مليون أرملة.. إرث مروع لعراق ما بعد الحرب

أغلبهن فقدن أزواجهن خلال النزاع الطائفي.. ومعظمهن «يئسن» من المساعدات الحكومية

بغداد - لندن: «الشرق الأوسط» ـ 7/7/2010

ثلاثة عقود من الحرب والمذابح والقتال الطائفي تركت للعراق نحو مليون أرملة، وذلك بحسب إحصائيات الحكومة العراقية. وتعتبر حميدة عايد واحدة من هؤلاء الأرامل المليون، وتبلغ الـ45 من العمر ولديها ثلاثة أبناء.

وهي واحدة من عدد كبير من النساء اللاتي يعشن في هذه الأرض التي تعرضت لتشويه كبير. ولا تقدم الحكومة العراقية إلا القيل من الدعم لأكثر من 100 ألف امرأة فقدن أزواجهن خلال الغزو الأميركي أو ما تبعه من أعمال عنف.

وتتلقى حميدة مساعدة شهرية من الحكومة قدرها 150000 دينار (نحو 130 دولارا) بالإضافة إلى 15000 دينار (نحو 12 دولارا) لكل من أبنائها وبناتها.

ولكن بعد عامين من الجهد لجمع الأوراق الرسمية والتوقيعات على طلبها، ولأنها لا تعرف أحدا يعمل في منصب رسمي كبير يسهل الأمور لها، تقول حميدة إنها قررت التوقف لأن وقوفها الدائم في صفوف طويلة لجمع هذه الأوراق والتوقيعات جعلها تهمل أبناءها البالغة أعمارهم 10 و12 و15 عاما.

ولذلك فهي تحاول توفير احتياجاتها واحتياجات أولادها من خلال بيع المنتجات الغذائية ومياه غازية من منزلها في إحدى المناطق الشيعية في جنوب بغداد حيث اضطرت إلى الانتقال من منطقة سنية بعد مقتل زوجها في سلسلة هجمات انتقامية بين السنة والشيعة عام 2007.

وتقول حميدة «لقد تحولت حياتنا إلى بؤس وشقاء. وهذا ما جلبه إلينا الاحتلال وأحلام الديمقراطية: الأيتام والأرامل والمشردون والمهجرون والهاربون».

إلا أن نهضة حميد، مسؤولة شؤون المرأة بالحكومة العراقية، تشير إلى أن عدد الأرامل العراقيات يصل إلى مليون، وعلى الرغم من أن أعمال العنف قلت حدتها فإن إطلاق النار المتقطع والتفجيرات ما زالت ترفع أعداد الأرامل في العراق، بحسب وكالة «الأسوشييتد برس».

وتجتمع الأرامل عند المقابر. ويجلسن القرفصاء على الأرض المتسخة بجانب مقابر أزواجهن، يبكينهم، وتحلو لهن الذكريات تحت شمس قاسية. ويجلس الأطفال في ظلهن يمسكون بعباءات أمهاتهن.

وفي المدن تركز الأرامل على العمل من أجل البقاء ويسعين وراء مساعدات لا تسد قوتهن. وفي مقابلات، تحدثت الكثير من الأرامل عن مشكلاتهن التي تشبه مشكلات حميدة. وتقول جنان مبارك، التي ترأس جمعية غير حكومية تعنى بتعليم النساء وتدريبهن على العمل: «لدينا عدد من الأرامل ينذر بكارثة. وهي مشكلة لها أبعاد اجتماعية خطيرة وهناك يتامى تقلقنا أوضاعهم».

وقد أصبحت قضية توفير الدعم لهؤلاء الأرامل، اللاتي ليس لديهن أي مصدر دخل، الشغل الشاغل لمنظمات وجمعيات كتلك التي تترأسها جنان، وكذلك للسلطات العراقية.

أنشأت الحكومة عام 2008 مديرية الرعاية الاجتماعية للمرأة وهي التي يُنقل إليها الآن وبشكل تدريجي مسؤولية صرف الرواتب من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، والتي وُجهت إليها الكثير من الاتهامات بالفساد وعدم القدرة على أداء مسؤوليتها. ولكن، تشكو نهضة، رئيسة المديرية، من نقص التمويل اللازم للقيام بخدماتها خارج العاصمة وتفتقد السلطة اللازمة للإصلاح والقضاء على الفساد في قطاعات الوزارة المسؤولة عن التعامل مع كل ما يتعلق بالأرامل.

وهناك اختلاف كبير بين أرامل عراق ما بعد 2003 وأرامل الحروب الأخرى، فقد خصص صدام حسين قطع أرض وسيارات معاشات سخية لأرامل الحرب العراقية - الإيرانية التي قتل فيها نصف مليون عراقي وإيراني، وساعدته على ذلك عوائد البترول الكبيرة. بينما تركت عشرات الآلاف من الأرامل اللاتي قتل أزواجهن في حروب صدام الداخلية مع الشيعة والأكراد وخصومه السياسيين بشكل عام ليكافحن بأنفسهن من أجل البقاء.

وتقول جنان وغيرها من الناشطات في مجال حقوق المرأة، إن الفقر دفع بعض النساء العراقيات إلى العمل بالدعارة، في العراق وفي البلدان المجاورة مثل الأردن وسورية التي تحتضن أكبر تجمع للاجئين العراقيين في العالم العربي.

وتعلق جنان على ذلك قائلة: «الأزمة الاقتصادية هي السبب الرئيسي لكل المشكلات التي تعاني منها المرأة في العراق».