رسالة الاتحاد الديمقراطي الكوردي الفيلي الى ندوة مفهوم المواطنة وتعريف الجنسية في التشريع العراقي

أيتها الأخوات الفاضلات ، أيها الإخوة الأفاضل

تحية عطرة

نشكركم على دعوتكم لنا لحضور ندوة مفهوم المواطنة وتعريف الجنسية في التشريع العراقي تحت عنوان "إشكالية الهوية الوطنية في الدولة العراقية الحديثة"
نعتذر ونأسف لعدم استطاعتنا الحضور شخصيا ولكننا مع ذلك معكم بأذهاننا وأفئدتنا.
المواطنة في دول العالم المتطور سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا تنظر إلى مفهوم المواطنة من الحقوق الإنسانية الأساسية التي تنظمها الدساتير والقوانين ومبادئها العامة بعيدا عن الميول والاتجاهات والمزاجات السياسية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية. لذا لا يمكن إسقاط أو نزع جنسية أي شخص يحملها حتى ولو سبق له وحصل عليها دون أن تنطبق عليه كل الشروط القانونية المطلوبة (هناك حالة مثل هذه وقعت في دولة السويد قبل بضع سنوات). ولا يسمح القانون بالتجاوز على القانون والتلاعب فيه عند التطبيق من قبل أية جهة كانت (حكومية أو سياسية أو تنفيذية أو قضائية أو حتى جهات خارجية ) أو موظف رسمي ويفرض القانون عقوبات صارمة على المخالفين. علما بان إحدى أهم مقومات تقدم هذه الدول هي احترام الدستور والقوانين التي يشرعها نواب الشعب في البرلمان .
إضافة إلى ذلك هناك في جميع دول العالم وثيقة واحدة لإثبات المواطنة وهي الجنسية باستثناء العراق الذي توجد فيه وثيقة الجنسية ووثيقة شهادة الجنسية.

تأسست دولة العراق الجديدة عام 1921 خلال فترة الاستعمار والانتداب البريطاني وكان العراق عام 1924 دولة فتية وبدل أن يقوم القائمون على أمور الدولة آنذاك من سياسيين ومشرعين وقانونيين بتوحيد صفوف الشعب العراقي قاموا بزرع بذور التقسيم والتفرقة والتمييز فقسموا مواطني الدولة الجديدة إلى إتباع لدول أجنبية وليس لدولة العراق واخترعوا ما سموه التبعية العثمانية (أي تبعية للدولة التركية) والتبعية الإيرانية (أي تبعية للدولة الإيرانية) وأصبح العراقيون مواطنون من الدرجة الأولى يتمتعون بكل حقوق وامتيازات المواطنة (إتباع الدولة التركية) ومواطنون من الدرجة الثانية محرومون من اغلب حقوق المواطنة في جميع مجالات الحياة القانونية والسياسية والعسكرية والاقتصادية وغيرها. أي أن المشرع العراقي آنذاك سيس قانون الجنسية لتحقيق أهداف سياسية آنية. لذا فان تطبيق القانون كان يختلف في صرامته ومرونته حسب أجواء العلاقات بين العراق وإيران. ففي حالات العلاقات الاعتيادية أو الجيدة تم تطبيق القانون بمرونة ولكن عند توتر أو سوء العلاقات تم تطبيق القانون بشكل صارم وشديد. وعلينا أن لا ننسى أن التهجير ألقسري للمواطنين العراقيين بعد هيمنة الدكتاتورية على أمور العراق كانت أهدافه سياسية بحته. وما القرار السياسي رقم 666 الصادر في 7/5/1980عن مجلس قيادة الثورة (المنحل) الذي ضرب كل القوانين العراقية والشرائع السماوية عرض الحائط سوى دليل ساطع على ذلك، إذ كان من بين أسباب إصدار القرار هو تحضيرات النظام السابق للحرب مع إيران.

المواطنة حق مكتسب في كل دول العالم يكتسبه الإنسان أما عن طريق الولادة في الدولة (الوطن) أو عن طريق الإقامة في الدولة (الوطن) لفترة زمنية محددة يقررها القانون. الإنسان يكتسب المواطنة (citizenship) وما الجنسية سوى وثيقة تثبت اكتساب الشخص لهذه المواطنة تمكنه من الحصول على وثائق أخرى مثل جواز السفر (الذي هو بدوره دليل تستند عليه سلطات الدول الأخرى لتحديد مواطنة حامله).
يحتاج العراق إلى التخلص في التطبيق العملي من التشويه المتعمد الذي ادخله المشرع في العقل العراقي عام 1924 والذي اقتبس قسما منه من القانون البريطاني الاستعماري الذي نظم علاقة مواطني (subjects) المستعمرات مع الدولة إلام (بريطانيا)، هذا التشويه المتمثل في تقسيم المواطنين العراقيين والتمييز بينهم وارتكاب الجرائم بحقهم بحجة "التبعية". وهذا التمييز كان يمارس بشكل علني وصريح زمن الدكتاتورية إلا انه لا زال يمارس الآن بأشكال ملتوية وخادعة بوضع نوع من الإشارات الخاصة على من يعتبرون ويسمون لحد الآن "تبعية" من قبل موظفي دوائر الجنسية في العراق.

فهل هناك أمل بان تلتزم دولة العراق بمعايير القانون الدولي ومواثيق وعهود الأمم المتحدة وتنهي التمييز وتعيد للمواطنين العراقيين المهجرين قسرا مواطنتهم دون استخدام أساليب ملتوية تبقي على التمييز بالخادع؟
من المبادئ القانونية الأساسية ان يتمتع كل المواطنين بجميع الحقوق والالتزام بجميع الواجبات دون تمييز بغض النظر عن الانتماء ألمناطقي والعرقي والقومي والمذهبي والسياسي ولون البشرة والجنس واللغة وغيره.

من اهم أسباب الوضع المؤسف الحالي للمواطنة والجنسية السائد في العراق هو سياسة التمييز التي مارستها الأنظمة الدكتاتورية الشمولية ذات النزعة القومية المتطرفة وعدم قبولها بالأخر التي حكت العراق وسيست كل أمر من أمور المواطنين وخاصة خلال فترة حكم البعث المظلمة. وهذا ما أدى الى عواقب وخيمة ومآسي عميقة ومظالم كبرى ضد مئات الآلاف من المواطنين العراقيين.

يجب على الجميع دفع المجتمع والسياسيين نحو تصحيح الدستور العراقي والقوانين فيما يتعلق بمسألة المواطنة وتطبيق القوانين بالشكل صحيح المفروض وإلغاء جميع القرارات والقوانين التي تعكس التعصب الشوفينية وإلغاء الأخر المتخلفة التي أصدرها النظام الدكتاتوري السابق. لقد أودت تلك القوانين والقرارات المتعصبة والشوفينية الجائرة والاعتباطية بحياة عشرات ومئات الآلاف وجعلت من حياة الملايين من المواطنين مآسي مستمرة وسببت لهم الكوارث ومختلف أنواع المعانات ودمرت الوطن وأدت إلى تراجع البلد على كل الأصعدة (العلمية والثقافية والتجارية والصناعية والزراعية والتقنية وغيرها).

إن الاستمرار في ممارسة سياسة التمييز بين المواطنين سوف يساهم في عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي في البلاد طالما بقي مواطنون يشعرون بالظلم والغبن والاعتداء عليهم وعلى حقوقهم ومصالحهم.

لذا ندعو جميع المواطنين العراقيين وخاصة الكرد الفيلية الذين لصقت بهم شارة ما يسمى (التبعية الإيرانية) بأن يلجئوا إلى المحافل الدولية ويستندوا إلى مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي ومواثيق وعهود منظمة الأمم المتحدة في حال استمرار ممارسة سياسة التمييز المبطنة أو السرية (غير الظاهرة مباشرة) ضدهم ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة مقارنة بالمواطنين من حملة شارة ما يسمى (التبعية العثمانية / التركية).

مع فائق تقديرنا واحترامنا

الاتحاد الديمقراطي الكوردي ألفيلي
info@faylee.org
1/8/2010