الكورد الفيلية وحلم التغيير

بدلا من ان يتحول العراق بعد 9/ نيسان 2003 الى روضة من رياض الجنة، وان ينتقل الى بلدٍ حضاريٍ مدنيٍ يسوده القوانين العصرية، التي تحترم وتراعي وتعمل من اجل الإنسان وحقوقه ورفاهيته وسعادته، بغض النظر عن عرقه القومي او شكل ديانته او طقوس مذهبه او إتجاهه الحزبي والفكري، كونه ذاق أنواع المرارات على يد الطاغية المقبور ونظامه الدكتاتوري التعسفي الجائر، إلا أنه قد تحول الى غابة بكل مفرداتها وقوانينها، رغم ان العهد الجديد سـُمي باجمل الكلمات وأسماها وهي عصر التعددية والديمقراطية والحريات، والتي بقيت مجرد ألفاظ غير قابلة للاندماج حتى داخل الكتل والكيانات السياسية نفسها. فيمكن لأي منا ان يرَ بوضوح من دون أية مساعدة، ان رئاسة أكثر الاحزاب تنتقل بشكل وراثي الى الابناء، او تبقى محصورة ضمن افراد العائلة الواحدة، وان العناوين والمناصب الرئيسة عادة محتكرة من قبل بقية افراد العشيرة نفسها، وان السيطرة العشائرية والقبلية سائدة بين افراد كل حزب من تلك الاحزاب.

فاصبح الفيلي بذلك ضحية الظروف الخارجة عن ارادته، فضلاً عن كونه مازال يعيش في حلم التغيير الحقيقي الذي قدم من اجله الكثير من التضحيات على مدى عدة عقود من السنين، بينما لم يحصد من نتائج تلك التضحيات سوى خيبة الأمل والنكسة والتغييب والتهميش والاقصاء، وكذلك ضياعا لحقوقه. بينما المناصب السياسية والعناوين الوظيفية والمكاسب تلقفها واحتكرها آخرون وعملوا على تأمين الدعم المالي لكياناتهم من المال العام، وتحصين أنفسهم بالميليشيات والسلاح ووفروا لها الغطاء القانوني تحت أسم او صفة كالجيش او الحرس الوطني او الشرطة او الحمايات الشخصية وكذلك الصحوة ومجالس الإسناد وغيرها من التشكيلات. علما ان جميع الكيانات السياسية الحالية كانت تنتقد الطاغية المقبور على تشكيلاته الأمنية والعسكرية الخاصة منها والشعبية، كونها مسخرة لحمايته وحماية نظامه ولضرب المعارضين والشعب اذا يوما اراد التغيير او احد مكوناته اراد الحياة.

الا ان اليوم نرى ان اقدامهم قد انغرست في ذلك المستنقع نفسه، والتاريخ أخذ يـُعيد الفصول ذاتها، لا يمكن لأي منهم الخروج من ذلك المستنقع ابداً، امام الرغبات الجامحة التي تمتلك بعض الاسماء في حب السيطرة والقيادة وبسط النفوذ والانفراد في السلطة وجعلها وراثيا. فتلك القوى التي تم تجهيزها بكافة الاسلحة واعدادها من اموال الشعب، يخشى غالبية العراقيين ان تتحرك يوما لضرب ابناء البلد، عندما يعلن عن رغبته في تغيير آخر، لمحاسبة المفسدين ممن لا يكترثون لهموم ومعاناة ابناء هذا البلد، بينما الكثير منهم يسرحون ويمرحون باموال الشعب ما بين الايفادات والسفريات والمكافآت والمنح وامتلاك الاراضي والمنازل والقصور في أرقى الأحياء السكنية وفي البلدان المجاورة.

فامام هذه الحالة التي تبدو ومن الوهلة الأولى ان اصلاحها صعب للغاية، تنعكس علينا سلباً كونها لا توفر أية ضمانات للكورد الفيليين يمكن ان تزرع في نفوسهم الأمل والصبر قليلا، اذن فماذا على الفيلي ان يقوم به ذاتيا من دون ان ينتظر دعما من جهة معينة، كي ينتزع حقوقه ويثبت هويته التي مازال البعض يطعن بها بشكل وآخر، ويضع حدا للذين نصبوا من أنفسهم أولياءاً وممثليناً عن الكورد الفيليين، ويتحدثون باسمهم كلما تطلب الأمر امام الكاميرات او غيرها من الوسائل الإعلامية لتفويت الفرص على ظهور أي كيان حقيقي يمثل الفيليين، وينادي بحقوقهم ويعمل من أجل تثبيتها ضمن الدستور أسوة ببقية المكونات، لا ان تكون مجرد (علاكة) يحملها احدهم ويتحدث بأسمهم من دون ان تكون له أية علاقة بالقضية الفيلية، ان لم نقل انه مجرد أداة بيد جهة من الجهات او التشكيلات التي سنحت لها الفرصة للعمل على الساحة السياسية العراقية.

كما ان اهتمام غالبية الكورد الفيليين بالثقافة والفن والرياضة لمواكبة التطور الحضاري العالمي وانشغالهم بالتطلعات العصرية، وكذلك ايمانهم بالمبادئ والقيم الانسانية، فضلا عن الظروف الإستثنائية التي مروا بها كالتهجير القسري، أثرت سلباً الى حدٍ كبير على الروابط العشائرية ان لم نقل انها ساهمت بتفكيك وتمزيق اكثرها، وبالتالي اصبحوا فريسة ليست للذئاب فقط بل حتى للضباع والقوارض، وضعفاء امام الوحوش والكواسر التي ظهرت بعد تغيير 9/نيسان/2003، التي تبنت شريعة الغابة ودستورها في تحقيق اطماعها واهدافها التوسعية، وكذلك فرض ارداتها على الحلقات التي هي الأضعف.

في خضم هكذا ظروف، هل سأل احدنا ما السبيل للوقف بوجه كل تلك التحديات والعقبات الحقيقية منها والمفتعلة؟.. وهل هناك مازال من وقت متسع لجمع الشمل في كيان تكون خيمة حقيقية لنا وتمثل ارادتنا؟

ما نبغيه من خلال هذه الأسطر هو ان يكون هناك حراكا واسعا ومشاركة من قبلكم واصرارا على عدم الاستسلام لليأس، ان كانت قضيتكم ودماء شهداءكم مازالت نصب اعينكم، ودماؤكم تغلي من اجلها.

انا ادعوكم ان تقولوا ما شئتم من أفكار وآراء، واذكروا ملاحظاتكم وشخصوا الأخطاء والمقصرين علنا وخاصة المتاجرين بقضيتنا، وكذلك الذين خذلونا، فان لم يكن هناك حراكا من قبلكم بجدية وبهمة ونشاط، لن تعود هويتنا ابدا وحقوقنا، ولن تكون هناك أية ضمانات لبقائها، فحتى لهجتنا الفيلية مهدد بالإنقراض. وستبقى حالات الإساءة والطعن توجه إلينا بين فترة واخرى ان كان علنا او بدس السم في العسل من خلال بعض الكتابات، هذا ونكون بذلك قد خذلنا شهداءنا وابناءنا، والأجيال المقبلة لن ترحمنا ولن تغفر لنا ابداً. فلـنكُن يا أخوتي وأخواتي الفيلية بقدار هذا الواجب وهذه المسؤولية.

صادق المولائي
16/12/2011