العراقية بثلاث فرق.. وأغلبها يرحب بالتعاون مع الحكومة

ترجمة: المدى، 3/3/2012

كينيث بولاك من مركز سابان التابع لمعهد بروكنك هو من المعلقين الأميركان المخضرمين فيما يتعلق بالشأن العراقي. في بداية شباط نشر مقالة بعنوان " الأزمة السياسية التي لا تنتهي في العراق"، و برغم صواب بعض النقاط التي ذكرها، فإنه يكرر المغالطات الشائعة لدى المحللين الغربيين .

إحدى هذه المغالطات هي الاعتقاد بان الكتلة الوطنية العراقية هي كيان موحد له وجهة نظر واحدة تتصدى لرئيس الوزراء نوري المالكي. المغالطة الأخرى هي النظر الى السياسة العراقية من خلال رؤية طائفية ، اي ان هناك حزبا يمثل شريحة معينة، الكتلة الوطنية العراقية التي يجب أن يكون لها مقعد في الحكومة لكي تكون بحق حكومة ديمقراطية عادلة . كلتا النقطتين لم تخضع للتمحيص و الفحص الدقيق .

جزء من مقالة بولاك يزعم بان الكتلة الوطنية العراقية تمثل جبهة موحدة في الأزمة السياسية الحالية مقابل رئيس الوزراء نوري المالكي الذي تعتقد الكتلة بأنه يتحول الى دكتاتور. كتب بولاك يقول ان قيادة الكتلة كانت موحدة خلال مقاطعتها لجلسات البرلمان و مجلس الوزراء ، و يفترض ان سبب ذلك هو نظرة جميع أعضاء الكتلة الى رئيس الوزراء على انه يتحول الى أوتوقراطي و تجب مواجهته. هذا الجزء من افتراض بولاك بعيد عن الواقع لعدة اسباب اولها هو ان الكتلة لها على الاقل ثلاثة مواقف متباينة فيما يتعلق بالمالكي: فزعيم القائمة اياد علاوي و وزير المالية رافع العيساوي يريدان استمرار المقاطعة لكلا المجلسين لحين الحصول على تنازلات من رئيس الوزراء، بينما نائب رئيس الكتلة صالح المطلك لا يمانع في إنهاء مقاطعة البرلمان لكنه يريد استمرار مقاطعة وزراء الكتلة لمجلس الوزراء لحين ان يتمكن من العودة الى وظيفته. في مقابلة بتاريخ 13 كانون الأول مع السي ان ان ، قال المطلك ان المالكي يتحول الى دكتاتور بعد قيامه باعتقال البعثيين، و كرر هذه الملاحظة عدة مرات في وسائل الإعلام العراقية. ردا على ذلك، دعا المالكي الى التصويت على سحب الثقة من المطلك و لم يسمح له بالعودة الى وظيفته كنائب لرئيس الوزراء منذ ذلك الوقت. أخيرا، أراد رئيس البرلمان اسامة النجيفي و جمال الكربولي –الذي يرأس كتلة الحل ضمن القائمة العراقية – ان تعود القائمة الى الحكومة و أكدا أنهما ليس لديهما مشكلة في العمل مع رئيس الوزراء. في الحقيقة أن النجيفي لم ينفذ المقاطعة و حضر كل جلسات البرلمان، كما استمر سبعة من وزراء القائمة بحضور جلسات مجلس الوزراء. ثم إن النجيفي و الكربولي امتنعا عن إطلاق لفظة الدكتاتور على المالكي كما أطلقها أعضاء آخرون من القائمة. معظم النزاعات بين المالكي من جهة و علاوي و المطلك من جهة أخرى تعود الى ما قبل الاجتياح الأميركي للبلاد عام 2003 عندما كان كل زعيم له موقف مختلف تجاه حكم صدام ، مما ادى الى فقدان الثقة بينهم و الكراهية الشخصية لبعضهم البعض و التي لم يشارك بها سياسيون آخرون. السبب في انهاء القائمة مقاطعتها البرلمان في نهاية كانون الثاني ثم مجلس الوزراء بعد ايام من ذلك، هو ان القائمة كادت ان تنقسم لو أنها لم تنه مقاطعتها لأنها كانت منقسمة داخليا بشكل كبير و غير فاعلة في تنفيذ إستراتيجيتها. إذن و بعكس وجهة نظر بولاك، فان القائمة العراقية لم تكن متماسكة، و انما مكونة من عدة اطراف متباينة كل منها تمتلك أجندة خاصة بها. هذه الجوانب من المواجهة الأخيرة تم إغفالها من قبل المحللين الاميركان من امثال بولاك، مما جعلهم يقرؤون الوضع بشكل غير صحيح و يفشلون في فهم سبب نجاح المالكي في مناورة القائمة العراقية .

عنصر آخر في مقالة بولاك هو وجهة نظره الطائفية بالسياسة العراقية. فحسب رأيه أن القائمة العراقية لها دور مهم تلعبه في الحكومة لأنها تمثل شريحة معينة و اذا لم تشارك فيها فان تلك الطائفة ستثور مما قد يؤدي الى حرب اهلية جديدة . هذا التفسير خاطئ أيضا من عدة جوانب. أولا أن السنة ليسوا مجموعة متجانسة، فهناك عدة أطراف مختلفة تمثلهم داخل الحكومة، منها الكتلة الوطنية العراقية مثل القائمة العراقية و جبهة الحوار الوطني، كما ان هناك قوائم أخرى ايضا مثل وحدة العراق و جبهة التوافق العراقية التي هي جزء من كتلة الوسط و العراقية البيضاء التي انفصلت عن القائمة العراقية بسبب رفضها موقف القائمة ضد رئيس الوزراء.

برغم قيام المالكي بإبعاد علاوي عن الحكومة و رغبته بالتخلص من المطلك و غيره اذا ما استطاع ذلك، فان هذا لا يعني خلو الحكومة من سياسيين آخرين من العراقية. فوزير الزراعة عز الدين الدولة هو من كتلة عراقيون، و وزير الاتصالات محمد علاوي هو من القائمة العراقية، و وزير التربية محمد تميم هو من جبهة الحوار ، و وزير الكهرباء عبدالكريم عفتان و وزير الصناعة احمد الكربولي هما من حركة الحل ، بينما وزير المالية رافع العيساوي يمثل تجمع المستقبل المستقل، و وزير العلوم و التكنولوجيا عبدالكريم السامرائي من حزب التجديد . اغلب هؤلاء الوزراء ليست لديهم مشكلة مع رئيس الوزراء الذي من جانبه يرغب بالعمل معهم. كل هذا التنوع غاب عن بولاك و غيره ممن يكتبون عن ان الكتلة الوطنية مع باقي الأقطاب السياسية التي تمثل مكونات المجتمع من اجل الحفاظ على التوازن العرقي الطائفي للعراق. فكل خطوة يقوم بها المالكي ضد الكتلة العراقية يعتبرونها طائفية و تهديدا لشريحة في الحكومة. ما غاب عن بولاك هو ان رئيس الوزراء لا يطارد هذه الشريحة بحد ذاتهم، و انما يسعى وراء افراد له معهم صراعات بعضها شخصية و ليست طائفية. اخيرا، يزعم بولاك و غيره بان استمرار هذه الازمة سيؤدي الى ابعاد العراقية عن الحكومة مما سيدعوهم الى العودة الى القتال.

ان المتمردين خسروا الحرب الأهلية الأخيرة ما بين 2005 و 2008 ، و ان ادراكهم خسارتهم هو السبب الرئيسي في تخلي أغلبية المسلحين عنهم و التحول للانضمام الى صحوة الانبار و ابناء العراق. لذا فهناك قليلون ممن يرغبون بالانضمام الى قضية خاسرة في قتال الحكومة وبعض مكونات التحالف الوطني مرة اخرى، و ليس هذا فحسب بل ان عائدات النفط الكبيرة توحد كل الأطراف الحاكمة لأن جميعهم يريدون قطعة من الكعكة لمكوناتهم و اعضاء احزابهم مما يوفر حافزا آخرا للبقاء جزءا من النظام .
يبين بولاك الكثير من الأفكار الأميركية حول العراق، الا ان هذه الافكار تفوتها الكثير من تباينات السياسة العراقية ، كما ان هذه الافكار تقود الى دعم الحكومات المترهلة غير الفاعلة بسبب الاعتقاد بان كل طائفة لها حزبها الذي يجب ان يشارك في الحكم . انها ترى ان ابقاء تلك الأحزاب على المائدة اهم من الادارة المهنية المحترفة . الحقيقة هي ان الكتلة الوطنية العراقية اتخذت سلسلة من القرارات السيئة و انها خسرت بسهولة بسبب انقساماتها الداخلية. كما ان رغبة الكثير من اعضاء القائمة في البقاء في الحكومة رغم الازمات المتعاقبة، تفند التعليقات المتنامية حول حرب اهلية جديدة تندلع في العراق . فأعضاء الحكومة لديهم مصلحة كبيرة في البقاء كجزء منها بسبب الفوائد التي يحصلون عليها.

سيستمر العراق في مواجهة الازمات السياسية في المستقبل القريب. و مع خروج القوات الأميركية، فان قادة العراق يركزون على تحديد معالم سلطاتهم و تسوية خلافاتهم. لكن مع نظام سياسي غير ناضج و مع غياب قواعد تحكم سلوكهم، فان هذا الامر سيستغرق سنوات. ان ما يحتاجه المعلقون في الولايات المتحدة هو البدء بدراسة العراق من منظور عراقي بدلا من فرض وجهات نظرهم على الاحداث، اذ ان ذلك يقدم صورة عما يحصل في البلاد اوضح بكثير من التقارير الدورية التي تحكي عن اقتراب الحكومة من حافة الانهيار و عن تفكك البلاد و العودة الى الحرب الاهلية .