الكورد الفيلية

الفيليون أكراد ، وهم يسمون في العراق بـ(الأكراد الفيليين) ، أي أنهم جزء لا يتجزء من الشعب الكوردي ، سكنة الجبال ، على إمتداد سلسلة جبال زاكروس ، رغم أنهم في ايران يسمون بـ(اللور).

ولهم أقليمهم الخاص بهم في أقصى جنوب كوردستان يسمى (لورستان) وهو يضم أقاليم (إيلام) التي هي عاصمة (زرين آباد) ، وكذلك (كرمنشاه) التي عاصمة (لورستان) ، وكما هو معروف فان (اللور) يتألفون من أربعة بطون كبيرة هي :- الور الصغير (الفيليون) ، واللور الكبير ، والبختياري ، واللك. وهناك بحوث واسعة وكثيرة حولهم ، وحول اصل كلمة (فيلي) ، التي يرحج علاقتها وأصلها بكلمة (بهلي) و(بهلوي) ايضا.

علماً إن اللور والفيليون هما مترادفان للكورد القاطنين جنوب شرق كوردستان العراق وإقليم لورستان في إيران ، وهم طيف كبير من الشعب الكوردي الأكبر ، ويشتركون معه في المنشأ والتاريخ ... واللغة ... والنضال ... وقد تجنى البعض على هذا الشعب وأراد سلبه قوميته ولكن شهادات التاريخ ترد هذه الإدعائات الشوفينية القومية الفارغة ومن هذه الشهادات ، شهادة المؤرخ الكبير ياقوت الحموي (1179-1229م) صاحب معجم البلدان وهو من اوثق المصادر الجغرافية التاريخية، في تعريف اللور ما نصه:- ((اللر بالضم وتشديد الراء وهو جيل من الأكراد في جبال بين أصبهان وخوزستان وتلك النواحي تعرف بهم فيقال بلاد اللر ويقال لها لرستان ويقال لها اللور أيضا )) "ج 5 ص 16 " . فيكون قولنا الكورد الفُيليون أو الكورد اللوريون على قياس قولنا الكورد الصورانيون ، الكورد البادينيون، الكورد الكورانيون ، الكورد البطانيون الخ ...

وطبق هذا تجد ذكره عند الجغرافي الاصطخري المتوفي في 957 ميلادية - في كتابه (صور الاقاليم والمسالك والممالك) . ويتحدث المؤرخ ورجل الدولة (رشيد الدين فضل الله الهمداني) الذي عاش وخدم في زمن الاليخان المغولي (غازان) في كتابه (مكاتبات اصولي) عن (الاتابك الكوردي) افراسياب الاول حاكم لورستان الكبرى في الفترة (1288-1296 م) ويصف قيامه بزيارة الايلخان المذكور . وكان قد اعلن الثورة على سلفه ارغون قبلها. وكيف استقبل بحفاوة واكرام ، وكيف ان (غازان خان) عمد الى قتله اثناء عودته الى مقر حكمه ، على يد قائده (هرقدق) .

وفي كتابه ((نزهة القلوب)) للمؤرخ والجغرافي الشهير (حمد الله ابن المستوفي القزويني) الذي انجز تأليفه في العام 1339 م - 740 هـ ، تجد الكثير عن امارتي لورستان الكبرى والصغرى . ومما يقوله :- ((ان مواطن اللور الكورد تنقسم اداريا الى لورستان الكبرى وهي المنطقة الجبلية ومايليها من السهوب شرقا (ضمن الحدود الايرانية اليوم) ولورستان الصغرى (واكثرها يقع ضمن الحدود العراقية الحالية غربا)) .

ويثبت ابن المستوفي مبلغ الخراج الذي كان يجبي منهما خلال الفترة المنحصرة بين 1335 - 1340 م بمليون دينار ايلخاني سنويا. يدفع منه تسعون الفا فقط للديون (اي الخزينة المركزية) والباقي يستقل بصرف الاتابك (اي حاكم الاقليم). اما ((عبد الله المازندراني)) مؤلف كتاب (رسالتي فلكية) في العام 1364 فيذكر ان اتابكة لورستان كانوا يعينون اولا من قبل الحكام الايلخانيين (احفاد هولاكو) وعندما انتاب سلطة هؤلاء الضعف استقل الاتابكة باقليمهم .

ويثبت فضلا عن هذا قوائم بالضرائب التي كانت تحصل من هذين الاقليمين وهي تقل كثيرا عن المبالغ التي وردت في قوائم ابن المستوفي. ومما اغفله المؤرخون او ذكره بعضهم ذكرا عابرا دون تفصيل - ان العراق العربي وقع تحت حكم الاكراد الفيليين ((اللور)) مدة ست سنوات وان اميرهم ((ذو الفقار احمد سلطان ماوصللو)) حاصر بغداد بجيشه وفتحها واتخذها عاصمة له واوجد خلال ذلك حاميات عسكرية كوردية في سائر المدن العراقية التي دانت له بالطاعة، من شمال سامراء حتى البصرة. واليك هذا التفصيل على ايجازه كما ورد في كتاب (البدر الطالع ج 1 : ص 270) ونقله الستاذ عباس العزاوي في كتابه (العراق بين احتلالين ج 3 : ص 360).

((في السنة 930 للهجرة الموافق للسنة 1523 ميلادية، هاجم بغداد، الامير ذو الفقار رئيس قبيلة (موصوللو) من عشيرة كلهور الكوردية وكان امير لورستان - وضمها اليه. وبعد ان وطد امره في بغداد استولى على معظم المدن العراقية. وخوفا من الدولة الصفوية كاتَبَ السلطان (سليمان القانوني) واحتمى به. لكن الشاه طهماسب الاول الصفوي هاجم العراق ودخل بغداد في العام 936 الهجري الموافق للعام 1529 ميلادي وجرت معركة كتب النصر فيها للفرس على الاكراد، وقتل الامير ذو الفقار، واخضع الشاه طهماسب العراق لسلطته ثم رجع الى مقر ملكه بعد ان عين على العراق (بكـ لو محمد خان) وفوض اليه ادارة شؤونه)). في الواقع ان السلطان سليمان القانوني رحب باقتراح الامير ذو الفقار مبدئيا على ان كتب التاريخ العام بمصادرها الايرانية والغربية تجمع بأن موافقة السلطان العثماني وترحيبه لم يتعديا حدود الكلام والوعود، فقد كانت جيوشه منشغلة في حروب اوربا وبخاصة حصار (فينا) ومواجهة الحلف العسكري الغربي.

(...) واعود الآن الى اصل كلمة الفيلية والفيلي: ان اقدم ما وقفت عليه من ذكر صريح للتعبير مقرونا بكلمة (كورد) ام بكلمة (لور) في كتب التاريخ المدونة والمطبوعة. يعود الى ما يقارب ثلاثة قرون مضت. واليك بعض الامثلة:- تتحدث الحوليات التاريخية الايرانية عن ثورة (اللور الفيليين والبختيارية) في زمن فتح علي شاه. وهذا هو النص:-

((... مع ان مدينة كرمنشاه بقيت هادئة، فان سائر البلاد كلها حتى همدان وشوشتر كانت تغلى غليانا. وعندما حاول اللور الفيليون والبختياريون ان يغنموا اكثر ما يمكن اغتنامه من الفراغ الذي خلفته فترة خلو العرش الفارسي)). ورد هذا النص في كتاب جمس فريزر James Frazer المطبوع في لندن سنة 1744 م عنوانه (تاريخ نادر شاه الملقب سابقا بطهماس خان The History Of Nadir Shah Formerly Colled

جريمة التطهير العرقي ضد الكرد الفيلية

تعد جريمة التطهير العرقي احدى اشكال الجريمة الدولية ، ويراد بالجريمة الدولية هي العمل غير المشروع المنصوص عليه في قانون العقوبات او الاتفاقيات الدولية او قواعد القانون الدولي والذي تمتد اثاره الخطيرة الى كل المجتمع الدولي ، وهذه الجريمة تعد من الجرائم العمدية التي ترتكب عن قصد وتمس الامن وسلامة المجتمع الدولي وان الفاعل لها لا يعفى من المسؤولية ولا يمنح حق اللجوء وانه لا يتمتع بحصانة دستورية او قانونية كما لا تسقط الجريمة المذكورة بمرور الزمان .وتعد من جرائم الحرب اذا ارتكبت اثناء الحرب ومن الجرائم ضد الانسانية اذا ارتكبت اثناء السلم . وهذه الجريمة هي من اصناف جريمة ابادة الجنس البشري وتعني التدمير المتعمد للجماعات القومية او العرقية او الدينية او الاثنية حيث انها من الجرائم القديمة في التاريخ وارتبطت بالحكم النازي وبنظام صدام حسين .

وهذه الجرائم لسيت من صنف الجرائم السياسية وانما هي من الجرائم العمدية العادية الخطيرة ، وهي تكون كذلك حتى ولو كان القانون الداخلي يجيزها ، ولدى الرجوع الى المادة الثانية من اتفاقية منع ابادة الاجناس البشرية لعام 1948 تبين ان التدمير الكلي او الجزئي للجماعات القومية او الاثنية او العنصرية او الدينية من قتل او تعويق جسدي او روحي او اخضاع الجماعات عمدا لظروف قاسية او التعقيم والحيلولة دون الانجاب او نقل اطفال من الجماعة عنوة وفصلها عن ذويها يعد جريمة ابادة جنس بشري وهو ما تعرض له الشعب الكردي من نظام صدام وبخاصة الكرد الفيلية .

لقد جرت حملات التهجير الاولى ضد الكرد الفيلية من طلائع النازية العربية الاولى بقيادة رشيد عالي الكيلاني حيث تم تسفير عشرات الالاف منهم بحجة انهم من التبعية الايرانية رغم انهم عراقيون ومن سكان العراق من مئات السنين كما بينا ، كما تصاعدت موجات التهجير والتسفير بعد ثورة تموز 1958 بسبب التوتر بين نظام الحكم في بغداد وطهران فكان الضحية هم المدنيون .

وفي عام 1963 استلم النازيون العرب السلطة في بغداد وارتكبت من الحرس القومي جرائم بشعة ضد الكرد الفيلية وبخاصة ما عرف بجرائم حي الاكراد في بغداد والسبب في ذلك ان حي الاكراد كان معقلا للحركة الوطنية للحزب الديمقراطي الكردستاني وللحزب الشيوعي العراقي والمكان الذي يسكن فيه العديد من التجار الاكراد وهو ما شكل مصدر الخطر على نظام حكم الحرس القومي – النازي في بغداد .

الا ان الفترة السوداء في تاريخ الكرد الفيلية هي منذ توقيع اتفاقية اذار عام 1970 وحتى عام 1988 حيث قام نظام البعث والنازية العربية بقيادة صدام بممارسة ابشع صنوف الاضطهاد والجرائم الدولية ضد شعب امن مسالم يحب الحياة والحرية فقد قامت السلطات بتهجير واخفاء مئات الالاف من البشر بلغ عددهم مايقارب مليون انسان دون ذنب سوى انهم من خيرة ابناء العراق لا يسجدون لصنم ولانهم من الكورد واغلبهم من اتباع المذهب الشيعي وهم يمسكون عصب الحياة التجارية في العراق ولهم دور كبير في الحركة الوطنية العراقية . وما يزال اكثر من 10 الاف انسان مختفي في سجون النظام كما صار العديد منهم حقولا للتجارب للاسلحة البايولوجية والكيماوية وفقا للوثائق التي تم العثور عليها ومنها ما قامت به الوحدة العسكرية رقم 5013 من الصنف الكيماوي من الحرس الجمهوري .

ويقول الدكتور كمال قيتولي في رسالته عن محنة الكرد الفيلية ما يلي : بدأت عمليات تهجير هؤلاء المواطنين بتاريخ 4/4/1980 حيث تم تهجير العوائل بعد مصادرة كل ممتلكاتهم ووثائقهم الشخصية (الجنسية العراقية ، هوية الاحوال المدنية ، شهادة الجنسية العراقية ، دفتر الخدمة العسكرية ، رخصة القيادة ، هوية غرفة التجارة بالنسبة للتجار ، هوية اتحاد الصناعات العراقي بالنسبة لاصحاب المشاريع الصناعية ، وثائق الممتلكات ، الشهادات المدرسية والجامعية ، والخ) .

ثم يقول : ان القيادة العراقية العليا وبأمر من صدام حسين اتخذت هذا القرار السري واعتبرت شرائح معينة من المجتمع العراقي (الاكراد الفيليين والفرس وبعض العرب) تبعية ايرانية او ذوي اصول ايرانية وذلك بالرغم من ان هؤلاء مولودين هم واباؤهم واجدادهم في ارض العراق والبعض منهم تمتد اصولهم الى فترة ماقبل ظهور الاسلام . وكان الغرض من هذه السياسة هو التحضير للحرب العراقية – الايرانية التي بدأت ايلول من عام 1980. لقد بلغ مجموع العراقيين المهجرين الى ايران خلال الفترة من 4/4/1980 لغاية 19/5/1990 حوالي مليون فرد حسب احصائيات الصليب الاحمر الدولي والهلال الاحمر بعد اتهامهم بالتبعية لايران .

احمد كوران

المصدر: شفق نيوز، 1/10/2011