الفيلية.. خصوصية لا مكوّن

في الوقت الخطأ أرتـُكب الخطأ. هكذا جرى. ففي ظروف تتسم بالتعقيد والتخندق والانانية الفئوية وانعدام الثقة والتوازن الاجتماعي والحد الادنى من حسن الظن في الكتلة السياسية التي تتصدر مسرح الاحداث دعا رئيس الوزراء نوري المالكي الى اعتبار الكرد الفيلية مكوّنا مستقلا، بما يعني تعويم انتمائهم للقومية الكردية، وما يمكن ان يدخل في عمليات الاستقطاب المنفلتة على مسارات الصراع ومناطق النفوذ.

اولا، ليست مسؤولية رئيس حكومة ان يقسم الاطياف السكانية الى عناوين، الامر الذي يلزم دراسات ومخاضات ومعاينة تاريخية وسوسيولوجية في عمق عملية الانتماء “الفرعي” وذلك قبل ان يجري ترسيم الطابع السكاني لأي طيف من الاطياف، كما ان الاطياف والخصوصيات والمكونات لاتتشكل بقرارات حكومية، ولا من خلال تصريحات إعلامية، واحسب ان السيد رئيس الوزراء يعرف افضل من اي سياسي او مسؤول آخر بان ملف الكرد الفيلية المطروح على طاولة البحث يتصل جوهريا بانتماء الكرد الفيلية للدولة الوطنية العراقية وحقوق المواطنة التي هضمت ونالت العسف من قبل نظام الدكتاتورية وينبغي ان تتوفر لهم اسوة بالمواطنين الاخرين، واعادة حقوقهم المدونة في الدستور.

كما انه، ثانيا، يطرح الى المعاينة واللوم مسؤولية الاحزاب الكردية النافذة وحكومات الاقليم والنخب الثقافية والسياسية الكردستانية التي تركت منطقة فراغ بين الكرد الفيلية والاطار القومي الكردي، وتعاملت بلامبالاة، او باكتراث اقل، او بفئوية ضيقة، واحيانا بشكوك، مع جمهور الكرد الفيلية الذي كانت تتقاذفه الوعود والعروض والمسكنات وسياسات الزجر والتشكيك بانتمائه الوطني طوال ثماني سنوات، وكان ينبغي وضع اعادة الحقوق المدنية الدستورية للكرد الفيلية بالنسبة للجميع موضع الاهتمام والمثابرة والحماية والتطمين.

وعلى هذا الصعيد، ثالثا، لابد من الاخذ بالاعتبار، من قبل الجميع، حقيقة تاريخية واجتماعية، ان للكرد الفيلية في العراق مكانة قومية ومذهبية وتاريخية وثقافية وسكانية، ابرزت لهم مصالح وشبكة انتماءات وحقوق وطنية، لاتتعارض مع انتمائهم القومي، ولايمكن اختزالها، او تغييبها، بهذا الانتماء وحده، وبمعنى آخر، فان للكرد الفيلية خصوصية في نسيج انتمائهم القومي، لايصح تحريك عناصرها او الاجتهاد في تأطيرها تبعا للاعتبارات السياسية.

وثمة، رابعا، اللوم على عمليات انتاج التشرذم في داخل الوسط الفيلي الكردي.. وهنا، كما يقال، تسكن العبرات.

وكلام مفيد
“ لايمكننا حل مشكلةٍ باستخدام العقلية نفسها التي أنشأتها".
اينشتاين

عبد المنعم الاعسم

المصدر: جريدة الاتحاد، 6/10/2011