أربيل كما شوهدت ـ الأكراد يبنون «دولتهم» تحت غطاء الفيدرالية


صورة الملا مصطفى البرزاني المتوفى عام 1979 أمام مدخل مبنى رئاسة الإقليم في كردستان

أربيل تبدو كأنها عاصمة لدولة كردية ولدت من جديد، لا سيما بعد مشاهدة بغداد المنكسرة والصامدة، فهي من الطائرة تبدو وكأنها مدينة اوروبية، كذلك الامر عندما تهبط على الارض وتتجول في شوارعها النظيفة والمنظمة.

ما ان تحط رحالك في هذه المدينة التي لا تلحظ فيها الهوية العراقية الا في النادر، فاسماء الشوارع مكتوبة باللغتين الكردية والانكليزية، وان حصل ووجدت جملة او كلمة على باب فندق أو محل تجاري، فهي من باب «البيزنس»، فالشعور الذي ينتابك انك امام مجتمع منفتح وحيوي.. بخلاف وجوه الناس في بغداد التي تبدو اكثر تعبا ومأساة.
مطار اربيل كل شيء فيه جديد وبدرجة عالية من التنظيم والحركة، وهو يضاهي تقريبا مطار بغداد من حيث التجهيزات، وهذا الفرق تلمسه ليس فقط بدرجة الحرارة التي كانت خمس درجات، وفي بغداد 18 درجة، بل بسلاسة التنقل، والانارة الكاملة في الشوارع والمناطق بخلاف ما تراه في العاصمة، حيث الانقطاع حديث الناس والهم الذي لا يفارقهم وكأنك في بيروت التي تعيش نكبة الكهرباء منذ سنوات.

الشخصية الكردية
ربما كانت جيرة الاتراك والايرانيين على حد سواء هي السمة الغالبة على الشخصية الكردية، التي باتت اليوم تملك حكومة وبرلمانا ودستورا ودولة، وبات بمقدورها ايضا ان تدير نفسها بنفسها بعد ان انتزعت فيدراليتها، واضحت تتطلع الى ما هو ابعد من بغداد، اي الى المحيط الاقليمي والرعاية الاميركية والدولية التي ساهمت الى حد كبير بجعلها، اي منطقة كردستان ذات «استقلالية كاملة» دون ان تفقد ارتباطها مع الدولة المركزية.. لكن الى حين، او كمن يضع آخر رصاصة في جيبه، ليطلقها في اللحظة التي يراها مناسبة وتخدم مصالحه.

بلد الرئيسين
«الكورد» وهي التسمية التي يفضلونها بدلا من الكرد، كما تكتب في الصحافة العربية، هم الآن في قلب المعادلة السياسية في العراق، فالصحف الصادرة في الاقليم، تتباهى بحصول رئيس اقليم كردستان السيد مسعود البرزاني على افضل شخصية سياسية لعام 2010 من بين السياسيين في العراق، وذلك في استفتاء اجرته الوكالة الاخبارية للانباء، وطرحت فيه ستة اسماء هي: نوري المالكي وجلال الطالباني واياد علاوي ومسعود البرزاني واسامة النجيفي.
يشار الى ان قسما كبيرا من المسيحيين الهاربين من بغداد وبعض المحافظات لجأوا الى اقليم «كوردستان» - هكذا يكتبونه - نظرا إلى تمتعه باستقرار امني واضح، ولكونه يمتلك تجربة في بسط الامن والاستقرار نظرا إلى وجود كفاءات وخبرات واسعة في هذا المجال، تمتد إلى سنوات طويلة، فالفدرالية التي حصلوا عليها شجعتهم على الدعوة لطلب حق تقرير المصير، وهو ما نظرت اليه القوى العراقية السياسية على انه تجاوز للدستور، ويتخطى حدود الدولة الواحدة، وبمعنى ادق دعوة للتقسيم، ستغري الشيعة والسنة على فعل ذلك.
أربيل، بلد رئيس الاقليم مسعود البرزاني تجاور السليمانية، بلد رئيس الدولة (مام جلال الطالباني)، فالرئاستان تجد صورهما في مختلف الاماكن والمؤسسات الرسمية، وان كان هذا يمثل شعورا بالانتصار من وجهة نظر الكرد الذين كسبوا ما ضحوا به في العهود السابقة، وعانوا منه اثناء حكم حزب البعث.
لغة الكورد اليوم تبدّلت من حال الى حال، فاستعادة أمجاد صلاح الدين الأيوبي تراها في صحف كردستان بارزة، خصوصاً عند الحديث عن العلاقات بين الكرد والمصريين وافتتاح اول قنصلية لمصر في اربيل الشهر الماضي.

حسابات الربح والخسارة
بلغة الربح والخسارة، فالاكراد اكثر الرابحين مما جرى في العراق منذ العام 1990، والامتيازات التي حصلوا عليها من الاميركان والغرب كانت بمنزلة مكافأة او تعويض عما لحق بهم من تهميش وخسائر منذ حكم حزب البعث العراقي، وبالطبع بعد الشيعة الذين امسكوا بزمام السلطة والحكم، بقيت الطائفة السنية الاكثر تضرراً وخسارة من غيرها من الطوائف و«مكونات» المجتمع كما جرت العادة بأدبيات الصحافة العراقية.
ما يلفت النظر، وعلى الارض، كثافة التواجد التركي في العراق، وأينما اتجهت تجد العلم التركي والسلع التركية والشاحنات أمامك ان كانت تقارير الصحافة الاميركية والبريطانية تتحدث عن مظاهر النفوذ والتواجد الايراني بصورة جلية في البصرة وغيرها، لكن الحضور التركي يبدو منغمساً في جني الحصول الاقتصادي وحتى السياسي، وهو الطرف المناصر للتركمان، مثلما هي الاطراف ذات النفوذ السياسي والامني والاقتصادي، وهي من جهة الترتيب وبالدرجة الاولى اميركا، ثم ايران، ثم تركيا، ثم السعودية، وهذا ما يتردد بين النخب والعامة على حد سواء. وبرلمان منتخب وتشريعات نافذة، فقد مضى عليهم نحو 16 سنة منذ فرض مناطق الحظر الجوي وهم يمارسون ادارة الاقليم على كل الاصعدة، ولديهم اجندة عمل واضحة وان كانت هذه المنطقة لا تعاني مشاكل الامن والقتل والارهاب بنفس مستوى المحافظات والعاصمة بغداد.
وعندما تسأل المعنيين عن السبب، يقولون منتشر عن صدام وما خلفه من دمار في محافظات الجنوب والوسط وبغداد بعكس ما حصل في الشمال، حيث لم تطلها العمليات العسكرية الا بحدود ضيقة. فحركة البناء بدأت هنا منذ زمن، بعد ان استكملت عناصر «الدولة»، ولهذا فالاتراك وان كانوا في مواجهة عسكرية مع حزب العمال الكردستاني وقواعده في الشمال والمواجهات التي يتسبب بها، فانهم يشكلون اقوى قوة استثمارية واقتصادية في كردستان والعراق بعد ان عرفوا ان بوابة الدخول الى العراق سيكون لها مردود سياسي واقتصادي طويل المدى، عوضا عن جعلها ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات والصراعات.
والذين يتحدثون عن المصالح العربية في العراق يذكرون ان لبنان في طليعة الدول التي لديها مشروعات ومصالح تصل الى نحو 6 مليارات دولار.

المصدر: جريدة القبس الكويتية، 16/1/2011