هل أختص العراقيون بالفرهود ؟

خسر المسلمون في غزوة احد بسبب ترك أغلب الرماة مواقعهم وانشغالهم بجمع الغنائم .
هل سيخسر العراقيون تجربتهم الديمقراطية بسبب انشغال بعض الساسة بالفرهود ؟.
أن كل تواريخ الفرهود في العالم منذ القدم تقوم بها الجماعات إذ لم تكن هناك دولة ، أو حينما يكون النظام والقانون غائبا أو معطلا ، أي ان الجموع الجائعة أو مجاميع اللصوص تبحث عما تنهب بعدما تجد أن لا احد يمنعها ولا رادع لها . هذه الحالة شاهدها اغلبنا في الفضائيات .. حدث الفرهود في العام 1978 في فرنسا ، أثناء انقطاع التيار الكهربائي عن أجزاء كبيره من شارع الشانزليزيه .
حدث الفرهود في نيويورك عندما انقطع التيار الكهربائي عنها ، وفي لوس أنجلس عندما حدثت فيها اضطرابات أمنية وشغب .
حدث الفرهود في هايتي بعد الزلزال ، وفي بعضا من بلدان أسيا وإفريقيا وأجزاء من أوربا وأمريكا اللاتينية .
نحن أمام ظاهرة تكاد تكون عامة لا تختص بشعب واحد ولا بدولة واحدة .

لكني لم اسمع عن حكومة في كل العالم ، غير بعض الحكومات العراقية مارست الفرهود وشرعته وسمحت لمواطنيها بالفرهود !.
منذ سماح السلطات العراقية لليهود العراقيين بالهجرة إلى إسرائيل وما تخللها من عمليات نهب وسلب ، سواء قامت به الوكالة اليهودية بهدف الضغط على يهود العراق للتسريع بهجرتهم إلى إسرائيل مثلما يقول البعض ، أو كان ذلك قرارا حكوميا اتخذ من أعلى المستويات ، حيث لم تمارس الحكومة واجبها وتمنع بشكل صارم اللصوص ، الذين هاجموا متاجر وبيوت اليهود العراقيين ومعابدهم .
بعد فرهود اليهود أصبح للفرهود سابقة ، من فرهود اليهود إلى فرهود الأكراد الفيليين، الذين سفرتهم سلطات البعث ، ومنعوا من اخذ أموالهم ، وتركوا بيوتهم ومتاجرهم ومصانعهم لتنهبها أجهزة صدام الأمنية . سرق المنتسبون للأجهزة الأمنية اغلب المتاجر والبيوت والمصانع ، من لم يتعرض للفرهود باعته الحكومة بثمن بخس ، أو وزعته مجانا على المنتسبين للأجهزة الأمنية وكبار البعثيين .
بعدها مارست جيوش صدام الزاحف على المدن الإيرانية أثناء الحرب سرقات منظمة ، قام بها بعض الضباط أو الجنود لمصلحة قادة ، جرى كل ذلك بعلم كامل للحكومة العراقية .
اغرب ما حصل أثناء الحرب هو سرقة بيوت المواطنين في المدن الحدودية العراقية على يد الجيش العراقي ، مدينة الفاو وأهلها شهود أحياء على ما حصل لمدينتهم أثناء تواجد الجيش العراقي فيها قبل احتلالها من قبل الإيرانيين!!.
اغرب الغرائب كان قرار السلطات العراقية بالسماح للناس بفرهدة متاجر ومحلات التجار الذين يخالفون تسعيرة الحكومة . تغلق المحلات المخالفة وتكتب يافطة يحدد فيها يوم لفرهود ذلك المحل .جرى ذلك في اغلب مدن العراق ، كنت شاهدا على فرهود عدة محلات في الشورجة حدث ذلك في منتصف الثمانينات من القرن المنصرم !.
الفرهود الكبير جرى وعلى نطاق واسع بعد احتلال الكويت ، حين شكل أقطاب النظام عصابات منظمة لسرقة المحلات والبيوت والمتاجر والسيارات ، بعدها مارست الحكومة دورها في السرقة ، وأصدرت الحكومة قرارا ألزم الوزارات والدوائر بسرقة مثيلاتها في الكويت وجلبها للعراق !.
بعد تحرير الكويت انتقل الفرهود لمحلات التجار العراقيين .بعد إعدام التجار صادرت الحكومة بقرارات (فرهودية) آخرى محلات من يشك بولائهم للحزب ، أو ممن يحسبون على خانة المعارضين صودرت محلات 96 تاجرا في السوق العربي قرب الشورجة .
ما جرى من فرهود لممتلكات الدولة بعد سقوط النظام (الحواسم) هو امتداد طبيعي لتربية حكومة صدام لمجاميع من اللصوص تربوا على السرقات .استغرب من بعض المثقفين الذين اوجدوا الأعذار لمن سرقوا ممتلكات الدولة ، وأعطوا لعمليات السرقة الشرعية ، بحجة ان اللصوص اعتبروا موجودات دوائر الدولة تعود للشعب ، ولان الشعب كان في اغلبه معارضا للحكومة ، فعمليات السرقة التي تمت ، هي انتقام شعبي من حكومة ظالمة!!.(حجي خرط) .
انتقلت عدوى فايروسات وجراثيم الفرهود بالجينات من نظام فاسد ، ساهم بشكل مقصود في إفساد قطاع من شعبه ، إلى النظام الديمقراطي الجديد !.
لا يمكن للنظام الديمقراطي ان يعتمد على موظفين جدد ، ويخلي دوائر كاملة تعاني من مرض الفرهود والفساد الموروث .
التركة الثقيلة التي ورثها النظام الجديد من نظام صدام ، في جزء منها الفساد والمفسدين وتفشي الرشوة وخراب الضمائر والنفوس .
من غير الإنصاف ان نؤشر الفساد والسرقات الحالية ونرميها كلها على عاتق النظام الجديد ، دون تشخيص لامتدادات وأسباب الفساد السابقة .
هذه تواريخ الفرهود ، من يظن ان ظاهرة الفرهود حكرا على العراقيين واهم .
من يظن ان الفساد المستشري في العراق الآن جاء مع النظام الديمقراطي واهم أيضا.
لا اخلي ساحة اللصوص والفاسدين أينما وجدوا ، وفي أي عصر أو عهد عاشوا .
قال جان جاك روسو"أعطني قليلا من الشرفاء لا قضي على جيوش من اللصوص".
اللص بطبيعته خائف ومهزوم داخليا وجبان ..الرهان على الشرفاء الموجودين في العملية السياسية يبقي الأمل قائما بهزيمة اللصوص ، واكتمال بناء الديمقراطية وبناء العراق الجديد .
ترقبوا المقال المكمل لهذا الموضوع تحت عنوان رصيف صدام ورصيف الديمقراطية

"حتى اللص يقول بسم الله عندما يدخل المفتاح في ثقب الخزانة" فولتير

حسن الخفاجي
Hassan_alkhafaji_54@yahoo.com

المصدر: موقع الاخبار، 22/12/2010