الدكتاتورية وعمليات التسفير

سيدة كانت أم لثلاثة أبناء تم تسفير الأول مع أحفادها وحجز الثاني في سجون الطاغية ، والثالث أستشهد على جبهات القتال أيام الحرب العراقية الإيرانية في قاطع بنجوين...

تميز القرن العشرين بمجموعة من الكوارث والمآسي البشرية فشهدت البشرية حربين عالمين نتج عنهما موت الملايين كما شهدت الانسانية لأول مرة في تاريخها استعمال الاسلحة النووية وشهد كوردستان ضرب الكورد بالاسلحة الكيمياوية اما الحروب الاقليمية والداخلية فأنها لم تكن اقل دموية من الحروب العالمية كما ان خسائرها فاقت ضحايا الحروب العالمية ففي العراق استعملت جميع الحكومات المتعاقبة كل الاسلحة حتى الكيمياوية ضد الشعب الكوردي والتي ادت الى تدمير الألاف من القرى وتدمير البنى التحتية لبقعة من العراق تعد الاغنى من جميع النواحي اما عمليات التسفير ضد الكورد الفيليين فأنها وبحق عمليات انفال باساليب اخرى . قامت السلطة الدكتاتورية وبعمليات همجية بتسفير مئات الألوف من الكورد الفيليين الى خارج العراق في ليالي ظلماء وبقرارات اتسمت بالمزاجية غير مستندة الى أية قوانين وبعيدة كل البعد عن الانسانية فقد القت السلطة الحاكمة الكورد الفيليين على الحدود العراقية الايرانية تحت رحمة حقول الالغام وظلم وقساوة الطبيعة بعد ان صادرت منهم جميع الوثائق التي تؤيد عراقيتهم من هويات النفوس وشهادات الجنسية ودفاتر الخدمة العسكرية حيث ادى جميع ابنائهم الخدمة العسكرية وقدموا العديد من الشهداء في سبيل عراق وعزة ومجد العراق . لقد كانت عمليات التسفير والتهجير في اغلبها مزاجية غير مستندة الى اسس ثابتة فقد حصل وتم تسفير بعض الافراد من العائلة وترك الباقي كأن يسفر الاب ويترك الابناء والزوجة او تسفير الزوجة والابناء وترك الوالد او تسفير شقيق وترك الآخر فهل يصح ان ينتمي اسرة واحدة الى دولتين . قيام الدولة وبشكل سافر بتفكيك وحدة العائلة العراقية من خلال اجبار بعض الرجال على طلاق زوجاتهم من التبعية ومنحهم مبالغ مالية تقدر بستة آلاف دينار للعسكري واربعة آلاف دينار للمدني في وقت كانت قيمة الدينار العراقي تعادل ثلاثة دولارات وكذلك اجبار الزوجة المتزوجة من عراقي تبعيه والطلب منها طلب الطلاق فهل حدث انتهاكات لحقوق الانسان بمثل هذه القساوة من جانب حكومة ادعت الانسانية والعدالة ؟ لقد افرزت عمليات التسفير حالات مأساوية فهناك تسفير وتهجير مكرر فقد حدث وان تم تسفير بعض العوائل الى ايران واستقرت في المناطق الحدودية في مدن مثل عيلام او مهران او دهلران وعند نشوب الحرب قامت القوات العراقية باحتلال تلك المدن الحدودية واسر سكانها المدنيين فحدث وان وقعت بعض العوائل المسفر العراقية في اسر القوات العراقية ليتم تسفيرهم مرة ثانية . عن مثل هذه الحالة يذكر الكاتب علي بابا خان في كتاب عمليات التسفير عن عائلة السيد سامي اسد جعفر : يقول السيد سامي اسد جعفر كنت اسكن في مدينة زرباطية في محافظة واسط ضمن عائلة متكونة من (38) شخص بين اخ واخت واطفال كنا نملك ثلاثة آلاف هكتار من الاراضي الزراعية ونحن جميعاً مواليد هذه المدينة وحائزون على شهادة الجنسية العراقية بالرغم من هذا تم حجزنا في مركز الشرطة وبعد ذلك تسفيرنا الى ايران فسكننا في مدينة دهلران لقربها من الحدود العراقية ولكن بعد نشوب الحرب العراقية الايرانية قامت القوات العراقية باحتلال تلك المدينة حيث وقعنا في اسر تلك القوات مع العوائل الايرانية لتقوم بعد ذلك بنقلنا الى العراق ضمن ثلاث عشر عائلة عراقية مسفرة اخرى واودعنا معتقلات في مدن زرباطية وبدرة وبغداد لمدة تسعة وثلاثون شهراً لتقوم القوات العراقية بعد ذلك بتسفيرنا مرة اخرى الى ايران لنستقر في مخيم الميثم عام (1984) ومن جراء تلك التنقلات توفي والدي.

وهناك حالة غريبة اخرى يقول احد الاشخاص المولودون في مدينة خانقين عام (1924) ادى الخدمة العسكرية في العهد الملكي ولدية اخ شهيد كان برتبة نقيب في الجيش العراقي وهم حائزون على الجنسية العراقية وشهادة الجنسية ولكن بالرغم كل هذا لم تعر السلطات اية اهتمام بتلك المستندات وتم بعد ذلك تسفيرهم ضمن ست وستون شخصاً. وهناك حالات مآساوية اخرى لا تقل عن الحالات المذكورة تقول السيدة (ص) بان ولدها كان من الميسورين ويملك عدة معامل بالاضافة الى مجموعة من البيوت فتم تسفير عائلتها جميعاً لتبقى مع زوجها الذي كان يؤدي الخدمة العسكرية وتسكن في احدى دور والدها فشاءت الصدف ان يقع الزوج في اسر القوات الايرانية ابان الحرب وبقت هي واطفالها تعاني الامرين من الفقر وصعوبة العيش فعندما قدمت طلباً الى الجهات المسؤولة حول السماح لها بالبقاء في دار والدها الاان السلطة رفضت الطلب وبدلاً من ذلك قامت بطردها من البيت وبيع جميع الدور وحرمانها من حقوقها المشروعة ولازالت تسكن في شقة صغيرة وهي لا زالت تعاني من صعوبة العيش لان زوجها العائد من الاسر يعاني من اوضاع طبية وصحية صعبة.اما اثناء عمليات التسفير فهناك حالات لا يمكن وصفها فعملية القاء عوائل على الحدود ليست من العمليات السهلة فالنتصور حالات كبار السن والمعوقيين وكيفية نقلهم الى مراكز اللاجئين فابسط المدن الايرانية لا تقل بعدها عن الحدود عن عشرة اوعشرين كيلومتراً.

يقول السيد شاكر كريم : كنا من اوائل العوائل التي وصلت الى الحدود الايرانية والعراقية وبعد انزالنا من الشاحنات العسكرية طلبت منا القوات العراقية عدم محاولة الرجوع او حتى الالتفات الى الخلف والاسوف تطلق النارعلينا وفي نفس الوقت فوجئت القوات الايرانية بمشاهدتنا فقامت باطلاق النار علينا من بعيد الااننا حاولنا بالاشارات وعن طريق التلويح بالملابس افهامهم باننا مدنيين وعند وصولنا الى المراكز الحدودية الايرانية تم نقلنا الى معسكرات اللاجئين.

قالت سيدة كبيرة السن تدعى كوكب رحيم : كنت اماً لثلاثة ابناء الكبير من مواليد 1939 فتم تسفيره الى ايران مع عائلته بعد ان تم حجز ولديه الذين كانوا يؤدون الخدمة العسكرية ولا زال مصيرهم مجهولاً لحد الان . اما ولدي فقد تم حجزه أما ولدي الثالث فقد استشهد في الحرب العراقية الايرانية فهذه الصورة من المؤكد فريدة في تاريخ البشرية فهل يصدق من لم يعيش وضعية العراق ان في عائلة واحدة مسفر ومحتجز وشهيد فاذا تم تسفير مواطن بتهمة التبعية فلم اذن ابقاء احدى اشقاءه في الخدمة العسكرية ليستشهد فيما بعد في سبيل ارض العراق وعزة العراق.

اما الحالة الغريبة الاخرى فهي لشاب عراقي وهو رعد حسن محمد علي الذي تم تسفيره ضمن عائلته الى ايران وبعد ذلك غادر ايران ليعمل في الكويت وبعد فترة طويلة من الاقامة قامت السلطات الكويتية بترحيله الى العراق. تم تحويل المرحوم رعد حسن محمد علي الى السلطات العراقية فقامت الحكومة العراقية بحجزه مع الشباب المحتجز ومصيره ارتبط بمصير آلاف الشباب الكورد فلا زال مجهولاً فيا ترى من المسؤول عن مصير هذا الشاب الحكومة العراقية ام الحكومة الكويتية؟.

المصدر: مؤسسة شفق، 26/12/2011