النهج العنصري خطر يهدد الديمقراطية

في عام 2005 وخلال جلسات إعداد مسودة الدستور العراقي ، قام بعض الأعضاء من الذين قاطعوا العملية السياسية في البداية ثم دخلوها بمغريات أمريكية ، بطرح مقترح النص في مشروع الدستور بأن ( العراق جزء من الأمة العربية ) . وكان إعتراضنا على ذلك بأن العراق لا يتكون من القومية العربية فقط ، فهناك العرب وهم يشكلون الأغلبية ، وهناك الكورد وهم قومية رئيسية ثانية ولايمكن إعتبارهم جزأ من الأمة العربية ، كما إن العرب والكورد هم شريكان متساويان ، فضلا عن شراكة قوميات اخرى متعايشة منذ القدم في الوطن . لذلك أكدنا في تلك الجلسات على مقترح سابق لنا كنا قد دعونا اليه منذ سنوات ويتضمن النص على أن الكورد جزء من الأمة الكوردية في الدستور اذا ما أصر هؤلاء الأعضاء على مقترحهم .
دار نقاش طويل حول الموضوع في اللجنة الدستورية الفرعية والرئيسية وتقرر فيما بعد نصا بديلا آخر يتضمن التوافق بين جميع الآراء والذي استقر في المادة 3 من الدستور الحالي و جاء فيها مايلي :
(( العراق بلدٌ متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو عضوٌ مؤسسٌ وفعال في جامعة الدول العربية ومتلزمٌ بميثاقها، وجزءٌ من العالم الإسلامي.)).
بعد صدور الدستور ونفاذه لم يحترم كثير من السياسيين العراقيين نصوص الدستور الذي يشكل مرجعية الجميع ، فقد صدرت تصريحات خطيرة من عدد من هؤلاء وأغلبهم من السياسيين الجدد ممن ظهر على الساحة السياسية عقب سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003 حيث لم نسمع بأسمائهم قبل هذا التاريخ ، ويبدو أن أغلبهم من أتباع مدرسة البعث الشوفيني الذي لا يختلف عن الفكر النازي في عنصريته ونهجه العدواني . وكانت هذه التصريحات تصب في أغلبها ضد الشعب الكوردي وضد حقوقه القومية المشروعة التي ناضل من أجلها طويلا ، كما ظهرت علينا تصريحات اخرى تنشر فكرا طائفيا يشكك بعروبة الشيعة وحتى في ولائهم للعراق ، وهي سياسة سبق أن مارسها النظام المقبور .
وهنا نذكر حادثة وقعت في عام 2005 تؤكد ما ذهبنا اليه من خطورة النهج العنصري لدى بعض الساسة ودعوتهم للكراهية ، حيث عقدت في المملكة الاردنية الهاشمية – عمان - ندوة عن الفيدرالية في الدستور وحضرها عدد من أعضاء الجمعية الوطنية العراقية آنذاك ، وكان من المتحدثين فيها المدعو مثنى حارث الضاري الذي نفث فكره العنصري فهدد وتوعد الكورد و اقليم كوردستان بدباباته الورقية الصفراء لسحق ( الجيب العميل ..!) ، وقام أيضا بمهاجمة طروحاتي الداعية الى الفيدرالية مستشهدا ببعض مقالاتي المنشورة في هذا الخصوص .
ثم تتابعت بعد ذلك تصريحات عنصرية خطيرة لبعض المشاركين في العملية السياسية منها تخرصات صالح المطلق الذي توعد فيها الكورد بالانتقام اذا ما تسلم زمام الحكم مستقبلا في العراق وبأن يده الآن مكسورة لأنه خارج السلطة ، ومن ثم صرح بأن لا وجود لكوردستان على خارطة العراق وانما هي مصطلح غريب موجود في إيران . وبالأمس القريب وعد السيد أياد جمال الدين من على شاشة قناة فضائية عربية بإلغاء اقليم كوردستان إذا نجح في الانتخابات دون أن يحترم تضحيات الكورد الكبيرة ودون أدنى ذوق ولا التزام بنصوص الدستور .
وليست تصريحات النجيفيان أسامة وأثيل بعيدة عن ترويج لمثل هذا النهج العنصري ضد الكورد . فتصريحاتهما ومواقفهما صارت معروفة في العدوانية وفي التشكيك بعراقية الكورد ، وهو سلوك خطير يهدد الديمقراطية والسلم الاجتماعي في العراق . كما يجدر الاشارة الى إن بعضا من رجال الدين مارسوا العنصرية بثوب ديني ومذهبي في رفع شعارات مناوئة لكوردستان أثناء المظاهرات في كركوك وبغداد تحت شعار بائس ( كوردستان عدو الله ) .
ومما يثير القلق والتخوف على بناء الديمقراطية في العراق هو إرتفاع الخط البياني للفكر العنصري وبخلاف كل التوقعات . ولهذا لم يكن غريبا أن تأتي تصريحات السيد عبد الكريم السامرائي وكذلك السيد طارق الهاشمي ضمن ذات النهج الذي يعزز مخاوفنا من شيوع الفكر العنصري وترويجه بما يحقق شرخا كبيرا وخطيرا داخل المجتمع ، إذ بين فترة واخرى تظهر علينا التصريحات النارية الطائفية والعنصرية المتشنجة التي يطلقها السيد الهاشمي ، تارة ضد شركاء العملية السياسية من الساسة الشيعة وتارة ضد الكورد ، وآخر هذه التصريحات كانت في مقابلة أجرتها معه قناة الجزيرة قبل أيام حين دعا بأن الرئيس العراقي القادم يجب أن يكون عربيا وإن على الرئيس الحالي السيد مام جلال الطالباني أن يتفرغ لكتابة مذكراته الشخصية .
لاشك إن تصريح السيد الهاشمي هذا كان عنصريا بامتياز ، حيث أنه يرفض غير العربي في أن يكون رئيسا للعراق ، بينما يعرف الجميع دور سيادة الرئيس مام جلال الطالباني في تقريب المسافات بين الكتل السياسية المتصارعة وفي اخماد نار الحرب الاهلية التي كادت ان تستفحل في العراق فضلا عن دوره الوطني في مقارعة الدكتاتورية وجهوده في المحيط العربي والدولي لتعزيز دور العراق والتخلص من كاهل إرث ثقيل ورثته الدولة العراقية .
إن الدعوات من السيد الهاشمي وغيره بوجوب أن يكون رئيس العراق عربيا هو تجسيد واضح للفكر العنصري لأنه يؤكد سياسة التمييز العرقي المخالفة لقواعد حقوق الانسان من خلال القول والترويج بأفضلية وعلوية العرب على غيرهم ، وإلا فما الذي يمنع أن يتسلم أي عراقي مهما كانت قوميته او ديانته او مذهبه او جنسه الحكم في العراق اذا كان شخصا كفوءا ومؤهلا وقادرا على تحمل المسؤولية في البلاد ؟.
إضافة الى كل ما تقدم فأن مثل هذه التصريحات تعتبر إنتهاكا للدستور وتنطبق عليها احكام المادة 7 التي جاء فيها مايلي :
المادة (7):
(( اولاً :ـ يحظر كل كيانٍ او نهجٍ يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير أو التطهير الطائفي، او يحرض أو يمهد أو يمجد او يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت أي مسمىً كان، ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون.
ثانياً : تلتزم الدولة بمحاربة الارهاب بجميع اشكاله، وتعمل على حماية اراضيها من ان تكون مقراً أو ممراً أو ساحةً لنشاطه. )) .
نحن نعتقد بأن الدستور العراقي جاء واضحا في ترسيخ مبدأ المساواة بين جميع القوميات وأتباع الديانات ويحترم كل المذاهب ويمنع التمييز بين العراقيين لأي سبب كان إنسجاما مع مبادئ الأعلان العالمي لحقوق الانسان في المساواة بين البشر مهما كانت القومية او الجنس او اللغة او اللون او الأصل حيث جاء في المادة 14 من الدستور العراقي مايلي :
(( العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي.))
ثم أن الدستور العراقي الحالي لم يشترط ان يكون رئيس جمهورية العراق عربيا وانما نص بشكل صريح على ان يكون ( من العراق ) ولعل من المفيد ان نورد هنا نص المادة 68 من الدستور التي بينت الشروط الواجب توفرها في تولي منصب رئيس الجمهورية :
المادة (68:
(( يشترط في المرشح لرئاسة الجمهورية ان يكون:
اولاً :ـ عراقياً بالولادة ومن ابوين عراقيين.
ثانياً :ـ كامل الاهلية واتم الاربعين سنةً من عمره .
ثالثاً :ـ ذا سمعةٍ حسنةٍ وخبرةٍ سياسيةٍ ومشهوداً له بالنـزاهة والاستقامة والعدالة والاخلاص للوطن.
رابعاً :ـ غير محكومٍ بجريمةٍ مخلةٍ بالشرف. ))
ولابد هنا من التحذير من امتداد سياسة التمييز الطائفي والعنصري في المناهج الدراسية وفي المدارس ووسائل الاعلام وفي الفضائيات التي صارت تروج له ، ونحن نتسأل كيف تبنى الديمقراطية وكذلك السلم الاهلي والتعايش في ظل هكذا اجواء مشحونه تغذي التعصب والتطرف والكراهية ؟
إن على العراقيين مسؤولية كبيرة في التصدي لمخاطر النهج العنصري الذي ارتفع صوته كثيرا في العراق رغم سقوط الطاغية ولذلك ندعو الى تشريع ( قانون مناهضة العنصرية ) تفعيلا لنص المادة 7 من الدستور لأن النهج العنصري يشكل جريمة تستحق العقاب ، ولأن نص الفقرة 2 من المادة 200 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل غير كافية في هذا الميدان ولا تعالج جوهر المشكلة . وهذا يكون من مهام مجلس النواب القادم .

د. منذر الفضل
Stockholm
‏الخميس‏، 11‏ آذار‏، 2010

المصدر: موقع الاخبار، 11/3/2010