كفى تلكأ وتماطلا في إعادة حقوق الكورد الفيلية كاملة؟

من المعروف أن معاناة الكورد الفيلية ومشاكلهم هي نتيجة التشكيك بعراقيتهم بدأ بالمستعمرين في بداية تشكيلهم لدولة العراق الحالية وتنصيبهم للأمير فيصل (الحجازي الأصل والجنسية) ملكا على رأس دولة العراق الجديدة وتسليمهم لأمور الدولة إلى موظفين وضباط ألعديد منهم من بقايا العثمانيين (الذين بقوا في العراق ولم يغادروه إلى تركيا إثر انفصال العراق عن ألإمبراطورية العثمانية الإسلامية) ولقسم من العراقيين الذين انخرطوا في العملية السياسية وانظموا إلى العهد الجديد.
تم تثبيت هذا التشكيك في قانون الجنسية رقم 42 لسنة 1924 الذي أعتبَر جميع أهل العراق غرباء وأجانب تابعين لدولتين غير الدولة العراقية، جزء منهم عثمانيون (من التبعية العثمانية) والجزء ألآخر إيرانيون (من التبعية الإيرانية) وقسَّم أهل العراق إلى مواطنين من درجات متفاوتة على أساس هذا التجزئة وهذه التبعية. كان هذا القانون أيضا نوعا من الامتيازات قدمته بريطانيا للمتعاونين مع انتدابها للعراق.
تم استغلال هذا القانون جزافا لمرات عديدة ضد شرائح كبيرة عريقة من أهل العراق ومن المجتمع العراقي، كان أشدها قسوة وتعسفا واعتباطا حملة التسفيرات للكورد الفيلية العراقيين من بداية ثمانينيات القرن الماضي بموجب القرار 666.
بالرغم من قسوة القرار السياسي رقم 666 لسنة 1980، إلا انه يشكل في نفس الوقت إقرارا صريحا وواضحا من قبل دولة العراق، ممثلة آنذاك بمجلس قيادة الثورة ورئيس الدولة صدام حسين، بعراقية الكورد الفيلية المبعدين قسريا وبكونهم يحملون ألجنسية العراقية ألتي أسقطها عنهم النظام بقراره ذاك لمبررات سياسية واقتصادية. وبكلمة أخرى فأن نص القرار 666 الصادر عن النظام الشمولي السابق لم يشكك بتاتا بعراقية الكورد الفيلية المبعدين ولا بكونهم يحملون الجنسية العراقية بل أقر بذلك صراحة في الفقرة الأولى منه (1- تُسقط الجنسية العراقية عن كل عراقي ...) ولكنه لأسباب سياسية (من بينها التخلص من منبع بشري ومالي خصب من منابع مختلف أطراف المعارضة العراقية والكوردستانية) واقتصادية (من بينها الاستيلاء على ممتلكات الكورد الفيلية وتدمير قوتهم الاقتصادية الكبيرة خاصة في بغداد)، وعسكرية (من بينها التحضير للحرب) كان يشك ويشكك بولائهم "للأهداف القومية والاجتماعية العليا للثورة" (انقلابي 17-31 تموز 1968)، ولذا أراد التخلص منهم وأن يجعل منهم كبش فداء ودرسا للآخرين ولذا أسقط عنهم جنسيتهم العراقية وصادر جميع ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة وأخذ منهم كل مستمسكاتهم وأذاقهم شر العذاب واحتجز ثم قام بأخذ ألأعضاء الحيوية وسحب دم الكثيرين منهم أثناء الحرب (حسب بعض المصادر) ثم ارتكب جريمة القتل الجماعي للمتبقين من شبيبتهم المحتجزين في سياسة تطهير عرقي وإبادة جماعية رهيبة استمرت لتشمل فيما بعد كورد العراق عموما.
أما دولة النظام الديمقراطي الحالي فإنها تمارس سياسة الالتفاف والاحتيال مع الكورد الفيلية العراقيين، وبتلكؤ يشوبه ألشكك والتردد عند تعاملها مع قضاياهم ومشاكلهم وكأنهم ليسوا من أهل العراق ولم يكونوا يحملون الجنسية العراقية، ويتعامل قادتها معهم ومع قضاياهم وكأنهم يجهلون أن النظام السابق أسقطها عنهم ظلما وتعسفا بقراره السياسي رقم 666 وصادر بموجبه جنسياتهم وشهادات جنسيتهم ودفاتر نفوسهم ودفاتر خدمتهم العسكرية وكل مستمسكاتهم ألآخري وسلبهم ممتلكاتهم واحتجز الآلاف من شبيبتهم قبل إلقائهم عند الحدود وقام بتوثيق وتدوين كل قراراته وإجراءاته ضد الكورد الفيلية في كتب رسمية وحزبية حفظها في إضبارات وحافظ في دواليب حفظ أمينة. أفضل مثل على هذا الالتفاف والاحتيال من قبل دولة العراق على الكورد الفيلية هو تحويلها لقضية ممتلكات الكورد الفيلية المصادرة من قبل دولة العراق (والمسجلة لوزارة المالية التي باعت أكثريتها إلى الناس وقبضت أثمانها) من قضية سياسية - اقتصادية بين دولة العراق صاحبة قرار المصادرة الجائر وبين الكورد الفيلية (كمجموعة سكانية وشريحة عراقية بكاملها) ضحية لذلك القرار، تحويلها إلى قضية جزائية وكأنها نزاع بين ألمالكين الأصليين لهذه الممتلكات كأفراد وبين أصحابها الحاليين كأفراد الذين لا علاقة لهم بقرار وقضية المصادرة أصلا، مما ترتب عليه عدم إمكانية استعادتها من قبل ألمالكين الأصليين إلا بعد دفع نفقات باهظة (كتعويض ألمالكين الحاليين ودفع أجور ألمحامين ورشاوى للموظفين والحكام) والتعرض للتهديد والقتل في بعض الحالات على أيدي المحسوبين على القوى السياسية المهيمنة والميليشيات والإرهابيين. وتريد الدولة ألآن تكرار نفس الالتفاف على الكورد الفيلية بتحويلها لقرار سياسي اتخذته أعلى سلطة سياسية في الدولة في البلاد آنذاك (صادر عن مجلس قيادة الثورة وبتوقيع رئيسها رئيس الجمهورية) بإسقاط جنسيتهم بشكل جماعي كشريحة عراقية حاملة للجنسية العراقية إلى قضية إدارية بين الكورد الفيلية كأفراد وبين مديريات الجنسية والسفارات هنا وهناك ، أي تحويل هذه القضية السياسية أصلا إلى قضية إدارية!
ليس هذا فقط بل يلاحظ أيضا أن النظام الديمقراطي الجديد يلجأ إلى التسويف والمماطلة ويتخذ إجراءات جزئية ووقتية بشكل قرارات وتوصيات إدارية قابلة للنقض والتغيير والإلغاء إذا تغيرت النوايا وتغير المسئولون وتبدل المزاج السياسي، مما سيطيل من مآسي ومعاناة الكورد الفيلية ويضيّع حقوقهم بإغراقها في بحار من الإجراءات الجزائية والإدارية البيروقراطية في جهاز يفتقد إلى الانضباط ويعاني من الفساد المالي والإداري المستشري، ويتردد النظام الحالي في إعادة حقوقهم المغتصبة إليهم بنفس الأسلوب والطريقة التي أُسقطت وصُودرت وأُخذت منهم، أي بقرار سياسي من أعلى سلطة تنفيذية - الحكومة ورئاسة الجمهورية - وأعلى سلطة تشريعية - مجلس النواب، حيث تم إسقاطها بقرار سياسي من أعلى مسئول وأعلى سلطة تنفيذية وتشريعية آنذاك مجلس قيادة الثورة.
أين هي المستندات والاضبارات واسطوانات ألسي دي CD)) المتعلقة بالكورد الفيلية وقضاياهم؟
من المعروف للجميع أن النظام السابق كان يدوّن ويوّثق باستمرار جميع قراراته وإجراءاته وممارساته (بغض النظر عن نوعها) بشكل منتظم وكان يستخدم في ذلك وسائل حفظ مختلفة للحفاظ عليها وصيانتها من التلف والضياع، من بينها الأجهزة الحديثة، مثل الحاسوب (الكومبيوتر) والاسطوانات الالكترونية (اسطوانات ألـ CD) وأشرطة واسطوانات الفيديو، إضافة إلى المستمسكات والمستندات والوثائق والكتب التحريرية والسجلات، وحفظها في إضبارات والحفاظ عليها بإيداعها في خزانات (دواليب) في أماكن أمينة مناسبة.
فأين هي ألآن هذه المستمسكات والسندات والوثائق والاضبارات والأسطوات والأشرطة المتعلقة بالكورد الفيلية وقضاياهم ومستمسكاتهم وممتلكاتهم ومحتجزيهم المغيبين؟ لماذا لا تعود إليها دوائر الدولة عند تعاملها مع قضايا الكورد الفيلية، إن كانت موجودة؟ ومَن يحتفظ بها أو يخفيها إن هي اختفت من دوائر الدولة؟
تشير معلومات وأدلة شبه مؤكدة على أن بعض إضبارات المستمسكات التحريرية والسندات والسجلات واسطوانات ألـ CD الالكترونية موجودة فعلا لحد ألآن ويتم استخدامها والعودة إليها عند الحاجة من قبل موظفي بعض الدوائر ذات العلاقة للتأكد من هوية مراجعيها من الكورد الفيلية ومن كونهم ضمن قوائم المبعدين قسريا عن العراق، وفيما إذا كانت سجلاتهم مجمدة أو مرقنة، وفيما إذا كانت مستمسكاتهم وممتلكاتهم مصادرة أم لا ونوع هذه المستمسكات والممتلكات. إلا أن البعض ألآخر من هذه الاضبارات والسجلات والاسطوانات، حسب بعض المصادر، موجود لدى متنفذين في السلطة الحالية يخفونها، ربما للتستر على دورهم ودور ألآخرين في الإجراءات التي اتخذها النظام السابق ضد الكورد الفيلية، أي للتستر على مشاركتهم في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية رافقت عمليات التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي نتجت عن القرار 666، أو لإخفاء انتفاعهم واستفادتهم من الممتلكات غير المنقولة والمنقولة المصادرة العائدة للكورد الفيلية والتي تعرضت للفرهود والنهب من قبل الدولة وأنصارها آنذاك.
ألسؤال الذي يحير ليس فقط الكورد الفيلية بل غيرهم من العراقيين الوطنيين والديمقراطيين المخلصين والمنصفين، من كل الانتماءات القومية والدينية والمذهبية ومن مختلف الأوساط السياسية والفكرية هو:
لماذا تتلكأ دولة العراق الديمقراطية الجديدة ودوائرها في الاستفادة من إضبارات وسجلات واسطوانات الدولة الدكتاتورية السابقة ليتبين لها وللجميع الحقائق التالية:
أ‌- الأسماء الكاملة للكورد الفيلية العراقيين من حملة الجنسية العراقية الذين أسقط عنهم النظام السابق جنسيتهم العراقية ثم أبعدهم عن العراق
ب‌- عناوينهم وأماكن سكناهم عند الإبعاد وأماكن ودوائر عملهم والوحدات العسكرية التي خدموا فيها آنذاك
ت‌- الممتلكات غير المنقولة التي صادرها منهم وسجلها لوزارة المالية والمسجلة في دوائر الطابو
ث‌- المستمسكات التي أخذها منهم قبل إبعادهم عن العراق
ج‌- أسماء شبيبتهم الذين احتجزهم النظام السابق ثم قام بتصفيتهم جسديا وأماكن حجزهم
لكي تقوم بإعادة جنسياتهم وشهادات جنسيتهم وغيرها من وثائقهم ومستمسكاتهم، ولكي تُعيد إليهم ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة المصادرة ، ولكي تكشف عن ما يتوفر من معلومات عن مصير ألمحجوز ين وكيفية تغييبهم؟
ثم لماذا تريد دولة العراق (ودوائرها وسفاراتها) من الكورد الفيلية أن يبرزوا مستمسكات سبق لها وأن أخذتها هي منهم؟
هل هذه عدالة ومساواة وديمقراطية يا دولة العراق الجديدة الديمقراطية؟ أليست هذه ممارسات لا تقل ظلما وتعسفا وتمييزا وتفرقة عن ممارسات النظام السابق التعسفية والظالمة، سوى أنها "سلمية" ألآن بالمقارنة مع "عنفيه" النظام آنذاك؟ أم هل أن دولة العراق دولة ظالمة وتعسفية ولا قانونية منذ تأسيها ولحد ألآن بغض النظر عن نظام الحكم، ملكيا كان أم جمهوري، برلمانيا كان أم دكتاتوري أو ديمقراطي، وبغض النظر عن انتماءات الذين يسيطرون على هذه الدولة؟
لمصلحة مَن الاستمرار في معاملة الكورد الفيلية بهذه الطريقة التعسفية يا عراق؟

الاتحاد الديمقراطي الكوردي الفيلي
30/5/2007

info@faylee.org
www.faylee.org