ثلاثون عاماً على جريمة التطهير العرقي والتهجير القسري والتصفية الجسدية بحق الكرد الفيلية

من بين الجرائم الكبرى ضد الإنسانية التي اقترفها نظام البعث الفاشي بحق ابناء الشعب العراقي، نتذكر كل سنة جريمة تهجير الكرد الفيليين في نيسان من عام 1980 وانتزاع هويتهم الوطنية (الجنسية العراقية) ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم وعقاراتهم، واحتجاز اكثر من ستة عشر ألف شاب من أبناء المهجرين جرت تصفيتهم جسدياً بعد قضاء سنوات في سجون النظام.
والفيليون جزء مهم من الامة الكردية وانهم من سلالة الكوتيين والعيلاميين والكاشيين الذين نزحوا من جبال زاغروس لبناء حضارة وادي الرافدين او بلاد ما بين النهرين ويقطنون وسط وجنوب العراق ( كركوك، بغداد، خانقين، مندلي، بدرة، زرباطية) ولهم آثار تخلد حضارتهم في كيش قرب مدينة بابل، وعقرقوف، وعقر واشنوناك، وآثار حمرين خير شاهد على قدم صلتهم وارتباطهم ببلاد دجلة والفرات.
وتعد جريمة التهجير التي طالت اكثر من نصف مليون مواطن عراقي احدى اشكال الجريمة المنظمة.. جريمة التطهير العرقي ومن الجرائم الكبرى ضد الإنسانية، لكونها انتهاكاً فظاً لحقوق الانسان ومن الجرائم العمدية التي ترتكب عن قصد وتمس امن وسلامة المجتمع الدولي، ولا تسقط هذه الجريمة بتقادم الزمن، وتعد ايضا من جرائم الابادة الجماعية المتعمدة ضد قومية مضطهدة، وتسببت في قتل ستة عشر ألفاً من ابناء المهجرين على ايدي اجهزة النظام البعثي القمعية، وتسببت ايضاً في مقتل العشرات من المهجرين الذين القوا على الحدود العراقية- الايرانية وسط حقول الالغام التي تفجرت وقتلت العشرات بينهم اطفال ونساء وإصابة عشرات آخرين بجروح بليغة ادت الى العوق المستديم.
من بين الاسباب التي تذرع بها النظام الفاشي لتبرير فعلته الجبانة هذه هو: عدم ولاء الكرد الفيليين للوطن العراقي. بينما العكس هو الصحيح لان الكرد الفيليين كانوا ولا زالوا حريصين على انتمائهم للوطن العراقي، وكانوا في طليعة الحركة الوطنية العراقية بدليل مشاركتهم في ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني ضمن قرى ومدن محافظة ديالى، ومشاركتهم في حركة التحرر الوطني العراقية ضد معاهدة 1930 الداعية الى حرية واستقلال العراق، فضلاً عن مشاركتهم في وثبة كانون عام 1948 التي وأدت معاهدة بورت سموث، كما كان لهم شرف المشاركة في انتفاضة تشرين عام 1952 وانتفاضة تشرين عام 1956 استنكاراً للعدوان الثلاثي على مصر.
وعند قيام ثورة 14 تموز الوطنية عام 1958 هبت الجموع الفيلية للمشاركة في التظاهرات الجماهيرية الواسعة التي عمت البلاد لدعم ومساندة الثورة والوقوف بوجه محاولات التدخل الانگلو- امريكي ودول حلف بغداد لإجهاض الثورة. ووقف الكرد الفيليون في صف القوى الوطنية والديمقراطية في دعم حكومة الثورة في مواجهة المؤمرات التي كانت تحاك للنيل منها.. ولا زالت مقاومتهم الباسلة لانقلابيي 8 شباط عام 1963 الفاشيست طرية ولم تغادر ذاكرة العراقيين. ولا يمكن لاحد انكار دور الكرد الفيليين في الحركة الوطنية العراقية وبوجه خاص نشاطهم في صفوف الحزب الشيوعي العراقي وضمن صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني والحركات السياسية الاخرى وتحتل بجدارة أسماء لامعة للمناضلين الكرد في صفوف الحركتين الوطنيتين العراقية والكردستانية والاحزاب الدينية مثل حزب الدعوة الاسلامية، والمجلس الاسلامي الاعلى وقدموا شهداء على درب حرية الوطن العراقي ولا يمكن لاية جهة طمس هويتهم الوطنية وتأثيرهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في تطور العراق الحديث.
وخلال الاحتلال العثماني للعراق كان الكرد الفيليون يدفعون فاتورة باهظة الثمن جراء انتمائهم القومي واعتناقهم المذهب الشيعي أي كان الاضطهاد العثماني مضاعفاً ضد الكرد ومن اجل عدم سوق شبابهم الى الخدمة العسكرية في صفوف الجيش العثماني سجل غالبيتهم لدى السلطات العثمانية بأنهم من رعايا الدولة الايرانية خاصة في اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين انقاذاً لشبيبتهم من السوق الى الخدمة وزجهم في اتون حروب الدولة العثمانية. وبعد هزيمة الجيش التركي في الحرب العالمية الاولى، والاحتلال البريطاني للعراق.. الذي اضطر الى اقامة حكومة محلية لإدارة شؤون البلاد رضوخاً لمطالب ثورة العشرين.. اصدرت الحكومة الملكية العراقية قانون الجنسية رقم 42 لسنة 1924، اعتبر فيه رعايا الدولة العثمانية حتى وان لم يكونوا من أصول عراقية مثل (سلجوقي، تركي، شيشاني، داغستاني، الباني، مصري، سوري، نجدي) وغيرهم عراقيين من التبعية العثمانية أي مواطنون من الدرجة الاولى بينما اعتبر الكردي الفيلي ابن بلاد ما بين النهرين مواطناً من التبعية الايرانية (أي من الدرجة الثانية) لانهم مسجلون لدى السلطات العثمانية من رعايا الدولة الايرانية. وهكذا حرمت هذه الشريحة الاجتماعية وهذا المكون العراقي الاصيل واعتبروا مواطنين من اصول غير عراقية.. بينما الآخرون الذين كانوا بالفعل من اصول غير عراقية..استعربوا لاحقاً ولأنهم اتباع مذهب معين لا اعتراض عليه وفقاً لضوابط بيرسي كوكس النقيب، عراقيون من الدرجة الاولى وقد تبوأ قسم منهم مناصب سيادية في العهد الملكي والجمهوري وحتى بعد زوال الدكتاتورية. تجدهم اشد عداوة للكرد واشد عداوة لمعتنقي الديانات والمذاهب الاخرى، ودوماً هم المشاكسون ويقفون بالضد من سير العملية السياسية نحو النجاح.
والآن وبعد مضي ثلاثين عاماً على المأساة الانسانية التي وقعت على الكرد الفيليين وبعد مرور سبع سنوات على زوال نظام الجور والاستبداد، آن الاوان لإعادة الاعتبار الى هذه الشريحة الوطنية المناضلة اسوة بالضحايا من منتسبي حزب الدعوة الاسلامية الذين صدر قانون رقم 39 لسنة 2007 برد الاعتبار اليهم وتعويضهم تعويضاً مناسباً. كذلك قرار مجلس النواب رقم 26 لسنة 2008 الذي رد الاعتبار لضحايا النظام الفاشي في كردستان. ويتطلع الكرد الفيليون الى اليوم الذي يرد لهم فيه اعتبارهم كونهم مواطنين عراقيين ومناضلين اشداء ضد الفاشية والدكتاتورية، وتعويضهم عن ابنائهم المغيبين واعادة عقاراتهم واملاكهم وممتلكاتهم واموالهم.. فضلاً عن تعديل قانون الجنسية بما يتلاءم مع حقيقة كونهم مواطنين عراقيين ومن اصول عراقية وغير اجنبية، والغاء فقرة التبعية الايرانية من الجنسيات المعادة اليهم اسوة بباقي ابناء الوطن العراقي.
هذه هي محنة الكرد الفيليين مع الانظمة العراقية الشوفينية ولسان حالهم يقول:
الى متى يبقى الجرح الفيلي ينزف والعلاج متوفر؟

عبد الهادي مراد

المصدر: موقع الحزب الشيوعي العراقي، 14/4/2010