كتاب ـ الكورد الفيليون بين الماضي والحاضر
عن مؤسسة شفق للثقافة والاعلام للكورد الفيليين
المؤلف:
أحمد ناصر الفيلي
صدر هذا الكتاب من مؤسسة شفق للثقافة والاعلام للكورد الفيلية منذ فترة .. ولأهمية المعلومات الواردة فيه .. وسعياً لتوصيله الى أكبر عدد من القراء.. قام ألاخ الاستاذ علي حسين الفيلي
مدير عام المؤسسة مشكوراً باهداء الكتاب الى مركزنا ، ولغرض نشره على موقعنا. وعلية نسترعي انتباه الراغبين بنقل الكتاب او اجزاء منه .. أخذ الاذن منا او من المؤسسة المذكورة
أعلاه ، لغرض التنويه. وشكراً.
صورة الغلاف : أول جمعية فيلية تأسست عام 1946 في بغداد.
|
فهرست الكتاب يتضمن:
* المقدمة
* نظرية تاريخية حول الاصول الاولى للامة الكوردية.
* الفيليون: آراء في أصل التسمية.
* المعاني والدلالات للمفهوم الكوردي للتسمية ومعاني ( اللر) والفيلي.
* الكورد الفيليون في ظل الدولة العراقية.
* الدور السياسي للكورد الفيليين.
* النشاط الاقتصادي والتجاري للكورد الفيليين
* آراء في الحلول لاصل المشكلة.
ويقع الكتاب في 68 صفحة من القطع الصغير
المقدمة
الفيليون كورد أصلاء، عانوا أهوالاً ومحناً قاسية وسر تعرضهم لأبشع أنواع الإضطهادات من قبل السلطات العراقية المتعاقبة تكمن في قوميتهم الكوردية وإعتناقهم المذهب الشيعي. وبرغم
الدور الكبير الذي لعبوه على المسرح السياسي سواء في نضالهم ومشاركتهم التأسيسية للأحزاب والحركات الكوردية التي إنبثقت مع النصف الأول من القرن المنصرم خاصة الحزب
الديمقراطي الكوردستاني (حدك) الذي برز كقوة تنظيمية متقدمة وموحدة ولاحقاً المشاركة في ثورة أيلول التاريخية والمساهمة الفعالة بها مادياً ومعنوياً..، أو في صفوف الأحزاب الوطنية
التقدمية، كالحزب الشيوعي العراقي الذي وصلوا فيه إلى مراكز قيادية متقدمة وكانوا مادة أساس في العديد من الإنتفاضات كإنتفاضة الحي. وقد دفعوا ثمن تلك التضحيات الوطنية الجسام
من دمائهم ودماء أبنائهم وأموالهم التي صودرت والتشريد الواسع النطاق الذي واجهوه ، لأن القتل والقمع بكل أشكاله كان حصة الوطنيين الشرفاء بوجه الحكام المستبدين الطغاة.
إلا أن أحداً لم يفكر في أن يدون ذلك النضال كشهادة للتاريخ سواء في كتاباتهم التاريخية المتعلقة بالأوضاع العراقية العامة والمختلفة أو في سيرهم الذاتية أو في كتابة مذكراتهم، الأمر الذي
جعل مع قلة المدونات في الشأن الفيلي واحدة من أصعب الأمور. إن محاولتنا المتواضعة هذه جاءت لطلب العديد من الأخوة في منظمات المجتمع المدني الكوردية بضرورة وضع كراس
حول الكورد الفيليين وأصولهم التاريخية الأولى ودورهم في ظل الدولة العراقية كتعريف بهم والحقيقة أن قلة المدونات واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه الباحث في هذا المجال، صحيح
قد تكون هناك بعض الإصدارات قد صدرت في المنافي من قبل بعضهم إلا أن عدم وصولها إلى أيدي القراء بسبب بطش النظام الاستبدادي المقبور أو لأسباب أخرى، مما حال أن تبقى
الحاجة المعرفية في تزايد مستمر. والحقيقة أن هذا الكراس بشكله الحالي ما كان له أن يحوي هذا الكم من القرارات والتعليمات الصادرة بحقهم لولا مساهمة السيد رياض جاسم محمد الفيلي
الذي وضع ملفاً قانونياً كاملاً تحت تصرفنا وكذلك مساهمة السيد جمال حسن المندلاوي الذي كان لملاحظاته حول مدلولات الأسم محلياً أثر كبير في توسع البحث في هذا المجال.
أخيراً وليس آخراً.. نأمل أن نكون قد وفقنا في تقديم كراس يسد شاغراً في هذا المجال. وبالمناسبة نتوجه بالشكر الجزيل إلى مؤسسة شفق هذه المؤسسة الثقافية الفتية التي أخذت على
عاتقها النهوض بالوعي القومي والاجتماعي لهذه الشريحة من خلال قنواتها الاعلامية المختلفة المقروءة والمسموعة وباللهجة الكوردية الفيلية ولأول مرة، مما يبشر بولادة جديدة يسهم فيه
الجميع ببناء عراق فدرالي ديمقراطي تعددي برلماني جديد.
نظرة تاريخية حول الأصول الأولى للأمة الكوردي
يتفق المؤرخون والعلماء الاركيولوجيون بمختلف انتماءاتهم وجنسياتهم على ان الاقوام او القبائل الزاكروسية هم الاصول الاولى للأمة الكوردية وتعد الاقوام اللولوية والكاشية والعيلامية
الجزء الاساسي والمهم من تلك القبائل وقد قطنت تلك القبائل المناطق الممتدة من الكميت وبدرة وحتى خانقين وكلار وصولاً الى حلبجة وبنجوين جنوباً وحتى اقاصي مناطق كرمانشاه
وايلام ولورستان وبختياري وخوزستان في ايران ولايخلو من فائدة في هذا المجال تناول هذه الاقوام بشيء من الاختصار والايجاز.
اللولوين
مجموعة من القبائل الزاكروسية سكنت المنطقة الممتدة بين كرمانشاه وبغداد فيما يعدها بعض المؤرخين الى مناطق (زهاو ، سليمانية ، شهرزوز) ويرى مؤرخون اخرون بأن موطن
اللولوين ابعد من ذلك ليضيف اليها منطقةسنندج وسميت مناطقهم (لولويوم) وتعد وطن اللولو . وقد دفعت التنقيبات والتحقيقات الاثرية التي اجراها العالم الأثري الدكتور (سبايزر) الى
القول بان من الثابت تاريخياً بان عدداً من الملوك والحكام الآشوريين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ( ق. م) كانوا من اللولوين . كما يعتقد بأن فروعاً من هذه القبائل تقطن سوريا
الحالية.
ومن الاسانيد التاريخية القديمة التي ورد فيها ذكر اللولوين وثيقة يرجع تاريخها الى 28 قرناً (ق. م) وقد عثر عليها (الميجر ادمونز) في مضيق كاور في جبل ( قره داغ ) وترتبط تاريخياً
بفترة ( نارام سين ) الملك الاكدي ومن الاسانيد الاخرى وثيقة يرجع تاريخها الى 37 قرناً (ق.م) وهي بهيئة مخطوطة وصورة للملك اللولوي الذائع الصيت (آنو بايخاني) محفورة على
صخرة في منطقة (سربيل زهاو) وتظهر صورة الملك وهو يضع قدمه اليسرى على صدر احد اعدائه كما يضع يده اليسرى على صدره امام الآله (ني ني) تعبيراً على الاحترام فيما تبين
الملك يمسك بيده الممتدة نحو الملك اللولوي لكلامه للدلالة على السلطة والقوة ويمسك بيده الاخرى طرف حبل شد فيه ثمانية اسرى يقف اثنان منهم خلف الاله ويقف الستة الآخرون في
اسفل الصورة الاولى وقد كتبت بجانب الصورة المنحوتة العبارة :- (آنوباني ملك لولو القدير قد حفر صورته وصورة الآله - ني ني في جبل بافير وكل من يمحو هذه الصورة ستنزل
عليه لعنة الاله - آنوو - آنونوم ، بل ، بليت رامان ، عشتار ، سين وشمس - ويبتلى نسله بالغناء).
وبلغ خوف البابليين من هذا الملك حداَ جعلهم يصورونه بهيئة حيوان ضخم مخيف بجانبه صورة عمود النصر - تاردوني ، الذي كما يظهر هو الآخر كان ملكاً من ملوك اللولويين ايضاً.
أما لوحة (نارام سين) فهي تمثل الانتصار الذي حققه هذا الملك الاكدي على القبائل اللولوية ذلك الانتصار الذي مكنه من احتلال بلادهم . ومنذ الحدث الاخير لم يرد ذكر هذه القبائل إلا
كشريكة للكاشيين والكوتيين في الحروب التي خاضوها لاحتلال بابل وبقية المناطق التي خضعت للامبراطورية الكاردونياشية.
ومن ناحية لغتهم فأنها توصف ضمن عائلة اللغات العيلامية بحسب التنقيبات والتحقيقات التي تؤكدها والتي اجراها غاليبة المؤرخين والمستشرقين كالمستشرق هورنيك فيما يعتبر
البروفسور سبايزر بأن (اللولويين السلالة الاولى لاجداد اللور) وقد اظهرت الكتابات التي ترجع الى عهد الملك الاشوري (آشورناصر بال الثاني) حوالي القرن التاسع ق0 م ان مناطق
اللولوين عامرة ومزدهرة وتتمتع بالتقدم في النواحي الثقافية والصناعية والفنية الامر الذي دفع الملك الاشوري المذكور الى نقل مجاميع منهم الى بلاده ليسهموا في تطوير الصناعة والفنون
، ويؤكد البروفسور سبايزر ويشاطره مجموعة اخرى من المؤرخين بأن اللولوين والكوتيين قد شاركوا بقيادة الملك الكاشي (كانديش) في فتح بابل عام 1741 ق. م.
الكاشيون
يقطن الكاشيون المنطقة الممتدة من كرمانشاه وبشتكوه الحالية وحتى الضفاف الشرقية لنهر دجلة . وقد عرفوا بأسماء متعددة فقد أطلق عليها الساميون (كاشي ، كيشي ، كوشو) وسماهم
الكتاب المقدس (كوش) فيما يطلق عليهم المؤرخون وعلماء الآثار (كاسي ، كاساي ، كاسيت) ، وتمتاز هذه القبائل بالبسالة والقوة وصعوبة المراس وروح القتال العالية . وقد دفعت صفاتهم
بالملك البابلي (امي زادوكا) وهو الملك الرابع بعد حمورابي الملك الشهير الى عقد اتفاقية دفاعية مع العيلامين عام 1977ق. م - 1956 ق. م ليتمكن من صد هجماتهم (واستناداً الى بعض
الادلة كأستعمال الخيول التي لم يكن استخدامها معروفاً في بابل قبل دخول الكاشيين اليها وهي عادة خاصة بالاقوام الارية وكذلك وجود جذور ارية لاسماء ملوكهم مثل (اركاته ، شوترنه ،
توشرته) بالاضافة الى تسمية الهتهم بأسماء الهة الاريين فأن قسماً كبيراً من المؤرخين والمستشرقين يعتقدون بأنهم من الموجات الاولى للآريين).
ويورد عنهم كل من الاستاذ ايرج افشار السستاني في كتابه التاريخي (الكاشيون كانوا من اكثر الشعوب المعاصرة لهم تمدنا - العيلاميون ، البابليون ، المصريون ، الساميون والاشورين -
وقد اختلط هذا الشعب مع البابليين واشتبكوا مع الحيثيين في قتال فدحروهم شر اندحار واستعادوا منهم الاصنام والالهة البابلية التي كان هؤلاء قد نهبوها فيما مضى)(1). ويقطن الكاشيون
المناطق المسماة فيما بعد بأقاليم الجبال الممتدة الى الضفاف الشرقية لنهر دجلة قبل ان يستولوا على بابل وقد أرتبط الكاشيون بعلاقات سياسية وتجارية مع فراعنة مصر دلت عليها الألواح
الاثرية التي عثر عليها والمكتوبة باللغة المسمارية (البابلية والهيروغليفية المصرية) في منطقة آثار و (خرائب تل العمارنة) ومنها ماهو موجود الى يومنا في المتاحف المصرية . ويؤكد
المؤرخون بأن بقايا المدينة الكاشية المعروفة بأسم (عقرقوف) التي تقع إلى الغرب من بغداد والتي بناها احد ملوكهم عام 1410 ق. م وقد تم العثور على الكثير من الآلات والألواح من آثار
الحضارة الكاشية بين اطلال المدينة إلا أن النظام العراقي ابقاها طي الكتمان.
وتعد سلسلة حكومات الكاشيين السلالة الثالثة لحكومات العصر القديم بموجب التصنيف التاريخي لتلك الحكومات . فالسلالة الاولى حكمت للفترة 2225 ق0م وحتى 1926 ق0م وتعد
الحكومات المحلية المستقلة التي نشأت وحكمت بابل منذ عام 1927 ق. م وحتى ماقبل بداية الحكم الكاشي للسلالة الثانية . والسلالة الثالثة تبدأ بسيطرة الكاشيين بقيادة كانديش مع مقاليد
الحكم وبالإستناد الى الجدول الموضوع من قبل السيد سدني سميث فان عدد ملوك الكاشيين يصل الى 26 ملكاً.
العيلاميون
تعددت الآراء حول بداية موطن العيلاميين في مناطقهم فمن الآراء مايدل بأنهم سكنوا مناطقهم منذ أقدم العصور وهناك رأي اخريعتقد بأنهم ومنذ حوالي 4000عام ق. م هاجروا من
المرتفعات والجبال الى السهول الجنوبية الغربية من ايران وسكنوا المنطقة الممتدة من اصفهان شرقاً ومن الضفاف الشرقية لنهر دجلة غرباً والخليج الفارسي جنوباً والطريق الموصلة بين
بابل وهمدان شمالاً. وتعكس هذه الحدود للمناطق التي يقطنها العيلاميين، الاعتقاد السائد لدى بعض المؤرخين الذين يدمجون بلاد الكاشيين مع بلاد العيلاميين بناء على التشابه الموجود
بينهما من جهة اللهجة اللغوية والمعتقدات الدينية . والواقع الجغرافي يبين بان بلاد العيلاميين تشمل محافظتي خوزستان والبختياري في كوردستان إيران وامتدادتها الى داخل الأراضي
العراقية اما بقية المناطق الداخلة ضمن الحدود اعلاه فهي موطن القبائل الكاشية . وإن اشهر المدن العيلامية هي (سوسا) حيث كانت العاصمة ومدينة (آوان) الواقعة على نهر الكارخة
ومدينة (بارسوماش) المسماة بمسجد سليمان الآن . ولم تكن دولة عيلام قوية حتى عهد الملك (شوتروك ناخونته) اذ كانت تابعة للاشوريين او السومرين او الكاشيين وقي فترات متباينة
كانت تتمتع بالحرية والاستقلال وفي فترات الاحتلال الاشوري او السومري كانت تتعرض العاصمة (سوسا) للتدمير كل مرة كما يتعرض الاهالي الى القتل بالمئات والاستيلاء على الآلهة
حيث ينقلونها مع الاموال والحلي المستولى عليها الى بلادهم.
لنهر دجلة غرباً والخليج الفارسي جنوباً والطريق الموصلة بين بابل وهمدان شمالاً . وتعكس هذه الحدود لسكن العلاميين الاعتقاد السائد لدى بعض المؤرخين الذين يدمجون بلاد الكاشيين
مع بلاد العيلاميين بناء على التشابه الموجود بينهما من جهة اللهجة اللغوية والمعتقدات الدينية . والواقع الجغرافي يبين بان بلاد العيلاميين تشمل محافظتي خوزستان والبختياري في
كوردستان إيران وامتدادتها الى داخل الأراضي العراقية اما بقية المناطق الداخلة ضمن الحدود اعلاه فهي موطن القبائل الكاشية . وإن اشهر المدن العيلامية هي (سوسا) حيث كانت
العاصمة ومدينة (آوان) الواقعة على نهر الكارخة ومدينة (بارسوماش) المسماة بمسجد سليمان الآن . ولم تكن دولة عيلام قوية حتى عهد الملك (شوتروك ناخونته) اذ كانت تابعة للاشوريين
او السومرين او الكاشيين وقي فترات متباينة كانت تتمتع بالحرية والاستقلال وفي فترات الاحتلال الاشوري او السومري كانت تتعرض العاصمة (سوسا) للتدمير كل مرة كما يتعرض
الاهالي الى القتل بالمئات والاستيلاء على الآلهة حيث ينقلونها مع الاموال والحلي المستولى عليها الى بلادهم.
يقول حزقيال في سفره بهذا الصدد مانصه :- (هذه هي عيلام وجميع اهاليها في القبور المحيطة بها ، جميعهم قتلوا وقد قطعت السيوف اعناقهم) (2) . فجر عهد الملك (شوتروك ناخوتنه)
تغيرت اوضاع العيلاميين اذ استطاع هذا الملك من الاستيلاء على بابل وانهاء الحكم الكاشي ونصب ابنه (كوشير ناخوته) ملكاً على بابل كما نقل تمثال الآله مردوك ومسلة حمورابي الى
(سوسا) وفرض ضرائب مالية باهضة على سكان بابل وفي زمن الملك (شيلخاك - انيشوشبناك) الابن الثاني لشوتروك ناخونته الاول شهد الجيش العيلامي فتوحاته الواسعة حيث اجتاز
نهر ديالى ووصل الى آراباخ (كركوك) وتمكن من مطاردة الاشوريين شمالا ًوالسيطرة على سهول نهر دجلة وضفاف الخليج جنوباً وسلسلة جبال زاكروس ومناطق ايران الغربية وتمكن
هذا الملك من انشاء امبراطورية قوية في هذه المناطق الواسعة. والى جانب فتوحاته الواسعة فقد عمل هذا الملك على التخلص من الثقافات التي كانت مفروضة على العيلاميين من قبل
السومرين والاشوريين واستعمال اللغة والخط العيلامي في المراسلات الرسمية والدواوين . ونتيجة اعماله الكبيرة عظمت منزلته لدى العيلاميين حيث عُدّ إلهاً قومياً.
الفيليون : آراء في أصل التسمي
إختلفت الأراء في معنى كلمة (فيلي) التي تطلق على جمهرة واسعة من الكورد . فهي تعني عند بعض الباحثين (الثورة) وعند آخرين قد تعني (المتمرد والعاصي) على تقارب المعنيين فيما
أورد باحثون آخرون الكلمة على أنها تعني (الشجاع والفدائي الثائر) وقد نسب الرحالة (هوكوكروته) الكورد الفيليين بأنهم من سلالة العيلاميين ليس بسبب إن موطنهم هو نفسه موطن
العيلاميين بل أستند إلى أسباب بيولوجية من تشايه الوجه على سبيل المثال وليس الحصر ويرى بعض الباحثين إن أصل تسميتهم بالفيلي مأخوذة من أسم الملك بيلي (peli) الذي أسس
سلالة عيلامية أمتد حكمها من 2220 ق.م وحتى عهد آخر ملوكها (يوزور أينشو سيناك) 2670 ق.م وقديماً تتلفظ الفاء باء وتحول الإسم مع تقادم الأزمنة إلى كلمة (فيلي) على غرار تحول
الإسم الفارسي القديم (بارس) إلى (فارس) الحالية. على أن المؤرخين تناولوا شؤون تلك السلالة العيلامية في أبحاثهم وكتبهم بإسم سلالة (أوان) نسبة إلى مدينتهم (أوان) العيلامية . ويرى
آخرون إن الملك بيلي أقام أول مرة في مدينة شوش في العام 2220 ق.م كالبروفيسور (جورج كامرون) (3). وأكتشف إسم الملك بيلي على قطعة أثرية في معبد كيريريشا تعود إلى 2250
ق.م وقد أوردها (والتر هينتس) في كتابه الموسوم (دنيا ئي لام الضائعة) فيما أورد إسم الملك بيلي أيضاً المحقق يوسف مجيد زاده في كتابه (تاريخ وتمدن إيلام) ومن الباحثين من يرى إن
كلمة (فيلي) أشتقت من كلمة (فهلة، بهلة، بهلو) (4) برغم التقارب اللفظي الموجود بين هذه الكلمات وكلمة (فيلي) إلا أنه ليس هناك أية علاقة في المعنى والمبنى بينهما من ناحية التفسير
حيث لم يطالعنا التاريخ على مثل هذه بحيث تكشف أي نوع من الرابطة بينهما فضلاً عن عدم معرفة ماهية القصد هنا وراء الإسم (فيلي) وهناك رأي آخر يعد كلمة (فيلي) ببعد جغرافي
عبر ربط الإسم بأسماء (بهلة ، بهلي) وهي أسماء لمنطقة في (زرين آباد) ويرى باحثون آخرون إن لقب (الفيلي) كان يطلق على والي لورستان التي كانت عاصمته (خرم آباد) في زمن
الوالي حسين قولي خان أحد أشهر الأمراء الفيليين والذي تمتع بإستقلال شبه تام عن إيران وكان يطلق على عاصمته (خرم آباد) تسمية (خرم آباد فيلي) (5) . كما أطلق ولاة بشتكو على
أنفسهم لقب الفيلي وأطلقوها بدورهم على رعاياهم وما خضع لنفوذهم من عشائر كوردية أخرى بعيدة الصلة بهم أتت من مناطق كوردستان الأخرى وأندمجت معهم منذ عام 1585 م وحتى
عام 1929 م عهد آخر الولاة اللور الفيليين غلام رضا (6). ويعتقد البعض إن الإسم (فيلي) أنحدر من كلمة (فيل) لأن الساكنين في منطقة (بشتكوه) كانوا يدربون الفيلة وإن الفيل الأبيض
الذي دهس القائد الأسلامي أبو عبيد قائد الجيش الإسلامي في معركة الجسر كان مدربه من سكان المنطقة بل وحتى الفيل الذي دهس ملكاً لقوم منهم وهذا الرأي خاطئ بلا ريب للأسباب
التاريخية واللغوية التي تدحضه نظراً للفاصل الزمني البعيد بين أصل الفيليين القديم وتاريخ معركة الجسر الحديث أولاً ولفظة (فيلي) ليست عربية الأصل لكي تندرج ضمن مفاهيم مفردات
اللغة العربية . ثانياً فضلاً عن ظهور الكورد ومنهم الشريحة الفيلية إلى الوجود قبل ظهو رالعرب في التاريخ إستناداً إلى إبن خلدون في (تاريخه) وجعفر خيتال في مجموعة آرائه .
ووصف (شوبرل) الفيليين بأنهم قبائل كوردية متعددة إستوطنت المناطق الجبلية مابين تركيا وإيران ولم يورد ذكر إسم العراق هنا لأنه كان جزءاً من الدولة العثمانية. وقد وردت قبيلة اللر
(باللر الفيلية) في مباحث المستشرق الدنماركي (أس.جي.فيلبرك) والبروفسور (جن راف كارتويت) والدكتور جواد صفي والمحامي عباس العزاوي الذي أكد وجود عشيرة (دوزارده)
الكوردية في مدينة العمارة التي ربما كانت تسمى بإسم تلك العشيرة قبل تسميتها الحالية حيث يقول : (العمارة هذه البلدة بنيت في عام 1278 هـ 1861 م وكانت تسكنها عشيرة دوزاده من
اللر الفيلية ومجموعات قبلية أخرى) (7) . وعلى تباين وتنوع اللهجات والمظاهر الإجتماعية قسمت الشرف نامه الكورد إلى أربع مجاميع وهي (الكرمانج ، اللر ، الكلهر ، الكوران) فيما
أورد العلامة الكوردي محمد أمين زكي في كتابه (تاريخ الكورد وكوردستان) وصفاً للمؤرخ الجغرافي الشهير ياقوت الحموي يصف فيه (اللر) بأنهم كورد يسكنون الجبال الواقعة مابين إقليم
خوزستان وإقليم أصفهان . وتسمى بلادهم ببلاد اللر أو اللرستان وروى المسعودي عن مملكة فيلان شاه المتأسسة بعد الفتح الإسلامي لإيران حيث أقيمت هذه المملكة في غربها وكانت
تسمى (مملكة صاحبة السرير) ومن ذرية بهرام كور حيث يشرح قائلاً (سميت صاحبة السرير لأن يزدكر الساساني عند هزيمته ترك سريره الذهبي وخزانته وأمواله مع رجل من ولد بهرام
جور ليسير بها إلى هذه المملكة فيحرزه هناك إلى وقت موافاته فقطن الرجل في هذه المملكة وأستولى عليها وصلب الملك من عقده فسمي صاحب السرير ودار مملكته تعرف بالجمرج وله
إثنا عشر ألف قرية . خشن منيع وهو يغير على الخزر مستظهراً عليهم لأنهم في سهل وهو في جبل وفيلان شاه هو الإسم الأعم لسائر ملوك السرير) (8). وقد ورد ذكر ملك فيلان شاه في
مباحث كل من الدكتور محمد جواد مشكور ومحمد حسن خان (9) . وفي عام 1184م برزت الدولة الأتابكية الخورشيدية الفيلية غرب إيران والتي أستمر حكمها حتى عام 1598م حيث
سقطت على يد شاه الصفوي عباس الأول باشر بعدهم حكم ولاة الفيليين الذين دام حكمهم حتى عهد بهلوي رضا خان التي شهدت تجزئة المنطقة الفيلية إلى ثلاثة أقاليم هي (لورستان
وبشتكو وإيلام) وأستطاع الفيليون تأسيس حكومة لهم في العراق للفترة مابين 1524م و1533م برئاسة (ذو الفقار نخود) وهو رئيس عشيرة موصللو الكلهرية، حيث احتل بغداد بعد مقتل
ابراهيم سلطان خان والى بغداد من قبل اسماعيل الصفوي وقد استقرت الاوضاع في عهده وبسط حكمه على بقية المدن العراقيةالتي لم تدم طويلاً إذ أسقطها شاه طهماسب الأول، وفي نهاية
عهد شاه عباس تأسست الحكومة الديرية الفيلية في البصرة على يد أفراسياب باشاه وأستطاع كريم خان زند، وهو من عشيرة الزند احدى عشائر اللور الاصلية (الفيلية) التي كانت تسكن
منطقتي بيدي وكمازان التابعتين لملاير في القرن الثامن عشر الميلادي من إقامة الحكومة الفيلية الزندية في إيران والبصرة والتي أسقطها القاجار. ومن الجدير بالذكر إن الأمير جابر بن
مرداوه إتخذ اللقب الفيلي وسمى أتباعه بالفيلية بل وسمى إمارته (إمارة كعب الفيلية) وأطلق على أرضه المثلثة الشكل بين كارون وشط العرب بعد أن جعلها مدينة عامرة وإتخذها عاصمة
ثانية له بأرض الفيلية والتي وجدت فيها قوات عسكرية من أبناء الكورد الفيليين أرسلهم الوالي حيدر خان عرفاناً بالجميل الذي أسداه إليه الوالي الفيلي حيدر خان والي بشتكوه حين طلب
الشيخ منه المساعدة وذلك أثناء الحملة الأتكليزية التي قام بها السير جيمس أوترام على المحمرة (إمارة كعب في الأهواز) في 6 آذار عام 1857م في زمن الشاه الإيراني ناصرالدين شاه
الذي حكم بين (1896م-1848م) نتيجة لقيام الجيش الإيراني بالهجوم على بعض المؤسسات البريطانية في بلاد الأفغان مما جعلت ذريعة لإشعال الحرب بين الدولتين. وسارت القوة
الأنكليزية وتعدادها ستة الآلاف جندي في شط العرب وجزيرة أم الرصاص في جانب العراق وقصفت مدينة المحمرة تمهيداً للإستيلاء عليها في 26 آذار 1857 م والذي تم بعد ذلك وقد
التزم ولده الشيخ خزعل باللقب الفيلي وأطلق هو الآخر على رعاياه إمتناناً منه لتلك المساعدة التاريخية (10) . وحدود بلاد الفيليين تشتمل على كرمانشاه وكركوك شمالاً ونهر دجلة والخليج
جنوباً ومناطق للورستان وبختياري وأقساماً من فارس شرقاً وكوردستان والعراق العربي ونهر دجلة غرباً ولم يكن الزعيم عبد الكريم قاسم ليجانب الحقيقة بقوله أمام الوفد الفيلي الذي زاره
في 14 / 10 / 1958 لتهنئته (إن المناطق التي تبدأ من الضفاف الشرقية لنهر دجلة هي موطن الكورد الفيليين منذ القدم) وقد ورد في مجلة المجمع العلمي الكوردي (اللور ولورستان)
للباحث علي سيدو الكوراني نص للرحالة اللورد كرزون جاء فيها (لورستان ولاية عاصمتها خرم آباد ويحدها شرقاً أصفهان ولاية فارس وشمالاً كرمانشاه وهمدان وجنوباً خوزستان وغرباً
كوردستان والعراق العربي) (11) ويتألف سكانها من فيلية وبختيارية وطوائف الكوكيلو ومماساني ويطلق على الجميع إسم (لر) وتنقسم هذه الولاية إلى ثلاثة أقاليم:-
1- لوري كوجك (اللور الصغرى).
2- لوري بزرك (اللور الكبرى).
ويفصل آب ديز أي نهر ديزفول بين هذين الإقليمين ، يقطن الإقليم الأول الفيليون والإقليم الثاني البختيارية أما الإقليم الثالث فيمتد من حدود خوزستان ويقطنه قبائل (الكوك يلو) والمامساني
وتمتد بلادهم إلى حدود الخليج والبصرة وملتقى دجلة والفرات ، وفقاً للجغرافية السكانية وينتشر الفيليون في مناطق كرمانشاه وإيلام كهكيلوية ، وبوير أحمد ومامساني وبختياري ، وجهار
محل وأصفهان وشيراز وأهواز وخراسان وكرمان وكيلان وقزوين وغيرها من المدن وهذا في النواحي الإيرانية أما في النواحي العراقية فينتشرون في خانقين ومندلي والسليمانية وكركوك
والتون كوبري وبغداد وشهربان وجلولاء والسعدية والعمارة والبصرة والكوت وبدرة وحي علي الغربي والديوانية والشامية والحلة والكوفة والأنبار. وقد أنقسمت لورستان في العهد المغولي
إلى اللور الكبرى واللور الصغرى حيث شملت اللورالكبرى مناطق بختياري وكيوكيلو وتبدلت في القرن السادس عشر من لور الصغرى إلى لورستان الفيلية التي إنقسمت مع إطلالة القرن
التاسع عشر إلى:-
1- بيشكوه وتعني (أمام الجبل) وتقع إلى الشرق من جبال كبير كوه.
2- بيشتكيوه وتعني (خلف الجبل) وتقع إلى الغرب من جبال كبير كوه . واللهجة اللورية تتكون من لهجة لور الكبرى السائدة بين ممساني وكيوكيلو وبختياري ولهجة لور الصغرى السائدة
في بلاد الفيلي وتسود لهجة الكرمانج منطقة بيشتكيوه وقد جاء في كتاب (خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان) إن هناك أبحاثاً مهمة للمستشرقين في هذا المجال وخاصة أبحاث الدكتور الفريج
المطبوعة من قبل المجمع العلمي الشرقي في برلين وبإسم (كورديلر) حيث ورد ما نصه :(إن اللور هم من أهم أقسام البلاد حيث أن الكورد في تلك البلاد ينقسمون إلى قسمين عظيمين من
جهة اللهجة واللسان الناطقين بالكوردية والناطقين باللورية فضلاً عن إن هناك روابط قوية بين هاتين الطائفتين في اللهجة والأخلاق والطبائع والتقاليد والعادات.
وتتكون الشريحة الفيلية من قبائل متعددة أهمها (لك ، لر ، كرد علي (كرداللي) ، ملك شاه ، علي شيروان ، قيتول ، أركواز ، بولي ، كلاواي ، شوهان ، ماليمان ، زنكه نه ، كلهر ،
بختياري ، زند ، سورميري ، ممساني ، جنكي ، بابي ، بوبرا أحمد ، كهكليوية ، ميشخاص ، حسنوند ، كاكه وند ، قاضي ، قره لوس ، اليوي ، مافي ، ريزوند ، امراتي ، زركوش ،
طولابي، سليوزوري ، قائد رحمة ، كاكا)
المعاني والدلالات للمفهوم الكوردي للتسمية ومعاني (اللر) والفيلي
يذهب جلّ اللغويين الكورد في العراق ان تسمية (فيلي) تطلق على الكورد المتداولين الكوردية اللرية كافة والتي تسمى مجازاً في احيان اخرى بالكوردية الكرمنشاهية (12) وحسب رأينا إن
هذه التسمية غير صائبة لأن لهجاتها الفرعية هي (اللكية ، الكلهرية) اللرية الفيلية وقد سميت (اللرية الفيلية) بهذا الأسم لأن الكوردية اللرية تنقسم قسمين مهمين هما:-
1- (لوري فيلي) ومنهم من يطلق عليها (لوري اصلي) وتسمى مناطقهم باللور الصغير (لوري كوجك) وكذلك في منطقة بشتكوه او لورستان الصغرى وتعد مدينة (خرم آباد) العاصمة
الادارية الفعلية للر الفيلية حتى عام 1929م عهد الولاية الكوردية الفيلية الأخيرة بأمرة غلام رضا خان (13) هذا فيما يخص الأجزاء الكوردية الفيلية في كوردستان ايران.
2- (لوري بختياري) ومنهم من يسميها بلهجة اللور البختيارية وتسمى مناطقهم باللور الكبرى (لوري بزرك) وتنتشر ما بين دزفول شمالاً حتى شيراز جنوباً واصفهان شرقاً واقليم الأهواز
محافظة خوزستان غرباً . وتعد مدينة مال مير (ايزج) التاريخية بالقرب من مسجد سليمان في محافظة خوزستان مركزاً لكبار امرائهم (14) ويورد الاستاذ عبد الجليل الفيلي في كتابة
الموسوم ( الفيليون في الماضي والحاضر) (15) مانصه : - (ويؤكد الاستاذ ايرج افشار السيستاني) هذه الحقيقة في كتابه (مقدمة في العشائر والطوائف الايرانية) بقوله (اللر الصغير منذ
القرن السادس عشر الميلادي عرف باللور الفيلي) وعلى وجه العموم فأن تاريخ القرن السادس عشر وان كانت السنة غير محددة لدى ايرج السيستاني الا انها مطابقة مع التاريخ الذي ذكره
علي سيدرو الكوراني في بحثه (16) الذي جاء فيه (عام 1585 م وهو عام تولي حسين خان الحاكم الثالث والعشرين من حكام الدولة الخورشيدية في لورستان الصغرى) وتختلف التسميتين
(لوري) و( فيلي) من حيث شموليتها او تفرعها في جهة العراق وجهة ايران فالتسمية (لوري) نادر التداول بين الكورد الفيليين في العراق واذا ما اطلقت التسمية لدى البعض (لوري) فأنها
تعني الانتماء القبلي الى قبيلة صغيرة من بين صفوف الفيليين في العراق تعرف بأسم (لر) حيث ان التسمية (فيلي) محصورة في كوردستان الملحقة بالجانب الايراني في منطقة بشتكوه
حيث تسمى بهذا الاسم ولاة هذه المنطقة وأطلقوها بدورهم على رعاياهم ومن هو تحت نفوذهم، ففي ايران يسمى الكورد الفيليين بأسماء عشائرهم المحلية ومناطقهم فهناك إقليم لورستان
الذي يسمى بها الكثيرون فضلا عن اسماء قبائلهم المحلية مثل البختياري واللك والممساني وغيرها في حين تطلق تسمية (فيلي) في العراق على الناطقين بالكوردية اللرية وتفرعاتها، وتعد
تسمية شاملة لهم، وهذا يعني ان اللور تسمية عامة شاملة في كوردستان ايران وان فيلي لقب فرعي والحالة هذه في العراق معكوسة حيث ان (لوري) يعد اسماً خاصاً وهنا لابد من التمييز
الواضح بين اقليم لورستان في اجزاء ايران كونها شيء ووجود شريحة الكورد الفيليين في كوردستان المتحد مع العراق شيء آخر، حيث ان تسمية (فيلي) التي تطلق على الكورد القاطنين
شرق دجلة والعاصمة بغداد وبقية المدن من وسط وجنوبي العراق نتيجة موجات الترحيل القسرية وعمليات التطهير العرقي التي طالتهم في محاولات صهرهم قومياً وخاصة في العهد
المقبور لايعني بالضرورة انهم من اقليم لورستان او منطقة بشتكوه في كوردستان إيران . كما ان اللر واللر الفيلي لاتعني بالضرورة انهم من كوردستان المتحد مع العراق.
وهناك قبائل من الكورد الفيليين من لايقرون بلقب (فيلي) مثل قبيلتي أركوازي وقره لوس وقبائل اخرى في مناطق مندلي وخانقين كما ان هناك قبائل تقطن كوردستان الجنوبي / كوردستان
العراق ترجع بأصولها الى الكلهر ، والك ، اللر ومن هذه القبائل شيخ بزيني والشرف بياني والدلو. (17) ويظهر مماتقدم ان مدلول كلمة الفيلي وفي معناه العام ودلالته الاصطلاحية يشمل
جميع القبائل الكوردية التي تقيم في الاجزاء الجنوبية من كوردستان على الجانب الايراني المسمى إقليميا لورستان، وتشمل تحديداً محافظتي ايلام وكرماشان والتي قسمت في السنوات
الاخيرة الى محافظات عيلام ، لورستان ، جوار محل ، شهر كورد وفي الجانب العراقي المناطق التي أشرنا إليه سابقاً.
ومن الجدير بالذكر ان انعدام محافظة او اقليم بأسم لورستان في العراق قد ساهم في بروز تسمية (فيلي) واندثار كلمة (لوري) الا في حدود ماذكرناه، وفي هذا المجال يورد الاستاذ محمد
توفيق وردي (18) مايلي :- (الفيلي كلمة حديثة لاتطلق على اخوتنا الكورد في منطقة (بشتكوه) وطنهم الاصلي بل هي اصطلاح عراقي صرف لأن الاسم العلمي والتاريخي الذي اطلق
على اخوتنا الكورد هو (لر الصغرى) و (لر الكبرى) فليست هناك فيلي في ايران بل لكل قبيلة اسمها) ورغم ان الاستاذ محمد توفيق وردي يبالغ في الغاء كلمة (فيلي) في ايران من جهة
ويتوهم في كون اصطلاح الفيلي حديث لأن السبب الذي يكمن وراء تصوراته اختلاف دلالة وتسمية (فيلي) في العراق عنها في ايران كونها تسمية شاملة لهم في كوردستان العراق وتسمية
فرعية في كوردستان إيران وحصراً بمنطقة بشتكوه ، ان من الاسباب التي جعلت تفسير مفهوم الفيلي بهذا الشكل في كل من العراق وايران كلمة (فيل) (بفتح الفاء وتسكين الياء واللام)
حيث تعني في الكوردية اللرية (السهل) وترادف في العربية الفصيحة كلمة (فلاة) و(فله) في اللهجة الشعبية الدارجة (كلفظ ثاني مرادف للمعنى) وبهذا الصدد يورد الاستاذ عبد الجليل الفيلي
(19) (الاستاذ جرجيس فتح الله ذكرلي بان الكاتب والناقد المعروف (نوري ثابت) كتب في جريدة حبزبوز الساخرة في حينه يقول :- ان الاصل في اطلاقها على الكورد الفلاوية ثم
صححت الى فويلي وان الكلمة مأخوذة من كلمة فلاة- فلوات العربية وهو تخريج منا في الواقع حيث ان كلمة فلوات العربية تعني الارض المنبسطة او البطحاء القليلة الكلأ والماء حين ان
المناطق التي يسكنها الكورد الفيليون تشتمل على السهول والجبال وتتميز بوفرة الكلا والمياه والمراعي وتنتشر فيها الانهار الكبيرة (الوند وكله نكير وسيروان وصيمرة وكنجياجيه م كما
تكثر فيها العيون والجداول . كما ان الشاعر الكوردي المعروف عبد الله كوران (20) اطلق على الفيليين في قصيدته التي القاها بمناسبة زيارة نادي الكرة الرياضي الى السليمانية عام
1961 (ابناء كوردستان الذين يقيمون هناك في السهول) وفي بيت آخر من شعره (وكان علي ان لاأرتوي من كبدي البعيد الساكن في السهول) وهناك من يعتقد بأن الفيليين الموجودين في
المناطق الجبلية في ايران أنما كانوا في الاصل من كورد في العراق وقد لجأوا الى تلك الانحاء مضطرين بسبب تعرض مناطقهم الى الغزوات والفتوحات التي قام بها العرب للمناطق
السهلية شرق دجلة (مناطق الكورد الفيليين التقليدية في العراق) أيام الفتوحات الاسلامية وغاية هذا الاعتقاد احكام صلة الاسم (فيلي) بالفيول (اي السهول وهو اعتقاد يقترب من الحقيقة
ويكاد ان يكون مسلماً به لولا ان اعداداً من اللور الفيليين القاطنين في المناطق الجبلية في ايران بالاضافة الى كون الفيليين اصحاب امارة قوية في الماضي هم اكبر بكثير من حيث العدد
والنفوس من اخوانهم وانسابهم في العراق وسهوله كما ان تواجد قسم منهم في المناطق الجبلية المتفرقة من كوردستان الجنوبي / كوردستان العراق . يبعد هذا المعنى (معنى السهل
والسهول) وتسمية (فيلي) تعني (والي) وهي بلفظها تذكرنا بأصطلاحي (فرهي ، فلهي) في اللغة الفارسية القديمة (بفتح الفاء في الكلمتين وتسكين باقي الحروف) والتي تعني : رئيس ،
زعيم ، شيخ (21) كما ان اصطلاح فيلار وفيلارك (22) لدى اليونانيين ايام السلوقين (خلفاء الاسكندر وقائده سلوقس) وايام البيزنطينين تعني المعنى نفسه زعيم ، رئيس ومن الجدير
بالذكر ان اطلاق التسميات بهذا الشكل امر معتاد ووارد فقديماً سمى الكورد القاطنون في السليمانية (ولاية شهرزور) بالكورد البابانيين نسبة الى (بابه- بهبه) (23) وتعني الاب (الروحي -
الاعتباري) وهي كنيسة دينية اكثر منها (رسمية او دنيوية) وهو لقب امراء وشيوخ الكورد في شهرزور والسليمانية قديماً فيما نسمي الكورد القاطنين في اربيل ايضا بالكورد السورانيين
نسبة الى (سور) (24) وتعني الاحمر وهي الكنية الشعبية للأمراء المحليين في اربيل وماجاورها قديماً.
ان اتخاذ تسمية فيلي صفة الشمولية واعتبار اللور لقباً خاصاً في العراق يعد من الناحية العلمية الاكثر موضوعية وتطابقاً مع الحقائق التاريخية لأن كلمة (فيلي) او (بيلي) القديمة مرخصة
من لقب (فهلوي - بهلوي) الاسم القديم الذي رافق الشعب الكوردي منذ العصور الوسطى وايام الساسانيين ثم العرب المسلمين قديماً المعاصرين لأيام الرسول (ص) والخلفاء الراشدين
والدولتين الاموية والعباسية . يقول زبير بلال اسماعيل في تاريخ اللغة الكوردية (25) مانصه :- (وكذلك الحال بالنسبة الى اللهجة الفيلية لأن كلمة فيلي التي اصبح فيها الباء فاءً ، والهاء
ياءً وفق قواعد تبديل الاصوات في اللغات الايرانية اصبحت اسماً (اللور) الفيلي وقد اشتقت (به بلي - به رتي) (26) القديمة وهي اسم البارتين الاشكانيين وهذا ما تقوله نفسه.. العالمة
اللغوية باكيزة رفيق حلمي في بحثها المنشور عام 1973 (27) والثابت في امر اللغة البهلويه ان اسمها جاء من اقدم نص ورد في الكتب الفارسية (28) على صورة (برتوه) (بفتح الباء
المثلثة تشبه في لفظها حرف p في اللغة الانكليزية) وسكون الراء وفتح الفاء والواو وقد حدثت تطورات لفظية كثيرة طرأت على كلمة (برتوه ) وبمرور الوقت ونتيجة لتداولها بين شعوب
وامم مختلفة صارت تلفظ بشكل (بهلوسرتو) (29) وكلمة سرتو او سرتي هو اللفظ الذي عرف به الشعب الكوردي لدى الفرس الاخمينين مما يدل على ان البهلويين اقروا بكورديتهم بادىء
ذي بدء ثم تطورت الى (بهلوي ثم فهلوي) (30) والتي شاعت زمن اليونانيين المعاصرين او البارث الى زمن الدولة الساسانية وحتى الفتح الاسلامي والى فترات متأخرة من الفتح
الاسلامي (31).
وقلب التسمية الكوردية (فيلوي) من لفظه الى (فيلي) قد جاء تكريراً للكلمة المرادفة لكلمة (فهلوي) وهي (فهلي) وتؤكد المصادر الاسلامية القديمة من ان (فهلوي اسم منسوب الى فهلة) فمن
الناس من لفظة (فهلة) عند التسبب بشكل (فهلي) كما لفظ اسم فهلة بشكل فهلوي بأضافة الواو والياء كما في الاسماء العراقية (موصلي / مصلاوي ، حلي / حلاوي ، بصري / بصراوي ،
بدري /بدراوي) فأن نطق (فيلوي) بلفظ (فيلي) جاء تكراراً للكلمة المرادفة لكلمة (فهلوي) وهي (فهلي) اي تكريرها بشكل (فيلي) بتحويل الهاء في (فهلي) الى ياء في (فيلي) ومنذ اواخر
العصر العباسي بدأ الفظ (فهلي) يحل محل (فهلوي) ويدلنا على ذلك ياقوت الحموي وفي معجمه (32) في حدود سنة 625 هـ / 1227 م وهي السنة التي وضع فيها الكتاب الذي اهداه
بخط يده الى خزانة الوزير القفطي (33) حيث ذكر ياقوت الحموي عن لفظة (فهلوي)( 34 ) مانصه :- (فهلو : بالفتح ثم سكون ولام ويقال فهلة) نرى من هذا المقتطف ان الناس في ذلك
الوقت كانت تعلم لاسيما مثقفوهم بأن (فهلوي) منسوب الى (فهلة) وبدلاً من (فهلوي) يقال (فهلة) (35) ان الكورد بعكس الفرس لفظوها (فيلي) بقلب الهاء في (فهلي) الى ياء (فيلي) لأن
حرف الهاء في اللغة الكوردية نادر التداول ويستعيض عنها لفظاً بحرف الباء واسم (بلاد فهلة) اطلق على الجهات التي انتشر ولايزال ينتشر فيها الكورد وهو ماذكره ايضاً ياقوت الحموي
حيث قال :- (شيرويه بن شهردار بلاد الفهلويين سبعة).
ومن خلال هذا النص يتضح بأن ياقوت الحموي قد استند الى تحديد الجهات التي يطلق عليها (فهلة / فهلوي) الى اهل البلاد ذاتها والتي يطلق عليها (فهلة) كـ (شيروان بن شهردار) فأن
كان شيرويه كوردياً فإننا نعلم يقيناً بأن الكورد في عصر ياقوت قد حددوا دلالات ومفهوم كلمة (فهلة / فهلوي) بالأرجاء والانحاء التي نزلها الكورد في ذلك الوقت واذ كان شيرويه فارسياً
لعلمنا من مصدر فارسي من عصر ياقوت بأن (فهلة / فهلوي) غير مخصوصة بالمناطق التي يقيم بها الفرس ويقصد هذا الرأي نفسه خسرو الجاف (36) من ذلك يتضح ان (فهلي /
فهلوي) المتطورة الى صيغة (فيلي) اسم قديم لبلاد الكورد ومن الجدير ذكره من ان لاعلاقة بين الاسم (بهلوي) الاصل الاول لكلمة فهلي القديم والقاب شاهات ايران المتأخرين في تاريخ
ايران المعاصر وخاصة الشاه الايراني (رضا خان بهلوي) يرجع بنسبة لقب بهلوي الى عشيرة بالاني (الباء الفارسية تشبه حرف الانكليزي p ) من حيث النطق والتهجئة وهي احدى
العشائر الفارسية التي أقامت في منطقة (مازندران) وبالتحديد منطقة (سواركوه) (جبل الفرسان) ولاتوجد اية علاقة عرقية او سلالية (واقعية) بين لفظ بالاني (بالاني) مسمى العشيرة
الاصلية التي يعني اسمها (الاجلال) وهي جمع لكلمة (جلة) التي تعني ما يوضع تحت سرج الخيول من قماش أو سواه بقصد منع الخدوش والجروح الناجمة عن الإحتكاك على ظهور
الخيول ولاضفاء شيء من الجمال والهيبة لمظهر الجياد وهذا هو المعنى في كلمة بالان - بالاني التي تأتي للنسب والانتساب ليس اكثر ، غير ان المتزلفين للبيت الايراني المالك حاولوا
ارجاع نسب الاسرة المالكة الى اسرة حكمت ايام الساسانيين بأسم (بايندي الهلواني او باواني بهلواني) ليضيفوا نفحة كاذبة من الابهة الفارغة وهالة من العظمة الزائفة على عراقة الاصل
لقد تم الخلط بين لفظ (بالاني) من قبل المصادر شبه الرسمية في ايران (37) في العقد العشرين ، ولفظ البهلوي ، وكان ذلك بطبيعة الحال على حساب الحقيقة التاريخية التي تشوه ماهية
هذا الاصطلاح (اي البهلوي) ودلالته اللغوية والعرقية فضلاً عن ان الفروق العرقية والحضارية بين (الفريسيين) او (البهلوانيين) والفرس القدماء واضحة منذ القدم حيث يورد المؤرخ طه
باقر في كتابه الموسوم (مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة) (38) حيث جاء مانصه : - (وكانت الفروق بين الفريقين وبين الاقسام المتحضرة من ايران فروقاً واسعة بحيث لم تستطيع
تسويتها فترة الحكم الغربي بعد مرور ازمان طويلة وكثير ما كان الإيرانيون يظهرون العداء ازاء الحكم الفرثي و(يقصد طه باقر بالفرثيين اي الفهلويون) او البهلويون لفظ اسمهم لدى
الاقوام الاخرى المعاصرة ومنهم الارمن على سبيل بحيث انهم لم يعتمدوا ابان الازمات على مساعدة بلاد فارس . ومن أجل إلقاء مزيد من الضوء حول أصل الكورد الفيليين نورد ما جاء
في كتاب القائد المغولي تيمور لنك الذي يقول عنهم في كتابه (أنا تيمور فاتح العالم) ص120 ((وصلتني أنباء تفيد بأن مجموعة من الخيالين (الفرسان) وكان عددهم 150 مسلحاً أثناء
عبورهم من لورستان طلب منهم أتابك لورستان أن يدفعوا له جزية عن مرورهم من المنطقة وعند رفض الخيالين دفع الجزية أمر تقبلهم جميعاً فهيأت قواتي وتوجهت لتأديب الأتابك
المذكور وكنت أثناء زحف جيشي أسأل سكان المناطق التي أمر بها عبر لورستان ، فكان الجميع ينصحوني بعدم الذهاب إلى هناك وكانوا يقولون لي بأن محل الأتابك هو (بشتكوه) وأي قوة
تدخل هذه المنطقة ستباد عن آخرها ، فبامكان مئة من جنود الأتابك أن يبيدوا ألفاً من جنودك)) . ويصف تيمورلنك اللور الكورد في مكان آخر من كتابه ويقول (كل مسلحي الأتابك كانوا
طوال القامة وذوي لحايا طويلة ، كانت لحايا بعضهم بيضاء وكان يظهر من الشكل الذي يتقدمون به نحونا بأنهم لا يعرفون معنى للخوف ... جنود أتابك لورستان كانوا مسلحين بالسيوف
والهراوات والفؤوس ، كانوا يجيدون القتال ولم يخافوا من مواجهتنا قطعاً). ويقول عنهم المستشرق (بارتولد) في مؤلفه (الجغرافية التاريخية لإيران) (لقد حافظ اللور الفيليون الذين يسكنون
بشتكوه على نقاوة أصولهم وعاداتهم الكوردية الفيلية أكثر من الآخرين ، والرئيس العام لهم يشغل منصب الوالي المعين من قبل الحاكم الإيراني ألا أنه في الواقع مستقل ولا يطيع الحكومة
الإيرانية لدرجة لا يدفع لها الضرائب المالية).
ويعد المؤرخ الكوردي محمد أمين زكي الكاشيين بإعتبارهم الأصول الأولى للكورد الفيليين حيث يورد في كتابه (خلاصة الكورد وكوردستان) (في أواسط القرن الثاني عشر قبل الميلاد
استولى هؤلاء الكاشيون على بابل وأسسوا في بلاد سومر وأكد، حكومة قوية كانت تدعى كاردونياش دامت زهاء ستة قرون في تلك البلدان ... وقد عادت العشائر الكاشية بعد زوال
حكومتها هذه إلى جبال زاكروس (لورستان الحالية) حيث أغار سنحاريب في أوائل القرن السابع قبل الميلاد على بلادهم فقاتلوه قتالا ً شديداً) . ويضيف (في عهد الحكومة الأخمنية توثقت
الصلات بين عشائر الكاساي وبين الحكومة الإيرانية المذكورة فكانت هذه العشائر تقبض كل عام إتاوة كبيرة نظير حرية المرور عن طريق بابل (إكباتانا الشهيرة) . وقد حاربهم الإسكندر
الكبير محاربة شديدة ، ووصف هيرودوت أبناء هذه المنطقة في مؤلفه، بالشجاعة والبسالة وتأصل الروح القتالية فيهم . ومن استقراء التاريخ وحوادثه بما يتعلق بمناطق الكورد الفيليين
يتجلى لنا بوضوح تأصل الشجاعة وروح التمرد والبسالة في هذه الشريحة الكوردية منذ سقوط حكومة كاردونياش الكاشية ولحد اليوم وهي تخوض صراعاً مستديماً لا هوادة فيه ضد الظلم
والعدوان من أجل الحفاظ على وجودها وحقها في الحياة الحرة وما سكتوا وما إستكانوا رغم طول المعاناة وقساوة الظروف ووحشية الأعداء القدامى منهم والجدد) . وقد أكد الأستاذ رايكا في
صفة الفيلي ما نراه مطابقاً للواقع التاريخي والذي بين أن صفة الفيلي التي أطلقت على هذه الشريحة والتي جاءت من المخطوطات السومرية التي أشار إليها الخبير الأثري الأستاذ شاه
محمد الصيواني وما ذكره المستشرقان (كرزون وهنري فيلد) ألا وهي الثائر والشجاع.
الكورد الفيليون في ظل الدولة العراقية
عند تأسيس المملكة العراقية عام 1921 قسمت المناطق التي يقطنها الكورد الفيليون والتي هي أرضهم وأرض ابائهم واجدادهم ودون الأخذ برأيهم او موافقتهم الى شطرين منها ما الحق
بولاية الموصل بعد الاعلان عن ولادة الدولة الجديدة ومنها ما الحق بالمملكة الايرانية وذلك بموجب بروتوكول تخطيط الحدود العراقية - الايرانية . وقبل ولادة دولة العراق كانت العلاقات
الايرانية - العثمانية تمثل تاريخاً من الحروب الدامية بين البلدين وغالباً ماكانت كوردستان مسرحاً لهذه الاعمال المسلحة والتي اسهمت في جعل كوردستان تعاني من التخلف والفقر،
فالشريط الحدودي الممتد من شمال شرقي حلبحة وشلير ومناطق زهاب ومندلي وبدرة وزرباطية وحتى الكميت، وغيرها من المناطق المتآخمة لمحافظتي ايلام وكرمنشاه الايرانيين كانت
محل نزاع واختلاف بين الدولتيين الجارتين، فالاتفاقيات والبروتوكولات الحدودية المعقودة بين طرفي النزاع منذ عام 1555 م وإلى أنهيار الإمبراطورية العثمانية. ولما كانت هذه المناطق
وغيرها من كوردستان العراق مسكونة منذ اقدم العصور من قبل القبائل الكوردية والكوردية الفيليية كان طبيعياً عند تثبيت الحدود بعد تأسيس الدولة العراقية ان تنقسم القبائل الكوردية تبعاً
لمناطق سكناها في الوقت الذي بقيت عشائر بكاملها ضمن المملكة الايرانية او العراقية كانت عشائر اخرى قد أنقسمت الى قسمين موزعين بين المملكتين ومن هذه العشائر على سبيل المثال
مامش الجاف ، الهورامانين في شمال كوردستان الى جانب الكلهور والاركوازي البولي الزركوش الملخطاوي والكوردلية في جنوبها ولما كانت هذه القبائل تشكل وحدات اجتماعية متماسكة
من ناحية القرابة والنسب فلم يكن شيئاً ما مستغرباً، اذ نرى الاخوة وابناء العمومة منقسمين في تبعيتهم بين الدولتين كما حدث لبعض العشائر العربية كشمر مثلاً. وبغية إلقاء الضوء على
هذه المسألة الجوهرية المهمة في قضية الكورد الفيليين نورد نصاً من اتفاقية حدودية مبرمة بين السلطان العثماني مراد الرابع والشاه الايراني طهماسب الاول عام 1639 م حيث جاء فيها
:- ((وقرروا ان الاماكن الواقعة في المناطق الفاصلة بين بغداد وآذربايجان الموسومة منها - بدرة وزرباطية وجصان - تكون تابعة لنا ، وقصبة مندلي وصولاً الى درتنك وقد تم الاتفاق ان
يكون المكان المسمي سرميل حدوداً لدرتنك بما فيها السهول الواقعة فيما بينها اعتبرت تابعة لنا اما الجبل المتاخم لهذه المنطقة يكون تابعاً للطرف الآخر . سرميل التي ذكرناها حدوداً لدرتنك
بالاضافة الى درنة تكونان متعلقة بنا ايضاً.
ويظهر من بين طيات اللهجة الامرة المكتوبة بها الاتفاقية يتضح ان الجانب العثماني كان منتصراً في الحرب وأملى شروط المنتصر، وهكذا كانت القوة العسكرية هي ميزان الفصل في
الحصول على الامتيازات، فكلما كانت احدى الدولتين متفوقة على الاخرى كانت تفرض اتفاقية جديدة بشروط جديدة وفي الوقت الذي حدد الجانب العثماني في تلك الاتفاقية خط الحدود بين
الدولتين إنبرى الامير علي ميزا - ابن فتح علي شاه وبدون ان يعلن الحرب رسمياً الى احتلال القسم الغربي من منطقة زهاب وجعل مجرى نهر سيروان الحد الفاصل بين الدولتين في عام
1821 م كما قامت القوات الايرانية باحتلال السليمانية وقبل ذلك وفي عام 1837م كان باشا بغداد يحرق مدينة خرمشهر ويقيم مذبحة جماعية لسكانها من خلال ذلك هشاشة الاتفاقيات التي
تجدد وتلغى سراعاً بين الدولتين فمنذ الاتفاقية التي فرضها السلطان العثماني سليم علي الشاه طهماسب عام 1555م كانت النزاعات الحدودية مستمرة والاتفاقيات متغيرة وفقاً لتغيرات الزمان
والقوة العسكرية فمع كل بروتوكول جديد تظهر شروط جديدة يقبلها احد الاطراف على مضض ثم يستعد لالتقاط الانفاس والسعي الى الغائها ومن هنا كثرت الاتفاقيات. فمن اتفاقية 1639 م
في زهاو و1727 م في همدان و 1736 م في القسطنطينية وعام 1746 م في مغان و 1823م في ارض روم كما استمرت المفاوضات الحدودية منذ عام 1849م وحتى انهيار امبراطورية
الرجل المريض دون التوصل الى إي اتفاق . وكانت لبريطانيا في العراق مطامع قديمة تناهز الثلاثة قرون ، فما عجزت عنه الدبلوماسية والتجارة على مدى تلك القرون تحقق بشكل مفاجئ
خلال الحرب الكونية الأولى وبواسطتها أختصر سلاح الحرب البريطاني كل الطرق لتغفو المملكة العظمى على ضفاف بحيرة البترول العراقية بعد منافسة في هذا المجال إذ كان الألمان
سباقين ، حيث يرجع اهتمامهم بحقول النفط العراقية منذ 1871 م .. وفي عام 1901 م زارت بعثة من الخبراء الألمان العراق فوجدت المنطقة عبارة عن (بحيرة بترول) وفاجأت الثورة
العراقية الكبرى عام 1920 م التي أثرت بها ثورات الشيخ محمود الحفيد والإنتفاضات الكوردية في كوردستان ، إدارة الاحتلال التي ألقت باللوم على إدارتها المحلية لعدم توقعاتها بحصول
الإضطرابات ، الأمر الذي أدى بالنتيجة إلى إعادة النظر في السياسات البريطانية المتبعة في العراق . ومن هنا جاء إستفتاء ولسون الذي تضمن محوراً بثلاثة أسئلة (هل يحبذ الناس دولة
عربية واحدة تحت رعاية بريطانية ؟ هل يريدون رئيساً عربياً للدولة ؟ وإذا كان الأمر كذلك فمن يفضلون) وبرغم ان الاستفتاء كان يرمي إلى حشد التأييد الشعبي لسياسات ولسون
.
وتعليقاً على ذلك يورد الأستاذ غسان العطية في كتابه (العراق نشأة الدولة) ((إن كثيراً من الذين أيدوا السياسة المنادية بحكم برييطاني مباشر لا يرأسه حاكم عربي ، كانوا مخلصين
في معتقدهم هذا فقد أيد كل من التجار المسلمين وملاكي الأرض من الأعيان والشيوخ والأقليات الدينية أيدوا الحكم البريطاني في العراق على أسس اقتصادية بالدرجة الأولى ، لقد وفرت
لهم الإدارة البريطانية الكفاءة والنظام وهما جوهريان لرخائهم ثم أنهم لم يكونوا مؤمنين بطاقة العرب على توفير أي شيء سوى حكم استبدادي تافه)) . وقد تأسست دولة العراق عام 1920
من ملك مستورد وحاشية مكونة من ضباط من خريجي المدرسة العسكرية في اسطنبول سابقاً المتشبعين بالسياسات الشوفينية والعنصرية لكونهم الأداة التنفيذية لسطوة الإمبراطورية
المريضة وسياساتها القائمة على اللاضطهاد والقمع والصهر وفي مقدمتها سياسة التتريك، وبرغم كونهم عرباً إلا أنهم كانوا لا يتكلمون اللغة العربية إلا بصعوبة وهؤلاء أتخذوا ستار القومية
الزائف ستاراً لغاياتهم رغم عدم إنتمائهم لها وكون غالبيتهم من اصول اجنبية كما كانوا لايجيدون اللغة العربية.
التأسيس انطلق من تحقيق اهداف الانتداب ومصالحه ومن هنا إنتفى شرط النهوض الوطني الذي كان وارداً خاصة وان النخب الحاكمة لم تكن سوى بيادق شطرنج في ساحة اللعب السياسية
محلياً وإقليميا ودولياً وتوجه القوى المسيطرة وفقاً لتوجهاتها ومصالحها . ففي الفترات التاريخية اللاحقة من ظهور دولة العراق كان الساسة يوجهون مختلف الطعنات عبر وسائل القهر
والارهاب لقوى الشعب الوطنية، لا لشيء سوى مطاليبها الوطنية المشروعة التي حركتها عوامل الاستنهاض الوطني بفعل الانتفاضات الثورية للشعوب المختلفة بعد بروز المعسكر
الاشتراكي كقطب دولي منافس، فقد ولدت الدول العراقية وفي احشائها الشوفينية العنصرية وكل عوامل التهميش لغالبية مكونات الشعب العراقي فكانت ممارسة الدولة لسياسة التمييز القومي
والطائفي جرت البلد الى الكوارث المتكررة التي لم يجن منها العراق سوى الخراب والدمار وخسارة فرص التقدم والازدهار .
ورث العراق عند تأسيسه شكل نظامه السياسي المتمثل بالحكم الديمقراطي النيابي من دولة الإنتداب بما يشبه الأنظمة الديمقراطية الغربية . وكان الإعتقاد السائد لدى عامة الناس أن يتم
تطوير هذا النظام بمرور الوقت إلى نظام ثابت ونيابي يؤسس لقاعدة شرعية لتولي السلطة ، لكن بعد نيل الإستقلال عام 1932 أفرغ هذا النظام من محتواه من خلال تمسك النخب الحاكمة
بأهداب السلطة بشكل مطلق غير مبالية باللعبة الإنتخابية . وخلقت هذه الأوضاع أزمة حول شرعية الحكم بسبب عجز النخب الحاكمة عن نيل رضى الشعب من خلال النظام الإنتخابي
وسرعان ما أكتشف الناس أن اللعبة البرلمانية يمكن أن يستغلها الزعماء المتسلطون بطريقة بشعة (39) ، وبرغم تغير شكل الحكومات في العهد الملكي إلا أن جوهر سياساتها بقيت ثابتة
وخاصة ما يخص الكورد والشيعة . فالشيعة أتخذوا موقفاً صارماً من الإحتلال وحرم فقهاؤهم الإشتراك في أية حكومة عراقية خاضعة للإدارة البريطانية . وأنحاز البريطانيون لمذهب
الأقلية السنية التي كانت بحاجة إلى عون وسند خارجي يحميها من سيطرة الأغلبية وهو وضع يتفق مع سياسة إبقاء العراق تحت الهيمنة الإستعمارية ، وقد ثبت نجاح هذه السياسة التي كان
فيها الضحية فيها معظم العراقيين.
إن بقاء السلطة في يد الأقلية سواء أكانت عشيرة أو أقلية مذهبية أو حزباً سياسياً أو أقلية عنصرية جعل اللجوء إلى الإستبداد أمراً واقعاً ومفروضاً موضوعياً لأن إعتماد التمثيل البرلماني
الصحيح من شأنه نقل السلطة إلى أصحاب الأغلبية وعلى هذا الأساس لا يمكن لحاكم الأقلية التفكير بأي نهج ديمقراطي لأنه بالنتيجة يعني إنتزاع السلطة من بين يديه.
إن الإستبداد حصيلة طبيعية لحكم الأقلية وهو صفة لا تختص بمذهب ديني معين أو بقومية معينة (40) ، مما سيدفع بالنتيجة الأغلبية إلى سدة السلطة . ولما كانت النظرة الشوفينية
العنصرية هي مجال الرؤية السياسية للنخب الحاكمة ، فإن حملات القمع والحصار ضد الشعب الكوردي بقيت مستمرة وفي وتائر متصاعدة محلياً وإقليمياً عبر التحالفات مع دول الجوار
لسحق الثورات والإنتفاضات الكوردية ، وابتدأت سياسات التعريب منذ عهد وزارة ياسين الهاشمي عام 1936 وبمشروع ري الحويجة الذي يعتبر أول محاولة رسمية للإنطلاق نحو التغيير
الديموغرافي للمناطق والمدن ذات الغالبية الكوردية وابتدأت بإحدى أهم المدن الكوردية وهي كركوك . ومع ترسيخ مبدأ تمذهب الدولة حيث السلطة بيد العرب لا الكورد والأطياف العراقية
الأخرى وبيد السنة دون الشيعة . في اعقاب اتفاقية سايكس بيكو التي شكلت غبناً تاريخياً بحق الشعب الكوردي الذي كان يعاني كأي شعب آخر من شعوب المنطقة التي كانت ترزح تحت
وطأة الاستعمار العثماني والذي كان يتطلع الى التحرر اسوة ببقية الشعوب . الا انه واجه واقعاً مأساوياً مفروضاً من خلال تقطيع اوصال الوطن الكوردي وتقسيمه بين اربع دول متجاورة
وبعد اتفاقية لوزان عام 1923م، اصبح لزاماً ان تكون المتغيرات في العراق ودول المنطقة وفقاً لمبدأ تلك الاتفاقية فمن بين تلك المتغيرات محاولة التقليل العددي لأبناء الأمة الكوردية الى
جانب تقليص مساحة أراضيها لتعد أقلية غير مهمة في تلك الدول، وتحقيقاً لذلك جرت محاولات إخراج اللر والكورد الفيليين وقبائل كوردية اخرى من رحم الامة الكوردية بتنسيبهم الى
آرومة عربية آو اصول ايرانية . على ان هذا العامل السياسي لم يأت بمحض الصدفة وإنما جاء بمخطط اشرف عليه واداره (ادموندز) احد اركان عهد الانتداب ومستشار وزارة الداخلية
والمخطط الاول لإفشال ثورة محمود الحفيد . يقول ادموندز في كتابه (كرد وترك وعرب) حول هذه المسألة مانصه :- (ان الطريق السلطانية الممتدة من كرمنشاه الى كرند يليها الخط
المنتهي بمندلي وهو على وجه التقريب الحد الفاصل بين بلاد الكورد الاصلية وبين اقربائهم ( اللر، الك ) لايعدون ضمن الشعب الكوردي).
ثم يضيف في الحاشية (أولئك الكورد الذين يشاهدهم الناس يومياً في بغداد يحملون على كواهلهم اثقل الاحمال التي ذكرها كتاب الف ليلة وليلة، انها مهمة اسلافهم بالضبط قبل الف ومائتين
سنة وهم ليسوا من الكورد وانما من اللر الذين جاءوا من غرب إقليم كوردستان المعروف بأقليم بشتكوه) والمسألة واضحة هنا فهو يريد وبحكم منصبه ان يقلل من الوجود الكوردي الفيلي
على أرض العراق بل وينكر انتماءهم الى قوميتهم الكوردية تماشياً مع السياسة البريطانية التي استقرت عليها في العراق فأنكرت اللر عراقيتهم وحرمتهم من الجنسية الجديدة للدولة
المستحدثة واعتبرتهم ايرانيين نازحين الى العراق بسبب الرباط القبلي ووشائج القربى التي تشد بين هؤلاء وبين الذين يسكنون الجزء الفارسي من الرستان والبختياري الشرقية بغية التقليل
من شأن الوجود الكوردي في البلاد الجديدة المسماة بالعراق . وقد نفذ تلك السياسات النخب الحاكمة التي مر ذكرها . وكان قانون الجنسية المرقم (42) والصادر عام 1924 أول
الغيث.
وقبل التطرق الى هذا القانون لابد من ذكر حقيقة تاريخية معروفة الى عهد قريب من إعلان الدولة فالمعروف أن قانون القرعة العسكري العثماني الذي شرع ليجهز الجيش
العثماني بالعنصر البشري لتغطية حاجته البشرية في حروبه في البلقان ومع روسيا القيصرية، وكان الشخص المشمول بالقرعة يودع من قبل أهله وعشيرته وداع المحكوم بالإعدام اذ يندر
أن يعود هؤلاء سالمين إلى ذويهم، الأمر الذي دفع بالكثيرين الى إصابة أنفسهم بعاهة تنجيهم من شر التجنيد الإجباري العثماني اللعين، ولما كان هناك طريقة سهلة للتخلص من مأزق
التجنيد فقد بادر الكثيرون من الكورد الفيليين والعرب الى شراء الجنسية الايراينة، من القنصليات الموجودة في البصرة والعتبات المقدسة الذين كانوا مستعدين لتجهيزهم بها لقاء مبلغ من
المال. هذا من جهة ومن جهة اخرى كان الموظفون العثمانيون الذين هم جزء من الفساد الإداري المنتشر على استعداد لقبول الرشاوي في شطب أسماء المجندين . ولما كانت هذه الحقيقة
واضحة حينها ومعلومة للجميع كان لابد من إسناد امر الجنسية والتجنس الى القضاء كما في مختلف بلدان العالم بدلاً من اختصاصها بوزير الداخلية فالقانون رقم (42) الصادر بوحي من
اتفاقية لوزان لإغراض طائفية وسياسية تمليها الظروف المحلية قد ولد هذا القانون شاذاً وغريباً عن كل قوانين الجنسية المشرعة في بلاد الله المعمورة، فقد أناط القانون المذكور كما ذكرنا
أمر التجنس إلى وزير الداخلية وليس إلى القضاء كما هو معروف دولياً، برغم أن تعقيدات الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية للعراق كانت غير خافية على أحد، وخاصة التعامل
مع قانون القرعة العسكري العثماني الخاص بتجنيد المواطنين وهو ما سنتطرق إليه لاحقاً ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى عرف القانون رقم (42) صفة المواطن العثماني: بأنه المواطن
الذي يسكن في أي جزء من أجزاء الدولة العثمانية وفي أي جهة منها سواء كان في البلقان أو مصر أو بلاد الشام أو سواها وأعتبر عراقياً بصفة أصلية وحدد القانون جهة التبعية بأنها أما
تبعية عثمانية أو تبعية إيرانية، ووفقاً لمحددات هذا القانون نفسه إن التبعيتين هما بالمحصلة النهائية اجنبيتان الأمر الذي يثير التساؤل حول من هو العراقي إذن ؟! وماهي معايير العراقية
الحقة، أهو التاريخ أو الجغرافية؟ أو محددات وشروط القوى؟ المهيمنة ذات المصالح العريضة التي تقلص الأراضي والشعوب وفقاً لمشيئتها؟ وطبقاً لهذا القانون الجائر أعتبر الكورد الفيليين
من أصول إيرانية تجنياً وزوراً وبهتاناً خلافاً لكل الشرائع والمواثيق المعمول بها في العالم وبصرف النظر عن تاريخ وجود الكورد الفيليين في أرض آبائهم وأجدادهم استناداً لكل المصادر
التاريخية العربية منها والأجنبية فضلا ً عن الأبحاث الأركيولوجية فإن المرء يكتسب جنسية أي بلد وحقوق المواطنة كاملة ليس فقط من خلال عامل الإنتماء وإنما من خلال زواجه أيضاً
من إمرأة تنتسب إلى ذلك البلد ، كما يحصل الطفل المولود على أي أرض أجنبية أيضاً جنسية ذلك البلد ضمن مدة قانونية محددة . في حين إن الكورد الفيليين كانوا مطاردين من قبل جميع
السلطات وفي مختلف العهود ومع سن وتجدد أي قانون للجنسية كان يتجدد في أحشائها كل ما من شأنه اسقاط مواطنتهم ومصادرتها. ورد في المادة السادسة من الدستور العراقي الملكي
الصادر عام 1925 (لا فرق بين العراقيين في الحقوق أمام القانون وإن أختلفوا في القومية أو الدين أو اللغة) فأين وجه المساواة ؟ فالمشكلة ليست في أن النصوص تورد في الدساتير
لتوضع على رفوف النسيان ليعفرها الغبار لكن السلطات لم تكن تلتزم بما تصدره من قرارات رغم إنها هي التي شرعتها. وفرض القانون (42) على الكوردي الفيلي تقديم إلتماس لمنحه
التجنس بعد استيفائه على إثني عشر شرطاً صدرت بشكل تعليمات في وزارة الداخلية. يتضح مما سبق أن القانون رسمته النخب الحاكمة وفقاً لمخطط جعل العراق المنتدب من قبل بريطانيا
ركباً في المسيرة الإستعمارية وقاعدة لرعاية مصالحها على مستوى المنطقة كما وأن القانون الأساسي لسنة 1925 ساهمت في وضعه دولة التاج البريطاني بشكل أساسي، فيما كان أدمودنز
مستشاراً في وزارة الداخلية. وصدر عام 1937 قانوناً جديداً للجنسية كان نسخة صماء من القانون المسن قبله إذ لم يأتِ بأي جديد ، وشهد عام 1941 أول حملة تهجير رسمية من قبل
السلطات اذ تم تهجير عشرات العوائل إلى إيران ، وإذا كان العامل القومي المتمثل بكونهم كورداً فإن العامل الطائفي هو الآخر عرضهم إلى إضطهاد مزدوج لكونهم من المذهب الشيعي،
وحيث أن إضطهاد التكوينات الاجتماعية الأثنية والدينية المذهبية والطائفية تمثل أحد أركان السلطة في العراق وعلى قاعدة (التمييز القومي والمذهبي) وتجسد ذلك كحقيقة موضوعية في
السلوك السياسي للنخب الحاكمة المتعاقبة رغم أختلاف أنظمة الحكم بإستثناء فترات محددة من الحكم الجمهوري الأول ومثلت الذهنية الشوفينية وأفكار التعصب الأعمى القاسم المشترك بينها
، ففي عهد إنبثاق دولة العراق في ظل الانتداب البريطاني تبنى لفيف من نخبه الحاكمة إيديولوجيا القومية (العروبية) بوصفها ايديولوجية القومية الرئيسة وغاية هذه الايديولوجية التأكيد
على ماضي الإمبراطورية العربية والرغبة في إحياء أمجادها وتحت لافتة الشعوبية حيث صوروا المذهب الشيعي على أنه هرطقة هدامة مدفوعة أساساً بحقد الفرس على العرب . وشددوا
على التهديد الفارسي لفكرة القومية العربية وربطوا الاحتجاجات الشيعية على تمييز الحكومة بحقهم وتصوير تظلماتهم بأنها أفعال ترويج للطائفية في الدولة ووضع الأصل الأثني للشيعة
موضع تساؤل بصورة متكررة . تعرض الشيعة في السنوات 1927 و1933 إلى حملات تشهير وطعن في عروبتهم وإخلاصهم للدولة العراقية ففي سنة 1927 أصدر أنيس النصولي وهو
مدرس سوري في ثانوية بغداد المركزية كتاباً بعنوان (الدولة الأموية في الشام) كان على درجة كبيرة من التجريح لمشاعر الشيعة الدينية ، مما أدى إلى موجة من الاستياء والسخط العام
على سياسة الحكومة في توظيف السوريين للتعليم في العراق . وفي حزيران عام 1933 أصدر عبد الرزاق الجصان كتابه الموسوم (العروبة في الميزان) وقد هاجم المؤلف الشيعة واصفاً
إياهم بالمتفرسين حسب زعمه . وكان الكتاب مشبعاً بالأفكار الشوفينية والفاشية . وفي السنوات اللاحقة استمرت الحكومات المتعاقبة في تشجيع المطبوعات التي تدعو إلى الشوفينية . لقد
كانت شعاراتهم العروبية تضرب بالعمق على وتر حساس لكنهم كانوا عاجزين عن تخصيبه بمحتوى اجتماعي وعلى هذا المنوال والشاكلة من الافكار والنظرات الشوفينية ظلت الحكومات
المتعاقبة بشكل عام ترث هذيانات أفكار التعصب القومي وتتجاهل الواقع الاجتماعي وتدور في دائرة نكوصية انغلاقية تسير بالفرد والمجتمع إلى الوراء حيث التدهور العام على كل
الأصعدة . فالأيديولوجية الظلامية المستوردة للنخب الحاكمة وخاصة في العهد الأول من تكون الدولة العراقية قد تجاهلت الخصائص المميزة للشعب العراقي وواقعه الموضوعي من خلال
اقحام مفاهيمها (القومية) عنوة في الواقع وكرست لعملية فرضها وسائل السلطة وأدواتها فقد حاول أفراد من تلك النخب فرض الولاءات القومية محل الولاءات المحلية حين كان المجتمع
العراقي خاضعاً إلى حد كبير للروابط المحلية والنظرات المحلية المستقبلية وهي حقيقة موضوعية واقعية آنذاك إلا أن النخب الحاكمة ومن موقع حماية مكتسباتهم السلطوية أرادوا اختزال
ذلك بالعمل الشعاراتي الطنان والفارغ من أي محتوى إستراتيجي يخص الشعب العراقي فضلا ً عن كونهم أجانب ولا ينتسبون إلى التربة العراقية ليعملوا لها ولأجلها ، فالشعارات القومية
من وجهة نظرهم تؤجج مشاعر الشعب وتجعل وجودهم مستساغاً بصرف أنظار الرأي العام العراقي عن الخصائص المحلية . وساعدت الظروف الدولية حيث نشوب الثورات القومية في
أماكن متفرقة من العالم في تغذية ذلك الموقف وهو ما كان يصب في الأساس في خدمة القوى الدولية المهيمنة حينذاك فكانت اللعبة متكاملة الأبعاد . ومن المفيد ذكره في هذا المجال ما اورده
السوسيولوجي حنا بطاطو في مؤلفه (الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية) الجزء الأول صفحة 32 وضع المجتمع العراقي آنذاك قائلا ً : (لقد كان العربي من العشائر ومن عرب المدن
واعياً لكونه عربياً وخصوصاً عندما يقف في مواجهة تركي أو فارسي مثلا ً لكن الوعي عنده لم يكن مماثلا ً لوعي القوميين العرب اللاحقين وكونهم عرباً كان واقعاً طبيعياً بالنسبة لهم وكان
ذلك واقعاً يمكنهم أن يفخروا به لكنهم لم يشعروا أبداً كونهم مدفوعين إلى عمل شيء بشأنه وبكلمات أخرى ، فإن عروبتهم لم تعكن عروبة دينامية ولا شكلت الأمة كأمة مركز استقطاب
لولاءاتهم أو مشاعرهم) (41).
يتضح مما سبق إن الشعارات والصرخات القومية ذات النفحة الكاذبة والدعوات التي أطلقها المزايدون القومجية لا علاقة لها بالإنتماء القومي الأصيل لأن من مصلحة العمل القومي إقامة
علاقة متوازنة مع الكورد تحترم فيها الخصوصيات ومع باقي أطياف الشعب العراقي ، في حين أن قيام دولة العراق جرّت بشكل إنفصالي عن المشروع الوحدوي العربي إذ كانت الدعوات
العربية وقتها تدعو إلى قيام دولة عربية واحدة في حين ان تشكيل دولة العراق جرى كدولة قطرية. إن كل ذلك يؤكد ما قلناه بأن ذلك كان مخططاً مدروساً وضعت أهدافه في دهاليز القوى
الإستعمارية وفقاً لمصالحها في الشرق والعراق خاصة بعد التوسع في أكتشاف المكامن البترولية فيه . ولإفتقاد السلطات الحاكمة إلى الروح الوطنية والإحساس بالمسؤولية التاريخية تجاه
الوطن والشعب العراقي لم يتجشموا عناء دراسة الواقع العراقي لصياغة نظرية معرفية بمنطلقات عصرهم تتلائم والتنوع العراقي الخصب لتساهم كعامل اجتماعي تزيد تماسك المجتمع
للانطلاق نحو تحديثه وتصنيعه وعقلنته ودمقرطته.
إن السير بالمجتمع وسط تجاهل واقعه السياسي والتاريخي والاجتماعي إنما يعني خلق وتفجير صراعات داخلية تساهم في عدم تجانس تركيبته التي تهدد بالأساس وحدته ، فالشعب العراقي
يتكون من قوميتين رئيستين هما، القوميتان العربية والكوردية فضلا ً عن أقليات التركمان والآشوريين والكلدان والأرمن وطوائف دينية متعددة . وتوجد داخل هذه الاثنيات القومية والدينية
جماعات لها خصائص متميزة ، وتجاهل تلك الخصوصيات بشكل عام ما كان ليضر إلا بالشعب العراقي وتكويناته . كما أن فرض رؤية فارغة من أي محتوى اجتماعي في مجال السياسة
العلمية للدولة أدى إلى أخطاء جسيمة تركت انعكاساتها في تاريخ العراق الحديث وأسست لمراحل أسوأ.
إن إشاعة الأفكار الشوفينية وتغذيتها أدت إلى جر البلد في صراع أخذ يعتمل دون توقف وينحو منحى خطير باتجاه استخدام العنف وأدواته في ظل انعدام أي مرجعية أو قانونية، إذ كانت
الدولة الراعي الأول له . وكانت وتائر الاضطهاد تتصاعد من وقت لآخر من خلال تكثيف حملات الاعتقالات والإعدامات والتشريد التي طالت الشعب الكوردي المناضل العنيد لنيل حقوقه
المشروعة. فيما عمدت السلطات بخبث وخداع أستخدام الكورد والشيعة في عملية موازنة طائفية بغيضة برغم سياسات الإضطهاد القومي والطائفي الموجهة إليهما ، فمنذ الإحصاء السكاني
الأول الذي أجراه البريطانيون عام 1919 والتي ظهرت بموجبه النسب التالية (العرب الشيعة 55% ، العرب السنة 19% ، الكورد السنة 18.8% ، اليهود والمسيحيون والطوائف
الأخرى 8%) . ومنذ ظهور تلك الاحصائية وحتى سقوط الدكتاتورية عام 2003 كانت المصادر الرسمية تستخدم حصة الشيعة لزيادة الحصة العربية لمواجهة الكورد . وحصة الكورد
لزيادة حصة السنة لمواجهة الشيعة.
إن التصريحات والإدعاءات اللامسؤلة التي نادت بها بعض النخب والتي تكيل الإتهامات الباطلة التي تفوح منها رائحة التمييز الشوفيني ضد الكورد الفيليين والعرب الشيعة لم ترعَ حتى
الخارطة المجتمعية وما تتطلبه من موازنة حقيقية حتى وفق مفاهيمهم وإدعاءاتهم ، فعبارة (كل شيعي هو إيراني) التي نادى بها السيد مزاحم الباجه جي في كلمته التي ودع فيها الكولونيل
ولسون بعد الاجهاز على ثورة العشرين خير دليل على ما نذهب إليه. ومن الامور الغريبة إن الحقد الاسود بلغ درجة من عمى البصيرة لدى مدعي القومية باتوا معها لا يبصرون بأنه في
حالة تنسيب كل تلك القوى إلى جهة إيران يصعب جعل العراق في حالة إصطفاف مع العرب كون العرب فيه أقلية ، ومن المنطلق نفسه سئل السفير العراقي في الصين في زمن الطاغية
المخلوع (عيسى سلمان التكريتي) ((من هم الأكثر في العراق : السنة أم الشيعة؟)) فأجاب (إن العجم أكثر من العرب في العراق ولكن إذا أجتمع الكورد والعرب فسيكونون أكثر من العجم)
وهنا سأله شخص فلسطيني كان حاضراً أثناء الحديث (هل يعني إن الشيعة في العراق عجم؟) فأجاب السفير بالإيجاب ، وكرر الصحفي الفلسطيني (لكنهم موجودون في حزبكم بكثرة وأنتم
في غمار حربكم مع الإيرانيين فكيف ينسجم هذا مع ذاك؟) . فأجابه السفير (إن القيادة العراقية تأخذ الإحتياطات اللازمة وتعرف كيف تتصرف مع الشيعة في الحزب والدولة) . وهي ليست
وجهة نظر شخصية وإنما هو رأي التيار العروبي الشوفيني المزيف الذي لم يحسب إنه في حال الأخذ بهذا الرأي الذي أدلى به فسنكون أمام المعادلة التالية : (الشيعة وهم عجم 55% ،
الكورد وهم غير العرب 18.8% ، الأقليات غير العربية 8% وما بقي من النسبة 18.5% هو نسبة العرب) وفي هذه الحالة على العراق التخلي عن الإدعاء بكونه بلداً عربياً وسيكون
لإيران حق المطالبة به لكون 55% من سكانه إيرانيين.
أستهدف الكورد الفيليين بجانب ذلك كله إلى محاولة الطعن في وطنيتهم ومحاولة إخراجهم من أي عملية سياسية محتملة في البلاد أتخذت التشريعات الظالمة ضدهم أشكالا ً أوسع وأعمق
على وفق سيناريوهات مختلفة. ففي عام 1943 صدر التعديل المرقم 69 لسنة 1943 إذ عدلت بموجبه الفقرة (1) من المادة (30) من القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 وكما يلي: (لا
يكون عضواً في أحد مجلسي النواب والأعيان من لم يكن عراقياً أكتسب جنسيته العراقية بالولادة أو بموجب معاهدة لوزان أو بالتجنس على أن يكون المتجنس منتمياً إلى عائلة عثمانية
كانت تسكن عادة في العراق قبل عام 1914 ومر على تجنسه عشر سنوات) . أي أن الكوردي الفيلي لا يستطيع تولي عضوية أحد المجلسين (الأعيان والنواب) إلا إذا كان مكتسباً للجنسية
العراقية بالولادة ، في حين أن العثماني يصبح عيناً أو نائباً لمجرد كونه متجنساً لمدة عشر سنوات من أسرة تسكن عادة في العراق قبل عام 1914 ، كما أن التشريعات والدساتير اللاحقة
في العراق لم تعالج من الموضوع شيئاً يذكر ، بل زادت من الطين بلة ، فكلما تقدمت السنون زاد وضع الكورد الفيليين سوءاً وتعقيداً . وعلى صعيد ذي صلة هو ما حصل عام 1950
حينما طرد المواطن الكوردي الدكتور (جعفر محمد كريم) العضو المؤسس للحزب الديمقراطي الكوردستاني ، ثم صدر في العام نفسه قانون إسقاط الجنسية العراقية عن اليهود رقم (1) لسنة
1950 ، وتبعه القانون رقم (12) لسنة 1951 تحت تأثير الحركة الصهيونية ، وفي عام 1954 صدر مرسوم ذيل الجنسية العراقية رقم (17) وبموجبه جرى عام 1955 إسقاط الجنسية
عن كل من (عزيز شريف وعدنان الراوي والدكتور صفاء جميل الحافظ وكاظم السماوي وكامل قزانجي وتوفيق منير وأكرم حسين محمد وبهاء الدين نوري بابا علي وجاسم حمودي وعبد
الرزاق الزبيدي وزكي خيري وصادق جعفر الفلاحي وكامل صالح السامرائي ومحمد عبد اللطيف الحاج محمد وعلي الشيخ حسين الساعدي والمواطنة بهية مصطفى) وفي حالة مماثلة أقدم
النظام الفاشي على إحياء هذا الموروث سيء الصيت حيث أسقط الجنسية عن الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري والشاعر عبد الوهاب البياتي وآخرين. ولقد أوجد هذا الإجراء سابقة
خطيرة ترتبت عليه عواقب وخيمة ساعدت على ترسيخ فكرة الإسقاط والإبعاد في ذهن السلطة الحاكمة ، أستغلت جيداً من قبل نظام البعث الفاشي لاحقاً ومهدت السبيل لإتساع الدائرة من
ترحيل محدود، إلى عمليات تهجير جماعية شملت شريحة مهمة من الشعب العراقي متمثلة بالكورد الفيليين ليكونوا أول ضحايا الأنفال والتطهير العرقي المعروفة بالجينوسايد . وطالت
قضية إسقاط الجنسية الشيوعيين ونفيهم إلى خارج البلاد وظهرت على السطح لكونها مخالفة لروح الدستور خاصة في المادة (7) من القانون الأساسي العراقي والتي حظرت إبعاد العراقيين
ونفيهم إلى خارج البلاد ، وهذا ما كشفته وقائع جلسات محكمة الشعب بعد ثورة 14 تموز عام 1958 الوطنية ، وأثناء محاكمة وزير الداخلية في العهد الملكي سعيد قزاز.
تطورت قضية التهجير المتلاحقة ففي 30 / 5 / 1963 صدر قانون الجنسية الجديد تحت رقم (43) لسنة 1963 . وكان أشد وطأة من سابقه ، وقد لوحظ أنه قد صدر بعد ثلاثة أشهر من
وقوع إنقلاب 8 شباط الأسود ، بهدف الإنتقام من الكورد الفيليين ، عقاباً لهم لمقاومتهم الباسلة لإنقلابيي 8 شباط 1963 المشبوه دفاعاً عن ثورة 14 تموز ومكاسبها وإنجازاتها الوطنية في
مناطق سكناهم مثل (حي الأكراد ، ساحة النهضة ، باب الشيخ ، الكاظمية) كما تلقت السجون الآلاف من شبابهم ليساقوا إلى أقبية التعذيب والموت السرية. وما من شك أن إنقلاب شباط
الذي أسقط حكومة ثورة 14 تموز وزعيمها المغفور له عبد الكريم قاسم والضباط الوطنيين الأحرار المدافعين عن ثورة 14 تموز، يعتبر صفحة سوداء في تاريخ العراق المعاصر، لا
لإستهدافه القوى والأحزاب الوطنية المعروفة بتاريخها الوطني والنضالي فحسب وانمالإستهدافه أناساً أبرياء أتهموا بالظن والإشتباه، حيث أصبحت الساحة العراقية عند وقوع الإنقلاب
المذكور ساحة تصفيات طالت قادة سياسيين وعسكريين كان لهم الدور الكبير في قيام ثورة 14 تموز الوطنية عام 1958. أما بالنسبة للقانون المذكور آنفاً فقد شدد من شروط منح الجنسية
وأعطى لوزير الداخلية صلاحيات واسعة ومنها إسقاط الجنسية ولأسباب أمنية ودون الرجوع للقضاء ، إضافة إلى جعل العرب من أبناء الأمة العربية أعلى مرتبة من الكورد الفيليين ، إلا
أن أحلام البعثيين المريضة في القيام بحملات تهجير واسعة النطاق قد هدأت نتيجة طردهم من السلطة في إنقلاب 18 تشرين الثاني عام 1963 ، إلا أن الإنقلابيين الجدد واصلوا
إضطهادهم وإمعانهم في الأجهاز والتضييق على الكورد الفيليين والتمادي في حرمانهم من أي تغيير في الموقف الرسمي ففي 10 / 5 / 1964 صدر الدستور العراقي المؤقت في عهد عبد
السلام عارف ، وقد ضم أوضاعاً غريبة وشاذة وخاصة ما يتعلق منها بالكورد الفيليين ، ففي المواد (41 ، 72) من الدستور أعلاه (قد أشترطت على كل من رئيس الجمهورية ورئيس
الوزراء ونوابه والوزراء حين توليهم مناصبهم أن يكونوا عراقيين ومن أبوين عراقيين ينتميان إلى أسرة تسكن العراق منذ عام 1900 وكانت تتمتع بالجنسية العثمانية ، وأن لا يكون
متزوجاً من أجنبية ، وتعتبر العربية التي من أبوين وجدين عربيين عراقية لهذا الغرض) . فهذه الشروط المبينة أعلاه ذات تفسير واضح لا تدع مجالا ً للشك ، فمعناها حرمان الكورد
الفيليين من حق المشاركة في الحياة السياسية والشؤون العامة ومنعهم من تولي المناصب الحكومية الرفيعة ، وقد شمل الحظر أيضاً العراقي بصفة أصيلة (حسب مواصفات مشرعي
الدستور) إذا كان متزوجاً من إمرأة كوردية فيلية ، ورغم قيام الحكومة في وقت لاحق بتعديل تلك المواد تحت ضغط الشارع العراقي إلا أن إجراءها جاء بعد فوات الأوان.
وأستمر الحال من سيء إلى أسوء ، بعد وقوع إنقلاب 17 تموز 1968 الأسود . الذي أعاد حزب البعث الفاشي إلى الحكم مجدداً ، وحيث أن إيديولوجيته لا تعترف بالقوميات والأقليات
الأخرى بل يحاول صهرها بفعل إيديولوجيته السفسطائية القائمة على تزوير حقائق التاريخ وتزييف وعي الجماهير . فالبعث لا يعترف بوجود قومية كالقومية الكوردية ، فقد أورد المقبور
ميشيل عفلق (عميد الماسونية العالمية في المنطقة العربية) في كتابه (نقطة البداية) ما يلي :- ((طوال قرون الكورد مواطنون عرب مسلمون) ، كما لا يقر عفلق بالمميزات القومية
المشروعة للكورد كما هي حال القومية العربية وحيث يعيش الكورد في وطنهم كوردستان الملحقة بالعراق بقرار عصبة الأمم في 26 / 12 / 1925 نتيجة لمساومات بين الدول المنتصرة
في الحرب العالمية الأولى(بريطانيا وفرنسا)، ويعد ميشيل عفلق إن التنقيب عن المميزات التاريخية واللغوية والعرقية للكورد هو من صنع الاستعمار ، ويعد حق تقرير المصير تآمراً على
الثورة العربية.
ولم تكن إتفاقية 11 آذار عام 1970 ا لرغبة النظام البعثي في حل المسألة الكوردية حلا ً سلمياً وديمقراطياً عادلاً وتأسيس صرح جديد للعلاقة الأخوية بين الشعبين العربي والكوردي، وإنما
جاءت نتيجة لظروف موضوعية عاصفة داخلياً ومحاولة الإنقلابيين تثبيت سلطتهم وترسيخها، والضغوطات الخارجية التي كانوا يتعرضون لها ورغبتهم في تحسين صورتهم البشعة . وقد
كشفت الوقائع التاريخية فيما بعد أن البعث أستهدف ليس الكورد فحسب وإنما كل القوى الوطنية والديمقراطية من خلال إتباعه سياسة (القضم التدريجي) لها تحقيقاً لشعاره البغيض (الحزب
القائد). وتحقيقاً لسياساته العنصرية والشوفينية الهادفة إلى تصفية وإنهاء الوجود القومي الكوردي وضع أسس لتنفيذ تلك السياسات والآليات والبرامج التي تجاوزت كل سابقاتها بوحشية
التطبيق ودموية النهج وعلى مراحل كشفت عن الحقد الأسود الدفين. وأستهدف النظام البعثي الفاشي الكورد الفيليين ليدشن عهده الجديد بأولى مراحل سياسته الآنفة الذكر حيث بدأ بما يمكن
أن نسميه المرحلة الأولى لسياسة ترقين الوجود القومي الكوردي، حيث بدأ بين عامي 1970-1971 وبعد اتفاقية 11 آذار تم تهجير أكثر من سبعين ألف مواطن عراقي من الكورد الفيليين
إلى الحدود الإيرانية. وغالباً ما حاولت الحكومات الدكتاتورية المتعاقبة على الحكم ربط علاقاتها مع إيران بقضية الكورد الفيليين لغايات خبيثة. وقد حاولت السلطة خلق مشاكل لقيادة الثورة
الكوردية وإثارة المشاكل مع إيران بعد فشل مساعيها للبحث عن نقطة حوار مع الشاه المقبور لغرض الإستيلاء على أموالهم بعد نجاحهم الاقتصادي الواضح في مجالات التجارة والصناعة
وعلم السلطة بأرقام حساباتهم وودائعهم في البنوك، ويورد في هذا الصدد أحد أقطاب النظام والذي اغتيل على يد النظام نفسه (حردان التكريتي) في مذكراته بأنه والبكر اتفقا على يمين
الإخلاص لبعضهما وأن يكون الحلف (القسم) عند مرقد سيدنا الإمام العباس بن علي(ع) في كربلاء ، وفي طريق العودة أخبره البكر بأنه يفكر جدياً بتهجير الكورد الفيليين رغبةً منه في
مصادرة أموالهم وممتلكاتهم وخلق مشكلة للحركة التحررية الكوردية بإعتبار الكورد الفيليين أحد الروافد المالية لدعم الثورة.وإصرار قيادة الثورة الكوردية على مرشحها السيد حبيب محمد
كريم لشغل منصب نائب رئيس الجمهورية ، كما كان متفقاً عليه وهو كوردي فيلي، فأعترض عليه صدام وحكومة البعث وبقيت القيادة الكوردية على موقفها حتى اندلاع القتال مجدداً في
آذار عام 1974. فلجأ النظام الاستبدادي إلى الاتفاقية كإجراء مرحلي وليس عن إيمان وقناعة بحل القضية القومية الكوردية. ولم يتضمن برنامج وإيديولوجية حزب البعث أي مجال لأي
حقوق (حقوق الإنسان، الحقوق القومية الكوردية المشروعة، والقوميات المتآخية الأخرى، التركمان والكلدو آشوريين). ومن هنا جاءت افتعالاته وفبركته للكثير من الاحداث ومحاولات
الإغتيال. وحيث أن كينونة البعث مبنية على التآمر والإيمان بإزاحة الآخرين بالقوة والعنف والإكراه بدلاً من اتباع اسلوب الحوار الديمقراطي. وهذا سر الدمار الذي الحقه بالعراق ليحوله
من بلد غني آمن إلى بلد مهدم فقير مفقود فيه الأمان ومن بلد دائن إلى بلد مدين يعمل أبناؤه حالياً على التفاوض من أجل إطفاء تلك الديون. ففي 29 أيلول عام 1971 تعرض القائد
التاريخي البارزاني الخالد إلى محاولة اغتيال، ألقى النظام مسؤولية ذلك على المقبور ناظم كزار حين كان هذا الأخير مديراً للأمن العام، كما تعرض الشهيد إدريس البارزاني إلى محاولة
مماثلة أصيب على أثرها سائقه السيد حميد برواري، لأن الشهيد أدريس البارزاني عاد إلى كوردستان قبل يوم بسبب أستدعاء مفاجئ ولم يصحبه سائقه بسبب عطل السيارة التي أصلحت
في اليوم التالي …
حاول البعث وضع العصي في عجلات الحل السلمي مما دفع بالأمور إلى طريق مسدود ولتندلع الثورة الكوردية مجدداً في آذار عام 1974. والتي لولا اتفاقية الجزائر الخيانية لأنهار النظام
البعثي عسكرياً بأعتراف الطاغية صدام حسين لدى وصفه المتبقي من ترسانته الحربية والأسلحة الثقيلة، وكان ثمن تلك الاتفاقية المخزية نصف شط العرب الممر المائي العراقي الأصيل ثم
عاد ليجعل منها سبباً لشن حرب كارثية أهلكت الحرث والنسل مدة ثماني سنوات، ليعود مجدداً ويوقع على الإتفاقية ذاتها ويعلن نفسه منتصراً ولتشكل هزيمته وبالا ً على أبناء الشعب
العراقي بعربه وكورده وأقلياته القومية وطوائفه المتعددة . ومن الأمور المثيرة للسخرية أن النظام جاء في تبريراته لتجدد القتال في آذار عام 1974 بأن مدينة كركوك لا يمكن إلحاقها
بمنطقة الحكم الذاتي لأن في ذلك تآمر على الأمة العربية بالرغم من إنتهاكاته لشروط الإتفاقية وقيامه المسبق بسياسات التعريب والتغيير الديموغرافي وتهجير الكورد في هذه المدينة
الكوردية التاريخية ، ولم يقبل النظام إلحاق هذه المدينة الكوردستانية بمنطقة الحكم الذاتي وهي في كل الأحوال ضمن الدولة العراقية ، فالحكم الذاتي كان في العراق وليس خارجه ، في
حين أنه منح نصف شط العرب ثمناً لوأد الثورة الكوردية، فقد أعمى الحقد الأسود بصيرتهم وبصائرهم حتى رحلوا إلى مزبلة التاريخ . وفي مفاوضات عام 1991 قال أحد أقطاب النظام
طارق عزيز للوفد الكوردي المفاوض عن الجبهة الكوردستانية (انسوا كركوك كما نسي العرب الأندلس) وهذا انعكاس واضح لدخيلة النظام وعقليته العفنة . وأتبع النظام سياسة الآرض
المحروقة حيث أحرق بساتين الفواكه كي يحرم كوردستان من خيراتها.
(1) ومن الجدير بالذكر أن السلطة المقبورة علقت الكثير من المناطق التي كانت تنوي إبعادها عن إقليم كوردستان وهي المناطق السهلية الخصبة والمناطق الغنية بالبترول في محافظة
كركوك وقضاء مخمور في محافظة أربيل وقضائي شيخان وسنجار في محافظة الموصل إضافة إلى قضائي خانقين ومندلي في محافظة ديالى، ولم تكتف بذلك بل بدأت بترحيل العائلات
الكوردية منها واستقدام القبائل العربية من وسط وجنوب وغرب العراق وتوطينهم في تلك المناطق ومضايقة الكورد وإجبارهم على الهجرة الداخلية إلى المناطق العربية في وسط وجنوب
البلاد، كما جرى لعشيرتي (الزند وبالاني) في منطقة (زند آباد) بمحافظة كركوك . وجرى ذلك لسبع عشائر في منطقة خانقين حيث رحلوا قسراً إلى المجمعات السكنية القسرية والتي كانت
أشبه ماتكون بمعسكرات الإعتقال النازية ، كما جرى ترحيل عشيرتي (الشبك وأومريان) من محافظة الموصل وعشيرة (سليظاني) من سهل (سليظاني) وعشيرة دزئي من سهل قراج بقضاء
مخمور . ولفصل الكورد عن قومهم في إيران وتركيا اتبعت الحكومة سياسة اخلاء العشائر الكوردية القاطنين على إمتداد الشريط الحدودي بعمق (10كم) على طول الحدود مع إيران وتركيا
وتدمير كافة القرى والمدن الحدودية ومزارعها وبساتينها بهدف قطع مصادر التموين عن فصائل البيشمركة،في أبشع عملية إبادة جماعية شهدها العراق والعالم قام بها نظام البعث الفاشي في
عمليات الأنفال سيئة الصيت التي راح ضحيتها أكثر من (182) ألف مواطن كوردي عثر على رفات قسم منهم في المقابر الجماعية التي اكتشفت بعد سقوط النظام. تمهيداً لإخلاء
كوردستان من سكانها الأصليين والقضاء على المعارضين لسياسة النظام الفاشية في معالجتها لمشاكل البلاد بإلإعدامات والقتل الجماعي(42). تطبيقاً لسياسة الجينوسايد لإبادة الشعب
الكوردي فضلاً عن إصدار عدداً من القرارات الشوفينية الجائرة لإجبار الكورد على تغيير قوميتهم إلى العربية. وقد أصدر مايسمى بمجلس قيادة الثورة قانوناً عاقب فيه بالموت على كل
عربي يتخلى عن هويته العربية، والغاية من ذلك القانون هو تطبيقه على الكورد الذين سجلوا أنفسهم عرباً في استمارات تصحيح القومية الموزعة عليهم بالإكراه في فترة سابقة. ليواجهوا
عقوبة الموت في حالة العودة إلى هويتهم الكوردية الأصلية يوماً ما.
أما في مجال التشريع فقد ساد قانون شريعة الغاب (قانون القوة) كمنطق لمعالجة مشاكل البلاد. ويعتبر القانون العراقي القانون الوحيد في العالم الذي يحتوي على 120 فقرة تحكم بالإعدام
وهي سابقة قانونية خطيرة تعكس النهج الدموي للسلطة إذا علمنا إن غالبية تلك الأحكام قد صدرت ضد النشاطات وردود الفعل الجماهيرية ضد سياسات النظام الإستبدادية والتي يعتبرها في
عرفه (جرائم سياسية). ولغرض إلقاء نظرة على التشريعات التي أستهدفت الكورد الفيليين . نبتدأ بالدستور البعثي المؤقت الصادر في 21 أيلول عام 1968 . حيث نصت المادة 20 من
هذا الدستور على ما يلي:-
1- الجنسية العراقية يحددها القانون ولا يجوز إسقاطها عن عراقي ينتمي إلى أسرة تسكن العراق قبل 6 آب 1924 وكانت تتمتع بالجنسية العثمانية وأختارت الرعوية العراقية.
2- يجوز سحب الجنسية العراقية عن المتجنس في الأحوال التي يحددها قانون الجنسية . والمقصود هنا يجوز إسقاط الجنسية العراقية عن غير عثماني الجنسية سابقاً . وبالتالي يبرر
سحب الجنسية من الكورد الفيليين بإعتبارهم أجانب مما يسهل عملية إبعادهم إلى خارج البلاد تحت أية ذريعة كانت ، كما أن المادة (66) من الدستور البعثي جاءت تأكيداً وإمتداداً لما
نصت عليه المواد (41 ، 72) من دستور عام 1964 قبل تعديلها ، وهكذا أتضحت نوايا البعثيين الحاقدة والخبيثة ، فقاموا بحملة تهجير أستهدفت حوالي سبعين ألف كوردي فيلي في
الأعوام (1969-1970-1971) وعلى الرغم من توقيع إتفاقية 11 آذار عام 1970 بين حكومة البعث والحزب الديمقراطي الكوردستاني برئاسة المغفور له الملا مصطفى البارزاني
والذي رشح السيد حبيب محمد كريم سكرتير عام الحزب لمنصب نائب رئيس الجمهورية كأحد بنود إتفاقية آذار ، الأمر الذي رفضه صدام حسين رفضاً قاطعاً وبشدة لكون السيد حبيب
محمد كريم كوردي فيلي . وفي 16 / 7 / 1970 صدر الدستور البعثي وتحديداً ما نصت عليه فقرة (أ) من المادة (42) من الدستور ، والتي أجازت لمجلس قيادة الثورة إصدار القوانين
والقرارات الإرتجالية والكيفية والسرية وتكون لها قوة القانون والإلزام ودون أية رقابة أو مساءلة ، ونظراً لتمتع رئيس وأعضاء مجلس قيادة الثورة بالحصانة التامة وفقاً للمادة (40) من
الدستور فقد صدرت سلسلة من التشريعات لا أول لها ولا آخر وذات صلة بإسقاط الجنسية عن الكورد الفيليين وتهجيرهم ، ومنها ما يستهدف إذلالهم والتضييق عليهم وكما يلي:-
أولا ً : قانون منح الجنسية العراقية للعرب رقم (5) لسنة 1975 والقرار رقم (890) في 4 / 8 / 1985 والقرار رقم (511) في 19 / 7 / 1987 والقرار رقم (141) في 21 / 5 / 1991 ، ولما تقدم أجيز لأي شخص عربي الحصول على الجنسية العراقية، من دون أية شروط مع إحتفاظهم بجنسيتهم الأصلية وعدم تجنيدهم إلى الخدمة العسكرية ، إضافة إلى إمتيازات عديدة منها منحهم قطع أراضي سكنية وقروض مصرفية وعقارية وتسهيلات تجارية وصناعية وإستثمارية ، في حين أن الكوردي الفيلي يخدم في الجيش العراقي الخدمة الإلزامية وخدمة الإحتياط ويقدم التضحية تلو الأخرى حتى لو كانت عائلته مهجرة ومع ذلك يظل بنظر النظام عميلا ً أجنبياً ولا يتمتع بأي من الإمتيازات المقررة للشهداء والمعوقين والأسرى في الحرب ، رغم أن المتعارف عليه دولياً بأن الأجنبي لا يساق إلى الخدمة العسكرية ، وإذا ما سيق إليها فإن هذا الأمر سوف يسهل و يسرع في منحه الجنسية . ويتضح من بنود هذا القانون وما تبعه من قرارات أنه يستهدف تغيير البنية السكانية والطبيعية الديموغرافية للشعب العراقي ، وهذا ما تبين بجلاء خلال الحرب العراقية الإيرانية واستقدام أكثر من أربعة ملايين من العرب المصريين حيث منحو منزلة أعلى من المواطن العراقي.
ثانياً : قانون تعديل الجنسية العراقية رقم (147) لسنة 1968 والقرار رقم (413) في 15 / 4 / 1975 وبموجب هذين التشريعين منعت المحاكم من النظر في الدعاوى الناشئة عن تطبيق أحكام قانون الجنسية ، وإنما أجيز الإعتراض على قرارات وزير الداخلية لدى رئيس الجمهورية ويكون قراره قطعياً . وبالتالي ترتب عن هذا الأمر إلغاء حق المواطن في التقاضي ومراجعة المحاكم والإلتجاء إليها وسلوك سبل الطعن المكفول له دستوررياً ودولياً وخاصة ما ينص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، كما أدى ذلك إلى تقويض دور القضاء وإستقلالية سلطته ، وبالتالي لن يستطيع الكوردي الفيلي الإعتراض والشكوى على قرار تسقيط جنسيته وإبعاده إلى خارج البلاد.
ثالثاً : القرار رقم (180) في 3 / 2 / 1980 والذي تضمن شروطاً مشددة للحصول على الجنسية ولم تكن معروفة في التشريعات السابقة ، وأعطى وزير الداخلية صلاحيات مطلقة وكاملة في قبول تجنس الأجانب ورفضه ، وحثهم على تقديم طلبات إكتساب الجنسية العراقية خلال مدة نفاذ القرار المحددة بستة أشهر ، وإلا سيتعرضون للطرد وهو بمثابة إنذار أولي وقد شمل ذلك الأجنبي المتزوج من عراقية والأجنبية المتزوجة من عراقي ، فيما أعتبر القرار عدداً من العشائر الكوردية أجنبية وهي عشائر (السوره ميري ، الكركش ، الزركوش ، ملك شاهي ، قره لوس ، الفيلية ، الأركوازية ، الكويان) ولا يشمل بأحكام هذا القرار من كان وجوده في العراق يشكل ضرراً على أمن وسلامة الوطن وغير مستمر بالإقامة والسكن للفترة الزمنية المحددة لكل حالة من الحالات المبينة في القرار أعلاه ، فلقد كانت كل الإجراءات تستهدف جمع معلومات إستخبارية متكاملة عن كل المتقدمين بطلبات الحصول على الجنسية وجردهم ، بغية تمكين الأجهزة الأمنية من الوصول إليهم بدقة متناهية والتحضير لعمليات إعتقالهم وتسفيرهم.
رابعاً : القرار رقم (200) في 7 / 2 / 1980 الذي جاء فيه عدم السماح للأجنبي الذي أقام في العراق قبل نفاذ هذا القرار ، أو يقيم فيه مدة خمس سنوات بشكل مستمر كما لايجوز العمل بأي نص يتعارض مع أحكام هذا القرار ، وبالتالي إتضح الهدف من صدور القرار رقم (180) بعد أربعة أيام فقط.
خامساً : القرار رقم (518) في 10 / 4 / 1980 والذي أستثنى الأجنبي الإيراني الأصل من الأحكام الخاصة بالتجنس الواردة في القرار رقم (180) في 3 / 2 / 1980 .
سادساً : القرار رقم (666) في 7 / 5 / 1980 سيء الصيت ، إذ إنه جاء تتويجاً لكل القرارات السابقة ، والذي بموجبه تم إسقاط الجنسية العراقية عن كل عراقي من أصل أجنبي إذا تبين عدم ولائه للوطن والشعب والأهداف القومية والإجتماعية العليا للثورة ، ولوزير الداخلية أن يأمر بإبعاد كل من أسقطت عنه الجنسية العراقية وفقاً للقرار أعلاه مالم يقتنع بناء على أسباب كافية أن بقاءه في العراق أمر تستدعيه ضرورة قضائية أو قانونية أو حفظ حقوق الغير الموثقة رسمياً، والقرار هنا واضح لا يحتاج إلى شرح ، بل قام بتفسير القرارت السابقة والتي كانت غامضة ومبهمة.
سابعاً : القرار رقم (474) في 15 / 4 / 1981 والذي بموجبه يصرف للزوج المتزوج من إمرأة من التبعية الإيرانية مبلغ قده (4000) دينار إذا كان عسكرياً و(2500) دينار إذا كان مدنياً في حالة طلاقه من زوجته وتهجيرها إلى خارج القطر ، ويشترط لمنح المبلغ المشار إليه أعلاه ثبوت حالة الطلاق والتهجير بتأييد من الجهات الرسمية المختصة وإجراء عقد زواج جديد من عراقية بهذا الصدد أيضاً صدر تعميم سري لمدير عام مكتب أمانة القطر (علي حسن المجيد) حول ضوابط الزواج للرفاق الحزبيين (كتاب حزب البعث العربي الاشتراكي ، العدد (3 / 33138) بتاريخ 14 / 11 / 1983) .
ثامناً : إضافة إلى قرارت أخرى ذات صلة بموضوع الجنسية وإكتسابها ، كمنح الجنسية العراقية للأجنبيات المتزوجات من عراقيين ، وتولي السلطة المالية إدارة العقارات العائدة للزوجات
العراقيات الملتحقات بأزواجهن المهجرين ، ومنع الزوج غير العراقي من التصرف بأموال زوجته العراقية مثل نقل الملكية والوراثة ، كذلك تحديد ضوابط زواج الموظف في دوائر الدولة
والقطاع الإشتراكي من أجنبية ، وترتيب هذه القرارت كما يلي:-
1- القرار رقم (1468) في 14 / 9 / 1980
2- القرار رقم (1610) في 23 / 12 / 1982
3- القرار رقم (1194) في 2 / 11 / 1983
4- القرار رقم (329) في 15 / 3 / 1984
5- القرار (456) في 15 / 4 / 1984
6- القرار رقم (363) في 27 / 4 / 1986
7- القرار رقم (722) في 15 / 9 / 1987
تاسعاً : علاوة على تشريعات سرية أو غير منشورة في الجريدة الرسمية ، وما خفي كان أعظم ، أو جاءت على شكل تعليمات وتوجيهات أوامر ومنها حرمان الكوردي الفيلي من التعيين في دوائر الدولة وخاصة ديوان الرئاسة وهيئة التصنيع العسكري ، وإذا سمح له بالتعيين فعلى نطاق ضيق ومحدود وفي وظيفة بسيطة وتحت المراقبة الأمنية المستمرة ، ولا يجوز له تولي الدرجات الوظيفية الخاصة رغم ثبوت كفائته وإخلاصه في العمل . كذلك منعه من الإشتراك في أي عمل أو نشاط إقتصادي ، تجاري أو صناعي مع الدولة كالتعهدات والمناقصات والمزايدات ،وحرمانه من حقه في إكمال الدراسات الجامعية العليا والإلتحاق بالكليات العسكرية والشرطة وعدم شموله بإمتيازات الشهداء والمعوقين والأسرى نتيجة للحروب الصدامية ، مع عزله في معسكرات خاصة للتدريب أثناء أداء الخدمة العسكرية وجمع بيانات مفصلة عنه ، وتزويده بشهادة جنسية مميزة لكي يسهل التعرف على أصله وتجنسه من قبل الجهات الأمنية والحزبية والإستخبارية عند طلبها المستمسكات الرسمية منه، أو أثناء مراجعته لدوائر الدولة ، وعلى إثر ذلك وأثناء عمليات التسفير وما بعدها حصلت حملات تطهير لكل الدوائر العامة وتم بموجبها طرد الآلاف من الكورد الفيليين من وظائفهم، ومن بينهم أطباء ومهندسين وقضاة وضباط وعلماء وأساتذة جامعيين ومدرسين ، من خيرة أبناء المجتمع من الذين قدموا له خدمات جليلة لا ينكرها أحد (والعدو قبل الصديق) ، وحتى التجار وأرباب الصنائع الذين خدموا الإقتصاد العراقي لم يسلموا من هذا الأمر ، إذ جرى تهجيرهم بمكر وخديعة بناءً على دعوتهم لإجتماع عاجل في غرفة تجارة بغداد ، وما أن وصلوا كان رجال الأمن بإنتظارهم وكل هذا معروف للقاصي والداني.
عاشراً : إلى جانب المصادرة المجحفة للمدرستين الإبتدائية والثانوية الأهليتين للكورد الفيليين وناديهم الإجتماعي والرياضي رغم ما قدمته للمجتمع من نخبة خيرة متعلمة وأجيال مثقفة
واعية من العرب والكورد على حد سواء . فكانت هذه الإجراءات المتعسفة تستهدف طمس معالم الثقافة الفيلية ومحو تاريخها المشرف وتراثها العريق.
وهكذا كان الكورد الفيليين طيلة الثمانين سنة الماضية بين المطرقة والسندان والمتمثلة بالقوانين الجائرة التي أصدرتها الحكومات الدكتاتورية المتعاقبة وخاصة القرارت الإجرامية الظالمة
زمن البعث وبجرة قلم من صدام حسين ، تم تهجير أكثر من نصف مليون مواطن عراقي من الكورد الفيليين إلى الحدود الإيرانية وإلقائهم وسط حقول الألغام التي أدى إنفجار قسم منها إلى
استشهاد العشرات منهم جلهم من الشيوخ والنساء والأطفال فضلاً عن احتجاز أكثر من ستة عشر ألف شاب من أبناء المهجرين الذين كانوا يؤدون الخدمة الإلزامية في الجيش العراقي.
جرت تصفيتهم بعد قضائهم سنين طوال في سجون النظام بموجب قرار وزارة الداخلية رقم (2884) لسنة 1980 الخاص بالمهجرين العراقيين.
وكانت تبريرات النظام المقبور وحججه ضد الكورد الفيليين هي مشاركتهم في نشاطات تخريبية مدعومة من إيران ومنها حادث التفجير في الجامعة المستنصرية وبدراما محبوكة من أجهزة
البعث القمعية ، تمهيداً لشن الحرب ضد إيران ، أما الكورد الفيليين الذين لم يهجروا فقد جعلهم النظام ورقة إحتياط يلعب بها في أي وقت يشاء ، وأستمر بتشديد الخناق والتضييق على
نشاطهم الإقتصادي والتجاري وتجميد أموالهم وممتلكاتهم طيلة أيام الحرب على إعتبار كونهم جواسيس وخونة وعملاء وبالتالي يشكلون طابوراً خامساً لإيران.
كما أن قضية الجنسية لم تقتصر على الكورد الفيليين فقط بل إمتدت لتشمل كل من الأرمن وقسماً من العرب ، حيث أن الحكومة أستيقظت من سبات عميق لتتذكر أنها في عام 1972
إصدرت عفواً عاماً عن القائمين بالحركة الآثورية في عام 1933 وتعيد لهم الجنسية العراقية لمن أسقطت عنه من المشاركين بتلك الحركة بموجب القرار رقم (972) في 25/11/1972
. وفي هذا الصدد صدرت في عام 1997 تعليمات جديدة لمنح الجنسية العراقية للآثوريين ، ألا أنها كانت مجرد حبر على ورق وللإستهلاك الإعلامي فقط.
إن ما قام به النظام المخلوع من ظلم وجور بحق الكورد الفيليين لم يكن مخالفاً لكل الأديان السماوية والأعراف والمواثيق الدولية فحسب ، وإنما كان مناقضاً لأحكام الدستور الذي أصدره
النظام في 16 / 7 / 1970 وخاصة في المادة (16) منه والتي نصت على ما يلي :(لا تنزع الملكية الخاصة إلا لمقتضيات المصلحة العامة وفق تعويض عادل حسب الأصول التي يحددها
القانون) ، والمادة (19) ونصت على ما يلي :(المواطنون سواسية أمام القانون دون تفريق بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو المنشأ الإجتماعي أو الدين) وكذلك مناقضاً أيضاً لقانون
الجنسية العراقية رقم (43) لسنة 1963 وخاصة مانصت عليه المادة (20) وكما يلي : لوزير الداخلية سحب الجنسية العراقية من العراقي في الأحوال التالية:-
1- إذا قبل دخول الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية دون إذن سابق يصدر من وزير الدفاع.
2- إذا عمل لمصلحة دولة أو حكومة أجنبية أو جهة معادية في الخارج أو قبل في الخارج بوظيفة لدى حكومة أجنبية أو إحدى الهيئات الأجنبية والدولية وأبى أن يتركها بالرغم من الأمر
الصادر إليه من الوزير.
3- إذا أقام في الخارج بصورة معتادة وإنضم لهيئة أجنبية من أغراضها العمل على تقويض النظام الإجتماعي أو الإقتصادي للدولة بأية وسيلة من الوسائل.
وحتى لا تتكرر هذه المآسي الوحشية والقاسية نرى من الضرورة إيضاح مايلي:-
أولا ً : إن الكورد الفيليين هم عراقيون أصلا ً أباً عن جد منذ عهود سحيقة ولم يعرفوا غير العراق وطناً لهم ، وخدموا في مؤسساته ودوائره وتدرجوا في الوظائف العامة وقدموا الكثير من
الشهداء أثناء تأديتهم الخدمة العسكرية ، وهذه حقيقة لا تغيب عنها الشمس ولا يختلف عليها إثنان حتى على مستوى المسؤولين القياديين في النظام الصدامي العفلقي.
ثانياً : رد الإعتبار للكورد الفيليين وتعويضهم مادياً ومعنوياً وإعادة المهجرين منهم إلى ديارهم معززين مكرمين ، والكشف عن مصير أبنائهم المفقودين والمحتجزين ، وتفعيل حقهم الطبيعي
بالمساهمة في الحياة السياسية العامة ومنها حق الإنتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الأستفتاءات الشعبية وتولي المناصب العليا في الدولة دون قيد أو شرط (والتي كانت محصورة بأزلام
النظام وأعوانه وأقرباء الطاغية) نظراً لعدم وجود أي دور سياسي للفيلية منذ قيام الملكية وحتى سقوط النظام الدكتاتوري في 9 نيسان 2003 . ورغم ما كانوا يمتلكونه من ثقل إقتصادي
وإدخال ذلك في صلب الدستور الدائم ولو على سبيل العموم.
ثالثاً : إصدار قانون جديد عادل للجنسية العراقية ووفقاً للمعايير العصرية السائدة ، يلغي الطبقية والفوقية ، وينصف الكورد الفيليين المظلومين ويؤكد على عراقيتهم الأصيلة ، كما يحل كل
المشاكل السالف ذكرها ويزيل آثارها المتراكمة منذ قيام الدولة العراقية في عشرينات القرن الماضي ، وبالفعل صدر قانون مؤقت على عجل خلال هذه المرحلة الإنتقالية ولا يوجد في البلاد
أي دستور، إلا أنه لن يكتسب الشرعية الكاملة مالم تكن أولى مهام السلطة التشريعية المنتخبة وفقاً للدستور الدائم تشكيل لجان مختصة لإعادة النظر في قانون الجنسية ودراسته من جديد
بهدف إتخاذ قرار نهائي ، أما الإبقاء عليه كما هو أو تعديله أو أستبداله بقانون آخر مع الأخذ بنظر الإعتبار ملائمته لروح وأحكام الدستور ورأي الجهة القضائية المختصة بالرقابة على
دستورية القوانين فيه ، حتى لا يطعن بشرعية إعادة الجنسية العراقية للكورد الفيليين وبحجة أن الأمر تم وفقاً لتشريع مؤقت وليس دائماً ، وحتى لايعيد التاريخ نفسه وما حصل للكورد
الفيليين من معاناة وظلم بموجب قوانين وقرارات مؤقتة وفي ظل دساتير مؤقتة أيضاً.
رابعاً : إيجاد ضمانات حقيقية وملموسة وإدخالها في صلب الدستور الدائم وبنصوص واضحة غير قابلة للتفسير والتأويل ، وبالتالي تكون أسساً ومحددات لقانون الجنسية الجديد وإطار عام
لايخرج عنه ، لتلافي أية تسفيرات مستقبلا ً وتحريم إسقاط الجنسية عن أي مواطن وحظر إبعاده إلى خارج البلاد أو منعه من العودة إليها ولأي سبب كان وتحت أي ظرف ، وإن هذه
الحصانة الدستورية مطلوبة حتى لا تتلاعب أية أغلبية بسيطة من أعضاء السلطة التشريعية (البرلمان) بالقانون وفقاً لمشيئتها ، حيث أن الدستور هو مصدر القوانين جميعاً ، وعليه فأن
عملية تعديله تكون صعبة جداً وتحتاج إلى زمن طويل من المداولات والجلسات في البرلمان ، إضافة إلى توفر أغلبية خاصة تصل إلى ثلثي نواب البرلمان ، أو حتى ثلاثة أرباع النواب ،
وبعد أستكمال هذه الإجراءات يعرض التعديل الدستوري للإستفتاء الشعبي ليكتسب الصفة الشرعية ، في حين أن تشريع أي قانون وفقاً للأعراف الدستورية وما تنص عليه الأنظمة الداخلية
لمعظم برلمانات دول العالم الديمقراطية كما يلي : (لاتكون جلسات البرلمان صحيحة إلا بحضور أغلبية أعضائه وتصدر القرارات بأغلبية الأعضاء الحاضرين) ، أي أن (تشريع القانون لا
يتطلب سوى حضور أغلبية النواب إلى جلسة البرلمان وموافقة أغلبية الحاضرين) ، فيصدر القانون بموافقة ربع النواب كحد أدنى من المجموع ، وهذا يعد شيئاً خطيراً بالنسبة لقانون
الجنسية ، إذ من الممكن بواسطة هذه الأغلبية تعديل القانون أو إلغاؤه أو تغييره عن مساره الصحيح . كما يجوز لنائب واحد حق إقتراح تعديل القانون في حين أن تعديل الدستور لا يتم إلا
بإقتراح مقدم من ثلث النواب مع بيان أسباب التعديل وشرح مبرراته . وبما أننا في بلد أنتهكت فيه سيادة القانون وإستقلال القضاء طبقاً لدستور عام 1970 م وما سبقه ، وإن العراق حديث
العهد بالحرية ، لا بد أن يكون دستوره الجديد أكثر تفصيلا ً وتشعباً ومتناولا ً لعدة أمور بحيث تتضمن أكثر المسائل التي تتعلق بالبيئة الإجتماعية للمجتمع العراقي . وهناك ضمانات متعلقة
بالجنسية يجب إدخالها ضمن باب الحريات والحقوق العامة داخل الدستور الدائم بالشكل الآتي:-
1- يكفل لكل عراقي حق المواطنة والجنسية على قدم المساواة مع الآخرين دون تفريق بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو المعتقد.
2- يعد عراقياً كل شخص مقيم في العراق إذا توفرت فيه إحدى الشروط الآتية:
أ- أن يكون قد ولد في العراق
ب- أن يكون أحد أبويه قد ولد في العراق
ج- أن يكون قد أقام في العراق إقامة عادية لمدة يحددها القانون
3- يعتبر عراقياً من كان أحد أبويه عراقياً ودون الحاجة للشروط المبينة في الفقرة أعلاه.
4- لا يجوز لأي سلطة تنفيذية أو تشريعية أو قضائية إسقاط الجنسية العراقية عن أي مواطن عراقي ولأي سبب كان.
5- يتمتع العراقي في خارج البلاد بحماية الحكومة العراقية وفقاً للأصول الدولية.
6- لا يجوز سحب الجنسية عن المتجنس إلا في حالة ثبوت إدانته بالخيانة العظمى وبقرار قضائي ، ويجوز لمن فقد تجنسه حق التظلم أمام القضاء المختص والمطالبة بإسترداد جنسيته
وفق الإجراءات المبينة في القانون.
7- يكفل القانون منح تسهيلات خاصة للمغتربين العراقيين وأبنائهم وأحفادهم ولمواطني الأقطار الإقليمية المجاورة من ذوي الأصول العراقية.
8- يحق لكل مواطن أن يستعيد جنسيته العراقية التي أسقطت عنه.
9- يجوز للأجانب الذين أقاموا في العراق إقامة عادية وما زالوا مستمرين فيها حق طلب إكتساب الجنسية العراقية خلال مدة يحددها القانون.
10- يحق للمتجنس الإسهام في الحياة السياسية العامة بمرور مدة محددة قانوناً من تاريخ تجنسه.
11- لا يجوز مطلقاً إبعاد أي مواطن عراقي أو نفيه إلى خارج البلاد أو منعه من العودة إليها.
12- يحدد الوضع الحقوقي والقانوني للأجانب المقيمين في العراق وفقاً للقوانين والأعراف الدولية.
13- يعاد كافة المهجرين والمبعدين وخاصة الكورد الفيليين وتعاد إليهم جنسيتهم العراقية وعقاراتهم وأموالهم وحقوقهم المغتصبة والكشف عن مصير أبنائهم المفقودين وتعويضهم عما لحق
بهم من أضرار جسيمة تعويضاً عادلا ً (ضمن باب الأحكام الإنتقالية والختامية من الدستور الدائم).
خامساً : أن يؤكد الدستور الدائم على دعم إستقلال القضاء ، ولا سلطان عليهم في قضائهم غير القانون ولا يجوز لأي سلطة التدخل في سير القضاء ، وسيادة القانون أساس الحكم وخضوع
الدولة للقانون ، وتشكيل مجلس أعلى للقضاء ومحكمة دستورية عليا ، وحظر أي نوع من المحاكم الخاصة أو العسكرية أو الإستثنائية وبكل أشكالها ، وتفعيل دور القضاء الإداري والسلطة
الرابعة المتمثلة بهيئات حقوق الإنسان والصحافة ووسائل الإعلام وبالتالي ينعكس بشكل إيجابي على موضوع الجنسية والرقابة على تشريعاتها دستورياً وقضائياً وحتى شعبياً.
وبذلك نضمن لأنفسنا كعراقيين على حد سواء قيام المجتمع المدني ومؤسساته الحرة في ظل حكم الدستور وسيادة القانون وعدل القضاء من أجل بناء عراق ديمقراطي فدرالي
تعددي.
الدور السياسي للكورد الفيليين
تعرض الكورد الفيليون إلى مظالم ومحن ونكبات كثيرة ومتنوعة تقف خلفها أسباب وعوامل أثنية قومية ومذهبية دينية ، لكن السبب الرئيس الذي يقف في مقدمة الأسباب هو دورهم
الوطني المثير والبارز الذي اضطلعوا به من الإنتفاضات والحركات السياسية الكوردية والوطنية على مسرح النضال الوطني بوجه القوى الظلامية المعادية للشعب العراقي وتطلعاته في
الحرية والتقدم . ويشكل نضالهم جزءاً من نضال القوى الوطنية لنيل الحرية والإستقلال. وإقامة النظام الديمقراطي التعددي للمجتمع العراقي.
أدى الكورد الفيليين بوصفهم جزءاً من الشعب الكوردي في العراق دوراً مهماً في النضال التحرري الكوردي في سبيل نيل الحقوق القومية المشروعة. حيث شاركوا في تأسيس الحزب
الديمقراطي الكوردستاني الدعامة الأساسية للشعب الكوردي، وإنتخاب الدكتور جعفر محمد كريم والسيد ملا حكيم خانقيني عضوين في اللجنة المركزية في المؤتمر التأسيسي الذي انعقد في
بغداد في (16 آب 1946) ومثل السيد حبيب محمد كريم الذي أصبح فيما بعد سكرتيراً عاماً للحزب الحزب الديمقراطي الكوردستاني في جبهة الإتحاد الوطني التي تشكلت في آذار 1957
مع الحزب الشيوعي العراقي في جبهة ثنائية بسبب. رفض حزبي البعث والإستقلال إنضمام الحزب الديمقراطي الكوردستاني إلى جبهة الإتحاد الوطني، كما لعبو دوراً ريادياً في الحزب
خلال مسيرة نضاله على كل الأصعدة.
كما أستطاعت المرأة الكوردية الفيلية جراء مساهمتها الفاعلة في النضال التحرري الكوردي من الوصول إلى المراكز القيادية مثل السيدة زكية إسماعيل حقي التي كانت رئيسة لإتحاد نساء
كوردستان ثاني إمرأة كوردية عضوة في اللجنة المركزية في الحزب وبهذا تكون سابقة تاريخية في العالم حيث لم يسبق أن تقلدت إمرأة كوردية قبل هذا التاريخ منصباً قيادياً في الأحزاب
السياسية الكوردستانية مما يدل على عمق الوعي الثقافي والفكري للمرأة الكوردستانية .
وتعد المناضلة ليلى قاسم التي أعدمها النظام في 13 / 5 / 1975 أول إمرأة عراقية وكوردية ينفذ فيها حكم الإعدام لأسباب سياسية.
ولم تقتصر مساهمة الكورد الفيليين على الممارسة السياسية في مؤسسات الحزب وقواعده الجماهيرية وأدواته السياسية الأخرى ، وإنما كانوا جبهة صلدة في الكفاح المسلح الذي فرضته
الظروف التاريخية العصيبة التي مرت على الشعب الكوردي من أجل نيل حقوقه القومية المشروعة، بعد تصاعد سياسات القمع خاصة بعد اندلاع ثورة أيلول المباركة . وإلى جانب نضالهم
المميز في الحزب ساهموا أيضاً مساهمة فعالة مادياً ومعنوياً ، وقد دفعت تلك التضحيات إلى احتلالهم مكانة خاصة في عقل وضمير قائد الأمة الكوردية الخالد مصطفى البارزاني . وكتب
الزعيم الكوردي مسعود البارزاني في كتابه (البارزاني والحركة التحررية الكوردية) عن دورهم :(لقد كان اقبال الكورد الفيليين شديداً مع الانضواء في عضوية البارتي بدوافع وطنية
خالصة وكان بينهم من أرتقى مناصب قيادية في الحزب) . ومن بين الشخصيات المعروفة من الكورد الفيليين في الحركة الوطنية العراقية سواء في حركة التحرر الكوردية أو في غيرها
(جليل فيلي ، عبد الحسين الفيلي ، علي باباخان ، حميد شفي ، ويد الله فيلي، سامي باقر الفيلي) وعديدون غيرهم. وفي هذا الصدد يورد الزعيم الكوردي مسعود البارزاني : (إن قلمي يقف
عاجزاً عن تسجيل بطولات وتضحيات هذا القطاع المجاهد وأولها استشهاد ليلى قاسم ورفاقها) . وإلى ذلك لعب الكورد الفيليين دوراً وطنياً على ساحة النضال السياسي المتطلع لفجر الحرية
في العراق ضد كل أشكال الحكم الاستبدادي والدكتاتوري في العهدين الملكي والجمهوري ، فقد انخرطوا في صفوف الحزب الشيوعي العراقي الذي كان أبرز قوة سياسية وتنظيمية في بغداد
والمدن العراقية الأخرى لا سيما الوسط والجنوب بإعتباره المعبر الوطني لقيادة النضال للتحرر من التبعية الإستعمارية وإحراز الإستقلال الناجز وبناء الديمقراطية في البلاد . كما كان
للكورد الفيليين دوراً فاعلاً ونشطاً في وثبة كانون عام 1948 ضد معاهدة بورتسموث وفي انتفاضتي تشرين الثاني عام 1952 وتشرين الثاني عام 1954 وفي إنتفاضة خريف عام 1956
ضد العدوان الثلاثي على مصر. وقدم فيها العديد من الشهداء فضلاً عن مشاركتهم الفاعلة في إنتفاضة مدين الحي المعروفة بإنتفاضة الحي ونتج عنها شهداء وجرحى ولوحت الحكومة لهم
بالاسلوب القذر المتعارف عليه وهو التهجير والإبعاد وبالفعل فقد جرى تهجير 250 عائلة إنتقاماً لمواقفهم الوطنية تلك. وإنضم قسم آخر من الشباب الفيلي للحزب الوطني الديمقراطي
والحركات السياسية الأخرى والنقابات المهنية حيث ظهرت بينهم أسماء لامعة في الحركة الوطنية وتاريخ العراق السياسي أمثال (عزيز الحاج علي حيدر المعروف باسم عزيز الحاج وعلي
شكر رئيس اتحاد نقابات العمال، كامل كرم الكادر الشيوعي المعروف وصباح أحمد حسين (صباح منيجة) وصادق جعفر (أبو هوشيار) وغيرهم كثير). كما كان لهم الدور الكبير في صيانة
ثورة 14 تموز ومكاسبها الوطنية والوقوف بصلابة بوجه انقلابيي 8 شباط 1963 الأسود حيث تعد مقاومتهم الأسطورية في منطقة (عكد الأكراد) والتي عدت آخر جيوب المقاومة ، التي
دامت لأربعة أيام بلياليها ولم تستكين إلا بعد أستخدام السلطات المدفعية والراجمات ، مما أدى إلى مقتل أكثر من ستمائة منهم في نفس المنطقة وبسبب تلك المقاومة أصدر البعث قانون
الجنسية لعام 1963 والذي أستهدفهم بها . ومع العودة الثانية للبعث في إنقلاب 1968 أصبحت إستراتيجيته تصفية الوجود القومي للكورد عبر مراحل متعددة. ولتشابك الوضع السياسي في
العراق ولعدم ترسخ سلطة النظام ولخوفه ، أقدم على سياسة القضم التدريجي لكل القوى السياسية العراقية ، فلجأ إلى اتفاقية تكتيكية (إتفاقية آذار 1970) مع الحركة التحررية الكوردية، وقد
خرقها بعد عام من قيامها من خلال قيام النظام بمحاولة اغتيال قائد الحركة التحررية الكوردية البارزاني الخالد في 29 أيلول عام 1971 . وما أن تعزز موقعه بعد عمليات التأميم وأمتلاك
مفاتيح الثروة ليصل طريق الحوار مع حركة التحرر الكوردستانية إلى طريق مسدود ، ثم يشن حربه المسعورة ضد الكورد وكوردستان التي أنتهت باتفاقية الجزائر سيئة الصيت والتي منح
فيها النظام نصف شط العرب إلى شاه إيران من أجل خنق الثورة الكوردستانية ثم ليستخدمها فيما بعد في عام 1980 كحجة واهية لقيام حرب كارثية ضروس ضد إيران كلفت أنهاراً من
الدم والثروات كانت كفيلة بامتلاك العراق ناصية العلم والتقدم والتكنلوجيا ، فكان أن ذبح أبناء البلد في محرقة الموت وليعيد إنتاج الاتفاقية من جديد بعد خراب البلد . بعد أن أستمرت اللعبة
وشملت قوى سياسية أخرى كالحزب الشيوعي العراقي. ومع مطلع الثمانينات بدأت المرحلة الأولى لتنفيذ تصفية الوجود القومي الكوردي ، لتبدأ بالكورد الفيليين في أوسع عمليات تهجير
قذرة شملت نصف مليون مواطن كوردي فيلي ، حيث تم وضعهم في شاحنات مكشوفة والانطلاق بهم نحو الحدود مع إيران لإلقائهم وسط حقول الألغام. فيما تم احتجاز الشباب من أبناء
المهجرين في السجون الرهيبة في عمق الصحراء والذين طالتهم يد الغدر وتمت تصفيتهم جسدياً بعد قضائهم سنين طويلة في سجون النظام. فيما تم مصادرة كل أموالهم وممتلكاتهم
وعقاراتهم ولم يسمح لهم بأخذ أكثر من الملابس التي يرتدونها ، أما من تبقى منهم فقد جرى ترحيلهم من مدنهم عبر التهجير القسري إلى وسط وجنوب العراق إلى مدن الرمادي والسماوة
والكوت والحلة ، فيما محقت أسماء مدنهم وقراهم وقصباتهم وشطبت أسماؤهم من سجلات النفوس لعام 1957 وأتخذ التعريب صفة رسمية من خلال توزيع استمارات تصحيح الهوية التي
شملت مدن (خانقين ، مندلي ، جلولاء ، السعدية ، بدرة ، الكميت) وغيرها , وبذل النظام جهوداً كبيرة من أجل ترسيخ جملة من المفاهيم والأفكار العدوانية في ذهنية المجتمع من خلال
العديد من البرامج الاعلامية والفكرية والإصدارات التي أشرف عليها وأدارها حملة الأفكار النازية الجدد الذين أرتضوا لإنفسهم تزييف وعي الجماهير كما زيفوا الحقائق التاريخية.
(2) المرحلة الثانية ابتدأت بين عامي 1980-1981 حيث أرتكب فيها النظام أبشع الجرائم التي يندى لها الجبين الإنساني ، تمثل بتهجير نصف مليون كوردي ما بين شيخ وطفل وامرأة
دون ذنب أقترفوه سوى إنهم كورداً بعد مصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة وجميع حاجياتهم وأشيائهم ووثائقهم وحجز أبنائهم بين الفئات العمرية (15-45) في أقبية سجونه الرهيبة ،
حيث كشفت ملفاته التي أستولي عليها بعد سقوطه عن إعدامهم . وفي عام 1980 أصدر الطاغية العديد من القرارات الظالمة بحقهم، وهذه القرارات (180 ، 200 ، 373 ، 666 /اسقاط
الجنسية ، 1468 ، 2884 الخاص بحجز الشباب من الكورد الفيليين) . وتعد جرائم التسفيرات بداية جرائم الأنفال بحق الكورد ، حيث أقدم النظام الفاشي لاحقاً أي في عام 1988 على
ترحيل وتعريب وتشويه البنية التحتية لكوردستان ووسع نطاقها بحملات الأنفال السيئة الصيت ، والتي بدأها في 14 / 4 / 1988 التي أستهدف إخلاء كوردستان من الكورد ، وبعدها
عمليات القصف الكيمياوي التي أستهدف فيها مدينة حلبجه التي راح ضحيتها أكثر من (5000) شهيد ما بين طفل وشيخ وأمراة من الأبرياء العزل . وقد طرح النظام في مؤتمر القمة
المنعقد في الرباط عام 1989 خطة تقضي بتوطين الكورد في مناطق متفرقة من الدول العربية وجلب ملايين من العرب والفلسطينيين خاصة لتوطينهم في كوردستان . وقد وقف الرؤساء
العرب موقفاً سلبياً من هذا المشروع العنصري وعارضه الرؤساء: السوري حافظ الأسد والليبي معمر القذافي والفلسطيني ياسر عرفات بشدة . فيما تواصلت سياساته الشوفينية العنصرية
بتعريب المدن الكوردية وترحيل أبنائها ومحق اسمائها ومحاولة التغيير الديموغرافي بوتائر أعلى وبوسائل مختلفة ، ولم تتوقف إلا مع سقوط (هبل) رمز النظام في 9 نيسان
2003.
النشاط الإقتصادي والتجاري للكورد الفيليين
على الرغم من تغير الحكومات، ظلت السلطة متداولة بيد الأقلية فأتسعت بذلك مساحة التهميش لغالبية المجتمع وأتخذت إجراءات حكومية فعالة لتسهم في تعزيز القبضة على السلطة عبر
السيطرة على رؤوس الأموال الكبيرة وكل ما من شأنه الإرتقاء بهذه الأقلية سياسياً واقتصادياً وتعليمياً ، ففي هذا المجال تم أحتكار الإيفادات الدراسية خاصة في المجالات العلمية والهندسية
واقتصارها على أبناء الأقلية الحاكمة . لذا نجد أن غالبية الإختصاصات في تلك المجالات حكراً على أبناء الأقلية الحاكمة.
والكورد الفيليون باعتبارهم جزءاً من الشرائح المهمشة وبسبب حرمانهم من العمل الحكومي أتجه غالبيتهم إلى الأعمال الحرة المختلفة والتي كانت شائعة في أوساط المجتمع العراقي ذي
الغالبية المحرومة في فترات العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي وحيث أن ثروة العراق كانت تصرف في المشاريع الإروائية والسدود لا على المشاريع القصيرة المدى التي تعود
بالنفع والإزدهار على المواطن، وكانت غالبية هذه المهن وهي حرف شعبية كامتلاك المقاهي والمطاعم والسياقة والتصوير والعمل في الخانات إلى جانب الحدادة والنجارة ، فيما كان عدد
المتعلمين منهم قليلا ً ، ومع النزوح اليهودي من العراق بعد نكبتهم بعد عام 1950 م وما تلاها، نشط الكورد الفيليون في مجال التجارة وأرتقى العديد من حرفييهم إلى صفة التجار، الذين
من مناقب بعضهم، أنهم وضعوا (بالة الحمالة) في صدر حوانيتهم تواضعاً وإقراراً بعصاميتهم وبتدرجهم في حرفتهم هذه ومنزلتهم التي بنوها بعرق جبينهم وكدهم وكفاحهم . وشكل الكورد
الفيليون نسبة لا يستهان بها في الغرف التجارية العراقية في الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، كما شكلوا نسبة كبيرة من تجار الجملة وخاصة أسواق تجارة الفواكه والخضر
وتجارة الحبوب في علاوي جميلة وتجارة الخشب في شارع الشيخ عمر وتجارة الأقمشة في شارع الرشيد (كما أقاموا العديد من المشاريع الصناعية والغذائية والتي صودرت منهم فيما بعد)
ومن الشخصيات البغدادية المعروفة المرحوم حافظ القاضي، وبعض آل قنبر وهم من أكابر التجار في أسواق بغداد ، أما الكورد القاطنين في مندلي وخانقين وبدرة ومناطق أخرى فقد
مارسوا الزراعة وأمتلكوا أراضٍ زراعية واسعة. . وكان لنشاطهم الإقتصادي والتجاري المميز أثر في تفعيل الحياة الاقتصادية والتجارية ، إذ أصبحوا عصب الحياة الفاعل وكونوا ثقلا ً
مالياً لا يستهان به ، وقد أورد المجرم فاضل البراك مدير الأمن العام الأسبق في نظام الطاغية (أعدم) في كتابه الموسوم (المدارس اليهودية والإيرانية في العراق) وفي الصفحة (151-
152) دراسة مقارنة إحصائية عن المسفرين بوصفهم من أصول إيرانية على النحو الآتي : عدد التجار في بغداد وحدها زهاء 3245 تاجراً منهم تجار جملة يشغلون 1117 محلا ً وزهاء
258 صناعياً 35 محلا ً لصناعة الذهب ، وملكيات تجار بغداد الشيعة من الدور السكنية والعقارات بلغت 36% في منطقة الكاظمية و32% في مناطق بغداد . ويؤكد أنه حين أخذ (حجم
التأثير الإقتصادي الكلي نجد أن كل (100) تاجر عراقي قد يساوون في القدرة والفعل التجاري والإقتصادي تاجراً إيرانياً واحداً (كذا) وأسباب ذلك مفهومة . هم أصحاب رؤوس الأموال
الكبيرة) ولا ريب في أن أعداداً من هؤلاء كانوا من الكورد الفيليين . كما كان للدعم المالي الذي كانوا يقدمونه للقوى الوطنية والمرجعيات الدينية مصدرا ً للسخط الدائم من قبل السلطات
تجاههم ، ففي هذا الصدد يورد فرهاد إبراهيم في دراسة له حاولت السلطة بعد انقلاب 68 وفشل مفاوضاتها مع الحكيم ، الذي رفض الحوار بكل حزم ورغم عدم اهتمام السلطة الإنقلابية
للدخول في مواجهة مع (مرجعية الشيعة) لأسباب أملتها عوامل سياسية داخلية وخارجية ، بل ارتأى إيجاد نوع من التعايش السلمي مع هذه المرجعية. وبعد وفاة آية الله الحكيم (رحمه الله )
عام 1970 خلفت وفاته فراغاً سياسياً ، إذ أن المرجع آية الله أبو القاسم موسوي الخوئي (رحمه الله ) كان حذراً لا يتعامل بالسياسة . ولأجل إحكام قبضة السلطة على المرجعية كانت تفكر
بالتمويل المالي للشيعة ومحاولة مصادرتها عن طريق ربط ذلك بوزارة الأوقاف العراقية وملاحقة المتبرعين . وعندما بدأت حكومة البعث الفاشية بالقيام بأولى عمليات التسفير عام 1971
والتي سفر فيها نحو (70000) كوردي فيلي ، على أساس قانون الجنسية الصادر عام 1963 ، ولم تصدر عن آية الله الخوئي أية احتجاجات (43) .
ومع ثورة تموز عام 1958 شهدت أوضاع الكورد الفيليين استقراراً وازدهاراً حيث استطاعوا في العهد الجمهوري الأول من تأسيس الثانوية الأهلية الفيلية بعد أن كانوا قد أسسوا المدرسة
الإبتدائية الفيلية سنة 1946 والتي كان مديرها مهدي حسين التي أعيرت خدماته من مدير مدرسة رسمية إلى مدير مدرسة أهلية وقد شغلت المدرسة بناية عائدة للمرحوم نوخاس مراد والذي
أوصى بالتصرف بالملك في حالة وفاته إلى جمعية المدارس الفيلية وفي حال غلقها تحال إلى الورثة ومن أبرز معلمي المدرسة عبد اللطيف حسين وعبد الأمير السعداوي وسلام عادل (
سكرتير الحزب الشيوعي العراقي) في حين كان المحامي حسين الصيواني مديراً لثانوية الكورد الفيليين وعبد الخالق سهراب معاوناًُ له وقد أغلقت المدرستين عام 1973 بعد تأميم المدراس
الأهلية . وفي عام 1957 تأسس نادي الفيلية الرياضي بإجازة من وزارة الداخلية (مديرية الجمعيات) ، وكان عبد الله علي الأدهم المعروف (عبد الله نازار) أول رئيس للنادي ومن بين
الأعضاء جاسم نريمان وعبد الهادي باقر ومسلم عبد الله وحسن علي مراد وشعبان نور علي وشكر محمد رضا (آمو) والحاج علي حيدر وإبراهيم بشقة المدير المالي ، وكان النادي من
الدرجة الممتازة ويعتبر فريق السلة من أبرز فرق النادي إلى جانب الملاكمة ، أما فريق كرة القدم فقد أستطاع الإنتقال إلى الدرجة الأولى بعد فوزه بدوري الدرجة الثانية وكان مدرب الفريق
هو رئيس إتحاد الكرة العراقي، هادي عباس ، أما اعضاء جمعية المدارس الفيلية التي تأسست في بغداد عام 1946 فهم الحاج احمد محمد الاحمدي، ناوخاس مراد ، الحاج علي حيدر ،
شكر محمد ، محمد شيره ، محمد مهدي نيازي، ابراهيم بشقه، جاسم نريمان ، مهدي سايخان ، عبد الهادي باقر. كما زار وفد من الكورد الفيلية مقر الزعيم عبد الكريم قاسم وبحضور العقيد
وصفي طاهر للتهنئة . وجرى بحث المشاكل التي يعاني منها الكورد الفيليون ابرزها مشكلة الجنسية العراقية وقد اوعدهم الزعيم خيرا حيث تقرر بعد ذلك منح الجنسية العراقية لجميع
طالبي الحصول عليها . وأسهمت المدرستان في النهوض بالواقع التربوي لأبناء الكورد الفيليين وشبابهم ، ولهذا أتسعت نسبة المتعلمين والمثقفين منهم خاصة بعد أعوام 1960 وما تلاها.
على أن انقلابيي 1968 لم يتوقفوا عند هذا الحد ، بل شطبوا التجار الكورد الفيليين من سجلات غرف التجارة ولم يمنحوا إجازات تأسيس المشاريع الصناعية ، الأمر الذي أدى إلى إقامة
العديد من هذه المشاريع بأسماء آخرين التي نهب قسم منها بعد تسفيرهم ، كما كانت الهبات المالية التي يقدمونها لدعم القوى الوطنية مصدر السخط الدائم تجاههم . أما العاملون في المجال
التربوي كمدرسين ومعلمين ، فقد نقلوا إلى وظائف في وزارات أخرى ليصبحوا بعد فترة مطرودين من الخدمة . ومن الأمور المثيرة للسخرية هي حرمان خريجو الدراسة الإعدادية (
البكلوريا) المتفوقين من الكورد الفيليين من القبول في الكليات لعدم إمتلاكهم شهادة الجنسية العراقية ، حين كانوا يساقون إلى الخدمة في الجيش وازدواجية التعامل هذه معروفة فالجيش
بالنسبة للكورد الفيليين هي احدى ساحات التصفية والقمع بتبريرات شتى خاصة وانهم في عرف النظام طابورا خامساً.علاوة على عدم إستطاعتهم بيع ممتلكاتهم وعقاراتهم لأن التشريعات
الصدامية اللاحقة كانت تنص على ضرورة إبراز شهادة الجنسية في حالات البيع والشراء ، مما يبين بما لا لبس فيه أن الكورد الفيليين استهدفوا من قبل النظام وفق مخطط مدروس نفذ
على مراحل كجزء من إستراتيجية تصفية الوجود القومي الكوردي في العراق ، حيث أن عمليات الأنفال والتطهير العرقي بدأت بالكورد الفيليين مطلع الثمانينات من القرن المنصرم لتشمل
في ثمان سنوات مدن كوردستان التي شهدت عمليات القصف الكيمياوي وخاصة مدينة حلبجة والعديد من القرىبهدف كسر مقاومة الفلاحين كقرية (كوك ته به) التابعة لمحافظة السليمانية
والتي قضي فيها على الشيوخ والنساء والأطفال والذين جرت إعادة دفنهم على تلة عالية بالقرب من أطلال القرية المدمرة وإنشاء نصب تذكاري للضحايا هناك بعد إنتفاضة عام 1991
(44).
آراء في الحلول لأصل المشكلة
تعتبر مشكلات الكورد الفيليين جزءاً من المشكلات التي خاضتها السلطات المتعاقبة للكورد بهدف التضييق على الشعب الكوردي وصهره كما مر ذكره في الصفحات السابقة ، ان اصدار
دستور دائم بالتوافق مع كافة مكونات الشعب العراقي وضمان الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وتحقيق العدالة الاجتماعية التي تكفل بقيام مجتمع خالٍ من الاضطهاد والجوع والاستفادة
من التجارب والعبر المريرة التي عاشها العراقيون على امتداد قيام دولة العراق.
ان تلك الاستفادة تحتم وضع صمام امان دستوري من اجل عدم تكرار المآسي ومن هنا ضرورة عودة المهجرين من الكورد الفيليين إلى العراق وتعويضهم الخسائر التي لحقت بهم جراء
مصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة لا تمثل بأي حال حلا ً جذرياً وأساسياً للمشكلة ، إذ أن المشكلة الأساسية التي تستند إلى مبدأ اعتبارهم من أصول إيرانية دون حساب لتبعية المناطق
التي عاشوا فيها منذ أقدم العصور ستبقى قائمة وهم سيقعون عرضة للتهجير والتسفير والإبعاد عن أرض الوطن تبعاً لمتغيرات الظروف ومصالح الحكومات التي تستطيع خلق الأجواء
والمبررات ، إن الإقرار بأن المناطق الكوردية الفيلية مثل (خانقين ، مندلي ، جلولاء ، السعدية ، زرباطية ، علي الغربي ، بدرة ، الكميت) جزء من إقليم كوردستان ذات الحكم الفيدرالي ،
وأن تكون هذه المناطق تابعة في إدارتها وميزانيتها لحكومة الإقليم . وإلغاء قانون الجنسية الذي يميز بين الجنسية العثمانية والجنسية الإيرانية قبل صدور ونشر قانون الجنسية العراقي ،
حيث لا فرق بين الجنسيتين فالدولتان (المحددة لهما التبعية) كانتا إسلاميتين وكل منهما كان يحكم جزءاً معيناً من العراق في فترات محددة من التاريخ ، وكلتاهما لا ترتبط بالعرب إلا من
الناحية الدينية فلا مبرر إذن لتفضيل احديهما على الأخرى ، وسن قانون للجنسية على ضوء قوانين الجنسية المعمول بها في البلدان المتقدمة في العالم ، واعتبار الشباب المحجوزين في
سجون الطاغية والمقدرة أعدادهم بعشرة آلاف سجين، شهداءً للحركة الوطنية. وتطبيق المادة 58 الوارد ذكرها في قانون ادارة الدولة على مناطقهم في مندلي وخانقين وجلولاء وغيرها
والتي رحلوا منها قسراً وارجاع هويتها الكوردية وعودة اسماء مدنها وقراها وشوارعها ومدارسها الكوردية التي محقت بالاسماء العربية وضرورة اجراء استفتاء بعد عودة المرحلين لغرض
الحاقها باقليم كوردستان وضمان مشاركة الكورد الفيليين في البرلمان الكوردستاني والعراقي على حد سواء وشمول خريجيهم في مختلف الحقول والاختصاصات بالتعيين بالوظائف الحكومية
وبشتى الدرجات رفعا للغبن والتهميش والابعاد الذي طالهم ومشاركتهم في العملية السياسية من اجل عراق ديمقراطي فيدرالي تعددي.
الهوامش
1- محمد أمين زكي / خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان / ترجمة محمد علي عوني / القاهرة 1939 الهامش 3 ص 79.
2- مشير الدولة حسن / تاريخ إيران / ج1 ص 139.
3- نجم سلمان مهدي /من هم الفيليون/ دار الشمس استوكهولم / السويد / ط1 2001 ص19.
4- جعفر فيتال / مجموعة آراء مورد سرزين/ بشتكو إيلام / مطبعة فرهنك ط1 1990 ص121.
5- ثامر عبد الحسن / موسوعة العشائر العراقية/ دار الشؤون الثقافية بغداد 1994 ج 6 ص162.
6- علي سيدو الكوراني/ (اللور ولورستان) / مجلة المجمع العلمي الكوردي بغداد 1974 ص120-121.
7- المحامي عباس العزاوي / تاريخ العراق بين احتلالين / شركة التجارة والطباعة المحدودة بغداد 1954 ج2 ص17 .
8- المسعودي / مروج الذهب/ تعليق محمد محي الدين عبد الحميد / دار الرجاء للطباعة القاهرة 1954 ج1 ص215-216.
9- نجم سلمان مهدي / المصدر السابق ص21.
10- جورج كرزون /إيران وقضية إيران/ ج2 ص350.
11- علي سيدو الكوراني / المصدر السابق ص50 .
12- المحامي رزكار عبد الرحمن / الوجيز في تعليم اللغة الكوردية / معجم عربي-كوردي / بغداد 1987 ص 8 .
13- علي سيدو الكوراني / المصدر السابق ص140-141.
14- علي سيدو الكوراني / نفس المصدر السابق ص150.
15- عبد الجليل فيلي / (اللور) الكورد الفيلييون في الماضي والحاضر / مالمو- السويد 1999 ص102.
16- علي سيدو الكوراني/ المصدر السابق ص126.
17- عبد الجليل فيلي / المصدر السابق ص 126 .
18- محمد توفيق وردي / الأكراد الفيليون في التاريخ / بغداد 1971 ص10.
19- عبد الجليل فيلي / المصدر السابق ص102.
20- عبد الله كوران / الآثار الشعرية الكاملة/ ترجمة عز الدين مصطفى رسول بغداد 1991 ص322.
21- محمد بني خوشناو / معجم (كلش) (طولشةن) بالإملاء الكوردي أي ورد الخميلة/ السليمانية 1983 ص 81.
22- جواد علي / تاريخ العرب قبل الإسلام / بيروت 1976 ج2 ص606.
23- المحامي جمال بابان / من أصول أسماء المدن والمواقع العراقية / بغداد 1989 ص 34 - 35.
24- المحامي جمال بابان / المصدر السابق ص166-167.
25- زبير بلال إسماعيل / من تاريخ اللغة الكوردية/ بغداد 1977 ص38.
26- مسعود محمد / لسان الكورد/ بغداد 1987 ص63.
27- باكزه رفيق حلمي / العدد 1 - المجلد 1 مجلة المجمع العلمي الكوردي ص196.
28- مسعود محمد / المصدر السابق ص56.
29- زبير بلال إسماعيل / المصدر السابق ص 38.
30- محمد أمين زكي / المصدر السابق الهامش(3) ص79 . أنظر شاكر خصباك / الكورد وكوردستان بغداد 1956 ص 65.
31- مسعود محمد / المصدر السابق ص 64.
32- ياقوت الحموي / معجم البلدان/ بيروت 1957 المجلد 1 ص 6.
33- نفس المصدر السابق المجلد الرابع ص281 من باب الأسماء المبدوءة بحرف الفاء.
34- نفس المصدر السابق.
35- لا يزال هناك موضع بأسم (بهله) في مدينة لورستان في كوردستان إيران (مناطق الكورد الفيليين التي تقع على نهر (جنطولة).
36- خسرو الجاف / من لور كورده يا لره/ بغداد 2000 ص188.
37- كمال مظهر / من تاريخ إيران الحديث/ ص133.
38- طه باقر / مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة / بغداد 1956 ج2ص412.
39- مجيد خدوري / العراق الجمهوري / إنتشارات الشريف الرضي / قم- إيران 1998 ص 14.
40- حسن العلوي / الشيعة والدولة القومية / دار الثقافة / قم - إيران 1990 ص 149.
41- حنا بطاطو / الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية في العراق ج1 ص32.
42- مكرم الطالباني / ويسالونك عن الأنفال / مطبعة خاك سليمانية 2003.
43- فرهاد إبراهيم / الطائفية والسياسة في العالم العربي / مكتبة مدبولي سوريا 1996 ص 359.
44- مكرم الطالباني / المصدر السابق ص 14.
المصدر: موقع كلكامش، 14/3/2007