من سيشكل الحكومة القادمة؟

بغض النظر، عما تؤكده كل الكيانات المشاركة، الرابحة منها قبل الخاسرة، عن حدوث عمليات تزوير وتجاوزات في الانتخابات البرلمانية الاخيرة التي جرت في العراق، فان السؤال الاهم المطروح الان هو: من سيشكل الحكومة القادمة؟
هناك دلائل كثيرة تشير الى ان ائتلاف دولة القانون سيكلف اولا باجراء المباحثات لتشكيل الحكومة.
وعلى ضؤء ذلك يبذل خصومها محاولات كثيرة للتشكيك بصلابة الائتلاف وتماسكه ويختلقون الاخبار بما يدعم تمنياتهم هذه ، الا انني ارى ان هذا الائتلاف هو الاكثر تماسكا بين الائتلافات والكيانات المشاركة في الانتخابات الاخيرة، إذا استثنينا من ذلك التحالف الكردستاني.
فالائتلاف الوطني العراقي، على سبيل المثال، يضم ما يسمى بالتيار الصدري، الذي صار الآن اكبر مكونات هذا الائتلاف . وهذا التيارمستعد في اي وقت للخروج من الائتلاف الوطني العراقي وافتعال الازمات داخله أن لم يستطع جر الائتلاف الوطني العراقي الى مواقعه فيما يسميه معاداة امريكا (*) . وقد برزت في الايام القليلة الماضية ادلة كثيرة على استعداد التيار لتفتيت الائتلاف، ولعل اوضحها اللقاء الذي جرى بين ممثل التيار راكان الخفاجي واتعس البعثيين في القائمة العراقية (اسامة النجيفي) واعلانهما بعد اللقاء انهما كانا متفقين ومتطابقين في الاراء كليا بصدد جميع المسائل المبحوثة. وهذا لعمري لايتفق مع أراء الكثير من الداخلين في الائتلاف الوطني العراقي الذين كانوا وما يزالون يقودون ما تسمى حملة اجتثاث البعثيين من القائمة العراقية. وان صح ما قيل عن تطابق الاراء بين هذا الائتلاف والبعثيين الاقحاح في جماعة العراقية (جماعة النجيفي) فان ذلك يعني ان الائتلاف تخلى في أول يوم بعد الانتخابات عن وعوده الانتخابية . غير اني اشك في ذلك واجزم ان الامر ليس الا توافقا بين البعثيين الشيعة والبعثيين السنة ، كما كان الامر في السنوات والتحركات السابقة المعروفة ، ومن هنا فان الائتلاف منقسم لامحالة ولن يتفق مع الصدريين في توجهاتهم الصداقية مع البعثيين سوى ابراهيم الجعفري .

أما الائتلاف الثاني كبرا في العراق ( العراقية) فهو حاليا خليط انتخابي، بعثي ، قومي، اسلامي ، تركماني، يشبه في كثير من ملامحه الجبهة القومية الاسلامية الرجعية التي تكونت في الايام الاولى للتغيير الذي حصل في 14 تموز 1958 ، تلك الجبهة التي دمرت العراق بسياساتها الرعناء وقصر نظرها. غير ان الجبهة الحالية تضم ايضا بعض العقلاء الذين لن يرتضوا في النهاية ان يكونوا مطايا لحزب البعث بعد ما عانوا منه ، ان كان على الصعيد الشخصي او على الصعيد المناطقي والعشائري وحتى العرقي. ولذلك اتوقع ان تشتد الخلافات بين هؤلاء العقلاء واؤلئك الذين يتسمون بالرعونة والروح الانتقامية ، وعددهم غير قليل من بين اعضاء القائمة البارزين، وسيكون الموقف من كركوك والمناطق المتنازع عليها في ديالى والموصل هو القشة التي ستقصم ظهر البعير. وارجح ان يكون رئيس القائمة اياد علاوي وبعض المعتدلين الاخرين ( حسن العلوي ) اول الخارجين منها ، لانهم اضافة الى مواقفهم المعتدلة والصداقية مع التحالف الكردستاني، مستهدفون من العناصر البعثية الصرفة التي تريد ان تنتقم منهم، إن عاجلا او آجلا، بسبب مواقفهم من النظام السابق . وهنا اتوقع ايضا ان تحدث حركة تململ واستعادة وعي بين الجماهير التركمانية، التي اعطت اصواتها بقوة للبعثيين هذه المرة، وان تندم على مافعلت حين تعود الى تذكر مجازر نظام صدام حسين ضد التركمان وعمليات الترحيل التي تعرضوا لها على ايدي مناصري صدام في القائمة العراقية.
ان السياسة التي يدعوا اليها المتطرفون في القائمة العراقية هي العائق الاكبر امام تعاون الائتلافات الاخرى مع القائمة العراقية، وستكون سببا في تفتت القائمة العراقية، والادهى من ذلك ان هذه السياسة ستؤدي بالعراق الى عواقب لا تحمد عقباها .
هناك احتمال ايضا ان تحدث تصدعات في التحالف الكردستاني نتيجة لاسقاط ثلاثة من ابرز قادة التحالف الكردستاني في البرلمان السابق (كما تدل نتائج الفراز لاكثر من 95% من الاصوات في اربيل) ، وهم في الوقت نفسه ابرز قادة الاتحاد الوطني الكردستاني في اربيل : فؤاد معصوم وفرياد راوندوزي وسعدي احمد بيرة لعدم حصولهم على الاصوات الكافية . ورغم ان احدا لم يصرح بشئ لحد الان حول الامر الا ان النفوس ستحمل ما تحمل من الغيض جراء ( غدر؟؟) الشريك ( الحزب الديمقراطي الكردستاني).
ان الارقام التي تقطرها علينا المفوضية العليا ( المستقلة) للانتخابات تظهر ان ايا من القوائم الكبرى الفائزة غير قادرة على تشكيل الحكومة بمفردها.
والمسألة صارت معقدة جدا للاسباب التالية:
1- ائتلاف دولة القانون يحتاج الى الائتلاف الوطني العراقي ولكن بدون التيار الصدري ، ولو قدر له ان يحصل على مثل هذا الدعم فان ذلك لا يكفي وربما سيحتاج الى التحالف الكردستاني . العلاقة بين دولة القانون والتحاف الكردستاني غير سالكة، ولذلك ربما سيلجأ ائتلاف دولة القانون الى الاحزاب الاسلامية الكردستانية والقوائم الصغيرة ( التوافق ووحدة العراق ) والاقليات. وبذلك تكون الحكومة ذات صبغة اسلامية اكثر من السابق ، وهو امر لايسر من يريد الخير للعراق بل يطرب له فرحا اعداء العراق .

2- العراقية تحتاج الى شريك كبير قد يكون الائتلاف الوطني العراقي ( التيار الصدري وجماعة الجعفري) ، وتحتاج ايضا الى القوائم الصغيرة . وهذا التحالف هو امر صعب التحقيق ايضا ، إذ يكشف الغطاء عن الصدريين ويظهرهم على حقيقتهم ( توابين بعثيين) . ولا أظن اصواتهم معا تكفي لتشكيل الحكومة بدون دعم التحالف الكردستاني. ومسالة اقامة تحالف بين العراقية والتيار الصدري والتحالف الكردستاني هي من سابع المستحيلات بوجود اسامة النجيفي والتركمان الحاقدين على الاكراد.

3- لم يبق الا احتمال ثالث الا وهو تشكيل الحكومة من قبل ائتلاف دولة القانون وبعض اطراف الائتلاف الوطني العراقي والتحالف الكردستاني وجماعة التوافق ، وبعض من اطراف العراقية ، وهو الحل الاقرب الى الواقع حاليا ويمثل نضال معظم القوى التي ناهضت نظام صدام حسين بالفعل ودعمت امريكا في اسقاط ذلك النظام الدموي.وهذه الححكومة ستحصل على الاغلبية في البرلمان ولكن مع وجود معارضة بعثية مكشوفة متكونة من البعثيين في القائمة العراقية والتيار الصدري ( البعثيين الشيعة) اي ان المعارضة البعثية ستكون البرلمان القادم بحدود 100 نائب وليس كما تنبئا صالح المطلك ان تكون من 40 نائبا. علما ان ممثلي الاقليات سيدخلون في كل الاحتمالات المطروحة ويفضل الا ينحازوا لاي طرف من الاطراف وان تدعهم هذه الاطراف بسلام.

وعلى العموم يبدوا ان الامور .... مليوصة يا حسين الصافي

مالك حسن
السويد
22-03-2010

(*) السبب الحقيقي الاول لمعاداة التيار لامريكا هو اسقاطها لنظام صدام حسين ، كون معظم افراد التيار هم من البعثيين الشيعة (التوابين) الذين غيروا بين ليلة وضحاها لباسهم الزيتوني وابقوا على لباس جيش القدس الاسود وقالوا ان هذا هو لباس جيش المهدي . ولما انفضحت علاقاتهم مع البعثيين في احداث الفلوجة وبعدها رفعوا شعار الدفاع عن الثورة الاسلامية ضد اعدائها الامريكان والبريطانيين ووضعوا انفسهم وقدراتهم تحت تصرف ايران في مواجهة امريكا. وفي الحالتين ينفذون التعليمات والخطة التي يؤكد البعثيون ان صدام حسين وضعها للبعثيين في كيفية مواجهة الامريكان بعد دخولهم العراق.