اما آن اوان انصاف المرحلين من اهالي مندلي وخانقين؟

ماجد السوره ميري، التآخي، 11/5/2010

في زحام المناسبات التي يتم فيها استذكار الجرائم والمآسي التي اقترفها النظام السابق بحق مختلف شرائح المجتمع العراقي ، ثمة مناسبات تمر مر الكرام دون ان ينتبه احد ، ففي عراق اليوم ، حتى المآسي والجرائم تخضع لمفهوم المحاصصة سيىء الصيت ، فمن كانت له القوة والاثرة في البرلمان والحكومة له ما يوازيهما في مجال طرح قضاياه ومناسباته على جميع الاصعدة ، قضائية كانت ام حكومية ام اعلامية ، ولعلنا لن نتجنى على احد اذا ردنا مع انفسنا ما درج عليه العراقيون في قولهم ، (الكم الله يا ولد الخايبة) !!.
تشكلت محكمة الجنايات العراقية العليا بعيد سقوط النظام، واستبشر ذوو الشهداء والضحايا وجيوش ارامل وايتام الفزاعات الدونكيشوتية، بانهم باتوا قريبين من ان تقر عيونهم بانزال القصاص بمرتكبي القتل والتشريد والتشويه ، ولكن المحاكمة بدأت بقضية ، لم تخطر ببال حتى ضحاياها بأنها هي التي ستتصدر اهتمامات القضاء والحكومة والهيئات المرتبطة بها ، مع جل احترامنا لكل قطرة دم ودمعة عراقية عزيزة هي موضع التبجيل والاحترام ، فقد حوكمت زمرة من القتلة بضمنهم راس النظام صدام حسين على خلفية محاولة تصفيته في الدجيل وما تلاها من اجراءات تعسفية بحق العشرات من المواطنين وتخريب بيوتهم وبساتينهم وصدر بحقه على خلفيتها حكم بالاعدام ونفذ فيه بعد مدة . وهكذا كانت للانتفاضة الشعبانية في الجنوب قضية ومثلها للانتفاضة الربيعية في كوردستان وثالثة للاحزاب الدينية ورابعة للأحزاب العلمانية وغيرها لقضية الكورد الفيليين وأخرى لجريمة التطهير العرقي.
نعود لما صدر من المقال ونشير الى احدى الجرائم التي ما انتبه اليها الجميع ولم تدخل قاموس الاعلام وهي على فظاعتها لا تقل عن أي من تلك الجرائم التي حوكم عليها اولئك النفر من قيادات البعث وجلاوزته .
هذه الجريمة حدثت بعيد اتفاقية آذار 1975 الخيانية التي تنازل فيها صدام والبعث عن جزء عزيز من ارض العراق ومياهه في شط العرب لصالح شاه ايران المقبور ، لقاء الاجهاز على الثورة الشعبية في كوردستان العراق التي وصلت الى مراحل متقدمة من تحقيق اهدافها.
في العشر الاواخر من آذار تلك السنة وما تلاها من الزمان قامت الحكومة البعثية بالهجوم على جميع القرى الكوردية التي تحيط بمدن خانقين ومندلي وغيرهما والقت باهلها (وجلهم من الفلاحين والمزارعين البسطاء) في العجلات العسكرية ورحلتهم الى وسط وجنوب العراق في اولى جرائم التطهير العرقي والابادة الجماعية وذلك عبر عدة مراحل استمرت الى شهر تشرين الثاني من العام نفسه ، وطالت حوالي 50 قرية كوردية في خانقين وحدها ، وكنت شخصيا احد شهود العيان على تلك الجريمة ، فقد اطبقت قوة كبيرة من الجيش ترافقها سيارات تابعة للحكومة المحلية واجهزة الامن ومنظمة حزب البعث على القرية التي كنا نسكنها وحملتنا في عجلات الـ(زيل) العسكرية في رحلة طويلة مجهولة نحو المستقبل المرعب الذي كنا ننتظره لاننا لم نكن نعلم ماهي جريرتنا والى اين يمضون بنا ، حتى وصلوا بنا الى مدينة سلمان باك “المدائن” جنوب العاصمة حيث تم توزيع عوائلنا فرادى على القرى والنواحي التابعة لها في حينه. وفي الوقت نفسه استقدمت الاف العوائل من الوسط والجنوب واسكنتهم في قرانا وسهلت لهم كل الامكانات من اجل ما سميت بسياسة التعريب والتغيير الديموغرافي لتلك المناطق التي تسمى اليوم (مناطق متنازع عليها).
ان الحديث عن هذه الجريمة والتركيز عليها والنظر في المشكلات التي خلفتها والسعي لحلها والاهتمام بمن عاد من العوائل المرحلة وتعويضها وتقديم التسهيلات المتاحة لعودة من بقي منها في المنافي ، لمن الضرورة بمكان ، ليست لانها افظع من باقي الجرائم التي ارتكبها البعث وصدام ولكنها كانت الفاتح لما بعدها ، اذ ان جميع الجرائم الوحشية تلتها زمنيا ، وكأنها كانت محاولة من النظام لجس نبض الرأي العام العراقي والعالمي ، فلما رأت السكوت المشين من كل الهيئات المحلية والدولية في حينها ، استكلبت وعتت وقامت بما هو افظع واكبر وكان الخاسر الوحيد هو الشعب العراقي بجميع اطيافه!!