جرائم الأنفال والإعتذار للكورد

منذر الفضل / جرت صباح الاربعاء الماضي مراسيم إحياء الذكرى 22 لجريمة الأنفال في ناحية رزكاري بمنطقة كرميان...

بحضور عدد كبير من المسؤولين الحكوميين والحزبيين وممثلي القنصليات ومكاتب السفارات في إقليم كوردستان وجمع غفير من ذوي ضحايا الأنفال وأهالي كرميان الكرام . وقد استقبلت مدينة جمجمال رفات 104 من الاطفال الكورد وامرأتين كانتا حاملتين وقت حصول الجريمة وكلهم من ضحايا عمليات الانفال الإجرامية التي نفذها نظام البعث البائد عام 1988. ولا شك ان هذه الجريمة ليست الوحيدة وانما هي سلسلة من حلقات جرائم إبادة الجنس البشري ضد الكورد التي ظل العالم كله ، اسلاميا وعربيا ودوليا ، ساكتا عنها وهو صمت غريب ويثير الشجون شجع الطاغية على الاستمرار في إرتكاب المزيد من جرائمه الوحشية ضد شعب آمن يحب السلم والحياة والاستقرار . وتهدف جريمة إبادة الجنس البشري (الجينوسايد) الى قتل الجماعات او المجموعة البشرية بوسائل مختلفة وتعتبر من الإعمال الخطيرة التي تهدد أمن وسلامة المجتمع لأنها تؤدي الى إبادة أو اضطهاد كائنات انسانية كليا او جزئيا بسبب طبيعتهم الوطنية او العرقية او السلالية او الدينية ، وهي ترتكب بصورة عمدية ولا تنحصر أثارها على الوضع الداخلي للدولة التي تقع في نطاق حدودها الإقليمية و انما تمتد حتى الى الأسرة الدولية بسبب أثارها الشاملة كما أنها ليست من الجرائم السياسية و انما تعد من الجرائم العمدية العادية حتى وان ارتكبت بباعث سياسي لأن هناك فرقا بين الجريمة التي ترتكب بباعث سياسي وتلك التي ترتكب بباعث غير سياسي . ان جرائم الإنفال سيئة الصيت وحلبجة الشهيدة وتسميم مناطق كوردستان وزراعتها بالإلغام وتغييب 8 ألاف من البارزانيين والالاف من الكورد الفيليين وإغتيال عشرات الشخصيات الكوردية وغيرها من الجرائم البشعة التي صارت لا تعد ولا تحصى تعتبر من أخطر الجرائم الدولية التي ارتكبت ضد الشعب الكوردي وضد كوردستان من خلال محاولات تطهير العرق الكوردي جغرافيا، أي من المناطق الكوردية، والإبادة الثقافية.

لقد قام نظام صدام بدفن ضحاياه من الكورد المؤنفلين في كوردستان وفي صحارى النجف وكربلاء والبصرة والعمارة والسماوة والحضر في الموصل وغيرها من المدن العراقية . ولم يسلم حتى الاطفال الكورد الإبرياء ولا النساء الحوامل من هذه الافعال الاجرامية التي يجب ان يدينها العالم كله بصورة رسمية والذي بقي في صمت مثل صمت القبور عنها ، فأي حقد دفين كان يضمره الطاغية وأركان نظامه وحزبه الفاشي ضد الشعب الكوردي وكوردستان ؟

ان هذه الأعمال الشريرة تعتبر من جرائم الحرب الخطيرة ولا يمكن أن تسقط بالتقادم مهما مر من الزمان وان الفاعل لها يعد مجرما دوليا عاديا ولا يمكن أن يتذرع المجرم الدولي بأنه ارتكب جريمته لأغراض أو بدوافع سياسية أو يدعي بأنه نفذ الاوامر العليا . فالمجرم الدولي ليس مجرما سياسيا ولا يمنح حق اللجوء السياسي مطلقا مهما كان منصب الفاعل دستوريا وقانونيا وليس له حصانة دستورية او قانونية اذ ما يزال هناك العديد من المتهمين بهذه الجرائم لم يقدموا للقضاء ويجب محاكمتهم عن هذه الافعال الاجرامية إذ لا يكفي محاكمة بعض رموز النظام السابق وإستثناء أخرين بحجج واهية مثل المصالحة الوطنية أو غيرها لأن المصالحة مع هؤلاء لا تجوز دستوريا ولا قانونيا .

لقد اعترف مجلس النواب العراقي بأن ما حصل للكورد هو جريمة ابادة للجنس البشري كما جاء وصف حكم المحكمة الجنائية العراقية المختصة مطابقا لذلك أيضا وهو ما ذهب اليه قرار مجلس رئاسة الجمهورية العراقية رقم 26 في 10 ايلول 2008 كذلك وهذا كله يرتب اثارا قانونية في المستقبل المنظور بالنسبة لحقوق الكورد السياسية والدستورية والقانونية .

وعلى الرغم من سقوط نظام البعث الفاشي ، ما تزال هناك العديد من الاصوات العربية العنصرية تبرر هذه الجرائم و تتنكر من المسؤولية وتحاول تبرئة النظام السابق منها وهو مما يؤسف له حقا . ان الشعب الكوردي هو من الشعوب الحية ولم تفلح مثل هذه السياسات ان تهزمه او تقلل من عزيمته حيث بقى قويا شامخا و متمسكا بوطنه وقضيته العادلة في حين ذهب الطغاة الى مزبلة التاريخ .

ان الواجب الاخلاقي والانساني يوجب علينا نحن العرب الاعتذار من الشعب الكوردي عن جرائم بعض العرب من ذوي الفكر العنصري الذين ارتكبوا جرائم خطيرة وعمدية ضد الكورد حيث كان ينبغي فعل المستحيل للحيلولة بين النازية العربية وجرائمها ضد الشعب الكوردي وان لا تسكت عليها الشعوب العربية والاسلامية ودول العالم أجمع مطلقا مهما كانت قوة الاجهزة القمعية وأيا كان الخوف الذي ينشره بين العراقيين وغيرهم في داخل العراق وخارجه حيث ان هذا الاعتذار له مغزى ودلالة رمزية وقد سبق وأن مارسته شعوب كثيرة في العالم . ولهذا فأنني أنحني إجلالا وإحتراما لتضحيات الكورد ولشهدائهم وللبيشمركه الابطال ، تلك النسور الجبلية الشجاعة في هذه الذكرى المؤلمة ، ولابد من تنفيذ أحكام القضاء العراقي وتعويض جميع المتضررين من النواحي المادية والمعنوية من خزينة الحكومة الاتحادية في بغداد بسبب جرائم النظام السابق وإعادة جميع حقوق الكورد حسب الدستور العراقي النافذ لعام 2005 .

المصدر: مؤسسة شفق، 22/4/2010