نيجيرفان بارزاني: لدينا وثيقة بخط يد صدام يوصي فيها بالتكتم على مقتل البارزانيين

جريدة الشرق الاوسط، 21/7/2004

رئيس حكومة أربيل لـ«الشرق الأوسط»: مشكلة كركوك قضية عراقية داخلية لا يحق لدول الإقليم التدخل في حلها والوجود الإسرائيلي في كردستان كذبة

أربيل: شيرزاد شيخاني لم يكن نيجيرفان بارزاني متشفيا او شامتا لدى رؤيته الرئيس العراقي السابق صدام حسين مقيدا بالسلاسل ماثلا امام القاضي العراقي الذي وجه اليه عددا من الاتهامات، بينها المذبحة الرهيبة التي ارتكبها ضد العائلة البارزانية، فقد بدا بارزاني اثناء اللقاء به مترفعا عن الشماتة والتشفي، وهو يقول «ان مأساة البارزانيين هي جزء من المأساة الكبرى التي حلت بشعبنا الكردي، ونحن نترك الامر كله للقضاء العراقي ليقرر ما يستحقه المجرمون الذين آذوا العراقيين وأبناء شعبنا الكردي بجرائمهم».
وكشف رئيس الحكومة الكردية المحلية في أربيل التي يديرها الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني جانبا من حقيقة ما جرى بالقول «إن المذبحة التي ارتكبها النظام السابق طالت 8 آلاف من أبناء العشيرة البارزانية نفذت بطريقة منسقة على شكل افواج متباعدة لكي تطمس معالم الجريمة بشكل لا يمكن كشفها ابدا»، مستعيدا في ذاكرته لحظة تلقيه نبأ المذبحة، وهو شاب في مقتبل العمر لم يكمل سنته السابعة عشرة بالقول «لم اكن اتصور ان يكون هناك شخص يسوق آلاف الناس الى الموت هكذا ببرودة أعصاب، ولكني تنبأت بأنها ستكون فاتحة لعمليات قتل جماعية اكبر حجما»، مشيرا إلى أنه كان بين الضحايا عدد من ابناء عمومته الذين زاملوه في الدراسة.
وعندما استوضحته «الشرق الأوسط» عن ردود مدير جهاز المخابرات السابق برزان التكريتي الاخ غير الشقيق لصدام اثناء استجوابه امام القاضي وادعائه بان مسعود بارزاني يعرف انه بريء من دماء البارزانيين، قال نيجيرفان بارزاني: أتذكر ان برزان التكريتي حاول عدة مرات اثناء جولة مفاوضاتنا مع الجانب الحكومي ضمن الجبهة الكردستانية (عام 1991) الاختلاء بالسيد بارزاني وكان يستغل كل فرصة ممكنة بين المحادثات للقائه حصريا، وكان يريد ان يوهمه بأنه لم يكن مسؤولا عن مذبحة البارزانيين ويريد ان ينأى بنفسه عن دمائهم بإلقاء المسؤولية على علي حسن المجيد وجماعته، واعتقد ان ما قاله اثناء استجوابه يقصد تلك المحاولات اليائسة، واليوم حيث يمثل هو وآخرون معه أمام المحكمة، فان الشعب الكردي سعيد برؤيتهم هكذا، وأتذكر ان الشعب الكردي فرح كثيرا عندما اعتقل الدكتاتور الصربي ميلوشيفيتش ومثل امام محكمة لاهاي حيث عمت الفرحة انحاء كردستان لأن دكتاتورا سقط بيد العدالة رغم ان قضية ميلوشيفيتش وتقديمه للمحاكمة لم تكن لها علاقة قريبة بالشعب الكردي، واظن أن بقية شعوب العالم المضطهدة فرحت ايضا بمثول هذا الدكتاتور امام العدالة، فكيف بشعبنا وهو يرى اليوم من ارتكبوا الجرائم الكبرى بحقه من تهجير الكرد الفيليين الى عمليات الانفال والقصف الكيماوي، وهم يمثلون امام المحكمة العراقية. مجرد رؤيتهم على هذه الحال يكفي لإراحة النفوس واطمئنانها، فقد كان يوم مثولهم يوما تاريخيا مشهودا، اما ما سيقرره القضاء بحقهم فهذا نتركه لقرار المحكمة.
وردا على سؤال ما اذا كان الوفد الكردي الذي شارك في جولة المفاوضات تلك قد أثار في حينه مصير البارزانيين وضحايا الانفال، قال بارزاني: منذ البداية حاولنا اثارة المسألة، لكننا لاحظنا تهربهم منها، وكانوا يردون علينا دائما انه عندما نصل الى اتفاق حول حل القضية الكردية ستتبين الحقائق عن مصائرهم، وحين كنا نعيد الكرة مع القيادات الحكومية المشاركة في تلك المفاوضات يجيبوننا قائلين «الجواب عند القيادة». حتى صدام نفسه كان يقول لنا: عندما نتوصل الى الاتفاق سنسوي هذا الامر. ومن ضمن الوثائق التي حصلنا عليها عن الجريمة ملف خاص بالبارزانيين مكتوب على غلافه بخط يد صدام «هذا الملف سري وحصري واذا سأل احد عن مصير البارزانيين اجيبوهم: الجواب عند القيادة»، ورغم ذلك فقد كنا نعرف انه لم يبق احد منهم احياء لان صدام اعلن في احدى خطبه عام 1983 عندما اتهم البارزانيين بالخيانة انه ساقهم الى «جهنم وبئس المصير».
واضاف بارزاني «على كل حال كنت ضمن الوفد الكردي أشارك لأول مرة في جولة تفاوضية مع الحكومة عام 1991 ولكني خرجت بانطباع ان عقلية هذه القيادة لم تتغير ولن تتغير، وقلت لعمي مسعود عندما عدنا من احدى الجولات وبصراحة تامة ان هؤلاء لم يتغيروا ومن الصعب التعايش معهم ولا اتصور انهم جادون في التوصل الى اتفاق معنا. انهم اضطروا مرغمين في موقف الضعف للتفاوض معنا، وما ان يستردوا قوتهم حتى يرتكبوا من الجرائم ما هو افظع من الانفال والقصف الكيماوي، فاذا استطعنا ان نبعد شرورهم وأذاهم عنا فهذا يكفي لمصلحة شعبنا، اما الاتفاق معهم فهذا مستحيل واظن ان ابناء شعبنا يفكرون هكذا ايضا».
* عند ارتكاب المجزرة كنت في السابعة عشرة، كيف استقبلت نبأها؟
ـ لم اكن قد اكملت السابعة عشرة من عمري بعد، ولم اكن اتصور ان يكون هناك شخص يسوق آلاف الناس الى الموت هكذا ببرودة اعصاب، وكان بين الضحايا عدد من أولاد عمومتي وكان معظمهم زملائي في الدراسة، اذن كان وقع نبأ المذبحة علي قاسيا ومؤلما للغاية، لكن حدسي انبأني عندها ان هذه المذبحة ستكون فاتحة لفظائع اكبر، فلم تسبقها عملية قتل جماعية بهذا الحجم، فاعتقد انها كانت بمثابة تمرين لمذابح اكبر بحق شعبنا وقد تحقق ذلك فعلا بعمليات الأنفال والقصف الكيماوي لمئات المناطق الكردستانية.
* كركوك
* انتقلنا مع نيجيرفان بارزاني الى ملف آخر هو ملف كركوك الذي يثير حساسية الكثير من الاطراف السياسية المحلية والاقليمية، وسألناه عن رده على تصريحات منسوبة الى احد المسؤولين الاتراك، وهو يتهم القيادات الكردية بالقيام بحركة واسعة النطاق لتغيير الواقع الديموغرافي لمدينة كركوك بعد زيارته لها ورؤيته حركة عمران واسعة للدور والعقارات، فقال رئيس حكومة اربيل «لقد سمعت تلك التصريحات، واعيدكم الى تصريحات مناقضة ادلى بها رئيس الوزراء العراقي الدكتور اياد علاوي في اشارته الى ان كركوك مشكلة داخلية، واعتقد ان لا تركيا ولا غيرها من دول الاقليم لها الحق في التدخل بمشكلة مرتبطة بسياسة الحكومة العراقية. هذه المشكلة تخصنا نحن حكومتي العراق والإقليم، وسنحلها بطريق الحوار والتفاهم. وأود القول في البداية ان كركوك ننظر اليها كونها جغرافياً جزءا من كردستان، وهناك عشرات الوثائق التاريخية والجغرافية التي تثبت ذلك ولا يستطيع احد انكار هذه الحقيقة، وفي الوقت ذاته، فاننا نعترف بان في كركوك قوميات اخرى غير الكرد مثل العرب والتركمان والأرمن والآشوريين، والامر الثاني يجب ان يعترف الجميع بان ظلما كبيرا وقع على عدد كبير من سكان هذه المدينة من الكرد رحلت منهم قسرا اعداد هائلة وجردوا من كل ما يملكون وجيء بالعرب ليسكنوا في دورهم ومناطقهم، والامر ببساطة شديدة لا يخلو من حق هؤلاء الناس في احقاق حقوقهم واعادة العدالة الى نصابها من خلال ضمان عودتهم الى اراضيهم ومناطقهم التي عاش فيها آباؤهم وأجدادهم لمئات السنين. من حق هؤلاء وهم يرون تغييرا كبيرا حصل في العراق والبلد يعاد بناؤه من جديد ان يستعيدوا حقوقهم المشروعة، ونحن مع ذلك نطلب تقديم تعويضات عادلة للعرب الذين وفدوا على المدينة اثناء حكم النظام السابق سواء بالترغيب او الترهيب، فلا نريد ان نظلم أحدا برفع الظلم عن شعبنا، والمسألة لا علاقة لها بالنفط كما يتصور البعض، بل بحقوق قانونية لأناس عاشوا في تلك المدينة وطردوا منها قسرا وأُسْكِنَ آخرون في اماكنهم. منذ اكثر من سنة ونحن ننتظر الشروع بخطوات عملية لاعادة المرحلين والمهجرين من المدينة ليس من الكرد فحسب بل من التركمان المتضررين ايضا، ولكن للأسف لم نلمس اية خطوة عملية بهذا الاتجاه لا من قيادة التحالف ولا من الحكومة العراقية حتى يطمئن الناس بأن حقوقهم سترجع اليهم، واعتقد ان هذه المشكلة لن تحل بالتكتيكات المرحلية، بل بخطوات جدية قبل ان ييأس الناس ويخيب ظنهم بالعراق الجديد الذي تطلعوا اليه منذ زمن طويل. واخيرا علينا ان نسأل تلك الأطراف التي تزعم ان الكرد يسعون لتغيير الواقع الديموغرافي للمدينة: اين تلك الامكانية لدى الكرد ليقوموا بهذه الحملة المزعومة؟ المشكلة يجب ان تحل ونحن لا نستطيع الانتظار الى ما لا نهاية، وها انتم تسمعون كل يوم بوقوع سلسلة اغتيالات تستهدف مسؤولي الدوائر وكوادرنا هناك.
* بمناسبة الحديث عن الاغتيالات ألا تخشون من تفجّر الوضع في كركوك، وبالتالي هل انتم مستعدون لضبط الشارع الكردي هناك؟
ـ اذا تمعنا في الهدف من وراء تلك الاغتيالات نجد انها تهدف الى ان يقوم الكرد برد فعل عنيف مماثل لما يجري، اذن الهدف هو اثارة الفتنة. نحن كقيادات كردية ندفع بكل قوتنا وامكاناتنا من اجل الحيلولة دون وقوع ذلك الرد، واعود لأكرر بأن حل المشكلة ضمان لتفويت الفرصة على الأعداء للنفوذ من هذه الثغرة، واعتقد أن الحكومة العراقية لها من الاموال والامكانات الاخرى لتحمل اعباء هذا الحل، فهذه المشكلة ليست عصية على الحل حتى نقعد عنها، كل ما في الامر هو ضمان عودة الكرد الى مناطقهم واعادة العرب الوافدين وتقديم التعويضات العادلة لهم.
* قلت إنكم لم تلمسوا خطوة عملية من الحكومة العراقية بهذا الشأن، ولكنكم مشاركون ايضا في هذه الحكومة، فهل عودة المرحلين حاليا الى كركوك هي نتاج يأسهم من البدء بخطوات عملية باتجاه حل مشاكلهم؟
ـ لقد تحدثت مع رئيس الوزراء العراقي وأنتم تعلمون ان الحكومة منشغلة اليوم بهواجسها الأمنية وضبط الأوضاع في البلد، لكن مشكلة كركوك مهمة بالنسبة لنا ولا بد من حلها داخليا ونحن بانتظار قدوم رئيس الوزراء العراقي الى كردستان للبحث معه في جميع الملفات وستكون كركوك في أولويات تلك الملفات.
* «الوجود» الإسرائيلي
* كان المحور الاخير من لقائنا مع نيجيرفان بارزاني هو الاتهامات التي تطلقها بعض الاوساط حول تعاون الكرد مع الموساد الاسرائيلي وايصال عدد من الضباط الاسرائيليين الى داخل الاراضي الايرانية، وهذا ما نفاه بارزاني بشدة مؤكدا:
ـ نحن لم نكن ابدا عامل عدم استقرار بالنسبة لجيراننا. كانت لمعظم هذه الدول قوى معارضة تعيش بيننا ولكننا لم نستغل هذه القوى لدفعها نحو تلك البلدان، فحدودنا كانت آمنة دوما لدول الجوار، وهذه حقيقة أثبتناها لهذه الدول منذ 13 سنة منذ تحررنا وادارتنا لشؤون اقليمنا، فلتسأل هذه الدول ما اذا كنا سببنا لها اية قلاقل امنية على حدودها معنا.. نحن لا نتصرف كأحزاب او ميليشيات. نحن لدينا أمننا القومي ونعرف الخطوط الحمراء في اطار هذا الأمن. اما ما يتردد بشأن الاسرائيليين فالهدف واضح وهو إثارة مشاكل لنا، فهذه الاتهامات مرفوضة جملة وتفصيلا، لأن الكرد ليسوا بحاجة لجلب ضباط اسرائيليين الى المنطقة ويكونون أدلاء لهم. من يتهمنا بهذا الجانب عليه ان لا يتغافل عن رؤية العلم الاسرائيلي وهو يرفرف على عواصم بلدانهم. نحن كشعب كردي ليس لنا عداء مع أية قومية او دولة لا مع العرب ولا مع اليهود ولا مع المسيحيين، فليس لنا مصلحة في هذا العداء.
* لكن ألا يمكن ان هؤلاء دخلوا الى العراق من الحدود السائبة في الوسط والجنوب، ثم عبروا الى ايران من حدودكم؟
ـ لا يستطيع احد ان يضمن عدم عبور الناس من الحدود. المسألة ليست هنا بل ان التقارير تتحدث عن حركة منظمة مزعومة بيننا وبين جهات اسرائيلية لمعاداة ايران ودول اقليمية اخرى، وهذا شيء لا أساس له من الصحة ابدا. ثم لا تنسوا أن في اسرائيل اليوم جالية كردية كانت تعيش هنا ولها في كردستان معارف واصدقاء، وهم يأتون الى العراق ويدخلون بغداد ثم يأتون الى كردستان، فكيف يمكننا منعهم من زيارة معارفهم وأصدقائهم؟ هذا غير واقعي. اما ما يقال عن وجود حركة منظمة او تعاون استخباري فهذا ما نرفضه لأنه بلا أساس تماما.