الاقليات: حقوقنا حبر على ورق

في ظل التجاذبات والاستقطابات العرقية والمذهبية التي تطفو بين آونة وأخرى على سطح الساحة السياسية في العراق، يبدي العديد من ابناء الاقليات الدينية والقومية مخاوفهم من مستقبل مجهول اثر التهديدات واعمال العنف التي تطالهم من قبل الجماعات المسلحة.

فيما يرى البعض أن دور الحكومة كان ضعيفاً في توفير الحماية لهم، وانهم قرروا البقاء في مناطقهم رغم كل المخاطر التي تهدد وجودهم، ومنهم من هاجر طلباً للسلامة، يعدّ آخرون الحل الأمثل للتحديات في تشكيل اقاليم فدرالية ضمن عراق اتحادي، ويتخذون من اقليم كوردستان مثلاً للتعايش الاثني بين القوميات والمذاهب.

حرية الأيزدية في كوردستان

يؤكد الباحث والكاتب الأيزيدي خيري بوزاني في حديث لـ(شفق) على أن "الأيزديين الذين يعيشون في اقليم كوردستان لأول مرة في تاريخهم يمارسون شعائرهم وطقوسهم الدينية بكل حرية وأمان".

وبشأن الحفاظ على وحدة العراق وعدم تعارض مبدأ الاقاليم الفدرالية مع هذه الوحدة يوضح بوزاني أن "الحل الأمثل لمستقبل العراق واستقراره السياسي والأمني يكمن في الفدرالية وانشاء الاقاليم، وان وجود الاقاليم لايعني تقسيم البلد بل سيسهم في وحدته وتعزيز دوره الاقليمي في المنطقة".

ويضيف أن "اشاعة وترسيخ الثقافة الفدرالية ستسهم في بث روح التعايش بين الاقليات ومكونات الشعب العراقي".

حقوق الاقليات في الدستور حبر على ورق

اما رئيس مجلس شؤون الصابئة المندائيين في اقليم كوردستان حامد صحن يرى في حديث لـ(شفق) أن "حقوق الاقليات التي كفلها الدستور بقيت حبراً على ورق من دون ان تمتد يد المشرع اليها ليضعها ضمن اطر قانونية تشعر الاقليات بالحماية القانونية".

وعن واقع الصابئة المندائيين في تاريخ العراق يوضح صحن ان "للصابئة المندائيين وجود يمتد الى الآف السنين في العراق، ولكنهم موزعون على خارطته من كوردستان الى جنوبه، وليس لهم بقعة جغرافية محددة".

وبشأن هجرة الصابئة الى اقليم كوردستان يقول صحن "هاجر العديد من الصابئة المندائيين من مناطق سكناهم في الوسط والجنوب الى اقليم كوردستان، ووصل العدد الى مئات العوائل بعد عام 2006، واصبح الاقليم موطناً آمناً لهذه العوائل".

محافظة سهل نينوى مطلب دستوري

وتأتي مطالبة مسيحيي العراق بانشاء محافظة لهم في سهل نينوى بعد استهدافهم من قبل المجاميع المسلحة في اغلب مناطق سكناهم امتداداً من الموصل الى العاصمة بغداد، ويقول الكاتب والاعلامي الكلداني نوزاد بولص في حديث لـ(شفق) ان "مطالبة مسيحيي العراق بانشاء محافظة في سهل نينوى مطلب اقره الدستور، وتأتي هذه المطالبة على أساس جغرافي وليس على اساس ديني".

ويوضح بولص ان "اغلب سكان سهل نينوى هم من المسيحيين، وهناك سكان من اديان واقليات اخرى تربطهم مع المسيحيين علاقات ود وسلام".

ويطالب بولص الاطراف السياسية والمكونات الاخرى ان تحتكم الى الوجود التاريخي المسيحي في سهل نينوى المتمثل بالاقضية ذات الاغلبية المسيحية مثل قضاء الحمدانية وقضاء قرقوش، وكذلك قضاءتلكيف".

الكورد الفيليون اقلية بفقدان الأرض وتغييب الهوية

أما النائب الكوردي الفيلي في برلمان اقليم كوردستان علي حسين الفيلي يؤكد في حديث لـ(شفق) على أن "الأنسان الفيلي يعاني من فقدان الأرض وكذلك تغييب للهوية، وبالتالي فقدان الأمل"، مستدركاً "هنا يصح ان نطلق على هذا المكون مصطلح الأقلية بسبب حجم المعاناة التي تجاوزت بكثير مامر على باقي المكونات العرقية والمذهبية الاخرى".

ويوضح الفيلي "اليوم تبرز الحاجة الى وصف يتلاءم مع واقع الحال الذي يعيشه هذا المكوّن، لأن ارث سياسات الأنظمة الشمولية مازال يلقي بظلاله على المشهد العام للبلد، مع تغيير شكل وطريقة هذه السياسات، من قمع مباشر وعلني الى تعنت في مواصلة تطبيق سياسات وقوانين إقصائية وضعها النظام السابق حينها للنيل منهم".

وبشأن مفهوم واقع الاقليات العراقية يقول الفيلي انه "موضوع شائك من حيث المفهوم والدلالات للشرائح والاقليات، خصوصا في العراق، لأن جذور هذه الأقليات التاريخية والجغرافية والعرقية والدينية مرتبطة بعضها ببعض، وكلها متأثرة اليوم بالواقع السياسي العام في هذا البلد".

وان كان مفهوم الاقليات ينطبق على الكورد الفيليين يبيّن الفيلي "هناك فرق شاسع بين الكورد الفيليين وبين باقي الاقليات لعدة اسباب، فمن المنظار القومي هم كورد وجزء من القومية الثانية في العراق، حتى لو كانت جغرافيا سكناهم خارج المناطق المعروفة سياسيا واداريا بكوردستان، وكذلك من زاوية المعتقدات، فهم ضمن الأكثرية الشيعية، لذا فإن المفاهيم الكلاسيكية حول الأقليات لا تنطبق على الكورد الفيليين بل من الممكن إيجاد تعريف جديد يعتمد على مجموعة من المفاهيم السياسية والقانونية بسبب ما لحق بهم".

ولا يخفي الفيلي المخاطر التي تهدد شريحة الكورد الفيليين ويقول ان "شريحة الفيليين وبسبب واقعهم الجغرافي مهددون بالتلاشي، ولعدة عوامل واسباب، فلو ارادوا البقاء على انتمائهم القومي للكورد فسيجدون انفسهم غير مرحب بهم في البيئة العربية التي هي محل سكناهم، ولو شاؤوا التمسك بالمذهب فلن يصلوا الى نتيجة، حيث ان الأنتماء المذهبي اصبح سياسيا اكثر منه روحيا وخضع اليوم لارتباط السياسة بالدين".

قانون لحضر التمييز الديني والطائفي

من جانبه يرى الكاتب والباحث في شؤون الأقليات سعد سلوم ان "تصريحات بعض المسؤولين العراقيين عن تقسيم العراق سيضع الاقليات امام خطرين، اولهما مطالبة الاقليات بمناطق جغرافية خاصة بها سيجعل منها تعيش في كانتونات مغلقة لاتتمتع ببنى اقتصادية ملائمة، والأمر الثاني في اندماجها مع الهويات الأخرى".

ويفصل سلوم قائلاً ان "الهويات الكبرى في العراق والمتمثلة بالشيعة والسنة والكورد استطاعت ان تغلف واقع الاقليات الاخرى، وهذا ماوقف عائقاً امام التنوع الثقافي في العراق"، مضيفاً ان "الدولة العراقية لم تصمم على اساس التنوع الثقافي، بل على اساس المحاصصة الطائفية، وللهويات الكبرى حصص كبيرة حرمت الهويات الصغيرة من حقوقها".

ويختم سلوم بالقول إن "ضمان حقوق الاقليات يفرض على الجميع العودة الى العقد الاجتماعي، وهو الدستور، ونعمل اليوم ضمن جماعات ونشطاء المجتمع المدني على الدفع نحو تشريع قانون تحت عنوان (قانون لحضر التمييز الديني والطائفي)، لان بقاء حقوق الاقليات في الدستور من دون تشريع للقوانين لن تكون له تأثيرات ايجابية على واقع الاقليات".

كفاح هادي

المصدر: مؤسسة شفق، 19/7/2011