مأساة (التبعية) في متناول نفايات الانترنت

يبدو ان هذا البلد المنكوب بمستوطنيه قد قدر له البلوى بجيش من الجراد التعبوي (اعلاميو مابعد الديمقراطية المسلفنة) الذين لايجيدون غير قضم آخر ماتبقى من فتات المدنية التي حطت على مضاربنا عشية تشكيل الدولة العراقية الاولى ،وللحق يجب ان نشيد بوفاء وخواء هؤلاء التعبويين لـ ( الحزب العشيرة ) عبر غزواتهم الاعلامية للمنابر الانترنيتية وقول كل شيء الذي لايعني شيئاً ابدا، مدنسين بمفرداتهم البشعة والمشحونة بالكراهية فضاء (حرية الكلمة).

مع اطلالة عقد السبعينيات من القرن الماضي شهدت المدن العراقية غزوة قل نظيرها قام بها (الخلف الصالح للحرس القومي) في ابعاد عدد كبير من العراقيين الى ايران بذريعة (التبعية الايرانية) وقد اشتد اوار هذه الغزوة عشية الحرب ( العراقية الايرانية) واثنائها ولم تتوقف المأساة عند هذا الحد بل تعدتها الى اعتقال واحتجاز العديد من ابناء هؤلاء المبعدين ليتم بعد ذلك تغييبهم وتصفيتهم جسدياً، والانكى من ذلك هو ارسال البعض منهم الى جبهات القتال مجردين من السلاح وتركهم عرضة للموت بنيران القوات الايرانية ودفنهم في ساحة القتال من دون شواهد أو قبور، ان هذه الممارسات الاجرامية لنظام ( العوجة ) لاتعبر الاّ عن فكر فاشستي يحتكر الوطن لقوم مازالو يتعاطون منطق (سيد واحد وملايين العبيد ) يهبون العراقية لاولي القربى من ابناء العمومة والعشيرة ويسحبونها ممن يبغضون من الاحرار حتى ان كان (الجواهري) الكبير، واصبح هذا الامر من بدهيات الحياة اليومية في بلد غيبت فيه الحياة الدستورية وتحول الى قطعة من الجحيم مسورة بجدران من الاستبداد امتدت فيه مخالب الطاغية لتمزق النسيج العراقي وتستنهض قيم البداوة وقبلياتها.

في عراق ما بعد التغيير يحاول البعض من ورثة اعلام الفكر الشمولي استعارة المحمولات التعبوية في تدبيج مقالات رثة تفتقر للانسجام ووحدة الموضوع لشحذ الهمم العروبية ضد عراقيين لايشك احد بوطنيتهم الا من تبقى من مسوخ النظام السابق، ما يهمنا هنا ان نشير لأحد الكتبة ممن كان له السبق في الحضور والاستعراض والاقدام في مظاهرة لـ (الصحفيين ) انطلقت للدفاع عن حرية الكلمة وعن الكاتب احمد عبد الحسين في شارع المتنبي، لازلت اذكر هذا(المتمرغل بمداد الصحفيين) كيف يعلق بنرجسيته المتورمة صوره الكاريكترية التي يظهر فيها وهو يمسك بالقلم على كل عمود من اعمدة الشارع الذي غص ابتلاءً بالبعض من ادعياء الثقافة، يتحفنا هذا المتورم بقيحه الذي وجد له مكاناً على موقع (صوت العراق ) تحت عنوان (خدعة المفصولين السياسيين الإيرانيين) قائلاً في مقدمة رطانته هذه ( شهد المجتمع العراقي العديد من الموجات التخريبية الهادفة إلى تمزيق أجهزة الدولة من الداخل تنفيذا لأجندات دولية وإقليمية ولعل ابسطها هو عمليات السطو المسلح وأخطرها التخريب التي تمارسه شخصيات انتهازية ركبت الموجة وعادت إلى الوطن بحجة الفصل السياسي ورغم أنها لاتستطيع إن تثبت شرعية حصولها على الجنسية العراقية وأصبح هؤلاء وهم من التبعات الإيرانية يتحكمون بمصير البلاد وأرزاق العباد ).

في مطالعة منصفة لهذه الخربشات التي لاترتقي الى مستوى المقال نلحظ في السطر الاول مستويين من الخطاب يتقاطعان ويعجزان عن توصيل الفكرة المتوخاة ( شهد المجتمع تمزيق اجهزة الدولة )...وهكذا يستمر مسطر هذه الكلمات في استطراده المشحون بروح البيان التعبوي لتأليب حفنة من المخاطبين ضد من يجهل هو اولا قضيتهم وملابساتها التاريخية ولايتوانى ايضاً عن الاستهزاء بعقل القارىء عندما يلقي بقيئه في وجه مخاطبه عندما يقول : (وسمحت لهم هذه الدولة بممارسة بعض أنشطتها وأصبحنا اليوم ندفع ثمن ذلك بدم الأبناء ومليارات النفط العراقي ودخول مليارات العبوات المفخخة لتوزيعها على الأحزاب والكتل المتناحرة ، والدليل على ذلك إن البعض من أبناء هذه التبعيات ومن مختلف السلالات عادوا إلى العراق بل عادوا إلى الوظائف بحجة الفصل السياسي ومعاداة النظام السابق ) لننظر الى هذه المقدمة (وسمحت لهم هذه الدولة بممارسة بعض أنشطتها ) لتكون النتيجة (مليارات العبوات المفخخة لتوزيعها على الأحزاب والكتل المتناحرة ) ويستدل عبقر زمانه على ذلك بـ ( والدليل على ذلك إن البعض من أبناء هذه التبعيات ومن مختلف السلالات عادوا إلى العراق) فمن اجل ان يسترجع هؤلاء الكتبة زمن الخراب الجميل وحقبة ( الكلمة الرصاصة ) يتمادون في لي عنق الحقائق والوقائع التاريخية ويتخبطون في مستنقع الاوهام والتجني والافتراضات البائسة التي لاتستند الى دليل حي ، ان المعاناة التي عاشها المبعدون من قبل نظام شمولي لم تنتهِ بعد ان اصبحوا في ( ضيافة نظام ثيوقراطي ) لم يكن الافضل بل هو قرين للاول ونصيره في الملمات وقد اثبتت ذلك الايام الاولى للهجوم الامريكي على العراق ( لنعود الى قناة العالم الفضائية انموذجاً).

ويبدو ان اجواء الحرية في عراق ما بعد التغيير في عام 2003 لم تكن فضاءً للكلمة الحرة النبيلة بقدر ماكانت ساحة للزعيق والصراخ في البرية لكل من هب ودب من ( الدقلاويين واعلاميي حسب الطلب ) وكنا نتمنى على بعض المواقع الالكترونية ان تواصل مشروعها الحضاري والتنويري وان لاتتحول الى سلة لنفايات الطارئين الذين لايفرقون مابين الكلمة وبين العبوة الناسفة.

كفاح هادي

المصدر: شفق، 16/1/2010