي تلقوه من ايران وضع السنه في موقف صعب بعد ان كانت مقاليد الأمور بيدهم منذ اكثر من ثمانين عاما
وخسارتهم لمكانتهم بسبب طيش ورعونة وإجرام الطاغية الأرهابي صدام حسين وسوء إدارته لأمور البلاد والحكم الكارثي الذي وصل اليه ومن ثم سقوطه وحكمه تحت نير ونيران القوات
الأميركية والدول المتحالفة معها وقوى الشعب العراقي الذي ضاق ذرعا بهذا الحكم الجائر
إن سقوط حكم الطاغية صدام أثار حفيظة بعض السنة في العراق وحفيظة البعض من السنه في الدول العربية المجاورة مثل السعودية والأردن ومصر واليمن والجزائر والدول غير العربية
مثل الباكستان وافغانستان وجميع المتشددين من السنة ومن المذاهب الأخرى التي تكفر الشيعة بشكل عام أو لا تكن الود لها أو لا تعترف اصلا بهذا المذهب الأسلامي
هذا الوضع الجديد خلق حالة من الأرباك في العراق على الرغم من تحالف الشيعة مع الكورد علما أن تحالفهم لم يكن مبني على أساس طائفي بين أهل السنة من الكورد والشيعة من العرب
العراقيين بل كان الهدف هو إسقاط النظام البعثي العفلقي الصدامي وموافقة الشيعة على الشروط الكوردية بتحقيق الحكم الفدرالي وحل مشكلة كركوك وعودة المرحلين اليها وخروج الوافدين
منها وكان هذا الأتفاق باشراف ممثل اميركا في مؤتمر لندن السيد زلماي زادة الرجل الأميركي والأفغاني الأصل والذي تم تعيينه فيما بعد سفيرا لأميركا في بغداد
أدت سيطرة الشيعة على مقاليد الحكم والغالبية البرلمانية من أعضاءهم الى زيادة التوتر بين السنة والشيعة بين فترة واخرى حتى وصل الصراع الدامي بينهما الى تشكيل فيلق إرهابي
وهابي يقوده المجرم أبو مصعب الزرقاوي الأردني سمي بفيلق عمر ليقابل فيلق بدر وجيش المهدي والذي يمثل كل منهما المليشيات المسلحة للأحزاب الشيعية في العراق وهي ميليشيات
شبه مسلحة أو مسلحة باسلحة خفيفة ومدربة على حرب الشوراع مسنودة ومدعومة من قبل الحكومة الأيرانية بشكل مباشر أو غير مباشر ومسنودة من قبل جماهير الشيعة المظلومين بسبب
الممارسات الأرهابية التي مارسها صدام ضدهم طيلة فترة حكمه
بدأت الصراعات عندما عقد اجتماع على عجل في بغداد بعد سقوط الصنم في سنة 2003 دعى اليه الشيخ د. أحمد الكبيسي وهو داعية سني متشدد كان يسكن في العراق في زمن صدام ثم
غادر الى احدى دول الخليج الفارسي واقام هناك ، تم في هذا الأجتماع تشكيل مرجعية سنية لتواجه المرجعية الشيعية وسميت هيئة علماء السنة في العراق وقد ترأسها الكبيسي في بداية
تشكيلها ولم تمض الا فترة وجيزة حتى ترك الرجل المؤسس مؤسسته وغادر الكبيسي العراق مذعورا من الأرهاب الذي مارسته فرق منظمة هيئته التي أسسها وترأس الهيئة التي شكلها
الكبيسي بعد ذلك شخص آخر في منتهى التشدد الطائفي ويمثل الفكر التكفيري المتشدد ويعمل على تكفير كل من ينتسب الى مذهب غير المذهب السني الذي يؤمن هو به هذا الشخص اسمه
حارث الضاري وقد شكلت زعامته لرئاسة هيئة العلماء السنة في العراق جدلا واسعا حول أهليته وانتماءاته باعتباره كان من أزلام النظام السابق والشكوك الكثيرة حول منتسبي هيئته
والتي ثبت تورط منتسبيها باعمال إرهابية ضد ابناء الشعب العراقي وتلبسهم لباس الدين وأختفاءهم خلف ستار الدين للقيام باعمال ارهابية تمثل فكر النظام البائد والحكم العفلقي البعثي
الفاشي
جاء تشكيل فيلق ارهابي مسلح باسم فيلق عمر ليواجه النفوذ المتزايد لفيلق بدر وتولي الشيعة منصب وزارة الداخلية بعد ان كانت بيد الوزير السني السابق فلاح النقيب والذي عمل على
زرع الفرقة الطائفية بشكل أهوج حيث تم استغلال سوء ادارته للوزارة من قبل انصار الطاغية صدام مما ادى الى ان تشن هجمات كثيرة ضد الشيعة راح ضحيتها الكثير من الأبرياء من
ابناء الشعب العراقي
يعتبر تشكيل الفيلق الأرهابي المسمى فيلق عمر هو بداية الأقتتال الرسمي والمعلن بين الشيعة والسنة في العراق خصوصا اذا ما عرفنا بان هذا الفيلق تم تشكيله من قبل تنظيم القاعدة
الوهابي في العراق وبمناصرة ومؤازة البعثيين والصداميين وأنصار هيئة علماء المسلمين من أتباع حارث الضاري وهم الذين قتلوا عددا كبيرا من الشيعة ومن العراقييين الأبرياء لا لشي
الا لأنهم غير مؤمنين بتوجهات وافكار هذه الجماعة التكفيرية
ان تشكيل فيلق عمر الأرهابي يعتبر بمثابة مواجهة لفيلق بدر الشيعي وهذا ما تم الأعلان عنه رسميا ، والنتيجة هي ان يدفع المواطن العراقي تبعيات وتداعيات الممارسات الخاطئة لكلا
الطرفين
ان التشدد وعدم التسامح والغاء الأخر واطلاق التسميات لكل من يخالفهم الرأي وتكفير الأخر واتهام البعض بالزندقة او بالشيوعية او بالألحاد ومحاولة تهميش البعض الأخر من خلال
حجب الوظيفة والمناصب عنهم وعدم احترام الحقوق الشخصية للمواطن وفرض الحجاب على النساء وقمع الشباب وتوجهاتهم بحجة العادات والتقاليد الأجنبية ومنع الفنون والمسارح
والنشاطات الأجتماعية وفرض عادات وتقاليد بالية عفى عليها الزمن كل ذلك يؤدي الى تفاقم الوضع ويخلق حالة من الفوضى والأحتراب الطائفي والمذهبي والتذمر من قبل المواطنين
مهما كانت التبريرات لتلك الأفعال
ان البرامج الأسلامية والفكر الأسلامي المتنور والتعاليم الدينية السمحة لكل الأديان الأخرى لا غبار عليها ولكن ان يكون العراقي تابعا ومحكوما من قبل أناس متخلفين ومخبولين فكريا
ويعيشون في القرون الوسطى ويصدرون أوامرهم وتعليماتهم من ايران ومن السعودية ومن باكستان ومن افغانستان ويريدون من العراقيين ان ينفذوا اوامرهم بحجة الدين أو المذهب ، هذا
هو المرفوض بعينه من الشعب العراقي بكل فئاته وطوائفه واقلياته وعرقياته واثنياته المختلفة
يبقى الدور الفعال للكورد وبقية الأقليات والأديان والطليعة المثقفة من العراقيين والأكاديميين والكتاب والعلماء للعب دورهم البناء في تفعيل التوازن الديمقراطي وادامة وصيانة الحريات
العامة والحريات الشخصية من خلال موازنة المواقف بين الجهات المحتربة من جهة وبين الوصول الى أهداف الشعب العراقي من جهة واهداف الشعب الكوردي ضمن عراق فدرالي
ديمقراطي متوازن في سياساته وتطلعاته ونهضته وتقدمه بعد كل ما ألم به من جراح أثخنت جسده المنهك بحروب طاحنة وقاسية شغلته عن مسيرة النهضة العلمية والصناعية والعمرانية
طيلة أربعة عقود من الصراع الدامي
ان القضاء على الجهل وترك السلاح جانبا ومحاربة الفساد والمحسوبية والمنسوبية والرشوة وتعويض المتضررين وتعويض ذوي الشهداء وتكريم المعوقيين والسجناء السياسيين واعادة
المفصولين الى وظائفهم ومعاقبة المجرمين وملاحقتهم قضائيا وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص واعتبار العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات ووضع اصحاب الكفاءات في اماكنهم
الصحيحة وابعاد العناصر المنافقة والجهلة من القيادات السياسية والأدارية وابراز الجانب الوطني وزرع روح التعاون والتآزر والتآخي بين الأقليات والمذاهب والاديان ستؤدي الى صيانة
العراق وبناء مستقبله وبعكس ذلك لن نحصد الا المزيد من الجراح والألم والقتل لأبناء شعبنا بكل مكوناته