الكوردي الفيلي يبقى الآخر؟

عندما تختلف مع أي انسان بالرأي او الدين او الفكر او المعتقد ، فهل يصبح عدوك وتعامله معاملة الاخر المنبوذ ، اذا لماذا يقال " الدّينُ لله والوطن للجميع " ؟ أي بمعنى ان الملك له جل جلاله والوطن لكل شخص قدره ان يطأه فهو قارة للناس جميعا على اختلافهم . فتعريف الاخر هو كل إنسان مختلف ، سواء كان هذا الاختلاف شكليا أو ضمنيا اختلاف من ناحية الشكل ( صفات فيزيولوجية – بنى جسمانية) أو ضمني بمعنى ( فكرياً –سياسياً – دينياً – عرقياً).

فحينما خلق الله أبانا آدم، خلق له كائنا آخر هو أمنا حواء. وكانت علاقة كل منهما بالآخر علاقة حب وتعاون، نضعها كمثال طيب أمامنا. فلم يحدث في يوم من الأيام أن اختلف أحدهما مع الآخر. إنما عاشا متلازمين، يقطعان غربة العمر معا. يقطفان الورد معا، وقد يجرحان من الشوك معا... الى ان جاءت أول مأساة مع الآخر، فيما قاساه ابنهما هابيل من أخيه الذي قام عليه وقتله. . وهذا المثال السئ الذي علينا ان نتحاشاه ، لكن وعلى يد اعتى دكتاتور في الشرق الاوسط ، طبق المثل السئ على الكوردي الفيلي . فالآخر عند صدام وازلامه هو الضد ، النقيض ، المختلف ، العدو، وهو من دون حقوق ، ولا يمكن أن تبنى العلاقة معه إلا على أساس تصادمي، والإعتراف به كقرين و شريك كان معدوما .

فلو نأتي للاختلاف الفكري ، فان الكوردي الفيلي فكره يختلف تماما عن فكر النظام المباد ، فقد كان يسعى للديمقراطية والى قبول الاخر حتى وان اختلف معه والى تشكيل وجهات نظر جماعية ، اما فكر صدام هو تردي الحالة الثقافية المعرفية وضيق افقها على مسألة قبول الآخر والاعتراف به . إذ أن التخلف الثقافي المعرفي يقود بالضرورة إلى تشكيل وجهات نظر أحادية الجانب لا تقبل النقاش أو النقض وبالتالي لا يمكن بحال من الاحوال قبول التنوع . اما الاختلاف الثاني فهو الديني ، ولا يمكن بحالة من الأحوال قبوله باعتبار أن الآخر مرفوض وفق نص صدامي خاص ، وهل كان لرأس النظام دين لو كان يخاف الله مافعل كل هذا الاجرام بشعب مسالم ، لايريد سوى العيش في بلده امنا مستقرا ، ولو نأتي للاختلاف الثالث وهو السياسي ، فالكوردي الفيلي كان من اشد المعارضين لسياسة النظام وسعياً من الأنظمة القمعية للإستمرار في السلطة بأي شكل من الأشكال عملت هذه الأنظمة على تجريم وتخوين أي آخر مختلف وبالتالي أسست لحالة مفادها قتل لغة الفكر والإبداع .

اما الان وبعد زوال الدكتاتور وقد ولى الى مزبلة التاريخ ، ما الذي حصل عليه الكوردي الفيلي ، فلازال بالعهد الديمقراطي يعامل معاملة الاخر ، ولازال لم يحصل على حقوقه كاملة ، ولازالت الامهات ومن بقت منهن على قيد الحياة تنتظر ان تحصل على رفات ابنها ومن دون جدوى ، فاين هي قبورهم ياترى؟ ، وعند المراجعة لاي دائرة تطالبهم بمستمسكاتهم الثبوتية، بالله عليكم أي مستمسكات تطالبون بها وهل صدام ترك الكوردي الفيلي ياخذ اوراقه الثبوتية ، إن الإنسان الواسع القلب، لا يزاحم الآخر في طريق الحياة.. بل هو في سيره، يفسح طريقاً لغيره. يفسح له الطريق ليعبر، او لكى يسير معه في نفس الطريق. إنه لا يتعالى على الآخر، ولا يتفاخر.

وعلى ضوء ذلك أنه بحسب نوعية التعامل مع الآخر، يكون مقياس حضارة الإنسان، فالإنسان المتحضر يكون سهل التفاهم مع الآخر، يأخذ ويعطى معه في مودة ويسر، ولا يسرع إلى الخلاف ...

وما أجمل ما قاله احد الحكماء" ما عاش من عاش لنفسه فقط". فهل يبقى الكوردي الفيلي يعيش لنفسه ويبقى دائما الاخر ؟

اسراء شاواز

المصدر: مؤسسة شفق، 21/7/2011