الكرد ألفيلية: التصريحات والوقائع

الكرد ألفيلية مكون عراقي عريق وشريحة كردية أساسية، ساهموا في مقارعة الدكتاتورية وعملوا بنشاط في صفوف الحركة الوطنية الديمقراطية العراقية، الدينية (حزب الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى الإسلامي، ومنظمة العمل الإسلامي) والعلمانية، وفي صفوف الحركة الكردية منذ الحرب العالمية الثانية (الحزب الديمقراطي الكوردستاني منذ تأسيسه عام 1946 والاتحاد الوطني الكوردستاني منذ تأسيسه عام 1976 وأحزاب كردستانية أخرى) وقدموا تضحيات جسام واعدم الكثير من شبيبتهم وتعرضوا لمظالم ومعاناة كبيرة وخسائر بشرية واقتصادية هائلة وخسروا جيلا كاملا من خيرة شبابهم من المحجوزين المغيبين، لأسباب عديدة من بينها دعمهم لهذه الحركات السياسية ووجودهم في قياداتها وكوادرها المتقدمة.

صدرت منذ عام 2003 ولحد الآن العشرات من التصريحات والوعود والعهود عن قادة العراق الجديد وعن القوى السياسية الكردستانية والعراقية المتنفذة، وصدر العديد من القرارات، على سبيل المثال، من المحكمة الجنائية العليا العراقية ومن مجلس النواب العراقي وتصريحات من المسئولين في حكومة بغداد وحكومة اربيل حول تضحيات الكرد ألفيلية في سبيل العراق وشعبه وفي سبيل الكرد وحول ضرورة إنصافهم وإعادة حقوقهم المغتصبة وصيانة مصالحهم.
ولكن، ونقولها بأسف شديد، أن جزءا ضئيلا جدا من هذا الكم من التصريحات والوعود والعهود والقرارات قد تم الالتزام به ووجد طريقه إلى التنفيذ. لذا نتساءل لماذا لم يجري ترجمة هذه التصريحات إلى أفعال وأعمال ولماذا لم تطبق كل هذه الوعود والعهود والقرارات لحد الآن؟ ومن بديهيات الأمور إن العبرة هي في الأفعال وليس في الأقوال فقط.

فالذي حل بالمحجوزين المغيبين الذين هم أكثر من 20,000 شهيد، ومكان رفاتهم لا زال لغزا محيرا لأهالي وذوي الشهداء وموضوع يُدفن في طي الكتمان، مع أن كبار المسئولين المدانين في قضية الكرد ألفيلية وبعض الضباط الذين ربما شارك قسم منهم في تنفيذ جريمة الإبادة الجماعية أو لديه معلومات حولها عادوا للخدمة ويستطيع المسئولون في الحكومة الاستفسار منهم للحصول على المعلومات المتعلقة بهذه القضية الإنسانية الكبرى دون الحاجة إلى أن يكشف الذين في الخدمة عن أسمائهم. لماذا لم يقم القضاة والمدعي العام في المحكمة والمسئولون في الدولة بالاستفسار منهم؟ أم أنهم يعلمون ولا يفصحون؟ ولماذا؟

قضايا الملكية (التي هي في الحقيقة قضية بين المواطنين الكرد ألفيلية المٌصادرة ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة وبين وزارة المالية التي سجلت لها هذه الممتلكات) لم تحل لحد الآن وتعاني قضايا الممتلكات غير المنقولة من مشاكل التزوير والغش والاحتيال والضغوطات والتهديدات الصريحة والمبطنة والابتزاز المالي والفساد الإداري والتسويف والروتين المرهق والبيروقراطية المملة. أما قضية الممتلكات المنقولة فليست مطروحة للنقاش لحد الآن. ولم يتم إلى ألان تنفيذ القانون رقم 16 لسنة 2010 بالرغم من مصادقة مجلس النواب العراقي ورئاسة الجمهورية في 16/2/2010 عليه.

لا زالت الأغلبية الساحقة من الكرد ألفيلية المهجرين قسرا من القاطنين في بلدان المهجر (إيران وأوربا وشمال أمريكا واستراليا وغيرها) محرومة من وثائقها الثبوتية ويُطلب منهم السفر إلى العراق من اجل محاولة استعادها، وهذا طلب تعجيزي للكثير منهم خاصة لكبار السن وللأجيال الجديدة. ويُحرم هذا الوضع أعدادا غفيرة من الكرد ألفيلية المهجرين قسرا من حقوقهم الديمقراطية الأساسية ويمنعهم من التمتع بإحدى ابسط حقوق المواطنة وهي المشاركة في الانتخابات النيابية العراقية، كما حصل في الانتخابات الأخيرة. لا نرى أية جهة تبذل جهودا حقيقية لوضع حل عملي لهذه القضية.

لا زال الكرد ألفيلية يعانون من التمييز والتفرقة في دوائر الدولة داخل العراق وخارجه ويتم التعامل معهم من قبل اغلب موظفي هذه الدوائر باستعلاء وأحيانا تكون المعاملة مهينة ويتم ابتزازهم ماليا ويمارس معهم مختلف أنواع التسويف والتأجيل لإتعابهم وإرغامهم على ترك قضاياهم التي يراجعون تلك الدوائر من اجلها، إضافة إلى استخدام مفردات شوفينية وطائفية من قبل بعض هؤلاء الموظفين. مع العلم أن الغالبية العظمى من المراجعين يقيمون في مختلف بلدان المهجر ويأتون إلى العراق تاركين عوائلهم وأعمالهم متحملين مصروفات كبيرة لمتابعة قضايا لاستعادة ممتلكاتهم ووثائقهم.

رغم أن لجميع مكونات وشرائح الشعب العراقي تمثيل في مجلس النواب ومجالس المحافظات التي يقطنونها أما بالانتخابات الاعتيادية أو حسب نظام "الكوتا"، ليس للمكون الكردي ألفيلي أي تمثيل فيها حسب نظام "الكوتا" أسوة ببقية المكونات العراقية والشرائح الكردية. لماذا؟

قدم ائتلاف الكتل الكردستانية قائمة بتسعة عشر فقرة كشرط لمشاركته في تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات النيابية الأخيرة. وبالرغم من أن اتحادنا أصدر ثلاث بيانات (تعبيرا عن رغبة الكثيرين من الكرد ألفيلية)، وطالب عراقيون مؤيدون لقضايا الكرد ألفيلية، بإضافة فقرة حول القضية الكردية ألفيلية، لم يستجب الائتلاف (بجميع إطرافه وأعضائه المستقلين) ولم يعر اهتماما وفضل إهمال هذا القضية تماما في قائمة مطالبه، مما اثأر استغراب حتى عدد من المساندين للقضية الكردية والمدافعين عن حقوق الكرد ألفيلية من الإخوة العراقيين الوطنيين العرب.

كانت هناك وعود كبيرة قدمت في شهر كانون الثاني بتأسيس مكتب لشؤون الكرد ألفيلية في رئاسة الجمهورية وتم تحضير برنامج ونظام داخلي للمكتب بعد بذل جهود مضنية وإجراء اتصالات مكثفة من قبل السفير الأستاذ عادل مراد ودعم كردي فيلي واسع. ولكن المكتب لم ير النور لحد الآن مع شديد الأسف. لماذا؟

أصدرت المحكمة الجنائية العراقية العليا بتاريخ 29/11/2010 قرارا يدين عددا محدودا جدا من المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية ضد الكرد ألفيلية وصادقت محكمة التمييز على الإحكام في شهر حزيران من هذا العام. ولكن إلاحكام الصادرة بحق المدانين لم تنفذ لحد الآن. لماذا؟ علما بان هذه الجريمة الكبرى بحق أكثر من 600,000 مواطن عراقي كردي فيلي بريء وقتل أكثر من 20,000 من خيرة شبيبتهم بدون ذنب ارتكبوه، قد اختزلتها السلطات المختصة بعدد محدود جدا من المتهمين وعدد أقل من المدانين.

رغم تأكيداتنا المتكررة على حاجة الكرد ألفيلية لفضائية لإسماع صوتهم وللتعبير عما تعرضوا له من جرائم وعن معاناتهم ومشاكلهم وصيانة تراثهم ولغتهم ولهجتهم وعكس ثقافتهم التي هي أغناء للثقافة العراقية والكردية، لم يقم أي من الأحزاب العراقية والكردستانية ولم تقم حكومة بغداد أو حكومة اربيل بإنشاء مثل هذه الفضائية رغم أنها أنشأت فضائيات عديدة وتتوفر لديها الإمكانيات الكبيرة. لماذا؟

أليس الأحرى بالقادة العراقيين والكردستانيين الذين بيدهم الحل والربط والقوى السياسية العراقية والكردستانية التي تحكم العراق الآن شراكة ترجمة تصريحاتهم ووعودهم وعهودهم إلى أعمال جادة وإجراءات فعلية لحل المشاكل العالقة للكرد ألفيلية في العراق الجديدة بدل التصريحات والتصريحات المضادة حول الكرد ألفيلية وأمورهم وقضاياهم التي تنتظر الحلول العملية وليس التصريحات العاطفية ودغدغة المشاعر القومية والمذهبية والمجاذبات السياسية التي لا طائل من ورائها؟

إن ما لمسناه ونلمسه لحد الآن من القوى السياسية الكردستانية والعراقية المتنفذة بعد مرور أكثر من ثماني سنون عجاف على تغيير النظام السابق لا يتعدى كثيرا تقديم حلول ترقيعية جزئية لمشاكل ثانوية وإهمال القضايا الأساسية والمصيرية للكرد ألفيلية وتركها معلقة دون حلول، باستثناء مبادرات شخصية مشكورة (من قبل الأستاذة بريزاد شعبان) لإصدار مجلس النواب العراقي قرارا بعد ما حل بالكرد ألفيلية إبادة الجماعية.

لقد شبع الكرد ألفيلية العراقيين من التصريحات الجميلة والكلام المنمق ويطالبون القادة العراقيين والكردستانيين والقوى العراقية والكردستانية بأفعال بدل الأقوال، أفعال تساهم في تغيير الواقع المر الذي تعيشه الغالبية العظمى منهم، خاصة في العراق وإيران.

بما أن قضية الكرد ألفيلية قضية سياسية أصلا فلا يتم حلها بالتصريحات والتصريحات المضادة والتراشق الإعلامي بل بحلول سياسية جذرية، تفترض توفر الإرادة السياسية لدى القوى الحاكمة، بدأ بإلغاء القرارات القوانين العديدة المعادية للكرد ألفيلية الصادرة زمن النظام السابق، وعلى رأسها القرار رقم 666 لسنة 1980، إضافة إلى سن وتطبيق قوانين تضع حدا نهائيا لمشاكل ومعاناة الكرد ألفيلية.

مع تقديرنا العالي وامتناننا لجميع السياسيين العراقيين والكردستانيين وكل القوى السياسية العراقية والكردستانية التي ساندت وتساند قضيتنا العادلة ودعمت وتدعم حقنا في انتزاع حقوقنا المشروعة وصيانة مصالحنا الحيوية والمصيرية واستعادة مكانتنا في المجتمع، نرجو من هؤلاء السياسيين ومن هذه القوى عدم حشر قضية الكرد ألفيلية في خلافاتها وسجالاتها في وسائل الإعلام حول قضايا أخرى لا تمت للكرد ألفيلية بصلة، لأنها تساهم في تعقيد أكبر لقضاياهم المعقدة أصلا.

كما نأمل من القادة العراقيين والكردستانيين أن يتذكروا ولا ينسوا الكرد ألفيلية وحقوقهم ومصالحهم وقضاياهم حين يجتمعوا ويتخذوا القرارات ويوقعوا الاتفاقات ويتوصلوا للتفاهمات.

يدعو اتحادنا الديمقراطي الكوردي ألفيلي، كما دعا دائما منذ تأسيسه، إلى رص صفوف وتوحيد كلمة الكرد ألفيلية. كما يدعو مرة أخرى إلى تكاتف أيادي وتضافر وتنسيق جهود جميع القوى الكردية ألفيلية، دون تهميش أو إقصاء متعمد، والحصول على دعم القوى الأخرى، من أجل انتزاع حقوقنا وصيانة مصالحنا وتطوير وتقدم مكوننا العراقي العريق وشريحتنا الكردية ألأساسية، ومن أجل ترجمة ما صدر من قرارات سياسية وبرلمانية ايجابية وما تم تشريعه من قوانين حول قضايانا الأساسية إلى إجراءات عملية وخطوات فعلية. ويناشد اتحادنا السياسيين والأطراف الكردية ألفيلية أن تتجنب كل ما قد يدخل قضيتنا في متاهات لا تحمد عقباها وليست في مصلحتنا جميعا.

الاتحاد الديمقراطي الكوردي ألفيلي
4/10/2011

info@faylee.org     www.faylee.org