الشروكية والكورد الفيلية احفاد السومريين والعيلاميين

حضارة سامقة ازدهرت وسط وجنوب العراق منذ الاف السنين، هي حضارة السومريين ، كما ازدهرت الى جانبها حضارة اخرى هي حضارة العيلاميين ، كانت بينهما اواصر مشتركة كثيرة ، وليس امر العثور على مسلة حمورابي في المدينة العيلامية سوسة، والعثور على ختم كورش في بابل ، الا مثال على ما جرى من حروب ومعاهدات سلام وتجارة وعلاقات حميمة بين شعوب بلاد الرافدين.

اما النقوش التي استطاعوا قراءة رموزها في جبل بيستون في بلاد العيلاميين فقد كانت المفتاح لقراءة وحل رموز الكتابة المسمارية في بلاد الرافدين ، كما كانت العلاقة بين الكورد الفيليين - عيلام - وسكان بلاد مابين النهرين تحفل بمسيرة طويلة تتداخل لغة وتاريخا واحداثا ، علما ان الجانب الشرقي لنهر دجلة ظل بلاد الكورد اللور - لورستان - ، وغالبا ما كان المؤرخون المسلمون يطلقون عليه عراق العجم تمييزا للكورد عن غيرهم من شعوب المنطقة ، وكانت بلادهم تمتد من جبال حمرين الى عبادان ، وقد تقلصت مساحتها في الوقت الحاضر بسبب تهجير الكورد وتشريدهم من مناطقهم وهجرة العديد من القبائل العربية الى مناطقهم بعد الفتوحات الاسلامية ، اضافة الى الضغط الفارسي من الشرق ، والحملات التركية العثمانية من الشمال الغربي ، فاقتصرت بلادهم في العصر الحديث على شريط من جبال حمرين وخانقين وجلولاء ومندلي وبعض مناطق محافظة ديالى و واسط والعمارة وبغداد وجبال بشتكو ومرتفعات قبائل اللور وبعض مناطق عيلام وكرمنشاه .

ومن أهم مناطق السومريين الاهوار ، فقد كانت ملجأهم الذي يحتمون فيه من هجمات الاعداء ، بسبب القصب والبردي والمياه التي تغمر المنطقة الشاسعة الممتدة من العمارة - ميسان - حتى الخليج جنوبا والناصرية - ذي قار - غربا .

ورغم مناعة المنطقة الا ان تسرب الاقوام الاخرى أخذ طريقه اليها ، ومن اوائل المقاتلين الذين هربوا الى الاهوار بعض رجال علي بن محمد صاحب الزنج ، بعد فشل ثورتهم وهزيمتهم على يد ولي العهد العباسي الموفق بالله وجيوشه اواخر القرن الثالث للهجرة – نحو 883 م – كما هاجرت الى داخل الاهوار بعض القبائل العربية التي سكنت اولا قرب الضفاف ، ولجأ اليها ايضا الكثير من المطلوبين للعشائر او السلطات خوفا من القتل او القصاص.

وكان لمملكة ميسان ميناء هام يربط بلاد العيلاميين ببابل وآشور ، وعُمان والبحرين اضافة الى الهند والصين ، وكان ميناء ميسان يستخدم لنقل السلع وتبادلها ، حيث يجلب الحرير والخزف الصيني والعطور العربية والتوابل والسيوف الهندية والاحجار الكريمة والمنسوجات الفارسية والادوات الحديد التي برع الحداد الكوردي في صناعتها مثل الخناجر وعُـدد الخيول و الحيوانات والعربات الكوردية العيلامية المعروفة بمتانتها ، والتي استوردها الاشوريون لشهرتها .

كانت السفن تنطلق من ميسان - المتصلة بالاهوار - عبر الفرات الى الشام وبيزنطة والاناضول وبلاد الاغريق ، وبعد زوال حضارة وادي الرافدين ، ظلت بعض الآثار التي ورثها ابناء الرافدين احفاد السومريين والعيلاميين تشير الى عظمة حضاراتهم ، وظلت الكلمات تجد صداها بين سكان واقوام وادي الرافدين على مر العصور ولذلك تميز العراق بلهجة خاصة به من بين جميع البلدان العربية القريبة منه ، مثل بلاد الشام والاردن والكويت والسعودية .

لقد سادت اللغة العربية اثر انتشار الاسلام في المنطقة ، ولكن مع ذلك عاشت الكثير من الكلمات الكوردية والسومرية والارامية الى جانبها ، اضافة الى الاديان المعروفة قبل الاسلام مثل الايزدية واليهودية والمسيحية والزرادشتية وغيرها .

شروكي

شاع ببغداد وبعض انحاء العراق اطلاق تسمية شروكي على ابناء ميسان خاصة وبعض مناطق الجنوب عامة، واخذت تستخدم احيانا للانتقاص من ابناء الجنوب وتحقيرهم، وهو أمر غريب، ففي الوقت الذي يترنم فيه أغلب الناس في العراق باغانيهم والحانهم العذبة والشجية ويضربون باهل البصرة المثل في الكرم والخلق الجميل ، ويعرفون لاهل الوسط والجنوب باعهم في العلم والمعرفة والادب ويشهدون لهم في صلابة مقاومة الظلم والطغيان ورفض الاحتلال الاجنبي لبلادهم، نرى البعض ممن لايمت بصلة للوطن يحاول اهانة أهل البلاد والانتقاص من قدرهم وتحقيرهم ولهذا تهكم الشاعر علي الشرقي ببيت من الشعر يقول فيه عن نفسه ولقبه:

شروقي ببغداد / وفي البصرة خاقان

(الخاقان لقب من القاب ملوك الصين والترك).

ان تسمية الشروكي تحمل الفخر والتبجيل بدلا من الاهانة ، اذ ان الشروك هم احفاد شعب عريق من شعوب بلاد الرافدين ، واعتقد ان الاسم تحريف او تخفيف لاسم شعب الشروباك ، وان الشروكي هي من اصل هذه الكلمة ، وقد ترجم المترجمون الاسم من السومرية الى شروباك ، ولربما كانت الترجمة مما تقتضيها اللغات التي تمت اليها الترجمة كالالمانية او الانجليزية ، اضافة الى ان السومرية لم تصلنا منطوقة ، وانما مكتوبة فقط ، فيصعب معرفة كيفية نطق الالفاظ السومرية بشكل دقيق ، لذلك اعتقد ان الشروباك هي التسمية الاصل للشروك ، خاصة ان حرف الباء الذي يلي حرف الواو قد يلفظ مخففا للضغط الذي يفرضه قوة نطق الواو فيصبح واوا اخرى كما ان ملحمة جلجامش تذكر في قصة الطوفان مايلي :

بيت من قصب البردي

بيت من قصب البردي جدار

ياملك شروباك ، يابن اوبارو – توتو

اهدم بيتك وشيد زورقا

اعتقد ان ملك الشروباك هو ملك الشروك ، وقد يكون هو نوح فيما بعد الذي صنع السفينة التي انقذت ابناء بلاد ما بين النهرين من الفناء ، فهل يكون الشروكي محط استخفاف !

لا ارى لتسمية الشروكي علاقة بالشرق التي حاول البعض ايجاد علاقة لها من خلال موقع العمارة الواقعة شرق دجلة ، وهذا المثال اخذني الى بعض الاسماء العربية الاسلامية التي يحاول البعض تغييرها لتلائم اللغات الاوربية فيتحول حسين الى هوسين ثم يختصر الى هوسه Husse في السويدية مثلا ، ورضا الى ريزا ثم الى ريز Riz في الانجليزية وهلم جرا .

God

وما دمنا في معاني الكلمات فساورد بعضا منها لها علاقة باللغات القديمة والحديثة ، فكلمة غود في اللغة السومرية تعني الثور ، وبما ان الثور كان رمزا مقدسا للقوة والاخصاب ، لذلك اتخذ الملوك قرنيه رمزا وشعارا فوق رؤوسهم .

علما ان العلاقة بين الاله المقدس والملك وثيقة ، بحيث يتماهى الملك مع الاله فيتخذ الملك اسم غود ، واشهر ملوك العراق القديم الملك غوديا ، او جوديا ، تحول في العراق الحديث الى اسم جودي . وبعض القبائل الكوردية في عيلام تفخم الدال فتقول (خودا ، خوضا)

اي الله ، ومازالت تستخدم كلمة خودا / خوضا بمعنى الله .

وخود في الفارسية ضمير مشترك للمتكلم والمخاطب والغائب:

(خود من = انا نفسي ، خود شما = انت نفسك ، خود او = هو نفسه)

و في الكوردية تاتي هكذا ايضا :

(خوم = انا نفسي ، خوت = انت نفسك ، خوي = هو نفسه) .

وخود في الفارسية/ الكوردية هي الخوذة التي تستخدم لحماية الرأس في المعارك والحروب ، دخلت العربية ، وقد يكون اصل كلمة غود God الانجليزية وامثالها في اللغات الهندو اوربية يعود الى الاسم السومري الثور .

بابل

اما اسم مدينة بابل ، فتفسر بانها باب ايل ، اي باب الاله ، ولكني وجدت لها تفسيرا في معاجم اللغة الفارسية بمعنى المغرب ، بينما تعني خوراسان : المشرق ، وهي مركبة من خور : اي شمس في الكوردية / الفارسية ، ومازالت تستخدم بهذا المعنى ، وتاتي بلفظ خورشيد في الفارسية ايضا.

وآسان بمعنى مكان ، فخوراسان تعني مكان شروق الشمس او المشرق ، وبابل مكان غروبها اي المغرب ، ومثلها اسم قصر المناذرة الذي شيده المعمار سنمار للشاه بهرام في الحيرة وسمي قصر الخورنق ، وهو تحريف عن الفارسية / الكوردية عن خور نكاه ، والكلمة مركبة من خور = شمس + نكاه وتعني في حراسة الشمس او في حفظ الشمس لان نكاه تعني : في رعاية ، حراسة ، حفظ ، ومنها خذا نكاه دار اي في رعاية الله وحفظه ، ومازالت مستخدمة في الوقت الحاضر في الفارسية ، والكرنك في مصر ايضا تحوير لخور نكاه.

شروباك

اما شروباك فهي اسم لمدينة في الحضارة السومرية / الاكدية وتعرف اطلالها حاليا باسم فارة بالقرب من الوركاء الحالية ، وهي موطن بطل الطوفان البابلي ، وقد يكون اسم المدينة احيانا اسم الملك ايضا مثل اشور ، فهي مدينة ولدينا اسم الملك اشور ناصر بال ، والارمن على سبيل المثال يطلقون على انفسم اسم هاي ، وبلادهم هاي ستان ، استنادا الى اساطير قديمة تذهب الى ان الملك هايك هو المؤسس الاول لمدينة هايكاشي في الالف الثالث قبل الميلاد ، وكذلك الكورد الفيلية الذين ينتسبون الى الملك الكوردي بيلي Pily، او ، Peli الذي تحول فيما بعد الى فيلي بسبب عدم وجود الباء المثلثة في العربية ، وكذلك العرب ،اذ يعود البعض بالاسم الى الجد الاعلى يعرب ... الخ

لذلك ليس من المستغرب ان يكون هناك شعب وملك ومدينة يحملون الاسم نفسه ، واعتقد ان هذا الاسم السومري شروباك اصبح شروكين حين انتقل من السومرية الى الاكدية ، وهو اسم الملك الاكدي سرجون 2300 ق.م ومعنى شروكين في الاكدية الملك الشرعي ، وهو مؤسس مملكة اكد على نهر الفرات ، حارب وانتصر على شعب اللولو – اكراد عيلام – وقتل ملكهم ئاوان وغير اسم عاصمتهم هار هار الى كار شروكين اي مدينة سرجون ، وارى ان النون في نهاية شروكين هي من بقايا اللغات العراقية القديمة ، وهذه النون مازالت تعيش حتى اليوم في محافظة ميسان فيقولون اروحن بمعنى اروح ، واجيبن بمعنى اجلب .. الخ ولذلك اعتقد ان شروكين اسم اكدي منقول عن السومرية وهو الاصل لكلمة شروكي ، ويعود الى شروباك ولذلك قل شروكي ولا تقل شرقي والسلام .

* ينظر : في ظلال اللغة العراقية الدارجة : قل شروكي ولا تقل شرقي ، حديث الشروباك والشروك.

نشر هذا المقال عام 2002 في صحف المعارضة العراقية بلندن ، يوم كان الشعب العراقي يتعرض لحملة تشهير من قبل صحف نظام الطاغية المقبور ، نعيد نشره منقحا ومزيدا.

د. مؤيد عبد الستار
الخميس 24/01/2012