أحتكار حق المواطنة .. و تكرار المأساة

مصطفى القرة داغي
karadachi@hotmail.com
صحيفة الرافدين الالكترونية، 28/3/2004

على حد علمي البسيط و المتواضع بالديمقراطية فأنه ليس من الديمقراطية في شيء في بلد يراد له أن يكون ديمقراطياً بل و قبلة للديمقراطية في الشرق الأوسط جعل المناصب الحكومية لا بل و حقوق المواطنة فيه حكراً على قومية معينة أو دين معين لكون أبناء هذه القومية أو ذلك الدين بمثلون الغالبية في ذلك البلد ..
فكون أصحاب هذا الدين أو تلك القومية أغلبية في بلد ما لا يعني أن يقوموا بمسخ و تغييب بل و ألغاء باقي مكونات المجتمع في ذلك البلد أو أن يفرضوا عليهم تعاليم دينهم و أبجديات قوميتهم و يجبروهم على العمل بها .

لذلك فمن المضحك ما نسمعه في هذه الأيام من تصريحات للبعض يرفضون فيها قانون أدارة الدولة العراقية للمرحلة الأنتقالية أو ( الدستور المؤقت ) كونه يعيد حقوق المواطنة و الجنسية العراقية لواحدة من أقدم السلالات البشرية في بلاد ما بين النهرين خوفاً من توليهم مناصب عليا في العراق الجديد بعد أن نزعت عنها قبل أكثر من نصف قرن لأسباب فرضتها ظروف سياسية معينة آنذاك ... و السؤال هنا لماذا مثل هذا الطرح ؟ .. أليس هؤلاء بعراقيين و كل الشواهد و القرائن و البراهين تثبت ذلك ! ... و هل أن أصحاب هذا الطرح المرفوض أكثر عراقية منهم ؟ .. أم أنها مزايدات لدغدغة مشاعر الشارع العراقي المُضَلّل و المهيأ أصلاً بفضل التثقيف الأعلامي لنظام بطل التحرير القومي لتقبل مثل هذا الطرح ؟ .. أم أنهم لا يروقون لفكر معين يريد أن يهيمن على مقدرات البلاد كما فعل ذلك من قبل الفكر الصدامي الفاشي الذي نزع الجنسية عن كل من كان لا يروق له و لفكره الشوفيني المقيت ؟ ..

أسئلة تحتاج الى أجابات سريعة و واضحة قبل وضع اللبنة الأولى لبناء العراق الجديد .

كما أن من المؤسف ما نقرأه أحياناً من كتابات لبعض الأخوة العراقيين و بعضهم من أصحاب العلم و من الضالعين في القانون ينتقدون فيها الدستور المؤقت كونه يسمح بفكرة تعدد الجنسية المعمول بها في أغلب دول العالم المتمدن بأعتبار أن الشخص الذي يملك جنسيتين أو أكثر يكون له برأي هؤلاء الأخوة ولائين أو أكثر و بالتالي فأما أن يتنازل عن جنسيته التي أكتسبها من دولة أجنبية ليسمح له أن يمارس حياته بشكل طبيعي في بلده الأم و يُقرّ له بعراقيته و حبه و ولائه للعراق أو أن يُحرَم في حال أبقائه عليها من المشاركة في أي فعالية سياسية و أجتماعية في العراق كونه مزدوج الجنسية و الولاء بنظر هؤلاء .. أي بمعنى آخر .. أما أن تكون ناكراً لجميل الدولة التي آوتك و أحتضنتك و منحتك جنسيتها يوم تخلى عنك من يسمون أنفسهم بالأخوة ! و الأشقاء ! و ترمي بجنسيتها في سلة المهملات كونك ستستعيد جنسيتك العراقية أو أن ترضى في حال كنت وفياً لمن أحسن أليك أن تُعامل أنت و أولادك و أحفاد أحفادك في العراق الجديد كضيوف على العراق لا كعراقيين أصلاء لهم حقوق العراقي و عليهم ما عليه من واجبات كما كان الحال في زمن الطاغية صدام و كأن شيئاً لم يكن .

و يبدوا أن هؤلاء الأخوة قد فاتهم بأن هنالك ما بين 3 الى 4 ملايين عراقي أضطرّهم نظام صدام الديكتاتوري الى الخروج من العراق و طلب الأمان في أرض الله الواسعة و بالذات في أرض الله التي يسكنها أناس من عالم آخر يختلفون عنهم في الدين و القومية فتحوا لهم صدورهم و بلدانهم في الوقت الذي أوصد فيه الأخوة ! و الأشقاء ! الأبواب و الحدود في وجوههم بل أن أجهزة مخابرات بعض الأشقاء ! كانت تلاحق العراقيين في بلدانها من حي الى حي و من شارع الى شارع لغرض الأمساك بهم و تسفيرهم أو أعادتهم الى نظام صدام لتضاف عظامهم الى عظام أهلهم و أحبتهم التي أحتضنتها مقابره الجماعية و التي لم يخل منها شبر من أرض العراق .. فهل يخشى أصحاب هذا الطرح الغريب من تطابق آراء هؤلاء العراقيين مع آراء دولهم الجديدة في بعض الأمور ( مما قد لا يتفق مع النظرة العربية العامة لقضايا الأمة المصيرية ) في حال توليهم مناصب عليا و مواقع حساسة في عراق المستقبل ؟ .. و هنالك سؤال أخير أود طرحه على الرافضين لفكرة أزدواج الجنسية و هو ... ما العمل في حال رَفَضَ هؤلاء العراقيين أو لنقل عراقيوا الخارج التخلي عن جنسياتهم الجديدة ؟ .. هل سنحرم 4 ملايين عراقي تعقد على أغلبهم الآمال في بناء العراق الجديد ( مع الأحترام و التقدير لمن في الداخل ) من المشاركة في بناء بلدهم خصوصاً و أن أغلب هؤلاء قد عاش في ظل أنظمة ديمقراطية و تعلم أحترام الرأي الآخر و تقبل الفكر المخالف على عكس من هم في الداخل ممن عاشوا العقود الماضية في ظل نظام ديكتاتوري يحاسب على الهمس و يعتبر الرأي الآخر و الفكر المخالف جريمة و خيانة يعاقب عليها القانون مما أنتج مجتمعاً شمولياً مصاباً بمجموعة من الأمراض يحتاج الى وقت طويل ليتعافى منها .

لذا فمن الضروري عقد مؤتمر عام لممثلي جميع أطياف العراق و قواه السياسية لحسم هذا الموضوع الذي يعتبر من الأمور الخطيرة أن لم يكن أخطرها في هذه المرحلة التي تشهد بناء العراق الجديد و على أصحاب الطرح الأول ممن يرفضون أعادة الجنسية العراقية لمن أسقطت عنهم أن أستطاعوا ( و لن يستطيعوا ) أن يقدموا في مثل هذا المؤتمر الأدلة و البراهين التي تثبت كون العراق وطنهم هم فقط دون الآخرين و بالتالي فحق المواطنة فيه من حقهم هم فقط دون الآخرين من العراقيين الأصلاء أو فليصمتوا لأن العودة الى التأريخ لن تكون في صالحهم .. و ألا فنحن أمام تكرار لحوادث مخجلة في تأريخ العراق بدئاً بمأساة فرهود اليهود في الخمسينات مروراً بمأساة الكرد الفيلية و ذوي التبعية الأيرانية في الثمانينات و ما رافقهما من سلب و نهب و أهانة و أغتصاب للأعراض و صولاً لما قد يخبأه لنا المستقبل من مآسي ممكنة الحدوث في حال تمكين أصحاب هذا الطرح من السيطرة على الأوضاع و التحكم في مقدرات البلد و مصير أبنائه خصوصاً بعد ظهور بعض المؤشرات التي تدل على نجاح أمثال هؤلاء في أيصال طرحهم هذا الى عوام الشارع العراقي في بعض المحافظات كبغداد و البصرة و التي طبعاً ما خفي منها كان أعظم .