ظهور حركة التغيير " كوران " واستحقاقات المشهد السياسي الحالي في إقليم كوردستان

العالم يتغير، والعولمة اليوم هو التعبير عن كل المظاهر الجيوسياسية والجيواقتصادية. كما ان التطور في عالم التكنولوجيا والاتصالات فرض انماطا جديدة في السلوك البشري على الصعيدين السياسي والاقتصادي. فبالأمس القريب انهار المعسكر الاشتراكي لتنتهي بذلك الحرب الباردة مع العالم الراسمالي الغربي ليتسيد الأخير عالم المتغيرات. وفي الأمس القريب جدا سقط النظام الديكتاتوري في العراق ليفرز لنا سلطة سياسية مغايرة تماما لما كان عليه النظام البائد.

في خضم هذه المتغيرات العالمية والمحلية في النوع والكم، ظهرت لنا قوى سياسية وطنية جاهدت في حقبة تاريخية معينة من اجل تغيير الواقع السياسي والاقتصادي في العراق، وناضلت من اجل تغيير الوضع الاجتماعي للمواطن العراقي. هذه القوى، وللأسف، اخذت مواقفا ستاتيكية (اللاحراك) غير قادرة على استيعاب طبيعة واستحقاقات مثل هذه المتغيرات بما ينسجم مع طموحات الشعب العراقي، وبما يتناسب مع الرغبة الشعبية في التغيير نحو الأفضل. هذه القوى لاتزال، وكما برهن على ذلك تعطيل الحياة الدستورية وعدم تشكيل حكومة طيلة أشهر عديدة، لا تزال تعيش موروثات حقبة المعارضة وكأن النظام البائد هو صانع القرارات السياسية، وكأن نظاما آخر سائد في المواجهة يقف حائلا دون التغيير. متناسين بذلك ان السلطة الآن طوع بنانهم، وأن الشعب هو سيد الموقف ومصدر للسلطات، وأنه اختار ممثلي هذه القوى للبدء في بناء منظومة القوانين التي تساعد على تحقيق نقلة نوعية على صعيد التنمية الاقتصادية، وعلى صعيد الحياة المدنية وسيادة القانون بعيدا عن الأهواء الشخصية والمكاسب الذاتية الآنية والأهداف المؤدجلة المبنية على الخصومة والعداء والمحاصصة والتهميش، ومحاربة الرأي الحر.

أن المواقف السياسية للقوى الوطنية "اللاوطنية" المعلبة ذات الطابع الانجمادي، والوجوه السياسية الكئيبة والتي تكرر ذاتها منذ سبع سنوات دون تقديم ما ينم عن تغيير في المفاهيم و الرؤى والمتبنيات العصرية والحديثة، هذه المواقف لابد لها ان تفرز، عبر الأنتفاضات الجماهيرية، نقائضا قد تسبب في ازاحتها من الساحة السياسية تعبيرا عن استياء الشعب من إدائها اللاسياسي واللامنطقي، وما الاحتجاجات الجماهيرية الآخيرة في اكثر من محافظة هذه إلا نذيرا للقادم من المتغيرات تنسحب على مجمل العملية السياسية في العراق.

ومن اهم افرازات الاستياء من المواقف السياسية والسلوك المنغلق للقوى السياسية في تعاملها مع الآخر، وتهميش قوى وشخصيات فاعلة تؤمن بالحداثة بعيدا عن المفاهيم التعسفية في حجب الحريات وخنق الابداع والتطوير، تشهد الساحة السياسية في اقليم كوردستان حراكا سياسيا لم تعهده حركة التحرر الوطنية الكوردية منذ عقود في نضالها من أجل استرداد الحقوق القومية واستحقاقات التحرر من النظام التعسفي البائد.

فظاهرة حركة التغيير "كوران" في كوردستان العراق واحدة من اهم افرازات اللاحراك الاجتماعي واللاحراك التنموي المبني على قاعدة تصنيعية ذات اهداف شاملة للتطور المستدام للبنى التحتية في الإقليم. وأن ظهور حركة التغيير في كوردستان العراق هو بمثابة تحدي كبير لهيمنة اجزاب تقليدية على مقدرات وطاقات وامكانات الإقليم، وأن هذه الظاهرة تمثل على المديين القريب والمستقبلي اشارة تحذيرية لكل القوى السياسية في العراق بأن التغيير قادم لا محال. كما انه ليس من باب الصدف ان يقود حركة التغيير "كوران" مناضلا بوزن نيشروان مصطفي الذي عركته الحياة والذي كافح جنب الى جنب مع باقي قادة التحرر الوطنية الكوردية. فنيشروان مصطفى هو واحد من القادة الذين اعتمدوا الحس الوطني في مقارعتهم التعسف والاضطهاد والمظلومية، والذين وبنكران ذات عملوا مع جماهيرهم الفقيرة ومع شرائح الطلبة والشباب ومع المنظمات والاحزاب الوطنية وصولا الى يوم الخلاص ... الى يوم يكون فيه الرأي حرا والمجتمع متحررا من قيود قد تعيق تطوره، ومناخا للعدالة والمساواة في الفرص الاستثمارية والوظيفية والتعليمية.

يعتبر نوشيروان مصطفى من ابرز المؤسسين للأتحاد الوطني الكوردستاني بعد انهيار حركة الأب المناضل مصطفى البرزاني عام 1975، وكان معروفا بمواقفه كمعارض للكثير من التوجهات الحزبية بقيادة مام جلال، ولكن حرصه على وحدة الصف الحزبي لم يتيح الفرصة لتفجير صراعات حزبية ايمانا بالأهداف الوطنية التي تبنتها قيادة الاتحاد الوطني. كما يتميز بالنزاهة والسلوك المتزن الأمر الذي ابعده عن الإغرءات المادية وعن دائرة الفساد الذي استشرى بشكل ملفت للنظر في السليمانية واربيل ودهوك (بشهادة المناضل عادل مراد القيادي في الاتحاد الوطني – انظر الحوار الذي تم معه في الجريدة انظر الرابط التالي
www.sotaliraq.com/articlesiraq.php?id=74623

لقد حاول الكثير من الديماغوغيين والبراغماتيين اصحاب المصالح الخاصة البعيدة عن طموحات الشعب الكوردي ان يلقوا على عاتقه اللوم فيما يتعلق بالهزائم والمظالم التي تعرض لها الشعب الكوردي ككارثة حلبجة والانفال وتسفير الكورد الفيليين وغيرها من صور الاضطهاد دون الاشارة الى مآثره في تحرير كركوك ومساهمته الفاعلة في انتفاضة 1991 وغيرها من المآثر النضالية والكفاحية لهذا القائد الذي استفاد من دروس حرب العصابات والمعارك الثورية وتوظيف خبراته القتالية والفكرية في تشكيل حركة التغيير. أن المحاولات الإعلامية للتشكيك في وطنيته وتضحياته من اجل خير الكورد سوف لن تعيق حركة التغيير من تحرير الكوردي من القيود المفروضة على حريته في ابداء الراي والتعبير عن افكاره ورؤيته، والعمل على محاربة الفساد المالي والاداري، وخلق المناخات المناسبة لأرساء قوانين عصرية غيرمؤدلجة او مشبعة بمفاهيم العشيرة والعائلة وصولا الى مجتمع مدني يتيح الفرصة لخوض انتخابات نزيهة وخلق اجواء تساعد على الاستفادة من الخبرات والكفاءات الكوردية بعيدا عن المنسوبية والعشائرية والمحسوبية ...

اننا على يقين بان حركة التغيير هو عامل دعم للحياة الديمقراطية الحقة، وانها جسرا للتواصل مع القوى الخيرة للنهوض بالواقع الاجتماعي للكورد وفرصة جديدة لكل الكورد في التخلص من صور الهيمنة والاستغلال الحزبيين. كما يمكن لحركة التغيير ان تكون نموذجا سياسيا عصريا يحتذى بها لكل من عانى من السلوكيات السياسية المخادعة. في السياق ذاته، يمكن من القول ان طريق التغيير لم يفرش بالورود وأنما الحاجة تقتضي ببذل جهود مضنية للتخلص من إرث الماضي من التجارب الهشة اللاديمقراطية، وان نجاح التجربة السياسية الوليدة لحركة كوران يستوجب نكران ذات كبيرة وإيمان اكبر بالتغيير صوب الأصلح والأنفع للكورد والعرب على حد سواء. كما ان واجب المخلصين المؤمنين بالتغيير دعم هذه الحركة وكل الحراك السياسي الحر غير المؤدلج وصولا الى الخلاص من مظاهر المحسوبية والمنسوبية والفساد المالي والاداري.

الدكتور خليل شمه
اكاديمي ومستشار اقتصادي

13/10/2010