عن حُماة الامن

مرة اخرى تثير الجرائم الارهابية السؤال، المشروع، بصدد مسؤولية الحكومة عن بسط الامن في البلاد، وقدرتها على لجم عصابات وجيوب الجريمة، ويتكرر السؤال بصيغ عديدة ومختلفة، فيما تذهب معايير الحكم الفاشل الى حصر الفشل (اولا، وقبل كل شيء) في عجز الحكومة (اية حكومة) عن حماية ارواح المدنيين، ولايقلل من دقة هذا المعيار ما يعرفه الجميع من معلومات عن ايغال المشروع الارهابي في فنون التنكيل بالمدنيين، وسقوط شعارات الجهاد ضد الاحتلال في وحول معاقبة المواطن، لا المحتل.

تفجيرات الخميس وفواجع المئات من العائلات، وأسى الملايين التي تابعت صور الاشلاء والنواح والمرارات، كشفت من جانب آخر، ما هو اكثر فجاعة ومرارة وإمعانا في التهرب من المسؤولية، إذ ظهر "حماة الامن" في صورة من لايعنيه عمق المأساة التي ضربت البلاد، ولاتشغله النتائج المروعة التي حلت بالضحايا وعائلاتهم، فتواروا ساعة المحنة وراء مكاتبهم وحصونهم وسياراتهم المصفحة، يتلقون المعلومات من مراسلي الفضائيات، ثم قاموا، كما في كل مرة، باستعراض القوة الفارغة في الشوارع وحول مسرح المذبحة، واختتموا المسرحية بتصريحات هي اقرب الى الرطانة منها الى الخطاب الامني المسؤول.

اعرف مراسلا اتصل بمسؤول امني ليستفسر منه عن دوي انفجارات تهز بغداد فرد عليه المسؤول انه خارج الدوام ولايستطيع مساعدته، او التقصي عما يحدث، فرد عليه صاحبي بالقول ان المسؤولية الامنية ليست وظيفة. فقـُطع الاتصال.

بعض “حماة الامن” ظهروا على المسرح، وهم يتوعدون عصابات الجريمة التي انسحبت الى اوكارها، وغسلت خراطيم المياه آثار غارتها الاجرامية، ما يذكرنا بقصة “اشقياء الطرف” التي اوردها علي الوردي في محاورة مطولة له مع حميد المطبعي ونشرت في كتاب “على الوردي يدافع عن نفسه” يقول:

“اشتهر في بغداد في اواخر العهد العثماني رجل لايملك الصفات التي تؤهله لأن يكون شقيا ناجحا، انه كان قصيرا نحيفا تنقصه الشجاعة، غير انه كان مصرا على ادعائه الشقاوة والتظاهر بها، فكان يحمل مسدسين يشدهما الى جنبيه لكي يتباهى بهما في المقهى، او عند مروره في الازقة، فاذا سمع في الليل صراخا يدل على وجود لص في محلته ظل في بيته ساكنا لايتحرك، حتى إذا هرب اللص، او القي عليه القبض، خرج هو من بيته وقد شهر المسدسين بكلتا يديه يطلق منهما الرصاص، ويصرخ: “اين هو؟.. دلوني عليه”.

“اللهم انا نعوذ بك من التكلف لما لا نُحسن”.
الجاحظ

عبدالمنعم الاعسم
21/4/2012