مأساة الفيليين ليست للمناورات السياسية بل لجدية التنفيذ!

كنت خلال السنوات الماضية أسمع أخبارا متناقضة عن مواقف الحكومة العراقية والأطراف السياسية والبرلمان من مأساة الكورد الفيليين، بين التهجير الفسري والهمجي، ونهب الممتلكات المنقولة وغير المنقولة، وانتزاع الهويات الرسمية، واحتجاز أكثر من عشرين ألف شاب، لعلهم راحوا مع الشهداء.

وكان مما يسر قرار المحكمة الجزائية الخاصة أخيرا، وبعد حوالي ثماني سنوات، باعتبار الحملة الظالمة على هذا المكون الكوردي جريمة إبادة، وقرار برلماني مماثل. ثم جاء تأسيس مديرية خاصة للقضية ملحقة برئاسة الجمهورية، وعلى رأسها الصديق المناضل الأستاذ عادل مراد. وقبل حوالي الأسبوع، أدلى السيد رئيس الوزراء بتصريحات جميلة ومؤثرة عن الفيليين وقضيتهم، والوعد بالانتهاء من وضع الحلول لها.

كل هذه القرارات والوعود والتصريحات كانت مما يثير بعض الأمل برغم سماعي المتواتر، من أصدقاء في أوروبا والعراق، عن مدى العراقيل التي توضع أمام كل فيلي يريد استرداد جنسيته العراقية المسلوبة، وكيف أنه يوجه إلى دائرة " الأجانب"!

بين كل هذا وذاك، يصدر في الرابع من هذا الشهر بيان واضح ومحدد ودقيق من الاتحاد الديمقراطي الكوردي الفيلي ليضع النقاط على الحروف، وليثبت بالوقائع بأن هناك ثمة بونا واسعا بين البيانات والقرارات الرسمية وبين التنفيذ في كل ما يخص القضية من جوانب أساسية لا فرعية.

يقول البيان المؤرخ في 14 أكتوبر 2011 :

" صدرت منذ عام 2003، ولحد الآن، العشرات من التصريحات والوعود والعهود عن قادة العراق الجديد وعن القوى السياسية الكردستانية والعراقية المتنفذة ومن مجلس النواب العراقي، وتصريحات من المسئولين في حكومة بغداد وحكومة أريبل حول تضحيات الكورد الفيلية في سبيل العراق وشعبه وفي سبيل الكورد، وحول ضرورة إنصافهم، وإعادة حقوقهم المغتصبة وصيانة مصالحهم. ولكن، ونقولها بأسف شديد، إن جزءا ضئيلا من هذا الكم من التصريحات والوعود والعهود والقرارات قد تم الالتزام به، ووجد طريقه إلى التنفيذ. لذا نتساءل: لماذا لم تجر ترجمة هذه التصريحات إلى أفعال وأعمال، ولماذا لم تطبق كل هذه الوعود والعهود والقرارات لحد الآن؟ ومن بديهيات الأمور أن العبرة هي في الأفعال وليس في الأقوال فقط."

ويبين البيان بوضوح كيف أن أيا من الجوانب الأساسية للقضية لم يحل، سواء التحقيق في ما حل بالمحجوزين الأكثر من عشرين ألف ضحية، أو استرداد الملكية، أو استرداد الوثائق الثبوتية. وبالنسبة للنقطة الأخيرة، فإن الفيلي في الخارج يجبر على العودة للعراق لمتابعة القضية ولو كانت إمكانياته المادية لا تسمح؛ فإذا استطاع الزيارة، جوبه بالعشرات من العقبات ووسائل التعجيز، فضلا عن أن قضايا الفيلية لا تزال عند دائرة الأجانب!!- فأي ظلم مضاعف بعد الظلم القديم، مع أن فيلية العراق هم من أبنائه الأوفياء، وقد برهنوا على ذلك على مدى عقود التاريخ العراقي الحديث، وفي مخلف المجالات، وقدموا مئات الشهداء من أجل العراق حرا وديمقراطيا وآمنا.

نعم، تمت بعض الخطوات الترقيعية الجزئية لمشاكل ثانوية، ولكن مع إهمال المشاكل الأساسية والمصيرية، وتركها معلقة.

الواضح أن حكام العراق والأطراف السياسية النافذة، وحتى الائتلاف الكوردستاني، يعتبرون قضية الفيلية هامشية أو ثانوية. صحيح أن الفيلية جزء من الشعب الكردي في العراق، ولكنه مكون له خصوصياته ومشاكله الخاصة، ولم تعرض قضية ترحيلهم، في حملة تهجيرية همجية وقتل شبانهم، أمام المحكمة الخاصة إلا في أخر وقت، و تحت ضغوط المطالبات المتواصلة. ويبدو أن هناك أطرافا متنفذة تريد استخدام القضية في مناوراتها السياسية مع الآخرين أو في عملية بيع وشراء مع الفيلية مع أن القضية وطنية عامة، وهي إنسانية فوق ذلك.

شخصيا لا أعتقد أن أحزاب الإسلام السياسي، التي لا تؤمن أصلا بمبدأ المواطنة والديمقراطية، تريد حلا ديمقراطيا وإنسانيا عادلا للمشكلة، وإن كان ذلك لا يعني عدم محاولتها استعمال القضية ورقة في المزايدات أو المناورات السياسية. وأعتقد أن أولئك الشبان الفيليين، الذين انخرطوا وعملوا في صفوف هذه الأحزاب، لم يحسنوا اختيار الطريق. وفي الوقت الذي ينبغي فيه مواصلة العمل والضغط، عراقيا، وكوردستانيا، ودوليا، لتنفيذ حلول عملية وعاجلة للقضية، فإن بيان الاتحاد المشار إليه قد أحسن في التنبيه إلى اليقظة تجاه المناورات التي تريد التكسب السياسي أو تصفية الحسابات باسم قضية الفيليين. ونحن نتفق مع ما ورد في ختام البيان حين يقول:

"ويناشد اتحادنا السياسيين والأطراف الكوردية الفيلية أن تتجنب كل ما قد يدخل قضيتنا في متاهات لا تحمد عقباها وليست في مصلحتنا جميعا."

عزيز الحاج
باريس في 5 أكتوبر 2011