ضرورة تمثيل الكرد الفيلية في المؤتمر الوطني العراقي المنتظر

زهير عبد الملك
موسوعة صوت العراق،
17/7/2004

من المعتزم عقد مؤتمر وطني عراقي في نهاية تموز/يوليو الجاري،يشارك فيه ممثلو الأحزاب والمنظمات والشخصيات السياسية، بما يعكس الحالة العراقية من خلال إتاحة الفرصة لحضور ممثلي الشرائح الاجتماعية التي يتكون منها المجتمع العراقي . وحددت اللجنة العليا للمؤتمر أرقاما لعدد ممثلي كل جهة من الجهات الراغبة في المشاركة في المؤتمر المشار إليه.
والفيليون شريحة واسعة من شرائح المجتمع العراقي، وهم كرد عراقيون بامتياز، استوطنوا تاريخيا مناطق تقع خارج الحدود الإثنية لكردستان العراق، وتفاعلوا مع بيئتها وسكانها من العرب ومن قوميات أخرى، وتبلورت لديهم مشاعر وطنية من الولاء للأمة العراقية متعددة القوميات بما لا ينكرها عليهم أحد من أهل العراق الشرفاء.كما أن تاريخهم في العراق الحديث حافل بالنضال من أجل تحريره وبناء دولته الديمقراطية .

ظلت الدولة العراقية التي انهارت بسقوط نظام الطاغية تتجاهل في سياساتها الداخلية حقائق أساسية يستند إليها الكيان السياسي العراقي، بعد أن أنشأته بريطانيا في المنطقة الممتدة بين شمال وجنوب بلاد ما بين النهرين، وعلى رأسها أن الشعب العراقي خليط من قومييتين رئيسيتين متميزتين إلى جانب قوميات أخرى ذات حضارات ولغات عدة وأديان وعقائد متنوعة. وقد تنازعت عليه الإمبراطوريتان الفارسية والعثمانية قرونا طويلة، وتبادلتا التحكم بمصيره مرات عديدة حتى انتهى به المطاف إلى الوقوع فريسة لأطماع الترك العثمانيين، في القرون الأخيرة التي سبقت انهيار الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.
بل أن الدولة العراقية تنكرت في جميع مراحلها تطورها لواقع الحال في عموم العراق قبل تأسيس الدولة العراقية عام
1921 وصدور أول قانون للجنسية العراقية عام 1924. أي أن معظم سكان الدولة العراقية المنشأة حديثا كانوا قبل تأسيسها إما من التبعية العثمانية أو الإيرانية أو من تبعيات أخرى غيرهما.
بيد أن الدولة العراقية أقرت بعراقية الكرد من أبناء كردستان الجنوبية أو ما يسمى "شمال العراق"، ولم تجرأ على التشكيك بذلك مطلقا في جميع مراحل تطور النظام السياسي العراقي منذ نشأته في عشرينات القرن الماضي حتى تحوله تدريجيا إلى نمط يفوق أبشع النظم الدكتاتورية التي شهدتها شعوب العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
والعلة في ذلك أن السياسيين العراقيين ذوي النزعة العروبية الرجعية الذين أسسوا الدولة العراقية إنما وجدوا في اتفاق الدول الاستعمارية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى على تقسيم كردستان وإلحاق جزأها الجنوبي بالدولة العراقية هدية سخية من البريطانيين لتعزيز اقتصاد الدولة الوليدة بثروات كردستان الزراعية والنفطية الواعدة .وعلى هذا الأساس أبرمت الدولة العراقية عهودا ومواثيق دولية تقر بعراقية أبناء كردستان الجنوبية وتحترم حقوقهم القومية والثقافية. وظهرت آنذاك لأول مرة في التاريخ مقولتا: شعبنا في الشمال وشمالنا الحبيب .
لكن الدولة العراقية لم تتخذ في أي من العهدين الملكي والجمهوري الاستبدادي قرارا حاسما في مسألة عراقية الكرد الفيليين ، وإنما عمدت عن سبق إصرار منذ البداية إلى التنكيل بهم أفرادا وجماعات كلما سنحت الفرصة لذلك.كما استخدمت الورقة الفيلية في التخلص من معارضيها السياسيين بتهمة الولاء لجهات أجنبية . وتكشف عمليات تهجير مئات الألوف من الكرد الفيليين بذريعة التبعية الإيرانية هذه الحقيقة بوضوح إذ أنها شملت إلى جانب الكرد الفيليين مجموعات عديدة من العرب الشيعة،وأفرادا من مختلف المذاهب العراقية الأخرى، بما في ذلك عدد من الآشوريين وغيرهم من المسيحيين.

لقد فرز المجتمع الفيلي في العراق منذ منتصف القرن الماضي نخبة واسعة من المثقفين والمتخصصين الفيلية في مختلف مجالات الحياة العلمية والأدبية والسياسية في الداخل والخارج . وهذه النخبة هي التي تتلمس اليوم عن كثب مآسي ومعاناة الكرد الفيليين ، كما تدرك حقيقة أن كفاح الفيلية من أجل ضمان حقوقهم وحقهم في المواطنة لا ينفصل عن كفاح الشعب العراقي والشعب الكردي في سائر أرجاء كردستان.
وقد تعلم الفيليون من معاناتهم الطويلة في العراق درسا فريدا في قسوته وبثمن باهظ من شقاء أسرهم ودموع أطفالهم ولوعة الحب لوطنهم وتشريدهم،أن يعملوا بكل طاقاتهم من أجل بناء نظام سياسي تعددي فيدرالي في العراق تكون فيه الدكتاتورية والنظم الشمولية الحزبية والفردية محرمة بقرار من الشعب العراقي وتستمد فيه الدولة العراقية قوامها وسياساتها من واقع المجتمع العراقي متعدد القوميات والثقافات والأديان والمعتقدات .
ومن الجدير أن تضم اللجنة العليا للمؤتمر التحضيري الوطني العراقي ممثلين عن الكرد الفيليين وتتيح لممثليهم في بغداد والمدن والمراكز الحضرية والريفية في جنوب البلاد المشاركة في عضوية المؤتمر وفق النسب المحددة لتمثيل العراقيين.وبذلك يكون قد بادر ممثلو الشعب العراقي من مختلف الاتجاهات السياسية والتكوينات الدينية والثقافية إلى الاعتراف للفيليين بعراقيتهم الصميمة تمهيدا لإنصافهم من الظلم الذي لحق بهم ومنحهم جنسيتهم العراقية وتعويضهم في أموالهم وممتلكاتهم.
من المؤكد أن يكون الفيليون قد نسوا، في غمرة فرحهم بتحرير العراق في نيسان /أبريل
2003، العذاب الذي تكبدوه جراء سياسات الحكومات العراقية البائدة ، لكن من الصعوبة بمكان أن ينسوا تلك الجروح العميقة التي أصابت قلوبهم جراء اعتبارهم غرباء عن وطنهم العراقي، وتنكر السلطة الحاكمة لتاريخهم المشرف في بناء العراق وتحريره وعملهم الدؤوب من أجل صيانة مكاسب الشعب العراقي وحقوقه في الحرية والديمقراطية والسلم الاجتماعي والازدهار الاقتصادي.
فهل ستتيح اللجنة العليا للمؤتمر الوطني العراقي فرصة للاستماع إلى صوت أصيل من أصوات أبناء الرافدين الأقحاح.