بغداديات ـ ( مهزلة انتخابات الخارج )

لأننا نبحث عن أقرب مسافة الى الكمال، لأجل ذلك فالأحاديث بالايجابيات كثيرة، وسوف تتحدّث هي ( ألايجابيات ) عن نفسها.

أما السلبيات التي دائماً يفتّش عنها المغرضون لغرض الشماتة بنا أو تسقيطنا، يتوجب علينا نحن أن نتحدث معترفين بها لغرض وضع الحلول لمعالجتها و تلافيها بالمستقبل انشاء الله.

فالأمة التي لا تعترف بأخطائها، تتراكم أخطائها هذه و تغرق فيها لتضمحل ( هذه الامّة )و تتلاشى وتسقط من عيون افرادها و تفقد ولائهم لها.

و لندخل في صلب الموضوع مباشرة اختصاراً للوقت و الجهد و تسهيلاً على القارئ الكريم:

فانتخابات الخارج من الاهمية بمكان، فهي تشدّ المواطن العراقي الى الداخل و تحشره مع ابناء شعبه في قضاياه المصيرية.

فكم ممّن برد حنينه الى اهله و ذويه نتيجة طول الغربة، و كم من ولد أو بنت ولدوا خارج العراق و لم يروا ارض آبائهم و اجدادهم ، شدّتهم هذه الانتخابات الى ارض الآباء و الأجداد، وانا شخصياً شاهدت فتاة هولندية من اصل عراقي كانت تسير الى جانبنا في الطابور ، كانت لم تبلغ العشرين من العمربعد وهي لا تتكلم العربية ولا تعرف حتى حرفاً واحداً منها اتت لوحدها لتؤدّي واجب الانتخاب جالبة الاوراق الثبوتية لعراقية والدها المتوفّى في المنفى.

و ما أروع من أن يرافقني أحفادي و هم يغمسون أناملهم الغضّة في الحبر البنفسجي فخورين بأنهم شاركوا جدهم وجدتهم بالانشداد الى الوطن، حالمين بيوم الرجوع ليجدوه كما وصفه لهم آبائهم و اجدادهم.

و لكن المأساة تكمن في مشاهد التخلّف و الانحطاط قبل دخول هؤلاء المولودون من اصول عراقية على ارض الغربة، اذ تبدأ المأساة من قبل وصولهم الى مواطن آبائهم واجدادهم.

فهم في اراضيهم الاوروبية التي ولدوا عليها يرون المراكز الانتخابية لآبائهم العراقيين و هي تعجّ بالفوضى في بلدان النظام ، وتعجّ بالتخلّف و الجهل في بلدان التقدم العلمي و التكنولوجي، هي تعجّ بالمحسوبية و المنسوبية و هم في بلدان الديمقراطية و العدالة الاجتماعية.

و ألآن ساترك غالبية البلدان الاوربية التي جرت فيها هذه الانتخابات جميعاً فهي واضحة للعيان ،

فما حصل من أحداث شغب و سوء تنظيم و تصرّفات هوجاء في بريطانيا، مركز ويمبلي لا يمكن انكاره، وما حصل مماثلاً لذلك في السويد من جوازات ووثائق عراقية كان أن منحها السفير السابق لأكراد سوريا و تركيا و ايران لا يمكن انكاره ، ولا حتى المخالفات التي حصلت في استراليا و....و...و،،،الخ، فالحديث فيها طويل.

ساكتفي بما شاهدته و عايشته في اليوم الثالث و الأخير في هولنده.

تحرّكنا بسيارات العائلة من أمستردام الى مدينة اوترخت حيث مقر الأنتخابات و كانت المسافة قريبة، أذ لا تستغرق سوى ثلاثة ارباع الساعة لا غير فوجدنا أن الدور المكتضّ بالناس الذين ينتضرون دورهم للتصويت يمتد ليصل الى بضعة مئآت من الامتار ، فكان علينا أن نمسك بأوّل الدور باعتبارنا من الواصلين حديثاً .

استغرق استمرارنا بمسك الدور لمدة اربعة ساعات من الانتضار الصعب بدرجة برودة الصفر مع عائلتي الكبيرة يضاف لها الاحفاد الصغار.

و هنا اشتغلت المحسوبية والمنسوبية، فبين الفينة و الاخرى يأتي من يمرّر (حبايبه) محسوبيهم ساحبيهم من طابور المنتضرين ليهربوهم من ابواب جانبية بصورة غير قانونية الى داخل المقر الانتخابي.

عرضوا علي عدّة مرّات أن يمرروني انا ايضاً مع عائلتي بالواسطة حالي كحال بقية الحبايب و المحاسيب فأبيت الّا أن اقف بالطابور حالي كحال غيري، و في مرة من المراة و بعد التعب و الاعياء قبلت العرض و هممت ان اذهب ضارباً الدور لولا أن اتت شاحنات ركاب تحمل ناخبين قادمين من بلجيكا و فرنسا، وهم قاطعين كل تلك المسافة و مجتازين اكثر من حدود دولية فأستحييت ورفضت أن انفّذ المرور ( قجغاً) عبر بوابات غير شرعية.

و الحقيقة لولا الدخول الغير مشروع للمحاسيب لسارت العملية بانسيابية و لما تعطلنا كل هذه المدّة.

فهم يدخلون الناخبين خمسة خمسة(أي كل خمسة ناخبين دفعة واحدة) و لكن الى جانب ذلك يدخل اكثر من عشرة انفار ممن لا يمسكون ادواراً وبصورة غير شرعية من ابواب اخرى.

اما في الداخل فالفوضى عارمة ، الجو الخانق، الاكتضاض بالناس، اختلاط الاصوات حتى تكاد ان توصل صوتك الى من معك بصعوبة شديدة، الوساخة تملئ المكان، الموضفون في هالة هستيريه و اعياء شديد.

يا ترى لماذا لم نبرم عقوداً مع شركات متخصصة في اقامة هكذا انتخابات لها خبرة بادارة هكذا مهمّات، وحتى لهم من الكوادر و الموضفين المدربين الذين يتكلمون اللغة العربية ؟.

لماذا نسلّم امورنا بيد الحملدارية و تجار تزوير الجوازات و الوثائق و المهربين و منتهزي الفرص ؟، و حتماً سيكون الثمن اقل بكثير مما دفعته الدولة الى هؤلاء المردشورية .

فيا ترى هل يحق لنا مع كلّ هذه السلبيات ان نفتخر باننا شعب الـ ( ميزو بو تاميا ) بلاد ما بين النهرين؟.

نعم كنت مزهواً عندما كان اولادي في المرحلة الثانوية من دراستهم وهم يدرسون تأريخ شعبنا في المدارس الهولندية كما في غالبية مدارس الغرب و يذكرون لي جزءاً مما يدرسوه بانهم عراقيون من ( الميزو بو توميا ) بلاد ما بين النهرين،

انهم تابعون لحضارات متعددة يكمّل بعضها بعضاً :سومر، أكد، (بابلون) بابل، آشور، و نحن من ولد على ارضنا ابو الانبياء ( ابراهيم-ع)ونحن مصدر الاشعاع الحضاري للعالمين ، حيث علمنا الناس الكتابة و لولا الصفر الذي اكتشفه اسلافنا لما كان هناك اي كومبيوتر، ونحن اصحاب اول برلمان شهده العالم في الدولة الاكدية ، ونحن اصحاب اول قانون يحمي حقوق الانسان سنه حمورابي.....ونحن....ونحن!!!!!!.

انهم ( اولادنا ) كما فهموه من اساتذتهم اصحاب حضارات اقدم من حضارات وادي النيل و الصين و الهند و الاغريق و حضارة المايا في المكسيك مجتمعة واضافة لتلك الدول التي لا تملك الا حضارة واحدة الا ان في وادي الرافدين اكثر من اربعة حضارات.

فكنت اجيبهم بنعم يا اولادي، نحن ايضاً هكذا فهمنا من استاذنا عالم الآثار العراقي المرحوم طه باقر؟

ولكن طه باقر اليوم حتى معالم قبره طمسها الروزخونية في مسجد براثا مع ثلة من خيرة علماء العراق:

مصطفى جواد.

علي جواد الطاهر.

علي الوردي.

و لكن مع كل هذا فان جحافل الناخبين الذين اذهلوا العالم باصرارهم على انتخاب الاصلح لتمثيلهم يصرّون بان مهما بلغت العذابات ومهما طال ظلام الليل فان موعدهم الصبح القريب، راغبين فيه بدولة كريمة يعز بها القانون واهله و تمحى فيها آثار الجهل و التخلف واهله.

ودمتم لأخيكم: بهلول الكظماوي.

امستردام في 11-3-2010
e-mail:bhlool2@hotmail.com
bhlool2@gmail.com