هل سيصرون على رفض التغيير والتمسك بالنظم المتحجرة ؟

د. زهير عبد الملك
موسوعة صوت العراق، 9/1/2004

خطر هذا السؤال على ذهني بعدما قرأت تصريحات سيادة الرئيس بشار الأسد أثناء زيارته لتركيا من 6 إلى 9 يناير / كانون الثاني الجاري، بشأن معارضته إقامة دولة كردية في العراق مؤكدا على أن ذلك سيشكل انتهاكا " للخطوط الحمر" بالنسبة لسورية، فنالت تلك التصريحات استحسان الترك على نحو منقطع النظير.
لكن أغرب ما في هذه التصريحات كونها تعترض على أمر لم يطالب به أحد من الكرد حتى الآن، وأستثني من ذلك، للتاريخ فقط، سعي الكرد لإقامة دولة كردية على كامل التراب الكردستاني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حيث كانت فكرة كردستان الحرة تتمتع بشعبية واسعة في أوساط عدد كبير من الزعماء الأكراد والطلاب الشباب ولاسيما في العاصمة اسطنبول، وثار الكرد ثورات عديدة لبلوغ هذا الهدف القومي في تلك الحقبة من الزمن، وهي موثقة في دراسات عديدة منشورة، ومنها باللغة العربية. ولا أعتقد أن سيادته يقصد الاعتراض على كرد القرن التاسع عشر الذين كانوا يعملون فعلا على إنشاء دولة كردية مستقلة.
لكن للساسة لغة وللدبلوماسية لغة تختلفان عن لغة العامة من الناس. فالمقصود من معارضة الدولة الكردية معارضة الفيدرالية، والمقصود بالخطوط الحمر، ألا يسمح "لشعب الله المظلوم" أي الكرد بأي حق من حقوق الإنسان التي تحميها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، ولاسيما حقه المشروع في تقرير المصير. وفي مقابل ذلك يصر العراقيون جميعا على أن إنشاء دولة فيدرالية في العراق هدف إنما يتجاوز مصالح الكرد أنفسهم ليستجيب لمصالح الشعب العراقي ككل. ويبرر السيد الرئيس معارضته بالقول " أن تفكك العراق سيترك أثرا على جميع الدول المجاورة ، كما سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة. و هذا كلام سليم ومنطق معقول وحقيقة ثابتة. لكنها كلمة حق يراد بها باطل.
ذلك أن الوضع السياسي في كل من تركيا وسورية وإيران (المجاورة) سوف لن يتزعزع إن هي حذت حذو العراق، ونأت بسياساتها عن الإرهاب السياسي والطغيان واحتكمت لصناديق الاقتراع في وصولها إلى السلطة السياسية وإدارة مجتمعاتها وتحلت بالسمات الإنسانية في تعاملها مع شعوبها في عصر لم يعد للديكتاتورية وحكم الحزب الواحد مكان يذكر بين الأمم.
واعترفت بوجود الكرد على أراضيهم الواقعة بموجب التقسيم الاستعماري لكردستان ضمن حدودها الدولية : سورية لا تعترف بوجود الكرد في بلادها ( 1.6 مليون كردي، وتركيا اعترفت مؤخرا بوجود الكرد فيها (18.7 مليون نسمة من الكرد)، وإيران تعترف بوجود الكرد فيها (9 ملايين نسمة) (جميع الأرقام تقديرات عام 2000، حيث بلغ مجموع عدد الكرد بما في ذلك كرد العراق، وفقا لنفس هذه التقديرات، أكثر من 36 مليون نسمة) .
ولو تصورنا، السيد الرئيس، ما الذي كان سيحدث في العراق لو أن السياسيين العراقيين كانوا قد كشفوا في الوقت المناسب الإسفين الذي دقه المستعمرون في تركيبة الدولة العراقية، وأعادوا بناءها على أسس الاتحاد الاختياري بين الشعبين العربي والكردي وأقاموا نظام الحكم في البلاد على قواعد الديمقراطية السياسية والتعددية الحزبية والحياة البرلمانية الحرة، لوجدنا اليوم في هذا العراق نظاما سياسيا واقتصاديا قويا وصرحا من صروح الرخاء والسلم والاخوة القومية والوحدة الوطنية بين مكوناته القومية والمذهبية والثقافية والحضارية المتنوعة، ولما شهد العراق عقودا طويلة من القمع والإرهاب السياسي والدماء والمآسي والحروب، ولما سرقت ثرواته وبددت على امتداد عقود طويلة من السنين بلا طائل.
هذا ما يريده الكرد للعراق ومن العراق، وهو ما تريده غالبية الشعب العراقي لوطنها ومن أجله.
فالاعتراض على الفيدرالية يصبح محكوما في هذه الحالة بأمرين أحلاهما مر قاطع! : إما ألا يريد المعترضون للعراق خيرا، أو أنهم يصرون على مواصلة سياساتهم العدوانية ضد شعوبهم مهما كلف الأمر.