ثوابت للشراكة العادلة بين العرب والكورد

الدكتور منذر الفضل
alfadhal@hotmail.com
Stockholm

يتعرض الشعب الكوردي في معظم اجزاء كوردستان وبخاصة في كوردستان العراق – منذ سقوط نظام البعث / صدام في العام الماضي – الى حملة أعلامية ظالمة وسلسلة من المزاعم والاكاذيب من قبل بعض العرب المتشبعة عقولهم بالفكر العنصري الضيق ومن فلول وبقايا النظام السابق والقوى المناهضة للديمقراطية ، بل وحتى من بعض دول الجوار التي لها اطماع توسعية مكشوفه في العراق وفي نفطه وخيراته عن طريق التدخل الفعلي في الشان الداخلي العراقي أو اطلاق التهديدات المستمرة بالتدخل في شؤون العراق عامة وكوردستان خاصة ، وكذلك بالاستعانة بعملائها المعروفين للعراقيين كافة للقيام بالمحاولات البائسة لزرع الشقاق والعداء والفرقة بين العرب والكورد وتخريب العلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين .

ولا يخفى على أحد الدور المشرف الذي لعبه الكورد من خلال قوات البيشمركة البطلة في تحرير العراق من الاستبداد والطغيان وفي محاربة الارهاب ، وكذلك الدور المشرف للقيادة الكوردية في الحرص على وحدة وسلامة الاراضي العراقية ونشر قيم التسامح والمصالحة الوطنية لتكريس قواعد السلام الاجتماعي في العراق وهو ما لمسناه بصدق قبل تحرير العراق وما بعد عمليات التحرير .

وليس هناك ادنى شك في أن هناك الكثير من العرب ومن القوميات الاخرى الحريصة على السلم والتعايش وتجاوز الماضي من أجل بناء العراق الجديد ، كما لا نشك في وطنية الشعب الكوردي واخلاصه وتفانيه وحرصه على بناء الديمقراطية والمجتمع المدني واحترام حقوق الانسان وتعزيز قواعد الاتحاد الاختياري والشراكة العادلة مع العرب في العراق الجديد وفي احترام حقوق كل القوميات واتباع الديانات والمذاهب والمعتقدات . فقد أكتسب الكورد خبرة جيدة طوال أكثر من 12 سنه من الادارة الذاتية رغم شحة الموارد وثأثيرات الحصار وعدم الاستقرار .

ونعتقد أن هناك ثوابت للشراكة العادلة بين الكورد والعرب يجب احترامها لغرض تفويت الفرصة على أعداء الشعبين (العربي والكوردي في العراق ) ، ومن أجل بناء قواعد العمل الديمقراطي في الدولة الاتحادية العراقية والاعتراف بالتعددية الحزبية واعتبار ان العراق هو وطن الجميع وفقا لقواعد الانصاف والمساواة بين كل القوميات واتباع الديانات ، ونأمل من الاخوة المثقفين العرب التعبير عن مواقفهم الصريحة في أحترام هذه الثوابت لتطوير الروابط المصيرية والاخوية بين الشعبين في العراق والتصدي بكل حزم ضد أية محاولة تخريبية تهدف الى تعكير صفو هذه العلاقات التاريخية ، وضد أية حملة ظالمة تسىء الى الشعب الكوردي وحقوقه التأريخية المشروعه التي ناضل من أجلها طويلا وقدم مئات الالاف من الشهداء من أجل الحرية .

ومن أهم هذه الثوابت التي نراها تسهم في ترسيخ أسس الشراكة الحقيقية بين الشعبين العربي والكوردي هي :

1. الاعتراف بحق الشعب الكوردي في تقرير مصيره من خلال مؤسساته الدستورية المتمثلة ببرلمانه المنتخب سواء أكان ذلك في البقاء ضمن عراق متحد كشريك مع الشعب العربي بشراكة عادلة وفقا للدستور والقانون وطبقا لقواعد الاتحاد الاختياري التعددي البرلماني ، أم في الاستقلال وتأسيس دولته المستقله اذا استحال العيش المشترك بين الشعب العربي والشعب الكوردي . فالشعب الكوردي له خصوصيته القومية ، وهو صاحب أرض وتاريخ وحضارة ، ولابد من ان تتحدد حدود أقليم كوردستان طبقا لقانون ادراة الدولة للمرحلة الانتقالية ( الدستور المؤقت ) ووفقا لقواعد الاتحاد الاختياري في شكل الدولة الفيدرالية وهي حدود لا تقوم على اساس عرقي او مذهبي او ديني و انما – حسب رأينا – على اساس تاريخي وجغرافي وقانوني . أذ أن من غير المنطقي أجبار الكورد على العيش مع العرب في وطن واحد والادعاء بوجود الشراكة العادلة ، ولكن في ذات الوقت يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية بحقوق منقوصه ، فقد ولى الى غير رجعة عهد الافكار العنصرية التي تؤمن بعلوية العنصر او العرق والغاء الآخر مع زوال الفكر النازي العروبي ( ثقافة البعث – صدام ) .
2. اعتماد مبادىء قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية كأساس لا يمكن التنازل عنه لصياغة الدستور الدائم للدولة الاتحادية العراقية ، حيث ان القانون المذكور وبالرغم من العديد من الاخطاء الشكلية والموضوعية الجوهرية التي تضمنتها نصوصه ، إلا انه يشكل الحد الادنى من ضمان الحقوق ، والركيزة الاساسية لمستقبل العراق الديمقراطي التعددي الاتحادي ، وهو يمثل الخط الاحمر الذي سيعرض العراق للخطر اذا حصل أي تراجع عن بنوده .
3. ولغرض تثبت العلاقات الاخوية بين الشعبين وحسب قواعد الشراكة العادلة لابد من الوقوف ضد أيه هجمة اعلامية ظالمه ضد الكورد مثل المزاعم الباطلة التي تدعي بوجود قوات أسرائيلية أو عملاء للموساد على أرض كوردستان للتجسس على دول الجوار والقيام باعمال تخريبية وتصفيات لشخصيات عراقية ، وغير ذلك من الاكاذيب والادعاءات الباطلة التي تصدر عن جهات اقليمية وداخلية معروفة للجميع ، غايتها الاساءة للكورد وعلاقتهم بأخوتهم العرب . إذ أن العديد من الاطراف الكوردية و المسؤولين العراقيين ودول الجوار عبروا بصراحة عن عدم صحة هذه المزاعم والاباطيل التي تناقلتها بعض وسائل الاعلام الباحثه عن الشهرة او التي تهدف الى غايات معروفة . ولا نود التذكير هنا بالعلاقات الرسمية وغير الرسمية العلنية منها والسرية التي تربط العديد من الدول العربية والاسلامية مع دولة اسرائيل ، ولم يسمع أحد بهذه الضجة الاعلامية ضد هذه الدول ، مع احترامنا لخصوصية موقف أية دولة في انشاء العلاقات التي تصب في مصلحة شعوبها مع من تشاء من الدول . ومن المزاعم الباطلة الاخرى التي روجت لها بعض الاطراف المغرضة المعروفه للعراقيين جميعا هي الادعاء بان قوات البيشمركة قد ساهمت في العمليات العسكرية مع قوات التحالف في النجف والفلوجة وسامراء ، أو المزاعم التي يطلقها البعض بين حين وأخر حول قيام الكورد بعمليات تكريد أو تطهير عرقي ضد العرب والتركمان والاشوريين في مدينة كركوك ومناطق أخرى ، وهذه أيضا تدخل ضمن حملات تخريب العلاقات العربية – الكوردية والتي يجب التصدي لها بكل حزم وقوة .
4. تعرض الكورد الفيلية الى ابشع الجرائم في التطهير العرقي وحملات الابادة ارتكبت ضدهم قبل وبعد توقيع اتفاقية اذار عام 1970 وقد غيب النظام الفاشي اكثر من 10 الاف منهم دون ذنب سوى انهم جزء من الشعب الكوردي وينتمون الى مذهب آل البيت ، ولأنهم من خيرة الناس سمعة ونجاحا في العمل التجاري وفي الوسط الاجتماعي وممن رفض السياسة الفاشية للبعث بكل قوة ، ولهذا نرى وجوب اعتبار مظلومية الكورد عموما والكورد الفيليين بشكل خاص وما تعرضوا له من جرائم القتل وابادة الجنس البشري والتعريب والترحيل والصهر القومي والتسفير في مقدمة التهم الموجهة ضد الطاغية صدام وأركان نظامه عند اجراء المحاكمة .
5. العمل على ازالة كل اثار التعريب والصهر القومي والترحيل القسري ، وتعويض المتضررين وتسهيل عودة المرحلين الى مناطقهم بكل شفافية وحرص أخوي ، منعا للاشكاليات ، ولغرض ازالة آثار التوتر وبخاصة في كركوك والمدن الكوردستانية الاخرى وضرورة تعويض الكورد المتضررين من ضحايا النظام الدكتاتوري في حلبجة والانفال وقلعه دزه وباليسان وكرميان وغيرها من مناطق كوردستان ، والكشف عن مصير مئات الالاف من الكورد المفقودين ومنهم ضحايا الأنفال والبارزانيين والكورد الفيليين وازالة ملايين الالغام من أرض كوردستان بتخصيص ميزانية خاصة لهذا الغرض .
6. ومن أجل ترسيخ الثوابت الصحيحة للشراكة العادلة لابد من القيام بتسخير كل الجهود والاقلام والامكانات المتاحة من المثقفين العرب في سبيل توضيح حقيقة ما جرى من جرائم دولية ارتكبت ضد الكورد من الحكومات السابقة وبخاصة تلك التي ارتكبت في عهد البعث – صدام والأجهزة القمعية الامنية والعسكرية ، والتمييز بين هذه المجموعة العنصرية وبين الشعب العربي المسالم الذي لا يقبل بهذا السلوك الاجرامي ضد الاشقاء الكورد ، والعمل من أجل أن لا تتكرر مثل هذه الجرائم والمآسي في المستقبل .
7. يقتضي الواجب ايضا دعم وتأييد حق الكورد في تولي المناصب السيادية في الحكومة الفيدرالية في بغداد ودون أي تمييز ، مثل منصب رئيس الدولة ومنصب رئيس الوزراء ، إذ لا يوجد نص دستوري أو قانوني يحصر هذه المناصب بالعراقيين من العرب السنه أو الشيعة ، ولأن قواعد العدالة والتداول السلمي للسلطة توجب تولي الشخص الكفوء والمناسب للمناصب السيادية أو غير السيادية دون النظر الى قوميته أو دينه أو مذهبه أو لونه أو منطقته أو عشيرته ما دامت الشروط الاساسية متوافرة فيه ويؤمن ببناء الديمقراطية والفيدرالية والتعددية والشراكة العادلة . ونحن نعتقد ان العراقي الكفوء أيا كانت قوميته أو دينه او مذهبه ، عربي كان أو كوردي أو تركماني أو كلدو – اشوري يمكن أن يتولى المناصب السيادية وفقا لهذه الأسس ، ولا يصح حصرها بقومية معينة أو مذهب معين ، لأن لبننة العراق ستؤدي الى مخاطر كبيرة على مستقبل الاجيال .
8. لابد من اعتبار حزب البعث العربي الاشتركي حزبا متطرفا من الناحية القومية ، لانه يؤمن بالعنف السياسي ( الارهاب ) ومنع أية فرصه له للعودة للحياة السياسية ، وحظر قبوله ضمن الخارطة السياسية في العراق الجديد ، واعتباره كالحزب النازي في أوربا لأنه هو الذي تسبب في جميع الكوارث التي لحقت بالكورد والعرب والعراقيين كافة .
9. الايمان بقيم التسامح والمصالحة الوطنية ضمن شروطها القانونية ، وبعد محاسبة المتهمين بالجرائم الدولية أمام القضاء المختص . 10. اعتبار كركوك مدينة التعايش والتآخي والتسامح بين كل القوميات وأتباع الديانات والمذاهب ، وانها تقع ضمن حدود اقليم كوردستان تاريخيا وجغرافيا وقانونيا ، ويجب اعادة الحدود الادارية لهذه المدينة الى ما كانت عليه عام 1968 – أي قبل توقيع اتفاقية اذار عام
1970 – ومعالجة الاوضاع وفقا للقانون و مبدأ حسن النية قبل ان تتفاقم هذه المشكلة وتؤثر على استقرار كامل البلاد .
11. الوقوف بحزم ضد كل المحاولات التي تسىء للاخوة العربية – الكوردية التي تقوم بها بعض الاقلام الصفراء وغير المسؤولة والمدعومة ماليا ومعنويا من دول مجاورة لا يسرها بناء الديمقراطية والاتحاد الاختياري وحكم القانون في العراق ، وضرورة العمل على مقاطعة ومحاسبة المواقع الالكترونية على الانتريت التي تشجع وتروج لهذه الأفكار العنصرية البغيضة ضد الشعب الكوردي وصارت تسىء للاخوة العربية – الكوردية .
12. العمل على ازالة الغبن و التعتيم والتجهيل الذي مارسته الانظمة الدكتاتورية السابقة بحق الكورد وتأريخهم ، والتوعية بدورهم في بناء العراق الحديث ، و بأن الكورد هم جزء من الامة الكوردية التي لها حركة تحررية ذات تأريخ طويل ، يعود الى ما قبل تأسيس الدولة العراقية، وضرورة التعريف بتجربتهم الديمقراطية في ادارتهم لشؤونهم على أرض كوردستان خلال أكثر من عقد من الزمن .
13. توطيد أواصر الاخوة العربية – الكوردية من خلال قنوات الحوار العربي – الكوردي ترسيخا للاعتراف بالاخر والقبول به ، والتعايش على أسس المحبة والتسامح والاعتدال والوسطية وبسط ثقافة حقوق الانسان .

السويد في
27 تموز 2004