الراحل علي باباخان .. اضاءة على مقال السيد عزيز الحاج

في سلسلة مقالات تحت عنوان راحلون وذكريات نشر السيد عزيز الحاج مقالا عن الراحل الدكتور علي باباخان ولكونه كان زميلا عزيزا لي ببغداد وكنت على علاقة وثيقة باسرته التي عاشت في شارع الكفاح / عقد الاكراد ، لذلك رغبت باضاءة بعض الجوانب المشرقة عن حياته وحياة اسرته وفاء لذكراه.
هو علي محمود خورشيد باباخان ، كان يكبرني بعام او عامين اي انه من مواليد 1946 ، وكان يدرس في بغداد / ثانوية النضال ، الواقعة في منطقة السنك ، وكنت واخيه عبد العزيز محمود ندرس في الاعدادية المركزية.
حين اكمل الثانوية اوائل السبعينات فضل التفرغ للعمل لرغبته السفر خارج العراق ، فعمل لدى محل بيع الالبسة الجاهزة – مغازة - الذي كان يملكه المناضل محمد حسن برزو ، في شارع الرشيد مقابل سينما الشعب ، كان علي باباخان شابا انيقا يلتزم باللباس الرسمي ويحاول انتقاء البدلات الانيقة والالوان الجميلة وكنا نستشيره عند شراء الملابس ، وخاصة القمصان والبلوزات التي كان يحرص على عرضها بشكل انيق في المغازة التي يعمل فيها ، ومحمد حسن برزو شخصية كوردية فيلية معروفة، كان سياسيا مطاردا وعمل فيما بعد في صحيفة النور التي اصدرها السيد جلال الطالباني ببغداد اواسط الستينات ، وكانت زوجته تشرف على محل بيع الالبسة حين كان مختفيا عن اعين السلطة ، ومعروف ان محمد حسن برزو اغتيل فيما بعد على ايدي النظام البعثي في ساحة النهضة – شارع الكفاح – اوائل السبعينات .
قصدت يوما المحل – المغازة - التي كان يعمل فيها علي باباخان واعتقد كان احد ايام عام 1970 لزيارته كعادتي اذ كنا نلتقي وندردش في السياسة و عن الدراسة في الخارج وغير ذلك من القضايا ، وحين دخلت المحل واجهت شخصا خرج امامي لم يلفت نظري لانه كان يرتدي ملابس اعتيادية ، ويحمل حقيبة جلدية في يده، فقال لي علي هل شاهدت الرجل الذي خرج ، قلت نعم مابه ، قال انه عزيز الحاج، و اضاف هل انتبهت الى الحقيبة التي في يده ، كان فيها مسدس .
طبعا كان اسم عزيز الحاج قبل وبعد ندوته الشهيرة في التلفزيون عام 1969 معروفا في العراق وخاصة بين اوساط السياسيين والكورد الفيليين ببغداد.
كانت اسرة الراحل علي باباخان مثال الاسرة التي عانت الامرين على يد النظام البعثي منذ عام 1963 ، فقد كانت تتالف من اربعة اخوة واخت ، هم محمد جعفر ، ومحمد باقر ، وعلي ، وعبد العزيز واختهم التي تفرغت للعناية باخوتها بسبب فقدان امهم في وقت مبكر.
اما الاخ الاكبر محمد جعفر بابا خان فقد كان من ابطال عكد الاكراد في مقاومة انقلاب شباط 1963 الذي دارت فيه رحى المعارك في شارع الكفاح وبين بيوت الكورد الفيليين رغم تحشيد البعثيين لقواتهم الجبانة التي استطاعت الاستيلاء على الدفاع ولكنها لم تستطع السيطرة على عكد الاكراد حتى في الاسابيع التالية ، اذ ظلت المقاومة ترهب الانقلابيين ، واستطاع محمد جعفر مغادرة العراق والوصول الى الاتحاد السوفيتي حين ذاك ، ثم عاد الى العراق اوائل السبعينات وعمل في باخرة 14 تموز كما اذكر وهي تابعة للملاحة البحرية العراقية، واخر مرة التقيت به كانت عندما عاد بعد اضراب قام به العمال على الباخرة وكان هوالمفاوض مع ادارة الباخرة ، وحسبما حدثنا به ان الاضراب عن العمل في الباخرة كان حين وصلت الباخرة الى المغرب فنقلتهم السلطات العراقية بالطائرة الى بغداد ، واستقال من العمل وغادر العراق فعلمت فيما بعد انه استقر في فرنسا وكان نشيطا في مقارعة النظام وتوفي هناك بشكل غامض اواسط الثمانينات .
بعد ان عمل الراحل علي باباخان لعامين او ثلاثة ، وجمع مبلغا من المال قرر ان يسافر الى اوربا فودعناه حين سافر في قطار الشرق الصاعد الى الموصل واستنبول ، في محطة القطار المعروفة الواقعة في ساحة المتحف / علاوي الحلة ، وكان الوقت مساء في حدود عام 1971 كما اذكر ، وكان الفصل صيفا .
ثم علمت بوصوله الى السويد ، ولكن بسبب شجار بين المهاجرين امرت السويد بمغادرتهم وخيرتهم البلد الذي يريدون الذهاب اليه ، فاختار الراحل علي باباخان فرنسا ، وهكذا استقر في فرنسا ، واستطاع دراسة اللغة الفرنسية واكمال شهادته العليا والزواج هناك ، وكنت قد راسلته فيما بعد على عنوانه في فرنسا لكي اسافر الى هناك وادرس الفرنسية فاخبرني بغلاء تكاليف الدراسة في فرنسا، وان دراسة اللغة الفرنسية تستغرق عامين في معهد في مدينة تولوز حسبما اذكر ، فتركت فكرة السفر الى فرنسا ، وسافرت الى اليونان عام 1976 على امل البقاء فيها والدراسة هناك ولكني وجدتها غير ملائمة فعدت ادراجي الى العراق ، ثم اضطررت المغادرة نهائيا الى الهند عام 1979 .
وكان اخوه الاصغر عبد العزيز باباخان زميلي قد غادر ايضا الى بريطانيا حوالي عام 1977 واستقر هناك والتقيت به فيما بعد حوالي عام 2000 في لندن ، وكان يعمل في استعلامات المؤتمر الوطني في المقرالذي افتتحه الدكتور احمد الجلبي في لندن .
ولما كان اخوهم محمد باقر واخته ظلا في العراق ولم يغادرا فقد تعرضا الى تسفير وتهجير مؤلم الى ايران بحجة التبعية ، رغم ان محمد باقر كان محاسبا تخرج في كلية التجارة وكان محاسبا معروفا ببغداد يعمل لدى شركات محاسبة . وفي طريق التهجير الى ايران تعرضا الى اعتداء اثيم من قبل عصابات النظام المنتشرة على الحدود العراقية الايرانية حدثني عنه عبد العزيز حين التقيته في لندن بالم كبير .
هذه بعض الملاحظا ت التي وددت ذكرها عن هذه الاسرة المناضلة التي عانت الكثير على يد النظام الفاشي وهي مثال لمعاناة الكورد الفيليين في العراق ونضالهم العنيد ضد الظلم والاضطهاد .
وشكرا للسيد عزيز الحاج لمبادرته الكتابة عن هذه الشخصية المناضلة ونتمنى من الكتاب اصدقاء الراحل والذين على معرفة بمصير اخيه محمد جعفر الذي توفي في باريس ايضا اضاءة ماحدث وعلى الاخص الدكتور اسماعيل قمندار الذي يعيش في فرنسا فهو من اقرب اقربائهم .
ملاحظة : بالنسبة للتواريخ التي ذكرتها تقريبية لاني لا اكتب عن وثيقة وانما عن الذاكرة وقد مضى على تلك الاحداث والذكريات اكثر من ربع قرن من الزمان .

د. مؤيد عبد الستار

المصدر: صوت العراق، 20/4/2010