الوثائق المؤقتة لا تمنح الا للنازحين من غير المواطنين
الدكتور منذر الفضل
11/11/2003
أقدمت وزارة المهجرين والمهاجرين في بغداد وبالاتفاق مع مديرية الجنسية العامة في نوفمبر 2003 على خطوة خطيرة ستكون لها نتائج تعقد المشاكل التي تعرض لها مئات الالاف من العراقيين المهجرين من المسفرين (الشيعة ) ومن الكورد الفيليين الذين أرتكب نظام صدام المقبور وفكره النازي أبشع جريمة ضدهم لدوافع عنصرية وشوفينية وطائفية مخالفة للقوانين الوطنية وللالتزامات الدولية . ومن منا لا يعلم مالذي حصل لهؤلاء المدنيين من العراقيين بعد اتفاقية اذار عام 1970 التي وضعت حدا للاقتتال بين العراقيين من العرب والكورد وكذلك قبل واثناء حرب نظام صدام ضد الجارة ايران والتي افتعلها بدوافع معروفة وشن الحرب في ايلول 1980 واستمرت حتى عام 1988 وراح ضحيتها بين قتيل ومعوق ومفقود واسير ما يقارب مليون انسان .
هذه الخطوة من الوزارة ومديرية الحنسية الموقرتين في بغداد تتمثل بمنح هؤلاء المسفرين من العراقيين وثيقة مؤقته لانهم من المشمولين بقرار رقم 666 الصادر عام 1980 من نظام صدام بهدف تمشية وتيسير امورهم ..! وفقا للتصريح الصحفي , وقبل مناقشة بطلان واشكاليات هذه الخطوة على حقوق هؤلاء الناس الابرياء ومستقبلهم في العراق , لابد من التذكير ان ابشع جريمة ارتكبت من نظام صدام هي جريمة ابادة الجنس البشري ضد الشيعة والكورد الفيلية حيث قام النظام بمصادرة اموالهم وحجز شبابهم ودفنهم احياء وفصل الاطفال عن امهاتهم وترحيل الشيوخ والنساء قسرا برميهم على الحدود الشرقية في واحدة من ابشع جرائم العصر بعد الحرب العالمية الثانية وما يزال عشرات الالاف منهم مختفون ومئات الالاف منهم مشردون في المنافي بعد ان سلبهم هذا النظام الفاشي المقبور من كل شيء بما فيها الوثائق التي تدل على اسمائهم ومواطنهتم وحقوقهم .
واليوم بعد سقوط النظام الدكتاتوري يسعى المواطنون العراقيون المتضرون من القرار 666 الصادر عام 1980 عن مجلس قيادة الثورة الى استعادة حقوقهم وعودتهم الى بيوتهم ووطنهم . وقد استبشر هؤلاء خيرا بسقوط النظام الصدامي ومن البديهي ان أول خطوة يقدموا عليها هي مراجعة وزارة المهجرين والمهاجرين ومديرية الجنسية العامة او السفارات العراقية ( وهي متوقفة حاليا ..) للحصول على الوثائق التي سلبها منهم النظام المقبور قبل ترحيلهم قسرا الا انهم فوجئوا بمنحهم وثيقة مؤقتة ( لتمشية وتيسير امورهم ) على حد قول بيان الوزارة المذكورة ! وهو قرار مخالف للقانون وللالتزامات الدولية حيث لا تمنح الوثائق المؤقتة الا لغير العراقيين من النازحين بينما هؤلاء الاشخاص من العراقيين غير النازحين وانما من المواطنين المرحلين قسرا ولهم حق العودة والفارق كبير بين الاثنين . ولغرض القاء المزيد من الضوء على هذه القرار الذي لم ينصف هؤلاء العراقيين لابد من التعرف اولا على مضمون القرار رقم 666 لسنة 1980 الذي اصدره صدام قبل الحرب العراقية – الايرانية والذي اشار له قرار السيد وزير المهجرين والمهاجرين .
أصدر مجلس قيادة الثورة المقبور القرار التالي قبل شن الحرب على الجارة ايران وفيما يلي نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس قيادة الثورة
قرار رقم 666
قـرار استناداً الى أحكام الفقرة ( أ ) من المادة الثانية والاربعين من الدستور المؤقت قرر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتأريخ 7/5/1980 ما يلي :
1 ـ تُسقط الجنسية العراقية عن كل عراقي من اصل اجنبي اذا تبين عدم ولائه للوطن والشعب والاهداف القومية والاجتماعية العليا للثورة .
2 ـ على وزير الداخلية ان يأمر بابعاد كل من اسقطت عنه الجنسية العراقية بموجب الفقرة (1) ما لم يقتنع بناء على اسباب كافية بأن بقاءه في العراق أمر تستدعيه ضرورة قضائية أو قانونية أو حفظ حقوق الغير الموثوقة رسمياَ ً.
3 ـ يتولى وزير الداخلية تنفيذ هذا القرار .
صدام حسين
رئيس مجلس قيادة الثورة
ومن الطبيعي ان القرار اعلاه الذي صدر من رئيس النظام المقبور تفوح منه رائحة العنصرية ضد الكرد والطائفية ضد الشيعة من العراقين وهو قرار غير دستوري بل هو مخالف حتى للدستور الذي شرعة المجلس المقبور ومخالف للقانون الدولي
، فمن جهة مخالف لبنود الدستور العراقي لعام 1970 ( انظر: الباب الثالث – الحقوق والواجبات الاساسية ) ولو كانت هناك دولة قانون وقضاء مستقل في عهد الطاغية لآمكن الطعن بعدم دستورية القرار المذكور
، كما ان القرار مخالف بصورة صريحة للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية التي لا تجيز مطلقا الابعاد للمواطن ولا تسمح هذه القواعد الدولية سحب الجنسية من اي انسان او تجريده منها او بقائة بدون جنسية ولا مصادرة امواله مطلقا لان المصادرة عقوبة لا يجوز ايقاعها على الشخص الا بناء على حكم من محكمة مختصة . وقد جاءت هذه القواعد الاساسية في اتفاقية عدم جواز بقاء اي انسان بدون جنسية والتي يعد العراق طرفا فيها .
واذا اردنا القاء نظرة سريعة على القرار رقم 666 فالواضح منه في فقرته الاولى والتي تنص :
(ـ تُسقط الجنسية العراقية عن كل عراقي من اصل اجنبي اذا تبين عدم ولائه للوطن والشعب والاهداف القومية والاجتماعية العليا للثورة .)
ولا يجوز قانونا اسقاط الجنسية عن أي عراقي مطلقا طبقا للقوانين الوطنية العراقية وللاتفاقيات الدولية ذات الصلة
، ثم ماهو المعيار او الفيصل في ان المواطن العراقي ليس له ولاء للوطن والشعب وللاهداف القومية والاجتماعية العليا ؟ ومن الطبيعي ان المقصود هنا هي عدم الولاء لفكر البعث النازي الذي يكون مبررا كافيا لتجريد المواطن العراقي من حق المواطنه وهو اجراء مخالف للاعلان العالمي لحقوق الانسان ايضا لاته ينطلق من مبدأ التمييز على اساس المذهب والعنصر والاكراه على الاعتقاد بفكر عنصري شمولي متطرف وهو فكر النازية العربية .
ولما كان القرار رقم 666 بهذا الشكل وهو من مقدمات صدام لشن الحرب ضد ايران عام 1980 وان مئات الالاف من العراقيين الشيعة ومن الاكراد الفيلية جرى ابعادهم عن وطنهم بعد تجريدهم من كل وثائقهم وممتلكاتهم لانهم لم يسجدوا للطاغية ولم ينتموا لهذا الفكر الفاشي
، ألا ينتظر المتضررون من هؤلاء العراقيين وهم الضحية الى رعاية متميزة واعتراف بحقوقهم والاعتذار منهم ؟
ان الوثيقة المؤقتة لا تمنح للمواطن العراقي مطلقا وانما هي تمنح لغير المواطن ولفترة محددة تزول بزوال الظرف الذي دفعهم الى النزوح خارج بلدهم كما حصل في منح وثائق النزوح المؤقته للفلسطينين حين قدموا الى الاردن بعد حرب عام 1967. ولذلك نأمل من الاخوة في وزارة المهجرين والمهاجرين ومن مديرية الجنسية اعادة النظر في هذا الامر والاستعانه بالخبرة القانونية الكفوءه قبل الاقدام على اية خطوة تمس حقوق مئات الالاف من العراقيين المتضررين من قرار مجلس قيادة الثورة أنف الذكر غير الدستوري والمخالف للقانون الدولي وللاعلان العالمي لحقوق الانسان وكنا نأمل بحث الامر مع وزارة حقوق الانسان ايضا فهي معنية برعاية هؤلاء العراقيين واعادتهم الى وطنهم والقيام بتأهيلهم .
واذا رجعنا الى قرار وزارة المهجرين والمهاجرين فاننا نجد بكل وضوح الاتجاه الى أنصاف الحلول دون الاهتمام بعواقب الامور المستقبلية على هؤلاء العراقيين من خلال منحهم مثل هذه الوثيقة التي هي مخالفة صريحة للقانون . وفيما يلي مضمون التصريح الصحفي من مكتب وزير المهجرين والمهاجرين حول هذا الامر:
بسم الله الرحمن الرحيم
وزارة المهجرين والمهاجرين
مكتب الوزير
م/ بلاغ صحفي
توضيح حول الوثيقة المؤقتة الصادرة من مديرية الجنسية العامة للعراقيين العائدين الى الوطن.
تنفيذاً لمقررات الجلسة السابقة بين وزير المهجرين والمهاجرين السيد محمد جاسم خضير ومدير الجنسية العام السيد ياسين الياسري، تم مناقشة بعض المشاكل المستجدة التي تواجه العراقيين العائدين وسبل تذليلها في اللقاء الذي تم بين مدير الجنسية العام ومدير مكتب وزير المهجرين والمهاجرين يوم الاحد المصادف 9/11/2003 خاصة ما يتعلق بالقلق والتساؤلات التي انتابت البعض من الاخوة العراقيين العائدين الى الوطن الذين زودوا بوثيقة مؤقتة من قبل دوائر مديرية الجنسية العامة ومن اجل ازالة الشك والقلق حول هذه القضية نطرح النقاط التالية:-
1. ان الوثيقة المؤقتة التي زودوا بها العراقيون العائدون الى الوطن والذين تأثروا بقرار 666 الصادر عام 1980 هي اجراء مؤقت وليس دائمي لحل مشاكلهم وتسيير امورهم ريثما يتم الغاء تبعات هذا القانون بشكل علمي وقانوني لذا فليس هناك داع للقلق والتشاؤم.
2. هناك جهود واسعة ومتواصلة تقوم بها مديرية الجنسية العامة للاسراع من اجل الغاء تبعات قانون 666 وعودة العراقيين الذين تأثروا بهذا القانون الى وضعهم الطبيعي.
3. نحث اخواننا العراقيين العائدين الى الوطن بالتعامل مع هذا الاجراء بشكل ايجابي بعيدا عن الشك وسوء الظن وان لا يهتموا للدعايات المغرضة التي يثيرها البعض لاغراض مختلفة او لهواجس طبيعية.
4. ان وزارة المهجرين والمهاجرين ستواصل اجتماعاتها الدورية مع مديرية الجنسية العامة او الدوائر ذات الصلة لحل المشاكل والعوائق التي تحول دون عودة العراقيين العائدين الى وضعهم الطبيعي والله المستعان.
مكتب وزير المهجرين والمهاجرين
السكرتير الصحفي
10/11/2003
ومن الطبيعي ان هذه الوثيقة المؤقتة باطلة لمخالفتها لقانون الجنسية الجديد وللاتفاقيات الدولية
، فقد جاء صراحة في قانون الجنسية الذي اصدره مجلس الحكم المقر مايلي :
المادةالثانية:
يعد عراقي الجنسية كل من حصل على الجنسية العراقية بموجب احكام قانون الجنسية العراقية رقم 42 لسنة 1924 الملغي وقانون الجنسية العراقية رقم 43 لسنة 1963 المعدل وقانون منح الجنسية العراقية للعرب رقم 5 لسنة 1975 المعدل وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل الخاصة الخاصة بمنح الجنسية العراقية.
كما نصت المادة الخامسة عشرة منه مايلي :
يلغى قرار مجلس قيادة الثورة "المنحل" المرقم 666 لسنة 1980 وتعاد الجنسية العراقية لكل عراقي اسقطت عنه الجنسية العراقية بموجب القرار المذكور.
كما ان قرار وزارة المهجرين والمهاجرين مخالف بشكل صريح لنص المادة السادسة عشرة من قانون الجنسية والتي جاء فيها مايلي :
1- يحق لكل عراقي اسقطت عنه الجنسية العراقية لاسباب سياسية او عنصرية او طائفية ان يستعيد جنسيته العراقية بتقديم طلب بذلك وفي حالة وفاته يحق لاولاده الذين فقدوا الجنسية العراقية تبعا لوالدهم ان يتقدموا بالطلب لاستعادة الجنسية العراقية.
2- لا يفيد من حكم البند 1 العراقيون الذين زالت عنهم الجنسية بموجب القانونين المشار اليهما في المادة الثانية عشرة من هذا القانون.
ولذلك نعتقد ان اجراء منح الوثيقة المؤقتة للعراقيين المتضررين من القرار رقم 666 لسنة 1980 هو باطل ومخالف لقانون الجنسية الذي اصدره مجلس الحكم الموقر للاسباب التي بيناها ونضيف ان في هذا الاجراء مخاطر كبيرة ستجعلهم عرضة لكثير من المشكلات باعتبارهم من حملة الوثائق المؤقتة وليسوا من المواطنين العراقيين مما سيشكك في وطنيتهم ويعقد مشكلاتهم وبخاصة في مراجعاتهم لدوائر الدولة لغرض استعادة حقوقهم كما لا يجوز تصنيف العراقيين الى صنفين
، احدهم يحمل الجنسية العراقية واخر يحمل وثيقة مؤقتة وهو نصف عراقي ..!! مما ستخلق مشكلات عويصة لهم لا تقل عما حصل لهم من تعقيدات في عهد المقبور صدام بينما يقتضي الحال القيام باجراء كل التسهيلات لهم ولعوائلهم وتقديم كل الامكانات لتأهيلهم ومساعدتهم على استعادة حقوقهم التي فقدوها في العهد السابق فضلا عن تعويضهم عن الاضرار التي لحقت بهم .
ان ضمان حق العودة لجميع العراقيين الذين تضرروا من نظام الطاغية سواء من المهجرين ام المهاجرين ام المرحلين قسرا ثابت دستوريا وقانونا وفي القانون الدولي
، بل ان الشرائع السماوية والوضعية تكفل هذا الحق وتوجب القواعد العامة العناية باصحاب هذا الحق بصورة ترفع عنهم معاناتهم وتخفف عنهم الالام التي تعرضوا لها طوال سنوات حكم الدكتاتورية واحترام حقوقهم الانسانية وهذا لن يكون من خلال نظام الوثيقة المؤقتة ..!
المرحلون قسرا من العراقيين...
فقدوا أولادهم...
أموالهم صادرها النظام...
اسقطت عنهم الجنسية العراقية ...
سحبت منهم جميع وثائقهم القانونية...
ينتظرون حقهم في العودة للوطن واستعادة حقوقهم