هل كان الاعلام العراقي مهنياً في تعاطيه مع قضايا الكورد الفيليين؟

من نافل القول ان الأخلاق المهنية ليست مرتبطة بالممارسة السليمة للمهنة فحسب ، بل تنبع أساسا من الأهداف السامية للكلمة...

وقد عرفها جون هوهنبرج على أنها " تلك الالتزامات الأساسية التي يجب أن يتحلى بها كل صحفي و المتمثلة أساسا بضرورة العمل من أجل الوصول إلى تغطية منصفة وشاملة ودقيقة، صادقة وواضحة مع مرعاة حماية المصادر وتحقيق الصالح العام لا غير ، عن طريق احترام القانون وحقوق الحياة الخاصة للأشخاص وتصحيح الأخطاء في حال وجودها " . كما يمكن القول أن أخلاقيات المهنة الإعلامية هي تلك الأخلاقيات المتعلقة بمهنة الإعلام " وهي مجموعة من القيم المتعلقة بالممارسة اليومية للصحفيين وجملة الحقوق والواجبات المترابطتين للصحفي " . ويبدو ان الفوضى الاعلامية قد اصبحت هي السمة البارزة لاغلب وسائل الاعلام العراقي اليوم وقد ظهر ذلك جلياً بعدم تمسك الكثير من وسائل الاعلام بقواعد المسؤولية الاجتماعية في تعاطيها مع اهم القضايا الاجتماعية والانسانية ، وكانت قضية الكورد الفيليين من اهم القضايا التي لم يتعامل الاعلام المحلي معها بحيادية ومهنية والأنموذج البارز كان في ما نشره العديد من الصحف لقرارات المحكمة الجنائية المختصة بقضية الكورد الفيليين يوم 29/ 11/ 2010 ، حيث سبقت بعض الصحف والفضائيات المحكمة بنشر قرارات وعلى صفحاتها الاولى لاتنطبق مع القرارات التي اصدرتها المحكمة في الساعة الواحدة والنصف من نفس اليوم ، فقد قامت وسائل الاعلام بنشر احكام لاتمت لقرارت المحكمة بصلة مبررة ذلك بمحاولة احراز (سبق صحفي) .


استاذ كلية الاعلام في جامعة بغداد حيدر القطبي اوضح في حديث لشفق قائلاً : (ان اغلب وسائل العراقي اليوم تعيش حالة من الفوضى واللامهنية والكثير منها تفرد مساحة واسعة من برامجها اوكتاباتها للجلادين وتتجاهل قضايا المظلومين وخصوصاً اولئك الذين تعرضوا للأبادة الجماعية). واضاف القطبي : (ان السمة الغالبة في الكثير من التغطيات الاعلامية لوسائل الاعلام العراقي كانت غير موضوعية وتفتقر للدقة في الحصول على المعلومة وهناك تأثير وحضور واضح للذين كانوا يعملون في خدمة النظام السابق وفي اجهزته الاعلامية) . وحول اداء بعض وسائل الأعلام في تغطيتها لوقائع المحكمة المختصة بقضية الكورد الفيليين قال القطبي : (ان مانشر لايتطابق مع الاحكام التي اصدرتها المحكمة وما نشر كان يعتمد على التسريبات الاعلامية) . وشدد القطبي قائلاً : (على هذه الصحف ووسائل الاعلام الاخرى ان تنشر تصحيحاً للأخبار غير الدقيقة التي نشرتها وعليها ان تفرد مساحة كافية للتصحيح تتناسب وحجم الخبر المنشور سلفاً) .


سكرتير تحرير جريدة التآخي علاء عبد الخالق المندلاوي اشار في حديث لشفق الى الكم الهائل لوسائل الاعلام وغياب المهنية في العديد منها : (هناك كم هائل من وسائل الاعلام ولكنها تفتقر الى المهنية والى التجربة الاعلامية الرصينة) . وعن اسباب نشر جريدة التآخي للاحكام واستباقها المحكمة قال علاء عبد الخالق : ( لست ناطقاً باسم الجريدة ولكننا استقينا الخبر من موقع (بيام نير) وهو من المواقع الخبرية الجديرة بالثقة ، وكما سمعنا فان اطرافاً من داخل المحكمة هي التي ادلت بتصريحات حول الاحكام التي ستصدرها المحكمة لفضائية السومرية وبيام نير ونحن تعاملنا مع الموضوع بمهنية ونحن لم نسرب قضايا تخص المحكمة).


مستشار هيئة الاتصالات والاعلام احمد الابيض اعرب عن استغرابه في حديث لشفق قائلاً : ( لقد تم تناقل قرارات المحمكة في بعض وسائل الاعلام وكأنها انتصار لمن تمت تبرئتهم وليس انتصار للمظلومين ، وكان على هذه الاجهزة الاعلامية ان تتعاطى مع الموضوع بمهنية ) . وعن الوسائل التي تعتمدها بعض وسائل الاعلام في الوصول الى المعلومة ونشرها قال الابيض : ( يجب ان نتأكد من مصدر المعلومة ومن اين استسقيت؟ ، فبعض وسائل الاعلام تأخذ الخبر من اي مكان اومصدر وان الخبر المنشور من داخل اروقة المحكمة فمن الاجدر ان لاتنشر قبل ان تنطق المحكمة باحكامها وخصوصاً في القضايا القضائية ، ومن المؤكد ان الاعلام قد اساء لهذه القضية الكبيرة ) .


الكاتب محسن بني ويس يرى في حديث لشفق ان العلة تكمن في المحكمة وليس في الاعلام : ( اعتقد ان العلة تكمن في المحكمة التي تسربت من اروقتها بعض المعلومات التي نشرتها بعض وسائل الاعلام ، ولكن هذا لا يبرر ما قامت به الجهات الاعلامية في نشرها للخبر قبل النطق بالحكم من قبل المحكمة لأن هذا يخالف اصول ومبادىء العملية الاعلامية ) .

المصدر: مؤسسة شفق / غيث هاني، 1/12/2010