القوات الخاصة الروسية في مهمة غير مشرفة

تحدثت الانباء عن وصول مجموعة من القوات الخاصة الروسية الى الاراضي السورية في مهمة لم تعرف تفاصيلها بعد. بعض الصحف الروسية اشارت الى ان مهمتها هي إجلاء الرعايا الروس عند الضرورة ، ولكن المراقبون الغربيون والمعارضة السورية يرون ان هذه القوات ارسلت الى سوريا بهدف قمع التحركات الاحتجاجية المناهضة لدكتاتورية البعث . والدليل الذي تورده هو

كون هذه القوات مخصصة أصلا لمكافحة )الارهاب( وهي على غير دراية بالمرة بعمليات الانقاذ

هذا الخبر اعاد ذاكرتي الى الوراء ، وبالتحديد إلى عام ١٩٩٢في أحد مستشفيات موسكو. كانت الساعة قد ناهزت الرابعة عصرا حين فقت ووجدت نفسي في ردهة واحدة مع شاب روسي مصاب في ظهره ، ولذلك لا يستطيع الحركة والتنقل في الغرفة ، وعملاق روسي وسيم بشوارب كثة تذكر المرء بشوارب ستالين . كان طوله لا يقل عن مترين

كانت سيارة مسرعة قد صدمتني وقت الظهر ولا اذكر كثيرا ما جرى بين نقلي في الاسعاف وحين فتحت عيني لارى اصحابي في الغرفة

مر اليوم الاول بشكل عادي وبدون ان نتحدث كثيرا. وفي اليوم الثاني إزدادت الالفة بيننا وخاصة بعد زيارة الاطباء وبعد ان عرف كل منا قصة الاخر٠ فالعملاق كان متقاعدا وتعرض الى متاعب في ظهره اثناء رحلة في الجبال. اما الشاب فقد اصيب بطلق ناري في منطقة بريدنينيستروفيه في مولدافيا.وعلما مني اني مترجم في وكالة تاس

لم تثر حكاية الشاب الروسي انتباهي غير ان العملاق انتبه الى اسم المنطقة التي اصيب الشاب فيها بالرصاص

كانت المشاكل القومية في الاتحاد السوفيتي قد بدأت تأخذ طابعا عنيفا في بعض الجمهوريات وخاصة تلك التي تعيش فيها اقليات روسية كبيرة، ورغم أن روسيا اعترفت باستقلال كل الجمهوريات السوفيتية السابقة الا ان الروس في هذه الجمهوريات كانوا يضعون العراقيل امام هذا الاستقلال، لا يريدون )ان يصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية في الجمهوريات القومية الجديدة(. ولعل سكان منطقة بريدنستروفيه كانوا الاكثر تمسكا من غيرهم بالبقاء ضمن الاتحاد الروسي . كانت هذه المنطقة مسكونة من قبل الروس على الاغلب وبنسبة تصل الى ٩٠٪ او اكثر. كان هناك قانون سوفيتي ينص على ان كل روسي يخدم في سيبيريا) حسب اختصاصه (لمدة عشر سنوات يعطى بعدها شقة مرفهة في الاماكن الدافئة من البلاد وبالاخص في جمهورية مولدافيا ذات الطقس المعتدل والزراعة الجيدة وخاصة الفواكه والخضروات ،وقد عشت وعملت في هذه المنطقة شهرين ساكتب عنها في مقالة لاحقة)

على حين غرة سأل العملاق صاحبنا الشاب:

لماذا انت في المستشفى هنا وليس في مدينتك في مولدافيا؟؟ -

قال الشاب بحذر وبغير رغبة:

انا لست من روس مولدافيا. انا من وحدة خاصة من الجيش الروسي ارسلت الى هناك لمحاربة المولدافيين٠-

وهنا انفجر صاحبنا العملاق الروسي في ضحكة مجلجلة، وقال:

ياللروعة انها اذن قواتنا الخاصة تخوض الحرب هناك وليس السكان المحليون ، أنا كنت حانقا جدا لانني كنت أظن ان حكومتنا نسيت أهالينا في مولدافيا .، جميل جدا .... كل صحف العالم وصحفنا تكتب عن الحرب بين المولدافيين والسكان المحليين الروس والحقيقة غير ذلك تماما...ها ها ها ياللروعة هذا يذكرني بشيء مشابه حدث لنا في الستينات لقد مرت فترة طويلة على الحادثة ولم تعد من الاسرار. هل سمعتم بالمعركة في جزيرة الخنازير في كوبا؟ . انا كنت من القوات الخاصة انذاك وقد ارسلتنا الحكومة السوفيتية على عجل الى كوبا لحماية نظام كاسترو . كنا ٤٠٠ رجل . و حين حدث الغزو ، قد قمنا بتحطيم القوات الغازية والقضاء عليها . هراء وادعاءات فارغة تلك التي يدعيها الكوبيون من انهم دحروا الغزاة . كانوا مشغولين فقط بالرقص وتسمين مؤخرات نسائهم وشرب الجعة ، نحن قمنا بالمهمة كلها، وحين بدأت المخابرات الامريكية تكتب وتبحث عنا اخفتنا السلطات الكوبية في عمق الغابات وعانينا من جراء ذلك الكثير٠ كنا منقطعين عن العالم تماما . الاكل قليل والبعوض يمنع عنا النوم ٠ كانت حالتنا مزرية، وبعد فترة غير قصيرة تقرر ترحيلنا ولكن على انفراد وبفترات متباعدة كي لاتكتشف المخابرات الامريكية أمرنا. وهكذا خرجنا من الادغال وعدنا الى الوطن بعد فترة طويلة. لقد قمنا بعمل بطولي ولكن غيرنا تمتع بثمار النصر

أذن هي ليست المرة الاولى التي تقوم بها القوات الخاصة الروسية بمثل هذه الاعمال، خاصة وان التلفزيون الروسي عرض قبل فترة من الزمن فلما وثائقيا اوضح بما لا يقبل الشك الدور الذي لعبته هذه القوات الخاصة في اسقاط النظام الملكي في افغانستان من خلال قوات خاصة من قوميات الطاجيك والاوزبيك والتركمان السوفيت لبست الملابس المحلية الافغانية، وكانت النتيجة هي ما نراه الان ، افغانستان صارت بؤرة المشاكل في العالم والاتحاد السوفيتي تهدم بسببها.


ليس من المؤكد ان القوات الخاصة هذه ستنجح في مهماتها على الدوام، ولكن الشيئ المؤكد ان ارسال القوات الروسية الخاصة الى سوريا لحماية عرش الاسد عمل غير مشرف وسيلاحق العار من اقدم على هذا العمل القذر، ومخطئ اشد الخطأ من يعتقد ان هيبة روسيا كدولة عظمى تعود من خلال الدعم القذر للانظمة القمعية واستخدام الفيتو ضد القرارات الاممية الرامية الى كف يد هذه الانظمة عن شعوبها

الخزي والعار للبعثيين القتلة ولحماتهم، وارادة الشعب السوري لا بد ستنتصر

مالك حسن علي
متابع للشؤون الروسية
23/3/2012