انتصارات أمنية عراقية جديرة بالتثمين

أفادت الأنباء أن القوات الأمنية العراقية ألقت القبض يوم 3 مايس/أيار الجاري على إرهابي سعودي يدعى عبدالله عزام صالح القحطاني، وذلك على أثر نجاح العمليات المشتركة التي قامت بها القوات العراقية - الأمريكية في شهر نيسان/أبريل الماضي، والتي قُتل فيها الإرهابيان القياديان في منظمة القاعدة: أبو عمر البغدادي، وأبو أيوب المصري. وفي البيت الذي قتل فيه الإرهابيان تم العثور على كنز لا يثمن من المعلومات الخطيرة عن هذه المنظمة الإرهابية، وخططها، وأعضائها، وتحركاتها، الأمر الذي ساعد القوات الأمنية العراقية على إلقاء القبض على المزيد من الإرهابيين وملاحقتهم.

الخطير في هذه الأنباء ليس إلقاء القبض على إرهابي سعودي آخر، لأنه ليس لأول مرة، وبالتأكيد ليس لآخرة مرة يلقى القبض على إرهابيين سعوديين وغير سعوديين في العراق، فالإرهابيون هم "هدايا" الأشقاء العرب إلى الشعب العراقي منذ سقوط معبودهم الصنم البعثي، بل الأهم من كل ذلك هو العثور على مخططات إرهابية لهذه المنظمة، ومنها رسالة بخط القحطاني لصديق له يبين فيها عن مخطط إرهابي كانت قد أعدته القاعدة لشن هجوم على فريقَيْ الدنمارك وهولندا في دورة كأس العالم لكرة القدم في جنوب أفريقيا. كما وتفيد الرسالة أنه في حالة عدم تمكن المنفذين من الوصول إلى الفريقين الرياضيين، فالبديل هو شن الهجوم على جمهور المشجعين لهما إثناء المباراة لقتل أكبر عدد ممكن منهم، وذلك انتقاماً لما نشرت إحدى الصحف الدنيماركية قبل سنوات صوراً مسيئة عن النبي محمد، والفيلم الذي أخرجه السياسي الهولندي Geert Wilders ضد القرآن والإسلام.

هذه المعلومات لها دلالات خطيرة نوجزها بما يلي:
الدلالة الأولى هي، دور السلطات السعودية في الإرهاب ضد العراق، فالقحطاني هو مواطن سعودي، كما وتفيد تقارير سابقة أن في سجن واحد فقط من سجون كردستان يوجد نحو 49 إرهابياً سعودياً، ناهيك عن السجون والمعتقلات العراقية الأخرى. فهل جاء هؤلاء إلى العراق للسياحة؟ كذلك صرح ديفيد بترايوس قبل عامين أن نحو 50% من الإرهابيين الأجانب، ومعظم الانتحاريين في العراق هم من السعودية دخلوا العراق عن طريق سوريا. لذلك فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يعقل أن يأتي هؤلاء الإرهابيون السعوديون إلى العراق دون موافقة المسئولين السعوديين، خاصة والمعروف عن النظام السعودي أنه نظام بوليسي قمعي يحصي على الناس أنفاسهم، والأمن السعودي الذي كان يترأسه الأمير تركي الفيصل، له دور في تأسيس منظمة القاعدة، وتمويل المجاهدين الأفغان في الربع الأخير من القرن العشرين، و بناء المدارس الدينية في باكستان التي تخرج منها طالبان، و15 من 19 من الذين قاموا بجريمة 11 سبتمبر 2001 هم سعوديون، فهل يعقل أن يتم كل ذلك بدون علم وموافقة الحكومة السعودية؟ هذا السؤال نطرحه على السياسيين العراقيين الذين يستنجدون بالسعودية ويستقوون بها لحكم العراق بدلاً من الاعتماد على شعبهم.

كذلك نلاحظ الموقف السعودي السلبي من الحكومة العراقية، وما يشنه الإعلام السعودي من حملات إعلامية ضد العراق الجديد، ليس آخرها تدخل الأمير تركي الفيصل الرئيس الأسبق للمخابرات السعودية، ضد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، واتهامه (بمحاولة "الاستحواذ" على نتائج الانتخابات التشريعية العراقية التي فاز بها منافسه اياد علاوي). إنها من سخرية الأقدار أن يخرج علينا أمير سعودي يذرف دموع التماسيح على الديمقراطية في العراق.

فمن تاريخ العلاقات السعودية – العراقية منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وإلى الآن، لم تكن هذه العلاقات في صالح العراق إلا في فترة حكم البعث الصدامي الذي كان يسوم الشعب العراق سوء العذاب. لذلك فإن انحياز السعودية لأياد علاوي، وهجومها على المالكي قد أساءت لسمعة الأول وقدمت خدمة جليلة للثاني، لأن معاداة السعودية لأية جهة عراقية دليل على وطنية وإخلاص تلك الجهة لمصلحة العراق وشعبه، والعكس بالعكس.

الدلالة الثانية لهذه المعلومات، هي أن السلطات العراقية حققت نجاحات لا يستهان بها في مجال تطهير أجهزتها الأمنية وقواتها المسلحة من المندسين الإرهابيين من البعثيين وحلفائهم من أتباع القاعدة. فالمعروف أن الحرب ضد الإرهاب ليست حرب جيوش فقط، بل في معظمها هي حرب استخباراتية ومعلومات، والمعرفة الكافية بتحركات العدو وخططه مسبقاً. ويبدو أن الأجهزة الأمنية العراقية قد نجحت في سد هذه الثغرة بتكوين أجهزة إستخباراتية عالية الكفاءة، فكسبت القدرة في أخذ المبادرة في ملاحقة الإرهاب ودحره، الإنجاز الذي تستحق عليه الثناء والتقدير والتشجيع.

ثالثاً، لقد تحققت هذه النجاحات بفضل جهود المخلصين العراقيين وتضحياتهم، ودعم القوات الأمريكية لهم، لذا فليس مستبعداً أن يصبح العراق من البلدان القليلة التي تتمتع بالخبرة والقدرة في ملاحقة الإرهاب ودحره. وهذا التطور النوعي في قدرات الأجهزة الأمنية العراقية دليل آخر على ضرورة الحفاظ على العلاقات الإستراتيجية بين العراق وأمريكا. فالعراق محاط بالأعداء من أمثال السعودية وإيران وسورية، ولا بد من حليف قوي مثل أمريكا للعراق.

رابعاً، وبناءً على ما كشفته هذه المعلومات التي في حوزة الأجهزة الأمنية، أن دحر الإرهاب في العراق ليس في صالح العراق فحسب، وإنما في صالح العالم كله، وبالأخص دول الجوار، إذ من كان يتصور أن تتمكن منظمة القاعدة في العراق بوضع خطط لعمليات إرهابية بهذه الخطورة مثل الهجوم على الفرق الرياضية في السباقات العالمية في جنوب أفريقيا مثلاً. ومن هنا فعلى العالم، وبالأخص دول الجوار، أن تعيد النظر في مواقفها المعادية للعراق، وتكف عن التدخل في الشأن العراقي، فالإرهاب الذي يدعمونه في العراق لا بد وأن ينقلب عليهم في القريب العاجل، ويشعل النيران في بلدانهم، وليتعلموا مما ارتكبوه من أخطاء في باكستان وأفغانستان بدعمهم لطالبان ومن يسمونهم بالمجاهدين، حيث انقلب السحر على الساحر، فالحكمة تفيد: من حفر جباً لأخيه وقع فيه.

د. عبدالخالق حسين
22/5/2010
ـــــــــــــــــــــــ
العنوان الإلكتروني للكاتب: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com

الموقع الشخصي للكاتب: www.abdulkhaliqhussein.com