الكورد الفيليين .. أين أنتم في العراق الجديد ؟

لا نعتقد أن الحكومة ومجلس النواب وكل صاحب ضمير لا يعرفوا أن الكورد الفيليين عراقيون أصلاء لم تزل اعداد كبيرة منهم تقيم في خيام لا تقيهم متقلبات الطقس...

مهجرين في أقاصي جمهورية إيران الأسلامية ! لاحقوق لديهم ولاأوضاع قانونية محرومين من أبسط ما توفره الدول الى اللاجئين او المهاجرين أو المنفيين ، لم يتم استعادتهم ولاترتيب أوضاعهم القانونية والأنسانية . وحدهم الكورد الفيليين بقوا دون جنسية لم تنصفهم المنظمة الدولية ولاتم تطبيق لائحة حقوق الأنسان عليهم ، ووحدهم الكورد الفيليين من أستخدمت عليهم التجارب البايلوجية والمختبرية دون ضجيج او استنكار دولي ، ووحدهم الكورد الفيليين من سحبت جميع مستمسكاتهم الرسمية وجردوا من جميع وثائقهم الوطنية ، ووحدهم الكورد الفيليين من تم تهجيرهم جماعيا على فترات زمنية طويلة منظمة تقوم بها السلطة الحاكمة البائدة بشكل مستمر ، ووحدهم الكورد الفيليين من سلبت ممتلكاتهم ولم تعد لهم بالطريقة التي أخذت منهم ، ولا اعيدت اليهم مستحقاتهم بشكل يسير . ولا نعتقد أن احدا من قياداتنا السياسية لايعرف معاناة هذه العوائل التي تم تهجيرها قسرا وأنتزعت حقوقها وسلبت منها اموالها وروعت ارواحها وغيبت شبابها وشتت عوائلها وظلمت بطرق خسيسة تنم عن انحطاط عقل الحاكم في محاربة الشرفاء ، ولكن لم تستطع أن تسلب منهم عراقيتهم وتاريخهم المجيد وأصالتهم . لا نعتقد أن احدا من قياداتنا لايعرف معاناة تلك العوائل التي مضى عليها أكثر من ربع القرن تعيش في خيام من قماش في عراء خارج المدن بعيدا عن الناس يشح عليها قنينة النفط والماء في ظروف معاشية قاسية ، ولا تصلها حصتها من المواد الغذائية التي تقررت لكل مواطن عراقي ، ولاتم التعامل معها على أساس عراقيتها وحقها الدستوري في المواطنة . وإذا كان النظام البائد قام بتسفير اكثر من نصف مليون من ابناء تلك العوائل الفيلية تمت معاملتهم معاملة لاتليق بالبشر وتحط من كرامتهم وكلنا نعرف بانهم أهل الكرامة ، وسلب النظام البائد منها حقوقها وسرق اموالها وحرمها من الحياة التي تليق بالبشر ، وجعلها عرضة للذئاب البشرية والبرية في ليل بهيم قطعت به الحدود البرية بأتجاه اراضي امتلأت بالالغام وقطاع الطرق والحيوانات الجائعة ليس لها سوى الله الذي كان يشاهد ماجرى عليها ، مثلما نعرف أسباب تلك العمليات التي طالت تلك الشريحة العراقية الأصيلة التي لم تخلو منهم واقعة تاريخية ، ولاتجاوزتهم سجلات الأحزاب الوطنية المناضلة في العراق ، ولاهمشهم تاريخ العراق الحديث ، وإذا كانت تلك الشريحة التي مارس عليها نظام صدام كل تلك الجرائم التي لم تمارس على شعب في تاريخ الأنسانية قديما أو حديثا ، حق لنا أن نسأل عن أسباب أغماض العيون وسد الآذان عن حقوق الكورد الفيليين ؟ لم نسمع صوتا جريئا وصادقا من سياسي عراقي أو عضو في مجلس النواب أو وزيرا او صاحب مركز في الحكومة الجديدة يجاهر بأنه لايؤمن بتلك الحقوق ولايعتقد أن الكورد الفيليين العراقيين ظلموا كثيرا وليس لهم على العراق أي حق ، ولايمكن ان يتساوون مع حقوق العراقيين !! فجميع من سمعناهم يتعاطفون مع قضية الكورد الفيليين ، وجميع من ألقوا الخطابات تضمنت المطالبة بانصافهم وإعادة حقوقهم ، وجميع من صرح للصحف والفضائيات تضامن معهم ، ولكن من يقف ضد قضية الكورد الفيليين ؟ ومن يريد ان تسلب عراقيتهم ويشطب تاريخهم العراقي المجيد ؟ وإذا لم يكن احدا ضد قضيتهم فلماذا هذا التجاهل والتغافل عن إعادة تلك الحقوق ؟ ولماذا لاتفكر تلك العقول باستعادة الآلاف من العراقيين من ابناء الكورد الفيليين من مخيمات إيران بشتى السبل ؟ ولماذا لم يفكر مجلس النواب بإعادة حقوقهم المسلوبة والمنهوبة من قبل سلطة صدام بقرارات منصفة ؟ ولماذا لم تفكر الحكومة ومجلس النواب في كل دوراته السابقة بقرارات تنصفهم وتعيد لهم اموالهم وحقوقهم الشرعية التي سرقتها السلطة واستغلتها سلطات الأمن الصدامية ؟ وفوق كل هذا وقبل كل ذاك أين جثث اولادهم وقبورهم ؟ فقد غيب منهم أكثر من سبعة عشر ألف شاب ، لم يتم إنصافهم ولامعالجة قضيتهم حتى اليوم ، بل وماذا عملنا لقوافل الشهداء الذين قدموا أرواحهم للعراق ؟ وماذا قررنا لتلك الأمهات الثكالى اللواتي لم يزلن حتى اليوم يصرخن بحرقة باحثات عن مصير فلذات أكبادهن ؟ أما آن لنا ان نتساءل ماذا قدمنا لتلك الشريحة التي تحتفل سنويا في نيسان من كل عام بذكرى شهداءها استذكارا رمزيا ومتواضعا في داخل او خارج العراق ؟ لايشاركهم احد ، وأن شارك فمجرد خجلا من دعوة وتسجيلا للحضور والتعاطف الرمزي . الكورد الفيليين ليسوا بحاجة للتعاطف الرمزي وليسوا بحاجة لدموع المشاركة الرمزية ايها السادة ،والكورد الفيليين شبعوا من العواطف مثلما شبعوا من الوعود ، انهم ليسوا بحاجة لحضوركم تجمعات استذكار شهداؤهم المغيبين أو الذين تعرفت الحكومة على قسم من مقابرهم الجماعية واماكن قبورهم أو حتى الأماكن التي تعرضوا فيها للتجارب الكيمياوية وحملات سحب الدم والدفن في صحراء السلمان ، والكورد الفيليين ليسوا بحاجة للأصطفاف مع شريحة قومية أو مذهبية أو سياسية ، فقد رسموا تاريخهم بدماء الشباب ودموع الأمهات فوق ضمير العراق ، وهم وحدهم من اعطى ولم يأخذ ، وهم الشريحة التي لم تزل حتى اليوم تعاني من التهميش والنسيان ، وهم المظلومين الذين ظلمتهم سلطة صدام ولم تنصفهم الحكومات المؤقتة او المنتخبة التي جاءت بعد سقوط الدكتاتورية . الكورد الفيليين بحاجة لمراجعة وجدانية وضميرية تراجع ماحل بتلك الشريحة وتعيد لها مايليق بها ان تكون في العراق ، وان نعيد قراءة تاريخ العراق القديم والحديث ونتعرف بعمق موقعهم وعمقهم في هذا التاريخ ، وبحاجة لوقفة عراقية تسجل بفخر وأعتزاز لكل حزب او سياسي او كتلة برلمانية أو مسؤول حكومي يساهم في إزاحة كتل الظلم المتراكم فوق كاهلهم ، ويكشف للعالم المحنة والمأساة التي مرت بهم وعليهم ، فلم يزلوا صامتين متمسكين بأصالتهم وعراقيتهم ، ولم يزلوا بالرغم من كل المحن والتشرد والاغتراب يعطون ولايتوقعون ان يأخذوا ، كلهم ثقة وأمل بشعبهم العراقي الذين شكلوا جزء أساسي ومهم منه ، وكلهم ثقة إنهم لم يناضلوا ويتحملوا من أجل قوميتهم الكوردية ولا من أجل انتماؤهم الطائفي ولاحتى في انتماءات طبقتهم الواعية والمثقفة في الحركات السياسية الوطنية في العراق ، فقد ناضلوا من أجل العراق الفيدرالي الديمقراطي وتاريخ العراق الحديث شاهد قريب على ذلك . وبعد كل هذا أما آن الآوان ان نتساءل عن مكان الكورد الفيليين في العراق الديمقراطي الفيدرالي اليوم ..

زهير كاظم عبود

المصدر: مؤسسة شفق، 1/6/2010