الإرهاب الدموي و نشوة القتل في العراق و باكستان!
د . عدنان جواد الطعمة
10 محرم 1425 هـ
3 / 3 / 2004 م
يحتفل المسلمون كل عام في بقاع العالم بمراسيم عاشوراء إحتفاءا بذكرى إستشهاد سيد شباب أهل الجنة و حبيب سيدنا محمد صلى الله عليه و على آله و
صحبه و سلم ، الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام في العاشر من شهر محرم عام 61 هـ و حتى اليوم .
وقد حاول الطغاة و الحكام على مر العصور منع و إزالة مراسيم الإحتفال و العزاء بهذا المصاب الجلل و قتل محبي أهل البيت ، فلم يفلحوا، لأن إستشهاد الإمام
الحسين (ع ) و أهله و أصحابه كان الجذوة الوقادة الإسلامية الخالدة لإمتداد ثورة نبينا محمد (ص ) الرسالية السماوية الإصلاحية ضد البغي و الفساد و
الطغيان و الإستبداد و القهر و الحرمان .
حاولت الحكومات السابقة في العراق منذ الثامن من شباط عام 1963 قمع المسلمين و منعهم من إداء هذه المراسيم و التعزيات و الإحتفال بمناسبة ذكرى
عاشوراء في شهر محرم و أربعين الإمام الحسين في شهر صفر، حيث قتل المئات بالمدافع و الرشاشات أثناء هذه الإحتفالات ، أذكر منها إحدى المجازر
التي حدثت بالقرب من كربلاء ، عندما أمر المقبوران أحمد حسن البكر و صدام حسين عندما كان نائبا للبكر إطلاق الرصاص و المدفعية على زوار الحسين
عليه السلام الوافدين من النجف الأشرف .
و بعد سقوط النظام الفاشي في التاسع من نيسان المبارك عام 2003 بدأ الدم الحسيني يسيل و يتدفق في عروق المسلمين الذين منعوا من أداء مراسيم
عاشوراء منذ عام 1963 . و عاد الشعب العراقي و المسلمون يلملمون جراحهم و يرتبون طقوسهم و يستعدون لأول مرة بعد ذلك الحرمان و الإضطهاد ، من
تأهيل أنفسهم و توفير كافة الإمكانات المتاحة بعد الخراب و الدمار اللذين لحقا بالبنى التحتية في مدن العتبات المقدسة في النجف الأشرف و كربلاء المقدسة و
الكاظمية و بغداد و غيرها للإحتفال بأيام عاشوراء . أخذت آلاف بل و ملايين الزوار من كل حدب و صوب تتدفق إلى مدينتي كربلاء الحزينة و باقي المدن
الأخرى .
و قد شاهدنا إقامة العزاء و الإحتفالات بهذه المناسبة الأليمة في البلدان العربية و الإسلامية و الأوروبية و غيرها من خلال فضائيات و محطات التلفزة في
العالم .
إذن هذه الإحتفالات و التعزيات و الحسينيات هي من صلب طقوس المسلمين المحبين للنبي ( ص ) ولأهل البيت عليهم السلام .
لكن أعداء العراق و العراقيين الذين تسللوا عبر الحدود المفتوحة قبيل و بعيد سقوط النظام البائد لم يرغبوا بأن يتمتع شعبنا العراقي الكريم بعربه و أكراده و
تركمانه و مسيحيه و غيرهم من القوميات و الطوائف و المذاهب ، بحرياته وممارسة مقدساته و طقوسه .
فبدأت التنظيمات الإرهابية و الحركات الأصولية المتطرفة المجرمة بشن حملات إرهابية و القيام بعمليات تفجير و مجازر بشعة ضد قوات التحالف و
المنظمات الإنسانية الدولية كمنظمة الصليب الأحمر الدولية و ممثلية هيئة الأمم المتحدة في بغداد و في النجف الأشرف و الحلة و الإسكندرية و بغداد و الفلوجة
و بعقوبة وكركوك و أربيل و الموصل و غيرها من المدن العراقية بذرائع شتى كمحاربة الإحتلال و محاولة إعادة النظام السابق البغيض و عرقلة استلام
السلطة و السيادة العراقية من قبل مجلس الحكم العراقي أو الحكومة العراقية الإنتقالية في 30 من حزيران القادم .
و بعد مجزرتي أربيل كردستان العراق في اليوم الأول من أعياد عيد الأضحى المبارك الذي صادف في اليوم الأول من شهر شباط ـ فبراير الماضي و بعدهما
في الفلوجة و الإسكندرية و بغداد ، نشرت صحيفة الشرق الأوسط وثيقة المجرم الزرقاوي بتاريخ 10 شباط ـ فبرايل 2004 و نشرت صحيفة الحياة الوثيقة
بصورة مفصلة بتاريخ 12 شباط ـ فبراير 2004 إتضح الأمر للشعب العراقي و الشعب العربي بأن تنظيم القاعدة الذي يمثله الزرقاوي و باعترافه كان من
وراء تلك التفجيرات و التفجيرات التي ستليها . وقد ذكر الزرقاوي بأنه يسعى إلى إثارة الفتنة الطائفية بين الإخوة الشيعة و السنة و بين الأكراد و العرب و
التركمان و الأكراد .
و على إثر ذلك كتب المحللون و الكتاب العراقيون الحريصون على أمن و وحدة العراق عدة مقالات بشأن توعية الشعب العراقي و تحذير السادة أعضاء
مجلس الحكم العراقي الإنتقالي و بقية الوزراء و المسؤولين العراقيين من رجال الشرطة و الأمن و المخابرات و الجيش للحيطة و الحذر لضبط حدود العراق
المتاخمة للأردن و تركيا و إيران و سوريا و السعودية و الكويت لإتخاذ الترتيبات اللازمة لمكافحة هؤلاء القتلة المجرمين و إحالتهم للقضاء العراقي أو طردهم
من العراق .
و قد حذرنا نحن أيضا في عدة مقالات لإستلام ملف الأمن العراقي من قوات التحالف و الإحتلال دون جدوى .
أما المجازر الدموية البشعة التي حدثت هذا اليوم في كربلاء و الكاظمية و النجف الأشرف و بغداد كان يمكن تجنبها حسب رأينا ، لو قامت المرجعية الدينية
الموقرة في النجف الأشرف و كربلاء المقدسة و الكاظمية بالتنسيق مع رجال الشرطة و المخابرات و الدفاع المدني و قوات التحالف و الإحتلال بتشديد مركز
على تفتيش الأشخاص و السيارات و البيوت و الفنادق و السطوح و كذلك البساتين القريبة من العتبات المقدسة من جهة و تقليص عدد الزائرين إلى هذه المدن
ريثما تتوفر إمكانيات حفظ الأمن و المستشفيات و المعالجات الصحية أو عند إستلام العراقيين ملف الأمن الداخلى و السيادة و السلطة العراقية.
إذ ليس من الإنصاف توجيه اللوم فقط على قوات الإحتلال ، و قد شاهدنا عندما وصلت قوات الإحتلال إلى الكاظمية لتقديم المساعدات الطبية قام الزائرون
برميهم بالحجارة الأمر الذي كاد أن يسبب قتل المئات من العراقيين .
نحن نعلم و يعلم الجميع في العالم بأن قوات الإحتلال هي المسؤولة الوحيدة عن حفظ أمن العراقيين و العراق ، كما ورد في قرار هيئة الأمم المتحدة رقم 1500
، لكن ذلك لا يعني ان المرجعية الدينية العراقية و مجلس الحكم العراقي الإنتقالي و نحن كل العراقيين جميعا ، غيرمسؤولين تجاه أمن شعبنا العراقي و وطننا
العراق .
و قبل فترة قد قرأت مقالة لأحد الإخوة العراقيين أظن كاتبها الأخ علي الأكوازي الذي وجه نداءه فيها إلى سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني
دام ظله ، طالبا تأجيل الإحتفالات بفاجعة عاشوراء إلى ما بعد استلام ملف الأمن الداخلي و السلطة و السيادة العراقية و توفير رجال الأمن و الشرطة العراقية
الكافية و قطعات من الجيش العراقي .
بالإضافة إلى ذلك فإن كثافة الزائرين المحبين لأهل البيت كانت و لا تزال فوق أو بتعبير آخر تزيد عن طاقات و إمكانيات كربلاء و النجف و الكاظمية ، فمن
السهل أن يرمي المجرمون رمانة واحدة تقتل العشرات بل المئات من هذه الحشود الكبيرة .
ألقت الشرطة العراقية على عدد كبير من المجرمين و الإرهابيين الذين قاموا بعمليات التفجير في النجف الأشرف و بغداد و كربلاء و الفلوجة و الإسكندرية و
بعقوبة و الموصل و البصرة و كركوك و أربيل ، فلم نسمع نحن أو يسمع الشعب العراقي بأن أحدا منهم قد تمت محاكمته علنيا بالسجن أو بعقوبة أخرى لردع
المجرمين الآخرين ، لكي يطمئن شعبنا .
ما هي الإجراءات الأمنية التي تم اتخاذها ضد الإرهابيين و المرتزقة العرب من الفلسطينيين و الأردنيين و السعوديين و اليمنيين و غيرهم لحد الآن
؟
و ما هي الإجراءات الأخرى التي قامت بها قوات التحالف و الإحتلال و كذلك الشرطة العراقية ضد الحركات الأصولية المتطرفة التي ساهمت بقتل إخواننا
الأكراد و التركمان و العرب و غيرهم في كردستان و الفلوجة و الإسكندرية و بغداد و الحلة و غيرها ؟
إن المجازر التي حلت بإخواننا الأكراد في أربيل و في الفلوجة و الإسكندرية و النجف الأشرف و بغداد ( ممثلية هيئة الأمم المتحدة و السفارة الأردنية و
مراكز الشرطة الوطنية العراقية ) و اليوم في مرقد الإمام موسى الكاظم عليه السلام و في كربلاء المقدسة قرب مرقدي الإمامين الحسين و العباس عليهما
السلام ، حيث تناثرت رؤوس و أشلاء و أجسام و أيادي و أرجل الشهداء فامتزجت دماء شهداء كربلاء و الكاظمية و الإسكندرية و بعقوبة و بغداد و الفلوجة
و كركوك و أربيل و غيرها الزكية بدماء الإمام الحسين(ع ) و أهل البيت و أصحاب الحسين الطاهرة التي سالت في واقعة الطف بكربلاء .
منظر رهيب بشع تقشعر منه الأبدان و ترفضه كل القيم الإنسانية و الأديان السماوية ، شاهدنا أكواما من لحوم الشهداء المتناثرة هنا و هناك و سيول من دماء
الشهداء الطاهرة الزكية في كربلاء و الكاظمية و أربيل كردستان و الإسكندرية و الفلوجة و بغداد و بعقوبة وغيرها .
و السؤال يطرح نفسه لماذا هذا الإرهاب البشع ؟
بماذا يفكر القتلة المجرمون عند قيامهم بقتل الأطفال و النساء و الشيوخ والرجال المدنيين ؟
ما هي العقلية المتخلفة التي يحملها هؤلاء القتلة في رؤوسهم ؟
هل يمكن إعتبار المجرمين القتلة و من ورائهم بأنهم مسلمين ؟
و هل يمكن إعتبار قتلة الإخوة الباكستانيين الذين كان يؤدون مراسيم عزاء عاشوراء بشرا ؟
أي مذهب و دين يتبع هؤلاء المجرمون ؟
أثبتت هذه المجازر الوحشية على فشل و انعزال هؤلاء القتلة الفاسقين عن المجتمع الإسلامي المتحضر و المجتمعات الدولية . فلم و لن تستطيع هذه العقول
العفنة و التنظيمات الإرهابية المعروفة من إثارة الفتنة الطائفية و القومية في العراق ، لأن الشعب العراقي بعربه و أكراده و تركمانه و بقية القوميات و الأقليات
المتآخية المتحابة ، يرفض مثل هذه الأفكار الرجعية و الأعمال الهدامة والتفجيرات الإرهابية ضد المواطنين العراقيين في أعيادهم و تعزياتهم .
أسئلة كثيرة تشغل بال كل إنسان شريف يحمل ذرة من الرحمة الإنسانية بغض النظر عن دينه و مذهبه و قوميته .
لقد آلت علي الإتصالات الهاتفية من الأصدقاء الألمان من مدن ألمانية مختلفة يعربون فيها عن حزنهم و أسفهم على قتل وسفك دماء الزائرين و المحتفلين
بمراسيم عاشوراء .
نقول مرة أخرى لهؤلاء القتلة الذين ينتشون و يفرحون برؤية الدماء الزكية الطاهرة و أكوام اللحوم و الأشلاء البشرية المتناثرة في مواقع التفجيرات البشعة
.
ثكلتكم أمهاتكم أيها المجرمون ! الخزي و العار و لعنة الله عليكم إلى يوم القيامة يا قتلة !
عاش الشعب العراقي الكريم و الموت للقتلة المجرمين !
و ختاما نسأل العلي القدير أن يتغمد شهداء كربلاء و الكاظمية و أربيل و كل المدن العراقية برحمته الواسعة و يسكنهم في جنات النعيم بالقرب من سيدنا الإمام
الحسين عليه السلام و الشهداء الصالحين ، و يلهم عوائلهم و ذويهم الصبر و السلوان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ماربورغ ـ ألمانيا
adnan_al_toma@hotmail.com