مجلس الحكم يعذب الشهيدات ويعود بنا الى القرون الوسطى

بلقيس حميد حسن
رئيسة المنظمة العراقية للدفاع عن حقوق الإنسان في هولندا
14/1/2004

لقد توقعنا كل شيء في هذا الزمن المرعب، زمن الحروب والإرهاب ومصالح الدول الكبرى، توقعنا كل شيء من دهر يقف ضدنا لصالح أعداءنا ولصالح المنتفعين ومخربي القيم والمباديء، لكننا ماكنا لنتوقع من مجلس الحكم أن يصدر قراره رقم 137 ليلغي به قانون الأحوال الشخصية ويغتال مرة اخرى وببرودة أعصاب دماء الشهيدات اللواتي ضحين من أجله زمنا طويلا، ماتوقعنا أن مجلسا ضم أحزابا قدمت تضحيات جسيمة للوطن والشعب، وذاقت القهر والمنافي على يد الطاغية صدام لأكثر من ثلاثة عقود، أن يقدم على خطوة تعيد المجتمع العراقي الى الوراء قرونا.
إن قرار مجلس الحكم هذا يتنافى مع ما أقرته القوانين الدولية التي ضمنت حق المرأة في المساواة وتكافؤ الفرص أسوة بالرجل فكما جاء في المادة الثانية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الاعلان، دون تمييز، كالتمييز بسبب العنصر او اللون او الجنس او اللغة او الدين او الراي السياسي او أي راي اخر، او الاصل الوطني او الاجتماعي او الثروة او الميلاد او أي وضع اخر، دون اية تفرقة بين الرجال والنساء.
وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز اساسه الوضع السياسي او القانوني او الدولي لبلد او البقعة التي ينتمي اليها الفرد سواء كان هذا البلد او تلك البقعة مستقلا او تحت الوصاية او غير متمتع بالحكم الذاتي او كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود..
كما انا القرار 137 يتعارض مع الاتفاقية الخاصة بحقوق المرأة السياسية واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة والتي اعتمدتها الجمعية العامة للامم المتحدة العامة وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بقرارها 34/180 المؤرخ في 18 كانون الأول / ديسمبر 1979 تاريخ بدء النفاذ: 3 أيلول / سبتمبر 1981، طبقا لأحكام المادة 27. والتي تنص في مادتها الثانية على التالي:
تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتتفق على أن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء، سياسة تستهدف القضاء على التمييز ضد المرأة، وتحقيقاً لذلك تتعهد بالقيام بما يلى:
(أ ) إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى، إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن،وكفالة التحقيق العملى لهذا المبدأ من خلال التشريع وغيره من الوسائل المناسبة؛
(ب ) اتخاذ المناسب من التدابير، تشريعية وغير تشريعية، بما في ذلك ما يناسب من جزاءات،لحظر كل تمييز ضد المرأة؛
(ج) فرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل،وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى في البلد، من أى عمل تمييزي؛
(د) الامتناع عن مباشرة أى عمل تمييزى أو ممارسة تمييزية ضد المرأة،وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الإلتزام؛
(هـ) إتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أى شخص أو منظمة أو مؤسسة؛
(و) إتخاذ جميع التدابير المناسبة ، بما في ذلك التشريعى منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزاً ضد المرأة؛
(ز) إلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة؛

من هنا نتسائل بألم وصدمة
أهذه مكافأة المرأة العراقية التي احتملت ظروف الحروب والقهر والإعدامات بالجملة وضياع الأبناء بالمقابر الجماعية والحصارات والمنافي ؟
أهكذا يقاد الشعب العراقي الذي عانى الأمرين والذي خرج من ديكتاتور طاغية دمر كل شيء الى قهر احتلال وبغي ومهانة ؟
هل أن قانون الأحوال الشخصية هو الآن معضلة العراقيين؟ والذي يقف ضد بناء المؤسسات وعودة التيار الكهربائي واصلاح شبكات خطوط الهاتف وتنقية المياه، واصلاح المدارس واستتباب الأمن والأهم من ذلك إنهاء الإحتلال؟

أي المشاكل أولى بأن تـُحل ؟
وكيف سنثـق بمجلس يصادر أدنى مكتسباتنا التي حصلنا عليها بالكفاح والدماء؟
أين القوى التقدمية بمجلس الحكم ؟ أين الشخصيات التي أوعدت الشعب العراقي بحياة الحرية والتقدم إسوة بدول العالم المتحضر ؟
أين من وضع يده بيد الأمريكان الذين أوعدوه بقوانين تضمن حقوق الإنسان إسوة بقوانين دولتهم التي يدعون؟
هل أن مجلس الحكم يتمثل تجربة بعض الدول الإسلامية وكأنها الأفضل مع علمه حجم الجحيم الذي تعيش به هذه المجتمعات والخراب الداخلي الذي تعاني منه والزيف والفساد الذي يلفها ويمضي بها الى الإنهيار؟
أم هو الرغبة بإشعال فتيل جديد يأتي حتى على أبسط الحريات البشرية التي يتعثر بها الشعب العراقي وهو سائر بين القنابل والدبابات والخرائب؟
إن مجلس الحكم يعيد عجلة الزمن للوراء – مع سبق الإصرار والترصد – ويمد بعمر الإحتلال ويعطيه الذرائع للبقاء كما يدفع بقراراه هذا الى تقسيم العراق إذ هو لا ينسجم مع أديان وأعراف وطموحات كل أبناء العراق بفسيفساءه المتنوعة؟
إن من يعاضد مجلس الحكم بهذا القرار يخون الشعب العراقي وأبسط حقوقه ، و يخون إمه وأخته وابنته.
إن من يقف مع مجلس الحكم من الشخصيات التي تدعى التقدمية والدفاع عن حقوق الإنسان، يخون كل القيم والمباديء ودماء الشهيدات اللواتي هدرت من أجل حياة كريمة مستقرة على أساس حقوق مكفولة للأفراد بضمانات حضارية أرادتها كل المجتمعات البشرية بالعالم وناضلت من أجلها.

أيها الشعب العراقي برجاله ونساءه بعربه واكراده وأقلياته المتآخية ، بكل أديانه وطوائفه ، لقد فقدتم الكثير عبر سني القهر والإستبداد واليوم ،لابد وأن نقاوم معا قرار 137 بكل ما نستطيع فمجلس الحكم استغل الظروف المعيشية البائسةالتي وضعتكم بها ظروف الحرب وفلول النظام الساقط، ليسلبكم أبسط حقوقكم البشرية وإن صمتكم اليوم عن الغاء قانون الأحوال الشخصية يسلبكم غدا حقوقا أخرى.