المشكلة الفيلية وبقاؤها من القضايا المتعلقة

لقد ناقش العديد من المثقفين الكورد المسألة الفيلية من نواح عديدة ، الواقع الفيلي المجتمع الفيلي ، التاريخ الفيلي للجغرافية الفيلية التي ضمتهم في حقبات مختلفة ولكن هل تم اعطاء هذه الشريحة ما تستحقه من اهتمام ؟ وهل تحولت الى قضية مكتملة الجوانب تستحق اثارة الرأي العام للمطالبة بالحلول الجذرية ؟ أو مجرد اصوات تتعالى من هنا وهناك ؟ اسئلة تدور في الاذهان باحثة عن جواب .
التاريخ الفيلي جزء من التاريخ الكوردي حافل بالمواقف المشرفة ومليء بالمآسي والكوارث والتضحيات بالمقابل نكران الجميل من السلطات التي تحكمت وتتحكم بهم ، في هذا المقال نتطرق ولو بشكل مختصر الى ثوابت لعلنا من خلالها نتوصل الى حقيقة وهي هل يمكن اعتبار المشكلة الفيلية احدى القضايا الاساسية في المنطقة؟.
الكورد الفيليون شكلوا سياجاً منيعاً لحماية حدود ايران الغربية من القوات العثمانية حيث لم تتمكن من النفوذ الى داخل ايران في زمن الولاة الفيليين ظلت هذه الحدود آمنة لمدة تجاوزت اكثر من ثلاثمائة عام بالمقابل كانت هدية الانظمة الشاهنشاهية في وقتها والاسلامية فما بعد هي القضاء على الولاة الفيليين الى الابد والذي ادى الى تهجير العديد من ابناء العشائر الفيلية الى مناطق داخل وخارج ايران وكذلك القضاء على جمهورية كوردستان في مهاباد بالحديد والنار واعدام رموزها ، وفي الاونة الاخيرة تصدى النظام الجديد الى محاولة للكورد للحصول على حقوقهم الى جانب محاولة فصل الكورد اللروالك وهم من القبائل الكوردية الفيليية وسلخهم من القومية الكوردية وعدهم قوميات مستقلة من اجل اضعافها هذا ما جرى في ايران ، اما في العراق فالمصيبة اكبر ففي وقت كانت عجلة التجارة والاقتصاد من خلال عمليات الاستيراد والتصدير وتاسيس المعامل والثقافة بيد الكورد الفيليين الذين تمكنوا بفضل جهودهم من تطويرها وكذلك دورهم في ارساء اسس الثقافة من خلال تأسيس المدارس والنوادي الرياضية التي استقطبت اشهر الرياضيين بالمقابل مارست جميع الحكومات المتعاقبة ابشع اساليب التهميش بحقهم من خلال قوانين الجنسية الجائرة التي ادت الى عزل هذه الشريحة وابعادها عن الوظائف الرئيسة وعدم قبول ابنائها في الكليات العسكرية وكليات القانون والتربية والسلك الدبلوماسي كما حدث في زمن الدكتاتور والاكثر مأساوية من كل ذلك مأساة العصر مأساة تهجير اكثر من نصف مليون كوردي فيلي في ليال سود والقائهم وراء الحدود بين حقول الالغام والقصف المدفعي بعد مصادرة اموالهم المنقولة وغير المنقولة وحجز ابنائهم من الشباب الذين كانوا يؤدون الخدمة العسكرية في جبهات القتال في سجون ومعتقلات الطاغية وتغييبهم فيما بعد في قبور جماعية التي ما زالت مجهولة لحد الان . اما بعد سقوط النظام الدكتاتوري تغيرت المعادلة فقد اصبح الكورد الفيليون جزءاً من المعادلة السياسية على الاقل من الناحية الاعلامية والدعائية للكثير من التيارات السياسية والحزبية من اجل كسب اصواتهم في العمليات الانتخابية مؤكدين الاعتراف بمظلومية هذه الشريحة ووجوب العمل على رفع الحيف عنها وتعويضها على ما لحق بها من حيف لكن بعد وصولها الى غاياتها .. ذهبت تلك الاهداف ادراج الرياح ولم تكلف اية واحدة منها منذ سلطة الجنرال كارنر وحتى الحكومة الحالية المنتهية ولايتها العمل بجدية لحل قضايا الكورد الفيليين فما زالت مئات الالوف منهم خارج الوطن يعانون اشد المعاناة الانسانية في مخيمات اللاجئين او على ارصفة دول الشتات كما ان اوضاع اغلب العائدين ليست بالافضل فقضايا اموالهم المنقولة وغير المنقولة مازالت تراوح في اروقة محاكم نزاعات الملكية في سباق ماراثوني بلا نهاية فبدلاً من ان تكون القضايا محصورة بين الدولة والذي الت اليه هذه الاملاك باية طريقة حتى لو لم تكن شريفة دون الرجوع الى حقيقة ان الدولة هي المسؤولة الاولى والاخيرة عن مصادرة تلك الاملاك وعما لحقت بالكوردي الفيلي من كوارث ، اما المسألة الثانية فهي قضية الشباب الفيلي المغيب والذي لم يتم الكشف عن مصيرهم او حتى مقابرهم الجماعية بالرغم من كشف العديد من المقابر الجماعية والتي غطت جميع انحاء العراق بالاخص الضحايا العائدة الى التيارات السياسية المتنفذة في الدولة.
اما القضية الاخرى التي تشكل جزءاً من الهموم الفيلية هي موضوع اثبات الهوية ، فمواضيع الجنسية واثبات عراقيتهم لم تحل بالشكل المطلوب وتأثيراتها باتت واضحة في الانتخابات الاخيرة فحرم الاف من الكورد الفيليين من الادلاء بأصواتهم بسبب عدم امتلاكهم اوراقاً ثبوتية بالاخص ان المفوضية طلبت وثيقتين رسميتين كشرط للمشاركة والجميع يعلم ان السلطات صادرت من الفيلي المهجر جميع اوراقه الرسمية التي تثبت عراقيته وكذلك ان معظم المهاجرين وصلوا الى دول المهجر بجوازات سفر واسماء مزورة.
هناك مسألة اخرى وهي من يمثل الكوردي الفيلي في السلطات التشريعية والتنفيذية ؟
شخصيات برلمانية ورسمية عديدة وصلت الى السلطة والى قبة البرلمان كونها من الشريحة الفيلية بسبب حصولها على الصوت الكوردي الفيلي ولكن ادوارها ان لم تكن معدومة كانت ضعيفة ، ولم تكن بالمستوى المطلوب بدأت نشاطاتها قبل الانتخابات الاخيرة في مسعى للحصول على الاصوات المطلوبة للبقاء في البرلمان من خلال زيارة بعض البيوت وتوزيع الهدايا في الوقت الضائع فيا حبذا لو تمت تلك الزيارات في اوقاتها للوقوف على المشاكل الحقيقية ومعاناة الانسان الفيلي العائد الى الوطن حيث لامال ولا بنون ، العائد من مأساة الى مأساة اخرى. هناك ايضاً مشكلة الضياع بين الانتماء القومي والمذهبي ، بعض التيارات عزفت على الوتر المذهبي من اجل ضم هذه الشريحة الى الكتل والتيارات السياسية ذات الطابع الديني والمذهبي من خلال حملات اعلامية تؤكد ان النقمة التي جرت على الفيليين بسبب كونهم من المذهب الشيعي ناسين او متناسين فيما لو صحت هذه الادعاءات لخلت المحافظات الجنوبية من البشر .. بالمقابل التيارات العلمانية والقومية حاولت كسب هذا الصوت الا ان الاتجاهين قد فشلا في حصول اية شخصية فيلية على الاصوات المطلوبة .. مما تقدم نصل الى حقائق ثابتة وهي ان الفيليين شريحة كبيرة من الشعب الكوردي لها تاريخ حافل في مسيرة الانسانية تعرضت على مر التاريخ الى حملات تهميش واسعة اخرها ما حصل في ثمانينيات القرن الماضي حينما اقدمت السلطة الدكتاتورية على ارتكاب ابشع ماساة انسانية والتي ستبقى تداعياتها على مر الزمن ..
التاريخ يشهد مطالبة رمز الامة الكوردية مصطفى البارزاني في مطالبته بمنصب نائب رئيس الجمهورية للكورد الفيليين عند اصراره على ان يكون المنصب للسيد حبيب محمد كريم وهو من الكورد الفيليين ، الترشيح الذي رفض من جانب السلطة في وقتها بسبب فيليته ، منذ تلك الفترة ولحد الان لم يكن من نصيب هذه الشريحة سوى الوعود التي لم تسمن ولم تغن من جوع فما زالت السلطات التشريعية والتنفيذية تفتقد شخصية فيلية او من كورد الوسط والجنوب مؤثرة تأخذ على عاتقها ايصال مظلومياتها الى مصادر القرار . للاسباب المار ذكرها ومن الوقائع المطروحة على الساحة هناك قضية تجذرت وتعقدت بسبب اهمال السلطات المتعاقبة وستبقى على هذه الحالة شأن القضايا الدولية التي تآكلت مع السنين كقضايا فلسطين وقبرص وكشمير والاف من مثيلاتها اذا فقدت الجدية في التصدي لها .

فريدون كريم ملك

المصدر: التآخي، 16/6/2010