الكورد الفيليون والعثمنة .. من يزكي من ؟

العراق ما هو الا جغرافية وبيئة وإنسان وحضارة وثقافات وهوية وطنية تاريخية مشتركة تكونت وتواصلت وترسخت عبر الآف السنين ...
وقد دخلت عراق الخصب والخير اقوام مختلفة بحضاراتها وتقاليدها وثقافاتها ولغاتها وأديانها وألوانها فاندمجت فيه وامتدت جذورهـا فـي تربتـه للتتسامـح وتقبل الآخر وللتعايش معه ، حتى الغزاة والفاتحين والمحتلين لم يجدوا امامهـم الا ان يندمجوا مـع الحقيقـة التاريخيـة الخالدة لوادي الرافـدين . بعـد الحرب العالميـة الأولى وتقسيم كيان الإمبراطورية العثمانية التي كانت أساسا متفسخة وبعد مغادرة فلولها العراق ورغبـة في نفوس المحتلين الأنكليز بشكل خاص في ترك ارث معيب من التطرف الطائفي العنصري العدواني عبـر ايتامهـا مـن الغرباء والدخلاء من موظفيـن وعسكريين واداريين ومؤسسات واجهـزة جميعهـا مشبعـة بالثقافـة البغيضـة للتطرف الطائفي العنصري حيث انهم كانوا قلقين من ان يستعيـد العراقيون هويتهـم الوطنيـة مرة أخرى ويعيدوا ترتيب واصلاح كياناتهـم وطنياً وانسانياً لذلك أستعاروا لهـم ملكـاً غيـر عراقـي وقيادات عسكريـة ومدنية ومؤسسات أهم ما يتوفـر فيها هو التعصب والتطرف العنصري الطائفي وضعف الروابط الوطنيـة والأنتمـاء للعراق لذلك جعلوا العثمانيـة أساسا لهوية المواطنة للإنسان العراقي واجتثوا الانتماء التاريخي الذي تمتد جذوره لآلاف السنين للهويـة الوطنيـة التاريخيـة لمكونات ما بين النهرين ، فكانـت الشهادة الجنسيـة العثمانية مثلاً إحدى بشاعات ذلك التشويه الفض بعـد ان فرضوهـا بديلاً للانتماء التاريخي لأهل العراق . كان فـي مقدمـة ضحايـا تلك السياسـة المشينـة هـم الكورد الفيليـة وعراقيي الجنوب والوسط وشعب كوردستان والمكونات التاريخية الآخرى كالمسيحيين والتركمان وغيرهم اي الأكثر من ثمانيـة أعشار مجموع المجتمـع العراقي حيث تعرضت تلك المكونات الى دسائس إنكار الهوية والانتماء لعراق مـا بعـد العثمنة فتعرضت لحالات تهجيـر وانفلـة واجتثاث وتصفيات وابادات جماعيـة متواصلة على أسس عنصريـة طائفيـة وعلـى نفس الأسس تـم استيراد الغـرباء والدخلاء مـن الجوار العربي الإسلامي بغيـة إتمام تعريب واسلمـة المجتمع العراقي بكامله والغاء هويته الوطنية التاريخيـة بعـد اقتلاع جذور انتمائه لجغرافيتـه وبيئتــه ومجمـل عنـاصـر كينـونته . ليأتي بعدها النظام البعثـي الدمـوي وليـدا للتلاقـح بين العنصريـة العربيـة والطائفيـة العثمانيـة كان همجيـاً فـي انجاز الأجنـدة الخارجيـة لأجتثاث المكونات التاريخيـة للعراق فأستهدف عراقيو الجنوب والوسط والكورد الفيلية ومواطني كوردستان بأبشع حملات التعريب عبر الأنفلـة والأجتثاث والأبادة الجماعية والتهجير فكان نصيب الكورد الفيلية هـو الأبشع والأكثـر وحشية فتمت ابادة جيـل كامـل مـن تلك الشريحـة الصغيـرة عبـر اختطاف وتغييب اكثر مـن عشرة الآف شابـة وشاب وتهجيـر اكثـر مـن مليون انسان مـن عوائلهـم بعـد تجريدهـم تماماً مـن ممتلكاتهـم وابسط مقتنياتهـم وكـل مـالـه علاقـة بتاريـخ وذكريات اسلافهـم ، كانت طعنـة فـي خاصـرة العراق وجرحهـم لا زال ينـزف . اقتلعـوا كبـده وتركوه معوقاً بأعز اهله واقدم احفاده واروع تقاسيمه . وبعـد التغيير الذي حـدث في 9\4\2003 وسقوط البعث حزبـاً وعقيـدة ودولـة كان مفروضـاً ان تسارع السلطات المنتخبـة مـن قبـل اهـل العراق على اصلاح مـا خربـه الدخلاء الطارئون واخرهـم النظام البعثي المقيت على حقيقـة ومعالم وانسانية الهويـة الوطنيـة التاريخيـة لاهـل العراق والغـاء كـل مـا هـو مخجـل مـن التراث العثمانـي الطائفـي والعنصري وفي مقدمة ذلك الشهادة الجنسية سيئة الصيت والمعنى والأهداف والأغراض المشينة لابتكارها وفرضها . والسؤال هنا مـن يـزكي من ؟ العراق التاريخي بجلده وعظمه ودمه ام غسيل الغزاة والفاتحين والمحتلين المنتشر تشويهـاً علـى جسـده التاريخـي . الهويـة الوطنيـة التاريخيـة التي تكونت بالتفاعـل الأنساني عبر الآف السنين بين مكونات المجتـع العراقي . ام الأوراق الدخيلـة التي ابتكرتهـا البقايـا مـن ايتام الغزاة والمحتلين. شهـادة التاريخ والحضارة والثقافات والتقاليد والعادات وتمازج الدمـاء والأنتمـاء للجغرافيـة والبيئـة وعمق رسوخ الجذور الأجتماعيـة فـي التربـة الوطنيـة . ام شهادة الغزو والأحتلال والفتوحات المدمـرة للهمجيــة العثمانيــة . وكذلك الكورد الفيليون بأصالة عراقيتهم وارتباطهم المميـز بعراقهـم ورسوخهـم الروحي والأنساني عميقاً فـي تربـة التكوين العراقـي توأمـة مـع رسوخ البيئـة العراقيـة الشاملـة بتاريخهـم الوطنـي ومساهماتهـم المميـزة بينمـا الجوانب المشرقة فـي تاريخ العراق وحضارتـه ببسالتهـم وتضحياتهم للعراق واخوانهـم فيه مـن المكونات الأخرى . ام العثمنة الطارئة بشهاداتهـا وأوراقها ووثائقهـا وأيتامها وكامل ارثها . اترك الجواب مفتوح الجـرح امام المثقفين الوطنيين وحكومتنـا المنتخبـة بكـل ما لها وما عليها ، وكـل مـن يرى العـراق بعيـون اهلـه. فتحنـا عيوننـا فوجدنا التاريـخ يعيد كتابة واقعـه عبـر المؤرخيـن المنصفين محليين ومستشرقين عبر الحقائق الأثريـة والأدلـة والوقائـع فـي ادق تفاصيلهـا قـرأنـا وسمعنـا واقتنعنـا ولم نجـد نقيضا لكينونـة العراق التي تشكلت مـن النهرين والنخيل والجبال والصحراء والأهوار والكورد الفيليـون مثلهـم مثـل عراقيي الجنوب والوسـط وشعب كوردستان والمكونات التاريخية الأخرى . وشر الأمور ما يضحك ثـم يبكي الى النهاية ، ان نرى العراقي غريباً على جغرافيته ، والعراق منكـوب بأهله والوطن يرتـدي خجلاً عباءة والمحتلون والدخلاء بعـد ان سلخـوا عنـه جلـده الطبيعـي (الهويـة الوطنية المشتركة لمكونـاتــه التاريخيـة) .

شفق، الأربعاء، 24 مارس 2010