خطوة الى الخلف، خطوتان الى الوراء...!!!

أنتظر شعبنا عقودا عجاف من أجل التخلص من الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة، وجاء التغيير وفرح شعبنا، رغم أن التغيير جرى بفعل عوامل خارجية بالدرجة الأولى، وعبر حرب مدمرة جاءت بالاحتلال وما نشأ عنه من معاناة، وتأملنا أن يتوحد شعبنا وقواه السياسية التي خاضت نضالا شرسا ضد دكتاتورية صدام وأعوانه، لتقوم بترتيب البيت العراقي من جديد، لتعيد لحمته الوطنية وتعيد بناء الإنسان العراقي، وتحرر العراق من الاحتلال، لبناء عراق جديد على اسس الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية على اسس المواطنة والولاء للعراق، ونبذ الطائفية والعرقيات والعنصرية والشوفينية، التي حاول النظام الدكتاتوري غرسها في المجتمع العراقي، من خلال حروبه التي خاضها ضد بعض مكونات الشعب العراقي، فحارب الأكراد والقوى اليسارية والديمقراطية وضربهم بالأسلحة الكيمياوية، وحارب الشيعة وقتل معظم من أنضم الى تنظيماتهم التي عارضت حكمه، وصفى شباب الكرد الفيلية بعد أن هجرهم بعملية إجرامية يندى لها جبين البشرية خجلا وعارا.

ومن المؤلم أن يتم تشكيل أول حكومة مؤقتة بقيادة المعتوه بريمر وخدمة لمصالح بلاده قام بوضع حجر أساس الدولة العراقية الجديدة على أساس المحاصصة السيئة الصيت ولتكون هذه الصيغة هي الصورة الجديدة للسياسة العراقية، ولتكون بؤرة للفساد والصراع والاحتراب الداخلي على السلطة وحجر عثرة أمام جهود إعادة لحمة الشعب العراقي الذي مزقه صدام وحزب البعث المقبور، وليتراجع النفس الوطني الى الوراء وليحل محله العرقية والطائفية والعشيرة والأقارب، وما نشهده اليوم إلا نتيجة لذلك، ومع ذلك وأزاء كل ذلك الظلم والأنتظار وقف شعبنا فرحا في طوابير الانتخابات مرتين رغم الارهاب لينتخب ممثليه، لعلهم يخدموا مصالحة ويحققوا طموحاته، وفي كل مرة يصاب بالخيبة وفقدان الأمل بالتغيير الحقيقي، وكان يأمل العراقي البسيط ان تتحسن الأمور تدريجيا، فصبر وتحمل وصوت للدستور العراقي رغم كل النواقص التي حواها وفي سبيل أن تسير العملية السياسية الى الأمام وأن لا تتوقف أو تتراجع الى الخلف، ويمكن بعدها تصحيح وتعديل الدستور بما يخدم وحدة الشعب العراقي ويحقق طموحاته، ولكن التراجع من جديد هو الذي ساد، وما زال التراجع مستمرا.

وشخص شعبنا ضرورة النضال من اجل الخلاص من الاحتلال والتواجد الأجنبي، كضرورة وطنية ووقف مع القيادة المنتخبة ولو بالتزوير، وكانت المشاكل بين القوى السياسية مستمرة والتنافس المحموم واللاشرعي واللاشريف على السلطة، وكان شعبنا يعيش بين نارين نار الإرهاب ونار الوعود والفساد الذي أستشرى في مفاصل الدولة العراقية الجديدة، ولم يحصل على شيئ وهو يرى هروب الملايين من أمواله الى جيوب مرتزقة جدد جاءوا من كل صوب، بفعل سياسة المحاصصة، هذه الآفة التي أخذت تأكل الأخضر واليابس، والوطنيون الحقيقيون لم تتاح لهم الفرصة ليساهموا في البناء، وبقي المواطن البسيط محروما من كل شيء وهو يعاني من شحة موارد العيش ولا كهرباء ولا ماء صالح للشرب ولا رعاية صحية جيدة، وظل الوضع الأمني متدهورا، (تصور حتى الآن لم تحل مسألة الوزارات الأمنية من دفاع وداخلية، فأي حكومة هذه، وماذا نترجى منها...؟؟؟) وظل التراجع صورة مستمرة للوضع العراقي بسبب القوى السياسية التي تمسك بزمام السلطة، والتي خاب أمل شعبنا فيها.

وأنتظر شعبنا يوم الخلاص من التواجد الأجنبي، ليتفرغ لعملية البناء ولعل القوى السياسية ستتوحد في خطابها وجهودها، لتمسك الأمور لتبني الدولة الجديدة بعيدا عن أوامر وتوجهات الأجنبي، وخرجت القوات كما يقال اليوم بكاملها، فماذا فعلت القوى السياسية...؟، لقد تصاعدت خلافاتها وإزدادت اتهاماتها لبعضها، وكأن المثل القائل "لم يرونهم عندما سرقوا لكنهم عرفوهم عندما تقاسموا"، وهكذا تصاعدت المشاكل وتراجع الأمن وظل هاجس الخوف مسيطرا على أذهان أبناء شعبنا، وذهبت بهجة وفرحة التحرر والتخلص من التواجد الأجنبي أدراج الرياح، هذه اللحظة التاريخية التي أنتظرها شعبنا طويلا، لكن بعدها وبفعل الساسة العراقيين كان التراجع من جديد.

يبدو أن هذا الجيل القديم من السياسيين لم يعد ينفع معه الإصلاح ولا الكلمات ولا الحديث، أنه جيل سياسي تربى على أسسس دكتاتورية ومصلحية نفعية، بل لا وطنية، فكل منهم له أجنداته المرتبطة مع جهات معينة من أمريكية الى خليجية الى تركية الى أيرانية وهكذا، وهذا الجيل السياسي عليه اليوم أن يغادر الساحة بأسرع ما يمكن ليعطي مجالا لجيل جديد لم تلوثه الفترة الماضية بمآسيها، جيل وطني غيور لا يعرف غير العراق ولا يعرف الأنانية ولا تهمه مصالحه الشخصية، جيل يفكر بروح وطنية من أجل وحدة العراق وشعب العراق دون تمييز وبنكران ذات، جيل مسلح بالعلم والوفاء والأخلاص لقضية الشعب، هذا الجيل على أبناء شعبنا الذين تحملوا وأنتظروا كثيرا أن يفرزوه ويقدموه بالأنتخابات القادمة التي نتمنى أن تكون مبكرة، وليغادر الفرسان الحاليين فرسان التراجعات الساحة، ولتنتهي مع رحيلهم معاناة السنوات الثمانية العجاف التي مرت على العراق، بعد عقود عجاف قبلها تحت ظل ّ الدكتاتورية البعثية الصدامية.

محمد الكحط
23/12/2011