هيئة نزاعات الملكية

نص الدستور العراقي لسنة 2005 في المادة ( 136 ) على مواصلة هيئة دعاوى الملكية التي تحول أسمها بموجب القانون إلى هيئة نزاعات الملكية أعمالها بوصفها هيئة مستقلة ، وحدد آلية عملها والخطوط العريضة التي تعمل على وفقها بالتنسيق مع السلطة القضائية والأجهزة التنفيذية وفقا للقانون ، على اعتبار أنها تقوم بعمل قضائي أولا وتقوم السلطة القضائية بترشيح القضاة العاملين فيها ثانيا ، وترتبط الهيئة بمجلس النواب .
ويهدف القانون ضمان حقوق المواطنين الذين انتزعت عقاراتهم خلافا للقانون ودون وجه حق ، بالإضافة إلى كفالة المال العام والمحافظة عليه ، ومعالجة حالة التوازن المطلوب بين مصلحة المواطن ومصلحة الدولة ،والسعي لتصحيح الأخطاء والقرارات والمظالم التي وقعت في ظل النظام السابق بحق المواطنين ممن صودرت أو استغلت أموالهم غير المنقولة .
وصدر قانون الهيئة العليا لحل منازعات الملكية العقارية بتاريخ 31/12/2003 من مجلس الحكم بغية معالجة الغبن والحيف الذي أصاب المواطن جراء ممارسات وقرارات النظام السابق .وبصدور القانون رقم ( 13 ) لسنة 2010 الذي عد نافذا من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية ، حيث صار أسم الهيئة وقانونها (قانون هيئة دعاوى الملكية )، وبموجب المادة ( 26 ) من القانون ألغي قانون هيئة نزاعات الملكية العقارية رقم ( 2 ) لسنة 2006 وحل محله ، على أن تبقى التعليمات الصادرة بموجبه لحين صدور تعليمات أخرى تحل محلها او تعدلها أو تلغيها ، وأناط القانون برئيس الهيئة إصدار التعليمات لتسهيل تنفيذ أحكام القانون بموافقة مجلس الوزراء.
وجعل القانون الأخير مدة زمنية محددة لقبول طلبات المواطنين لغاية 30/6/2011 لايمكن قبول الطلبات بعد هذا التاريخ ، إلا أن هذا الأمر لايمنع المواطن من مراجعة المحاكم المدنية المختصة للنظر في طلباته وفقا للقانون .
كما شكل القانون الجديد لجان مختصة في الهيئة تنظر في المطالبات الواقعة على العقارات المشمولة بقانون الهيئة للفترة من 14/ تموز / 1958 ولغاية 16/7/1968 ، ومنح القانون حقا للذين وقع عليهم الغبن نتيجة تطبيق أحكام القانون رقم ( 2 ) لسنة 2006 فيما يخص مبالغ التعويضات وقت أقامة الدعوى ، حيث منحهم الحق بإقامة دعوى جديدة بموجب هذا القانون الجديد وبأثر رجعي لغرض رفع الحيف عنهم .
وكان القانون قد حدد ضمن المادة ( 3 ) منه سريان القانون زمنيا على العقارات المشمولة بأحكامه خلال الفترة من 17/تموز/1968 ولغاية 9/4/2003 .
ومنذ تأسيس الهيئة كانت الناس تشكو من تأخر حسم قضاياهم ، بالإضافة إلى الإرباك الحاصل في نصوص القانون ، وعدم استقرار وضع الهيئة التمييزية التي تدقق الأحكام والقرارات الصادرة من اللجان المختصة ، وتراكم كم كبير من القضايا التي صدرت بها أحكام ولم تدقق تمييزا مما افقدها قيمتها المادية والمعنوية ، وتحمل المواطن معاناة كبيرة وهموم أخرى جراء ذلك ، بالإضافة إلى تشابه الاختصاص النوعي والوظيفي لمحاكم البداءة مع أعمال الهيئة ، والأهم من كل هذا هو فقدان التنسيق مع السلطة القضائية المستقلة وتعميق حالة الابتعاد عن القضاء .
واليوم بعد أن تم تكليف القاضي علاء جواد حميد جابر الساعدي ، وهو من القضاة الشباب المثقفين والمتطلعين لخدمة العراق بشكل جاد ومتجرد ،وسبق وأن عمل قاضيا في الهيئة نفسها ، وكان قد أثبت بالإضافة الى علميته وتواضعه الجم إمكانياته في أن يترأس هذه الهيئة متطلعا الى تعويض الناس مافاتهم من تحصيل الحقوق وفقا للقانون ، وباعتباره جزء من جسد السلطة القضائية ، يستلزم الأمر إعادة النظر في آلية العمل والسعي بكل الطرق القانونية لإيجاد حلول بغية التوصل لنتائج تخدم حقوق المواطن والمصلحة العامة ، ومن هذا المنطلق دعت الهيئة جميع المواطنين الى مراجعتها لتثبيت حالات تأخير حسم قضاياهم والأسباب الكامنة وراء ذلك التأخير ، بقصد التحري عن الأسباب الحقيقية ومعالجتها بشكل جاد وسريع لوضع حد لمعاناة الناس ، وخلال الفترة التي حددها القانون .
وستكون الهيئة أمام حالة جديرة بالملاحظة إذ يتبوأ قيادتها قاض منسب من مجلس القضاء الأعلى ويخضع الى أشرافه ويقوم بتجسيد الاستقلالية التي يريدها مجلس القضاء الأعلى ورئيسه المجاهد في هذا المجال ، وبالتالي أن يعكس القضاء الصورة الناصعة لخدمة القانون وتحقيق العدل في العراق الجديد ، وسيسهل هذا الأمر العديد من الإشكاليات التي يعاني منها القضاة العاملين في الهيئات ، حيث ستتوفر لغة للانسجام والتفاهم بين رئيس الهيئة والقضاة العاملين هي لغة استيعاب العمل القضائي وحدود العمل الإداري بعد أن صار من يديرها سوية من القضاة .
واجهت الهيئة نقدا شديدا وكبيرا من المواطنين ، وظهر استياء وتذمر واضح للناس وهم يدورون في أروقة بناياتها ومكاتب موظفيها ، يبحثون عمن يعيد لهم الحقوق وينصفهم ، وتتأخر معاملاتهم وقضاياهم سنوات طويلة لايمكن ان تتناسب وتنسجم مع أهداف القانون ومقصد المشرع في تسهيل استعادة حقوق الناس وضمان المال العام ، ومع أن الهيئة من الهيئات المستقلة التي حددها الدستور ، إلا أن المشرع كان يدرك إن عمل الهيئة هو عمل مؤقت لإعادة حقوق الناس التي يجب إعادتها خلال فترة زمنية وفق القانون ، ولن يستمر الحال الى الأبد ، حيث أن الحال الطبيعي أن تكون المحاكم هي الفيصل في تطبيق القوانين النافذة ، ولهذا فقد منح الدستور في الفقرة ( ثانيا ) من المادة ( 136 ) لمجلس النواب حل الهيئة بأغلبية ثلثي أعضاءه .
ويمكن من خلال الجدية والمتابعة من رئيس الهيئة والقضاة العاملين فيها والموظفين السعي لاختزال الزمن وتعويض المواطن عن تلك المعاناة ، وخصوصا بعد أن تم تشكيل ثلاث هيئات تمييزية بدلا من الواحدة التي كان يتعثر عملها ، ويساهم المواطن بالذات في تسهيل عمل الهيئة بإعطاء المعلومات التي تتطلبها الدعاوى مرفقا بها المستندات والوثائق المطلوبة وأهمها الأستشهادات الخاصة بالعقارات من دوائر التسجيل العقاري المختصة ، واستكمال التبليغات حتى يمكن الوصول الى قرار الحكم العادل .
لقد مرت دول عديدة بنفس التجربة التي مر بها العراق من ناحية أعادة العقارات التي استلبتها السلطة منهم أو التي استولت عليها وصادرتها دون وجه حق أو تلك التي وضعت عليها إشارة الحجز ومن ثم قامت ببيعها واستيفاء ثمنها إيرادا للخزينة نكاية بمالكها أو انتقاما منه ، وإزاء هذا التصرف الغير قانوني والبعيد عن حق المواطن في حماية الملكية التي نصت عليها جميع الدساتير التي مرت على العراق ، صار لزاما إعادة ترتيب تلك الحقوق وفق آلية نظمها قانون هيئة دعاوى الملكية ، الغرض منها والهدف الأساس من القانون يتعلق بضمان حقوق المواطن الذي انتزع أو صودر أو استلب عقاره بأي شكل من الأشكال ، بالإضافة الى حماية المال العام والمحافظة عليه بالطرق التي كفلها ورسمها القانون .

القاضي زهير كاظم عبود

المصدر: صوت العراق، 19/6/2010