المهجرون الفيليون .. من معاناة وقسوة الغربة الى المتاهة في الوطن

لم يدر بخلد احد من الكورد الفيليين الذين التقيناهم في الغربة ان نظاماً متجبراً كان وراء مصائبهم ومعاناتهم سيسقط يوماً...

وتستفيق الامال بالعودة الى وطن طالما حملوه في قلوبهم واينما دفعت بهم الاقدار ، ابناؤهم الذين ولدوا في ديار الغربة تعلموا ان لا ينسوا ان موطنهم العراق وعليهم ان لا يختاروا موطناً غيره ، حين أزف موعد الخلاص من الدكتاتور عام 2003 هرع العديد من الكورد الفيليون للعودة ، ممنين النفس بمستقبل اخضر يمحي من ذاكرتهم الايام السود وعذابات الغربة وقساوتها ، ولكن رحلة العودة لغالبيتهم قد تحولت الى متاهة في دياجير الفقر والبحث عن مأوى في أزقة شارع الكفاح واحيائه البائسة ، الصدرية ، ابو سيفين ، عكد الاكراد ، ترى من كان يصدق ان رحلة المهجرون ستنتهي بعودتهم الى وطن لم يبق لهم غير قارعة الطريق او ظلمات الفنادق الرخيصة، عوائل انهكتها مرارة الغربة وجدت نفسها محشورة في غرف لاتتجاوز مساحتها تسعة امتار ، جدرانها المتداعية اصطبغت بأملاح الرطوبة ، وآجرها ينث غباره ليعلن موت الابنية القديمة .

المواطن جلال اسماعيل بين في حديث لشفق : (ان أغلب الكورد الفيليين كانوا يسكنون في أحياء شارع الكفاح وخصوصاً في احيائه القديمة مثل الدهانة وابو دودو وعكد الاكراد ، واليوم بعد عودة المهجرون منهم لم يجدوا لهم مأوى غير البيوت القديمة التي اكتضت غرفها بعوائلم الكبيرة ، حيث تشغل عدة عوائل احد هذه البيوت التي تخلو من ابسط مقومات العيش الكريم ، وهناك ايضاً اعداد كبيرة منهم يسكنون في الفنادق الرخيصة ، وهذه بدورها ايضاً تفتقر الى ابسط الخدمات ناهيك عن غياب الشروط الصحية والانسانية) . واضاف جلال اسماعيل قائلاً: (ولكن الكارثة الكبرى انك ستجد العديد من شباب الكورد الفيليين وهم يفترشون الارصفة ليلاً بعد ان اعيوا عن ايجاد مكان يأويهم ، وجل هؤلاء الشباب هم من المهجرين الذين عادوا للوطن بعد سقوط النظام). واعرب جلال اسماعيل عن اعتقاده قائلاً: (انا اعتقد ان وزارة الهجرة والمهجرين قد أخطأت حين ارجعت هؤلاء المهجرين الى الوطن في الظروف الحالية وكان الاجدر بها ان توفر لهم السكن والعمل ووسائل العيش الكريم بعد معاناتهم الطويلة في الغربة وفي مخيمات اللاجئين).


من جانبه قال المواطن عادل شيرواني في حديث لشفق: (ان وضع الكورد الفيليين اليوم مزرٍ للغاية فأغلبهم مازال يسكن في المناطق الشعبية الفقيرة والتي يعود وجودها الى مئات السنين، فالخدمات تكاد تكون معدومة وزيارة سريعة الى هذه المناطق ستجعل الصورة واضحة امام كل من يتقصى الحقيقة) . وحول وضع العائدين من الذين هجروا في زمن النظام السابق يقول شيرواني: (ان وزارة الهجرة والمهجرين لم تقدم المساعدة الكافية للعائدين من الذين هجروا، ويبدو ان المسؤولين حريصون جداً على مناصبهم وهي اهم بكثير من مصير الذين باتوا يفترشون الارصفة ويلتحفون السماء ، فعلينا اليوم ان لا نفكر بأنفسنا فقط ويجب ان نلتفت الى هؤلاء الذين احنت ظهورهم المصائب والويلات) . واضاف شيرواني قائلاً: (اننا لا ننكر الجهود التي بذلتها وزارة الهجرة والمهجرين ولكن ما قدمته للمهجرين العائدين لم يرتق الى مستوى احتياجاتهم الحقيقية وصحيح ان هذه الوزارة هي للعراقيين جميعاً ولكن الجميع يعلم ان قضية الكورد الفيليين لها خصوصيتها لما تحمل من هموم ومآسٍ كثيرة والوزارة تعلم جيداً ان الذين صفوا امورهم في بلاد المهجر باتوا اليوم كأولئك البحر من وراءهم وعاديات الزمن والمستقبل المجهول امامهم).

اما نائب مدير عام دائرة الهجرة في وزارة الهجرة والمهجرين ستار نوروز اوضح في حديث لشفق قائلاً: (نعم وصلتنا معلومات عن العائدين في الفترة الاخيرة وكانوا بوجبات ولوزارتنا دور كبير في عودتهم وحصلت الوزارة بالتنسيق مع الامانة العامة لمجلس الوزراء على منح للعوائل العائدة كما تم تخصيص قطع أراضٍ لهم من اجل حل مشكلة السكن، ونحن لا ننكر ان مشكلتهم الاساسية هي مصادرة ممتلكاتهم في الزمن السابق ومنها المنقولة وغير المنقولة وان عملية اعادتها اليهم تستغرق وقتاً طويلاً) . واضاف نوروز قائلاً: (كان للوزير عبد الصمد رحمن سلطان دور كبير في حث هيئة نزاعات الملكية على الاسراع من اجل اتمام معاملات المهجرين الى الذين صودرت املاكهم في السابق ، ونحن نعلم ايضاً ان هناك قسم كبير من المهجرين لم يكونوا يملكون شيئاً عند تهجريهم وقد حاولنا ان نحصل لهم على مبالغ لإقامة مشاريع صغيرة او مساعدات بطريقة ما من منظمة الهجرة الدولية وما زالت الوزارة تسعى مع مجلس الوزراء لمساعدة هؤلاء في ايجاد موارد رزق لهم ، ومشكلتنا تكمن ان منظمة الهجرة الدولية قد انتهت في الشهر الثامن من تقديم منح المساعدة ووزارتنا تسعى لإعادة البرنامج في الشهر العاشر من خلال مخاطباتها مع منظمة الهجرة الدولية لإدخال الجميع في هذا البرنامج ومساعدتهم في الحصول على منح تساعدهم في حل مشكلة السكن).

المصدر: مؤسسة شفق / كفاح هادي، 14/9/2010